شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
العملية

العملية "سيرلي"... صداع يتجدد في رأسي مصر وفرنسا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 14 سبتمبر 202201:25 م

بعد عشرة أشهر من الكشف عن جريمة التواطؤ بين السلطات في مصر وفرنسا لقتل المدنيين في صحراء مصر الغربية، تقدمت منظمتان غير حكوميتين، في الولايات المتحدة الأمريكية، هما المصريون في الخارج من أجل الديمقراطية، وCodepink، يوم الإثنين 12 سبتمبر/ أيلول 2022، بشكوى ضد مسؤولين فرنسيين ومصريين، إلى قسم الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية، بشأن العملية "سيرلي" التي كشف الستار عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.

والعملية "سيرلي" هي عملية استخباراتية فرنسية تمت في مصر، تحت ستار "مكافحة الإرهاب"، في حين أنها كانت عملية عسكرية وقع بموجبها "قمع داخلي" بالصحراء الغربية بين عامي 2016 و2019، بحسب الوثائق التي حصلت عليها ونشرتها منظمة ديسكلوز Disclose المعنية بالكشف عن الجرائم الكبرى، مستخدمة اساليب التحقيقات الصحافية الاستقصائية.

وتلقت الأمم المتحدة من المنظمتين الشاكيتين ملفاً للقضية، تولاه ثلاثة مقررين خاصين للمنظمة الدولية، واتهمت المنظمتان مصر وفرنسا بالتواطؤ في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة، والإعدام التعسفي والتعذيب وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

التحقيق الاستقصائي، الذي نشره موقع Disclose الإخباري، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 - استناداً إلى وثائق عسكرية فرنسية مسربة- زعم "إعدام مدنيين في الصحراء الغربية المصرية من خلال ضربات جوية عشوائية، للاشتباه في عمليات تهريب عبر الحدود المصرية الليبية"، وباتت تلك المعلومات متاحة بفضل المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الجيش الفرنسي إلى مصر في عام 2016.

وبحسب تلك الوثائق، شارك الجيش الفرنسي في ما لا يقل عن 19 غارة جوية ضد المدنيين المشتبه في قيامهم بالتهريب بين عامي 2016 و2018.

ووفقاً للمعلومات التي نشرها الموقع الاستقصائي، حملت العملية الاستخباراتية الفرنسية في مصر اسم "سيرلي" وبدأت في فبراير/ شباط 2016، لصالح مصر بغرض مكافحة الإرهاب، لكن الدولة المصرية "اختطفتها لجمع المعلومات من أجل شن غارات جوية على مركبات للمهربين المشتبه بهم على الحدود المصرية الليبية". وتؤكد الوثائق التي نشرها ديسكلوز أنه "رغم ملاحظة بعض المسؤولين الفرنسيين خروج العملية العسكرية عن هدفها، وتنبيههم للسلطات الفرنسية، فإن الأخيرة لم تتخذ أي إجراء".

تلقت الأمم المتحدة من المنظمتين الشاكيتين ملفاً، حوى اتهامات موجهة إلى مصر وفرنسا بالتواطؤ في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة، والإعدام التعسفي والتعذيب وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها

في سبيل بيع السلاح

وكشف تحقيق Discolse أن سبب التزام فرنسا الصمت تجاه تجاوزات عملية "سيرلي" هو خدمة مبيعات السلاح، إذ كشف أن الدولة الفرنسية جنبت دبلوماسييها مشهد العلاقات مع القاهرة، بينما تصدر المشهد وزير الدفاع حينها، خوفاً من تفويت ما تم وصفه بـ"منجم تجاري لصناعة السلاح الفرنسي".

وكانت البداية في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، حين سافر طاقم عسكري فرنسي إلى مصر لخوض مناورات دلبوماسية. وقتها أرسل المستشارون العسكريون للحكومة الفرنسية مذكرة إلى مديرية التعاون الأمني والدفاع في وزارة الخارجية، أكدوا فيها على الفرص التجارية مع مصر، معقبين عليها بجملة "لبيع الأسلحة، عليك غض الطرف عن قمع النظام السياسي".

