"في الصباح الباكر، دخلنا بنزرت. مررنا بقناة تصل بحيرة داخلية كبيرة بالبحر. على اليمين، ظهر سرب نخيل أمام الشاطئ. ميناء ببرج على الطراز المغربي. في الأفق توجد ثكنات، وهي أيضاً على الطراز الشرقي. تكشفت أمامنا مدينة نظيفة وخلابة. إلى جانب الفضول حولها وُلد السؤال: ماذا سيحدث لنا؟".
بهذه الكلمات، وصف المؤرخ والناقد الروسي نيكولاي نيكولايفيتش كنورينغ (1880-1967)، لحظة دخوله رصيف ميناء مدينة بنزرت التونسية، يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر 1920، هارباً، شأنه شأن آلاف الروس، من الثورة البلشفية. نزوح قسري سيغيّر وجه المدينة التونسية الهادئة لعقود من الزمن.
واليوم، لم يبقَ من ذلك الحضور الروسي الباكر في المدينة سوى كنيسة القديس ألكسندر نيفيسكي وعلم القديس أندراوس، رمز البحرية الإمبراطورية الروسية.
بدأت الحكاية قبل قرن من الزمن في شبه جزيرة القرم. يشير المؤرخ التونسي سمير المثلوثي، في دراسة نشرت له، ضمن كتاب مشترك، عام 2000، بعنوان "الروس في تونس (1920-1925)"، إلى أن القرم شهدت آخر فصل من الحرب الأهلية في روسيا. معركة فاصلة كرّست انتصار البلاشفة وهزيمة الجيش الأبيض القيصري. حينذاك، ضاقت كثيراً الخيارات أمام البقية الباقية من جيش القيصر: إما الفرار أو الوقوع في أيدي خصومهم.
لم يكن أمام القائد العام للجيس الروسي في الجنوب الجنرال بيوتر نيكولايفيتش رانغل إلا أن يخلي، في غضون أيام قليلة، فلول الجيش والمدنيين الذين تمكنوا من العثور على أماكن على متن السفن الراسية في البحر الأسود.. كان قائد السرب الشرقي الأدميرال دومسنيل هو الذي اتخذ، بالاتفاق مع رانغل والسلطات الفرنسية، قرار إجلاء اللاجئين والأطقم الروسية إلى ميناء فرنسي.
ويبدو أن الخيار الأول وقع على ميناء جزائري، ثم ما لبث أن تغيّر نحو بنزرت، وفي الثالث من كانون الأول/ ديسمبر 1920، غادر الأسطول الحربي الروسي تحت حماية فرنسية متجهاً إلى محطته الأخيرة في تونس.
بحارة سرب البحر الأسود الروسي في بنزرت، من مجموعة ألكسندر التشانينوف.
في برزخ الحجر الصحي
من خلال الوثائق التي فحصها في دراسته، يذهب المثلوثي إلى أن الوصول إلى بنزرت لم يكن بالنسبة إلى الروس نهاية المصاعب، فقد كان عليهم الخضوع للحجر الصحي وعيش حياة غير مستقرة على متن السفن لمدة ثلاثة أشهر قبل النزول على أرض المستعمِر الفرنسية.
وقبل ظهورهم في المدينة، أثاروا القلق وعدم الثقة في صفوف السكان. بل ذهب بعض الفرنسيين المقيمين في تونس إلى اعتبارهم مجرد "مرتزقة" تستعين بهم الحكومة الفرنسية لقمع معارضيها. من ذلك ما كتبته صحيفة "المستقبل الاجتماعي" (L'Avenir Social) ذات التوجه اليساري، في 23 كانون الأول/ ديسمبر 1920، قبل يومين من وصولهم: "وصلت إلينا أخبار للتو. [...] سيصل حوالي ستة آلاف روسي من جيش رانغل إلى بنزرت. [...] ولكن ماذا يفعل هؤلاء المغامرون سيئو السمعة على أراضي سمو الباي؟ وبحسب الشائعات المتداولة، يبدو أن حكومة الجمهورية كانت سترسلهم إلى تونس لإخضاع المندوبين المحتجين في المؤتمر التشاوري، إذا لزم الأمر، والذين رفضوا التصويت على الميزانية، وموظفي الخدمة المدنية النقابيين، والمواطنين الذين يطالبون بالحقوق، أعضاء الحزب الاشتراكي، وكذلك كل البلاشفة (الشيوعيين) التونسيين".
