شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ما بين مهسا وجينا أميني… دوائر من العنف والإقصاء للنساء الكرديات

ما بين مهسا وجينا أميني… دوائر من العنف والإقصاء للنساء الكرديات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في معظم التغطيات الإعلامية من قبل القنوات والمواقع الإخبارية، وعلى صفحات الشبكات الاجتماعية، غابت جينا أميني وحضرت مهسا أميني. منطلقةً من الجوانب السياسية للاسم، تحاول هذه المقالة تقديم قراءة بديلة أو مغايرة للاحتجاجات في إيران من خلال رصد دوائر العنف الممارسة على الأكراد في المشهد الإيراني. قراءة المشهد الإيراني من خلال التركيز على الساحة الإيرانية والمرأة الإيرانية فقط، تحمل مقولات سياسيةً ونمطيةً تضع نضالات الحركة النسوية الإيرانية في المركز، وتهمش وتقصي الدور المركزي للنساء الكرديات عامةً، والحركة النسوية الكردية خاصةً، في تفجير الاحتجاجات ضد النظام الإيراني، ودورهن في قيادة الصدامات مع قوى الأمن التابعة للنظام.

قتل بسبب الهوية: ما بين الجندرية والإثنية

تعمل السلطات الإيرانية جاهدةً لضبط وقمع تعابير الهويات الكردية من خلال إقصاء اللغة الكردية مقابل الفارسية، وكذلك من خلال التضييق على العادات والتقاليد والهويات الشخصية للفرد. تقوم السلطات الإيرانية بوضع قائمة لأسماء ممنوع تداولها من قبل الأكراد في إيران، في محاولة لطمس رمزية الحضور الكردي في الفضاءات العامة. مهسا هو الاسم الشخصي الرسمي القمعي الذي منحته السلطات الإيرانية، بدل تسمية الأهل الكردية الأصلية، والتي حملت اسم "جينا". واسم "جينا" يعني الحياة ووهب الحياة. وهكذا حملت جينا اسماً إيرانيا قسرياً، من قوائم النظام، يحمل معه دلالات الهيمنة والإقصاء، الهيمنة السياسية الكولونيالية للنظام الإيراني. من هنا فإن الرواية الإخبارية الشائعة المتعاطفة مع أميني، تغيّب عن قصد أو من غير قصد هويتها الكردية وتالياً هذا تغييب سياسي لقضية تحرر الأكراد.

تحاول هذه المقالة تقديم قراءة بديلة أو مغايرة للاحتجاجات في إيران من خلال رصد دوائر العنف الممارسة على الأكراد في المشهد الإيراني

حالة جينا أميني تعكس بشكل تراجيدي دوائر العنف، والإقصاء والتمييز اللذين تتعرض لهما المرأة الكردية: فإلى جانب نضال المرأة الكردية ضد الهيمنة الذكورية داخل مجتمعها، هي بدرجات أكبر بكثير تعاني من قمع النظام للنساء بشكل عام وللنساء الكرديات بشكل خاص من خلال تهميش مطالبهن الاقتصادية والسياسية مقارنةً بالنساء الإيرانيات، كذلك يصعّد النظام الإيراني من قمعه السياسي للنساء الكرديات، وذلك إدراكاً منه لنشاطهن السياسي التحرري. إن تداول اسم مهسا أميني، بدلاً من جينا أميني، يسلّط الضوء أيضاً على دائرة أخرى من دوائر التهميش والهرمية، وأقصد بالتحديد هيمنة الحركة النسوية الإيرانية على الخطاب النسوي في إيران، وتحييد الأصوات النسوية الكردية، ولهذه الدوائر دلالات مهمة على المستوى الجندري والتحرري، لذا يجب أن نلتفت إليه من خلال الحراكات الاحتجاجية الأخيرة التي بدأت مع اعتقال ووفاة جينا أميني داخل معتقلات السلطات الإيرانية القمعية.