وبحسب التحقيق الاستقصائي، كان مهندس هذه الدبلوماسية السرية، وزير الدفاع في حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند ووزير الخارجية الحالي، جان إيف لودريان، وأثمرت جهوده عن إبرام عقود لتوريد أربعة طرادات وفرقاطتين بحريتين، إضافة إلى طائرات رافال، بين عامي 2014 و2015، بمليارات اليوروهات.

ولفت التحقيق إلى أنه طلب من الدبلوماسيين الفرنسيين التزام الصمت بشأن "القمع الذي لا ينتهي"، - بحسب نص التحقيق- ضارباً مثلاً باجتماع عقد في 26 مايو/أيار 2016، كان مخصصاً لبحث طلب بيع 25 ناقلة جنود مصفحة مزودة بأبراج للمدافع بقيمة 34.4 مليون يورو. حينها عارضت وزارة الخارجية طلب التصدير "خوفاً من استخدام المدرعات في القمع الداخلي"، لكن مكتب وزير الدفاع تجاهل المخاوف وأكد أن المدرعات سيتم نشرها في سيناء لمحاربة الإرهاب.

بحسب تلك الوثائق، شارك الجيش الفرنسي السلطات المصرية في ما لا يقل عن 19 غارة جوية ضد المدنيين المشتبه في قيامهم بالتهريب بين عامي 2016 و2018

تكنولوجيا التجسس

وكشف التقرير عن أن ثلاث شركات فرنسية نقلت إلى الحكومة المصرية تكنولوجيا برامج التجسس، وأشرفت على تشغيل شبكة مراقبة تستهدف جمع المعلومات بشكل جماعي من شبكات الاتصالات في مصر. وفازت شركة Nexa Technologies بعقد قيمته 11.4 مليون يورو عام 2014 لتثبيت برنامج مراقبة على الإنترنت اسمه Cerebro، بينما فازت شركة Ercom-Suneris بعقد قيمته تقارب الـ15 مليون يورو في نفس العام لتثبيت جهاز تنصت وتحديد الموقع الجغرافي باسم Cortex vortex، كما تم التعاقد مع شركة الأسلحة الفرنسية العملاقة Dassault Système؛ لتوفير برنامج بحث الوصول إلى المعلومات ليربط البيانات التي تُجمع بقاعدة البيانات الوطنية المصرية.

الجدير بالذكر أن شركة Dassault Système، تابعة لمجموعة "داسو" المالكة للشركة المصنعة لطائرات رافال، وطائرات فالكون، وقد اشترت منها الرئاسة المصرية أربع طائرات عام 2018.

وذكر التحقيق الاستقصائي أن مصر بنت خادم بيانات عملاقاً بالتعاون مع شركة DataDirect Networks الأمريكية، واشترت أجهزة كمبيوتر جديدة،  وسيطرت على حركة المرور من كابلات الإنترنت البحرية التي تربط البلاد بأوروبا من أجل تحليل البيانات.

تفاصيل العملية "سيرلي"

بحسب ما نشره الموقع الصحافي استناداً للوثائق، في يوم 25 يوليو/تموز 2015، بدأت أولى خطوات إرسال بعثة استخبارات فرنسية إلى الأراضي المصرية من أجل المهمة "سيرلي". في ذلك اليوم، طار جان إف لورديان، وزير الدفاع الفرنسي آنذاك، برفقة رئيس المخابرات العسكرية الفرنسية، الجنرال كريستوف جومارت، للقاء وزير الدفاع المصري وقتها، حينها كان السياق مواتياً، بناءً على النجاحات الأخيرة لعقود Rafale و FREMM، ففي أبريل/نيسان من نفس العام كانت فرنسا باعت لمصر 24 طائرة من طراز رافال وفرقاطتين متعددتي الأغراض بقيمة أجمالية تبلغ 5.6 مليار يورو. بحسب تحقيق Disclose

اجتماع القادة العسكريين في القاهرة، كان لبحث تأمين الحدود المصرية التي يبلغ طولها 1200 كيلومتر مع ليبيا، التي كانت تعيش حينها حالة من الفوضى. وفي الاجتماع، أثار مسؤول عسكري مصري رفيع بشكل خاص "الحاجة الملحة" للمعلومات من المخابرات الجوية الفرنسية، وتعهد إليه لودريان بإقامة "تعاون عملي وفوري"، كجزء من مناورة عالمية ضد الإرهاب، سيأخذ شكل مهمة سرية بقيادة المخابرات العسكرية الفرنسية من قاعدة عسكرية مصرية.