في المقابل، زاد القلق في صفوف اليمين الفرنسي الاستعماري الذي اعتبر وجود هؤلاء الروس مصدر منافسة له في استغلال المستعمرة الفرنسية. كتبت جريدة "تونس الفرنسية" (La Tunisie française) الاستعمارية في عددها الصادر بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر 1920 محذرةً: "مَن هم هؤلاء الناس، لا نعرف. قد تكون هناك بعض العناصر الخطيرة بشكل خاص بينهم، لأنها قادرة على إحداث صراع مع قواتنا... نوصي جميع التجار في بنزرت بتوخي الحذر مع الروس. ما هي العملات التي سيدفعونها مقابل مشترياتهم؟... يجب طردهم مباشرة من هنا إلى الجزائر. ألا يكفي أن نشارك مع أناس لا نعرفهم الطعام الفائض الذي نمتلكه؟ الخشية أن تفكر الدولة في دعوتنا لمنح الأراضي لبعض هؤلاء الضيوف غير المتوقعين. [...] لا نريد حتى التفكير في هذه الفرضية، التي من شأنها أن تثير الرأي العام".
بحلول منتصف شباط/ فبراير 1921، وصل السرب الروسي الهارب بأكمله إلى ميناء بنزرت: 33 سفينة، بما في ذلك بارجتين "الجنرال أليكسييف" و"جورج لو فيكتوريو" (جورج المنتصر)، والطراد "جنرال كورنيلوف"، والطراد المساعد "ألماظ"، وعشر مدمرات وسفن صغيرة، بالإضافة إلى هيكل الناقلة غير المكتملة "باكو". كان هناك حوالي 5600 لاجئ على متن السفن. هكذا بدأ تاريخ الروس في تونس. وصل هؤلاء الأشخاص بعد أن فقدوا كل شيء: المكانة في المجتمع، وحياة الرفاه في قلب الإقطاع القيصري. تحولوا فجأة إلى لاجئين سجناء داخل صندوق الحجر الصحي.
جانب من طاقم الغواصة "أوتكا" تحت سماء بنزرت.
في دفتره الصغير، كتب النقيب فلاديمير فون بيرغ، وهو ضابط بحرية قادته السبل لاحقاً إلى الإكوادور حيث توفي عام 1963، وقبل ذلك نشر في باريس كتابه ''سجناء بنزرت'': "رُفعت أعلام صفراء زاهية على الصواري. غطى الحجر الصحي الفرنسي السفن الروسية. لم يجرؤ أحد على الانتقال إلى الشاطئ، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منّا. أي نوع من المرض كان في سربنا؟ الجدري أم التيفوئيد أم الطاعون؟ لا! لم يكن الفرنسيون خائفين من ذلك: هناك تطعيم ضد التيفوئيد والطاعون. لقد جئنا من بلد يعاني من مرض رهيب- عدوى روحية حمراء. وهكذا كان الفرنسيون يخشون هذه العدوى أكثر من أي عدوى أخرى".