لقد بنت الثورة الإيرانية الإسلامية سلطتها القومية على اضطهاد مجموعتين: النساء والأكراد: جينا أميني تمثّل المجموعتين. أنشأت السلطات الإيرانية قوات، وبلوّرت أنظمةً وقوانين للتحكم بأجساد النساء وقمع التمردات الكردية. بعد الثورة الإسلامية، والانقضاض والنيل من القوى التقدمية واليسارية، استمر الأكراد في النضال من إجل الحكم الذاتي الديمقراطي لكردستان. وهكذا تركزت أعلى درجات القمع العسكري والمخابراتي في المناطق الكردية.

لقد بنت الثورة الإيرانية الإسلامية سلطتها القومية على اضطهاد مجموعتين: النساء والأكراد: جينا أميني تمثّل المجموعتين. أنشأت السلطات الإيرانية قوات، وبلوّرت أنظمةً وقوانين للتحكم بأجساد النساء وقمع التمردات الكردية

مأزق نسوية الدولة الوطنية مقابل التحررية

لاستيعاب هذه العلاقات الهرمية وأشكال الهيمنة والإقصاء في الخطاب النسوي الإيراني، يمكن مراجعة التاريخ النضالي للحركة النسوية الإيرانية بشقيها العلماني والإسلامي، ما قبل الثورة الإيرانية وما بعدها، إذ شهدت صعوداً وهبوطاً، من حيث بلورة الخطاب في ظل فضاء ذكوري محافظ وقبول عام لقدسية المراجع الدينية وتقسيمات الحركة النسوية ما بين مدنيات وريفيات، وعلمانيات وإسلاميات، وإيرانيات وكرديات. في الحراكات النسوية، من خلال الاحتجاجات ونشاطات المجتمع المدني، تم تحقيق إنجازات، إلا أنها بقيت بعيدةً عن التغيير السياسي. هذه الاحتجاجات والنشاطات لم تتفاعل مع خصوصيات النسوية الكردية، ووضعية نسائها، في ظل تهميش وإقصاء مضاعفَين. فهناك أدبيات وبيانات كردية تشير إلى أن القمع ليس إثنياً فحسب، بل هو جندري أيضاً، إذ يمارَس التهميش من قبل التيار المركزي ضد الأكثرية المهيمنة. وهذا النوع من الإخضاع والقهر غير معترف به من قبل الأكثرية ويواجه حالةً من الإنكار.

أضف إلى ذلك، الانقسامات داخل الحركة النسوية الإيرانية ما بين محافظات وراديكليات وصعوبة اتخاذ مواقف موحدة ورؤية موحدة لضرورة إنهاء النظام. في واقع تتعرض فيه النساء الإيرانيات على حد سواء وعلى اختلاف الانتماءات والخلفيات لشتى أنواع التمييز، فإن الكرديات في إيران ما قبل الخميني وما بعده حملن مطالبهن كنساء، كرديات من جهة، وإيرانيات من الجهة الأخرى، وحملن أيضاً مطالب أقليتهن الكردية. والدمج بين النسوي والوطني الكردي أجج المناهضة والملاحقة السلطوية لهن، ودفع التيارات النسوية الإيرانية-الفارسية المركزية للحفاظ على مسافة من الحركة النسوية الكردية، وتالياً تهميشها وتهميش مطالبها. أي أن الحركة النسوية الكردية كانت قادرةً على احتضان مطالب جمعية للنساء الإيرانيات متعلقة بالحقوق المدنية، والقوانين الجنائية والأحوال الشخصية وقضايا الحريات عامةً، بالإضافة إلى مطالبهن السياسية والثقافية الهوياتية الخاصة مقابل إقصاء صوتهن من قبل الجمعيات والحركات النسائية الإيرانية.