حتى هنا، بقيت خطوة توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين، من شأنها شرح تفاصيل العملية والسماح للعسكريين بالتشاور بشأنها وفهم خطوطها العريضة، لكن وفقاً للمعلومات التي توصل إليها التحقيق الاستقصائي، لم يتم التوقيع على مثل هذه الوثيقة.

وفي صباح السبت 13 فبراير/شباط 2016، عبرت حافلة ركاب بوابات قاعدة عسكرية قرب مدينة مرسى مطروح الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 570 كليومتراً غرب القاهرة، وخرج منها 10 رجال فرنسيين كانوا وصلوا إلى مصر قبل أيام قليلة بتأشيرات سياحية، أربعة منهم جنود حاليون، وستة جنود سابقون يعملون الآن في القطاع الخاص، بينهم طياران وأربعة محللين للأنظمة.

ودخل الجنود الفرنسيون مبنى هو مقر مركز قيادة العملية العسكرية السرية المشتركة بين مصر وفرنسا، تحت الاسم الرمزي "سيرلي".

كان مهندس هذه الدبلوماسية السرية، وزير الدفاع السابق فرانسوا أولاند، ووزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان، وأثمرت جهودهما عن إبرام عقود لتوريد أربعة طرادات وفرقاطتين بحريتين، إضافة إلى طائرات رافال، بين عامي 2014 و2015، بمليارات اليوروهات

هؤلاء الستة تم توظيفهم في شركة CAE Aviation، وهي شركة مقرها لوكسمبورغ، متخصصة في التصوير واعتراض الاتصالات. وتمثلت مهمة الفريق الفرنسي في مراقبة منطقة الصحراء الغربية لتحديد أي تهديد إرهابي محتمل قادم من ليبيا إلى مصر.

لكن بعد شهرين فقط من العمل، والكلام لا يزال لمحققي ديسكلوز- بدأت شكوك تتسرب إلى الفريق الفرنسي، بأنه "يتم استخدامهم لتسهيل قتل المدنيين المشتبه في قيامهم بأعمال تهريب، وأن مكافحة الإرهاب لم تعد أولوية"، وبالفعل راسلوا رؤساءهم مدة ثلاث سنوات لكن دون جدوى.

ولفت التحقيق الاستقصائي إلى أن ضابطاً مصرياً أطلق على المنطقة الصحراوية الشاسعة الممتدة من جنوب واحة سيوة إلى مدن دلتا النيل لقب "الموز"، وتركزت في هذه المنطقة شاحنات "البيك أب" التي يستخدمها المهربون الذين يسافرون إلى مصر من الحدود الليبية، والتي كانت متوجهة إلى القاهرة والإسكندرية ووادي النيل. ويقود هذه المركبات ذات الدفع الرباعي في الغالب مدنيون تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، يهربون فيها السجائر أو المخدرات أو الأسلحة، وكذلك البنزين والأرز والحبوب ومنتجات التجميل.

وسافر مندوبون من موقع Disclose إلى المنطقة المحيطة بمرسى مطروح، "حيث يعيش ما يقرب من 50% من السكان تحت خط الفقر"، ويرى الكثير منهم العمل في نشاط التهريب سبيلاً للهروب من العمل في حقول الزيتون أو التمر.

وفي مقابلة مع أحد هؤلاء السكان، قال لـDisclose: "عندما تعمل من الصباح إلى المساء في الحقول وتكسب 120 جنيهاً مصرياً فقط، أي نحو ستة دولارات، لا يمكنك شراء كليوغرام واحد من اللحوم بهذا المبلغ، ولهذا عندما يرى الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر شاباً يبني فيلا أو حديقة كبيرة، نتيجة نشاط التهريب، فإنهم يريدون الشيء نفسه دون التفكير في الخطر.

