شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
نحن الإيرانيين لا نعبد النار... لكن يبدو أننا نثق بها!

نحن الإيرانيين لا نعبد النار... لكن يبدو أننا نثق بها!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Iran, the land of fire

نحن الإيرانيين لا نعبد النار. هذه فكرة خطأ. كانت جميع عناصر الطبيعة مقدّسةً بالنسبة للإيرانيين قبل الإسلام؛ الهواء، الماء، الأرض، والنار. ولكن، كانت النار هي التي يجب الاعتناء بها، وعليه تم بناء الأضرحة والمعابد لها. سُمّيت أذربيجان على اسم هذه المعابد: "المكان الدائم للنار". تضم مدينة يزد الإيرانية شعلةً مقدّسةً منذ أكثر من 1،500 عام.

"عليك أن تحترم النار"؛ يقول أبي. لو أشعلت شمعةً في احتفالات نيروز، دعها تنطفئ وحدها. لا تنفخ عليها قبل أن يأتي موعدها. نقفز فوق النار كل عام، قبل حلول الربيع مباشرةً، لنكتسب قوّتها، ولتحرق شوائبنا بعيداً. نحن أيضاً لا نحرق موتانا. تنتمي هذه العادة إلى جيراننا الهندوس في الشرق، وهي عادة غريبة علينا مثل العادة اليونانية المتمثلة في دفن الموتى في الغرب. في أبراج الصمت، كان أحبّاؤنا يرقدون ويتعرضون للعناصر الطبيعية حتى تأكلهم الطيور.

نحن أيضاً لا نحرق موتانا. في أبراج الصمت، كان أحبّاؤنا يرقدون ويتعرضون للعناصر الطبيعية حتى تأكلهم الطيور

عندما توفيت أمي خلال هذا الخريف، لم نعرف أين سندفنها؛ هل ستُدفن في التراب الرطب لهولندا، في البلد الذي عاشت فيه آخر أربعين سنةً من حياتها؟ أو هل سندفنها في موطنها إيران؟ لم أكن أستطيع أن أتخيّل أن نقف أنا وعائلتي عند قبرها تحت سماء رمادية ومطر هولندي. لكن الأسوأ سيكون لو أرسلنا جثتها إلى إيران، وذلك لأني قد لا أتمكن من زيارتها في هذه الحياة، بالرغم من أن أختها المتدينة طلبت ذلك: "أرسلها إلينا، سهند جان، سنهتم بكل شيء. سنغطّي التكاليف".

لم أكن أستطيع أن أتخيّل أن نقف أنا وعائلتي عند قبرها تحت سماء رمادية ومطر هولندي. لكن الأسوأ سيكون لو أرسلنا جثتها إلى إيران، وذلك لأني قد لا أتمكن من زيارتها في هذه الحياة

كانت الحجة الحاسمة لغويةً. في أثناء البحث في مقالات حول حرق الجثث، لاحظت أن البعض لا يسمّيها "حرقاً" بالفارسية. بدلاً من ذلك، واستناداً إلى المصطلح المستخدم للدفن في التربة، نقول: "الثقة بالتربة"، وتم إنشاء مصطلح جديد: "الثقة بالنار". قال والدي: "نعم، يمكنني اعتماد ذلك".

اعتذرت إلى خالتي. أخبرتها أني أعلم بأن هذا مخالف لعاداتنا، لكنني أريد أن أبقي والدتي قريبةً مني، حتى اليوم الذي يمكنني فيه القدوم إلى إيران. حينها، سأحملها بين ذراعيّ، وأضعها في الأرض بنفسي. لكن ما لم أقله إن ذلك سيكون في اليوم الذي يغلق فيه الحكّام الذين تحبينهم الأبواب خلفهم ويرحلون. سينصلح قلبي في اليوم الذي سينكسر فيه قلبك".

كذلك أحرقوا لافتات تحمل وجوه أبطال هذا النظام، وحتى منزل طفولة آية الله الخميني، فهي ليست مصنوعةً من مادة سيافاش نفسها.

في حكايات إيران القديمة، اتُّهم البطل سيافاش، من قبل حَماته، بأنه اغتصبها. وكما يوسف في الكتاب المقدس، فقد رفض التقدّم لامرأة كانت تحبّه، وكان عليه أن يدفع ثمناً باهظاً. لكن على عكس يوسف، لم يتحمل سيافاش عقوبته. وبدلاً من الزجّ به في السجن، وافق على "المحاكمة بالنار"، وتالياً، تم إشعال دائرة من النار بألسنة من اللهب هائلة، وكان عليه هو وحصانه السير عبرها والوصول إلى الجانب الآخر من دون أن يُصاب بأذى، إذا كان حقاً نقياً كما ادّعى. في القصة، كان نقياً بالطبع؛ لقد وصل إلى الجانب الآخر، وخرج من ألسنة اللهب سالماً.

تشهد إيران اليوم محاكمةً أخرى بالنيران. في الأيام الماضية، وفي ليلة واحدة فقط، أحرق متظاهرون مدراس دينيةً، ومقرات للقوات العسكرية، ومكاتب لنواب برلمانيين صوّتوا لإعدام المعتقلين بسبب الاحتجاجات، وكذلك أحرقوا لافتات تحمل وجوه أبطال هذا النظام، وحتى منزل طفولة آية الله الخميني، فهي ليست مصنوعةً من مادة سيافاش نفسها. عندما تحترق منازلهم وصورهم، فإنهم يتحوّلون إلى اللون الأسود ويتجعّدون. لا أعرف إذا كانت خالتي تقرأ الأخبار بالطريقة التي أٌقرأها بها، وأعتقد أن الحرائق تخلّف مكاناً أكثر نقاءً. أنا متأكد من أن خالتي فزعت من الدمار.

من ثم آمل بأن يحتفظ بألسنة النيران هذه في ضريح بسيط. عندها، سآخذ رماد والدتي إليه، وأقول لها: "انظري، النار التي اشتعلت في داخلك عندما اضطررت إلى مغادرة بلدك -تلك التي احترقت في دواخلنا جميعاً- وجدت أخيراً مخرجاً لها"

أنا لا أعبد النار. لكني أتمنى أن يمسك متظاهر بالقليل من ألسنة النيران التي تحرق شوائب بلادي، ومن ثم آمل بأن يحتفظ بها في ضريح بسيط. عندها، سآخذ رماد والدتي إليه، وأقول لها: "انظري، النار التي اشتعلت في داخلك عندما اضطررت إلى مغادرة بلدك -تلك التي احترقت في دواخلنا جميعاً- وجدت أخيراً مخرجاً لها".

لقد دفعهم الغضب بعيداً. الآن الوضع هادئ، وسنبقي ضريح النيران هذا كتذكير بما يمكن أن يفعله غضبنا. بعد ذلك، سأنثر رمادها وأمنحه للعناصر الأخرى: الهواء والماء والأرض.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image