فإن الكرديات في إيران ما قبل الخميني وما بعده حملن مطالبهن كنساء، كرديات من جهة، وإيرانيات من الجهة الأخرى، وحملن أيضاً مطالب أقليتهن الكردية

في بيان صادر عن منظمات نسوية كردية في إيران، بخصوص الحراكات الشعبية في إيران وكردستان في أعقاب مقتل جينا أميني، عبّرت هذه الحركات عن واقعها المركب في ظل تداخلات دوائر التمييز والقمع وواقع الهرمية وموازين القوى خلال التاريخ الطويل للمرأة الكردية. وشددت المنظمات على تاريخها الطويل في النضال والمقاومة. ومع تحية النسوية الكردية للحراك الجماعي "ثورة جينا أميني"، فإنها ترى بذلك دعماً وتعزيراً لرؤيتها الشمولية بأن دوائر القمعي الجندري الطبقي والإثني يمكن أن تلتقي في صيغة راديكالية موحدة ضد دكتاتورية النظام السياسي الإسلامي كنظام أبرتهايد جندري. وترى في الحراك الحالي انتصاراً لكل النسويات واليساريات والكويريات اللواتي اعتُقلن وأُعدمن على يد النظام. الحراك الكردي بتياره النسوي يرى في الحراك كسراً للنمطية الشرق أوسطية والاستشراقية الغربية عن وضعية ومكانة المرأة الكردية وصفعةً لانعدام التمثيل السياسي النسوي الكردي في الأحزاب السياسية الإيرانية التي تتعامل معهن كدمى من دون تأثير حقيقي. هذه الاحتجاجات العارمة على مستوى إيران، وعلى مستوى التضامن العالمي، عليها أن تنصف النسوية الكردية ومساهمتها النظرية في خلق بوصلة أممية للنساء jin jian azade، في ظل سنوات من التهميش من قبل التيارات المركزية الشرق أوسطية والغربية من خلال الحراكات القطرية والدولية وتهميش منظومتها المعرفية المتمثلة في طروحات ماركسية تربط ما بين المنظومات الذكورية، والرأسمالية الكولونيالية وبين تحقيق المساواة والعدالة.

هذا التهميش يبرز أساساً أزمة الحركات النسوية العربية الشرق أوسطية العاجزة عن حمل تصورات أممية تحررية نسوية راديكالية ومطالب وطنية سياسية للأقليات داخل دولها، وهذا العجز نابع إما من الخوف من بطش النظام وبدوافع الحذر من طرح مطالب أقليات أخرى، مما قد يضرّ بأنشطة ومطالب الحركة النسوية العربية والشرق أوسطية، أو قد تكون منطلقاتهن نابعة من ولاء قومجي للدولة الوطنية أو النظام. ونموذج المرأة الكردية في إيران، سوريا، العراق وتركيا، هو تجسيد لأزمة الحركات النسوية العربية لاحتواء مطالب نساء من أقليات أخرى. وقد تكون أسباب هذه الأزمة مرتبطةً بهيمنة النسوية الليبرالية الغربية ودورها في رسم خطوط وملامح العمل النسوي العربي مقابل النموذج النسوي الكردي المقاوم.

نموذج المرأة الكردية في إيران، سوريا، العراق وتركيا، هو تجسيد لأزمة الحركات النسوية العربية لاحتواء مطالب نساء من أقليات أخرى.

Jineology

اتجهت الحركة النسوية الكردية نحو بلورة طروحات ترى الكولونيالية وتعابيرها عاملاً حاسماً في وضع المرأة الكردية. قدّمت الحركة النسوية الكردية طروحاتها عبر تسمية جديدة في النشاط النسوي مستمدة من المجتمع، واللغة، والنضال الكردي، والمصطلح تغلغل في صلب وخطابات الحركات النسوية الكردية. وكان عبد الله أوجلان، قد أشار في بعض كتاباته إلى أن النسوية الكردية أسست تنظيرها النسوي الخاص: المساواة الجندرية والتحرر والنسوية ذات جذور قاعدية وليست برجوازيةً. وهكذا تصوغ النسوية الكردية وتؤطر لنضالها بمفاهيم تحرر المرأة وليس بمفاهيم نسوية فقط. وقد أطلقت ناشطات في شمال كردستان وأوجلان تسمية jinology، كتعبير يدمج مفاهيم النضالات الكردية النسوية ما بين نضال النساء من أجل حقوقهن ومن أجل تحررهن من الاستعمار، وjin تعني المرأة والحياة. والمصطلح يعكس ويعبّر عن دوائر كثيرة من الحراك النسوي الكردي الاجتماعي الاقتصادي والعسكري المناهض للاستعمار والاحتلال، قدّمته الحركة النسوية الكردية المناهضة للاحتلال التركي في شمال كردستان. وهو تعبير ثوري يعبّر عن الحلم بالمساواة والعدالة للنساء وهي نظرية نسوية نقدية للواقع الكولونيالي تدمج النضال وإنتاج المعرفة، وطريقة تبلور وتواصل مع حديث وتفكير النساء بحلقات ودوائر أوسع من دوائر الناشطات. وهي تزوّد النسوية الكردية بأدوات لتحدّي الهيمنة الذكورية.