كما تحدث Disclose مع مهرب سابق في المنطقة يعمل حالياً في السياحة، فقال: "سائق الشاحنة المحملة بالسجائر يكسب 3800 يورو مقابل رحلة العودة بين ليبيا ومصر، وهذا المبلغ يقارب 40 ضعف متوسط الأجر الشهري في مصر، ما يجذب الكثيرين لنشاط التهريب رغم الخطر المميت الذي ينطوي عليه الأمر.

وذكر Disclose أن مكتب الرئاسة المصري أعلن على مدار السبع السنوات السابقة لتاريخ نشر التحقيق، تدمير 10 آلاف مركبة مليئة بالإرهابيين والمهربين، وقتل 40 ألف شخص.

ونقل الموقع عن جليل حرشاوي الباحث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية (منظمة سويسرية غير حكومية)، أن التهديد الإرهابي من ليبيا على مصر "يُبالغ في تقديره إلى حد كبير من الجيش المصري من أجل الحصول على الدعم على المسرح الدولي".

وفي نهاية صيف 2016، كان الفريق الفرنسي المكلف بالمهمة "سيرلي" على يقين بأن المهمة لم تكن ذات أهمية، خاصة أن المناطق التي تم نقلها جواً ظلت مقتصرة بشكل صارم على غرب البلاد، "حيث تكاد تكون الجماعات المسلحة معدومة"، في حين مُنعوا من تغطية الأراضي في ليبيا وسيناء، حيث كان التهديد الإرهابي حقيقياً.

ومما أسفرت عنه العملية "سيرلي" ما وقع في الخامس من يوليو/تموز 2017، من "دق" ثلاثة عمال، بينهم مهندس يُدعى أحمد الفقي، وهو والد أربعة أطفال، إذ كان هو واثنان من زملائه يعملون على رصف طريق قريب من الواحة البحرية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 32000، وبعد ظهر ذلك اليوم، أثناء سفرهم في شاحنة صغيرة، توقف الرجال الثلاثة عند مبنى منجم للحديد حيث حصلوا على إذن من إدارة الموقع لملء إمدادات المياه. وبعد وصولهم مباشرة غارت طائرة تابعة لسلاح الجو المصري في المساء وفجرت السيارة، ما أسفر عن مقتل الفقي وزميليه.

وبحسب Disclose، "خنقت" السلطات المعنية القضية، ولم تتحدث عنها سوى مواقع صحافية معارضة محدودة، وأرجعت وفاة أحمد في شهادة الوفاة إلى "سبب غير معروف".

وفي نهاية التحقيق الاستقصائي، جاء أنه بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2020، قلد إيمانويل ماكرون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسام جوقة الشرف، الأكبر من وسام جوقة الشرف الفرنسي، خلال مأدبة عشاء على شرفه في قصر الإليزيه، بمناسبة زيارته التي استمرت في فرنسا ثلاثة أيام. وبعد أربعة أشهر من ذلك الحفل، اشترت الديكتاتورية المصرية سراً، 30 طائرة أخرى من طراز رافال من فرنسا في صفقة قيمتها 3.6 مليار يورو.

ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ، بين عامي 2013 و 2020، كانت فرنسا أكبر مصدر للأسلحة من الاتحاد الأوروبي إلى مصر والثانية عالميًا بعد روسيا، متجاوزة الولايات المتحدة. زاد حجم صادرات الأسلحة من فرنسا بشكل كبير مقارنة بالسنوات التي سبقت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما وقعت فرنسا صفقة بقيمة أربعة مليارات يورو (4.5 مليار دولار) في مايو/أيار 2021 لبيع طائرات رافال المقاتلة لمصر على أن يتم تسليمها في عام 2024.

--------------------------

الصور والوثائق المرفقة تعود إلى التحقيق الاستقصائي الذي نشرة موقع التحقيقات الاستقصائية Disclose في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image