كما أسلفت، ومن خلال متابعة بعض الكتابات الكردية النسوية، فإن هذه المدرسة النسوية النضالية جاءت بعد حوارات طويلة داخل الحركة الوطنية والنسائية الكردية، للتعامل مع الواقع الذكوري من جهة والاحتلال من الجهة الأخرى. هذا الحراك أنتج حلقات ومدارس للتثقيف النسوي، وقد شهدنا مؤخراً وخلال انتفاضة جينا أميني اغتيال الناشطة الأكاديمية الكردية ناكهان أكارسال، عضوة مركز أبحاث جينيولوجيا في كردستان العراق.

أطلقت ناشطات في شمال كردستان وأوجلان تسمية jinology، كتعبير يدمج مفاهيم النضالات الكردية النسوية ما بين نضال النساء من أجل حقوقهن ومن أجل تحررهن من الاستعمار، وjin تعني المرأة والحياة

مما تقدّم، ومن خلال هذا النشاط الراديكالي المقاوم والتنظير الأكاديمي النسوي، كانت شرارة انطلاق الاحتجاجات ضد النظام الإيراني من المناطق الكردية التي كانت أول من يلمس أبعاد الجريمة التي تعرضت لها جينا أميني، لكونها امرأةً ولكونها كرديةً ولمحاولة محو هويتها ضمن مشروع إقصائي ممتد عميقاً في تاريخ الدولة الإيرانية. ومن هذا الفضاء الثوري المشحون بالفكر النسوي الثوري، تدفقت تعابير النسوية الكردية من مدرسة جينيولوجيا إلى ساحات كردستان إيران ومدن إيران وتحمل شعار: jin jian azadi، المرأة، الحرية، الحياة.

إن كان مستبعداً انهيار النظام، إلا أنه نجح في كسر حواجز الرعب والخوف

أخيراً، ما بين استبداد النظام الإيراني والعقبات التي وضعها لإعاقة الحراكات الاجتماعية ضد النظام ومركزها الحراكات النسوية، ومطالبها التي من شأنها تقويض هوية النظام وشرعيته، شهدنا حالات من المد والجزر في الحراك الاحتجاجي ضد النظام الإسلامي منذ تأسيسه. حالات المد والجزر كانت ناتجةً عن انقسام في صفوف شرائح متعددة للنساء الإيرانيات واعتماد النظام على وجود قطاعات نسائية مؤيدة له. في خضم إخفاق الحراكات والإخفاق في الطروحات وإستراتيجيات العمل، وتحييد تأثير النسوية الكردية، أنتجت هذه النسوية الكردية نواة الحراك الحالي، وهو من أكبر الحراكات الاحتجاجية منذ قيام ثورة الخميني، وأكثرها تأثيراً نحو تغيير دراماتيكي، وإن كان مستبعداً انهيار النظام، إلا أنه نجح في كسر حواجز الرعب والخوف. وهذه المقالة هي محاولة لإنصاف الدور النسوي والنسائي الكردي المهمش ضمن دوائر تهميش متعددة وكبيرة، ما زالت مستمرةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image