وصل اللاجئون الروس بعد أن فقدوا كل شيء: المكانة في المجتمع، وحياة الرفاه في قلب الإقطاع القيصري. تحولوا فجأة إلى لاجئين سجناء داخل صندوق الحجر الصحي في مدينة بنزرت التونسية
فيما يروي الجندي نيستور مونستريف، في مذكراته عن الأيام الأولى للشتات الروسي: "بعد ثلاثة أيام من وصول السرب إلى بنزرت، قام نائب الأدميرال ميخائيل كيدروف (1878 – 1945) بتسليم قيادة السرب إلى العميد البحري ميخائيل بيرنس (1879 – 1943). تم تعيين الأدميرال ألكسندر تيخمينيف رئيساً للأركان. وفقاً لأمر السلطات الفرنسية، كان السرب في الحجر الصحي وبالتالي لم يكن له اتصال بالشاطئ. وصل عدد أفراد السرب، بما في ذلك النساء والأطفال إلى 5600 شخص. كانت الحصة الغذائية التي قررتها السلطات الفرنسية للسرب كافية. وُزّع بعض الملابس والزي الرسمي. أعطاني هذا الفرصة لتغيير ملابسي. لم يكن لدى الكثير منهم أي شيء، ولم يكن هناك مال على الإطلاق. ابتداء من حزيران/ يونيو، بدأت صفوف السرب في تلقي رواتب من أموالها (التي صادرتها السلطات الفرنسية). كانت أكثر من متواضعة: 21 فرنكاً لقائد السفينة و10 فرنكات للبحار. كان هذا بالكاد يكفي لشراء تبغ وكيلوغرام واحد من السكر".
نائب الأدميرال كيدروف، الأدميرال بيرنس، الأدميرال تيخمينيف، على ظهر سفينة تيولين في بنزرت، في تموز/ يوليو 1921.
النزول إلى أرض الواقع
في ربيع عام 1921، قررت السلطات الفرنسية إبقاء أفراد القيادة العسكرية وأفراد الصيانة على متن السفن، مع عائلاتهم، بينما أنزلت الركاب الآخرين ووضعتهم في معسكرات حول مدينة بنزرت وداخل البلاد. عاش العسكريون على متن البارجة "جورج لو فيكتوريو" وهي مدينة عائمة حقيقية يقيم عليها بحارة وضباط متزوجون وعائلاتهم وتوجد على ظهرها مدرسة للأطفال. كان مجموع مَن بقوا 320 ضابطاً وطالباً، بينهم 60 ضابطاً من ذوي الرتب العليا ومدرّسين، و40 بحّاراً من وحدات مختلفة وخمسين من الملاحين المدنيين.
لاحقاً، وبعد نزول جزء من القيادة العسكرية إلى البر، سيعيد الضباط إنشاء سلاح مشاة البحرية في بنزرت، في حصن قديم، على بعد ثلاثة كيلومترات من وسط المدينة. في الجوار، أقاموا معسكراً للموظفين والمستودعات. بدأ تدريب صغار الضباط ورجال البحرية. تحت قيادة مدير المدرسة، الأدميرال جيراسيموف، تم تعديل البرامج الدراسية لإعداد الطلاب كي يذهبوا إلى مؤسسات التعليم العالي في فرنسا وبلدان أخرى. في الوقت نفسه، شرع الفرنسيون في الاستيلاء على سفن السرب الروسي واحدةً بعد أخرى، من أجل تعويض الخسائر الأخيرة لأسطولهم في الحرب العالمية. في تموز/ يوليو 1921، صادروا أحدث سفينة في السرب، وهي ورشة النقل "كرونشتاد"، وأطلقوا عليها اسم "بركان"، فيما تحوّلت كاسحة الجليد "إيليا موروميتس" إلى "بولوكس" في نسختها الفرنسية الجديدة.
على البرّ، كان الحال أشد سوءاً. المعسكرات كانت عبارة عن ثكنات في حالة خراب، وفيها يعيش عشرات الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، على أسرّة خشبية بدون فراش. كان موردهم الوحيد هو المساعدات العينية التي تقدمها السلطات الاستعمارية، في غياب أي فرص للعمل، في بيئة غريبة ومكان بعيد عن المدن.
"لم يجرؤ أحد على الانتقال إلى الشاطئ، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منّا. أي نوع من المرض كان في سربنا؟... لقد جئنا من بلد يعاني من مرض رهيب- عدوى روحية حمراء. وهكذا كان الفرنسيون يخشون هذه العدوى أكثر من أي عدوى أخرى"
هذا الوضع المأسوي دفع بعضهم إلى ابتكار أسلوب حياة تعاوني، كان غريباً عن جذورهم الإقطاعية المتعالية. في ورقة بحثية حول اندماج الروس في تونس، تشير المؤرخة الفرنسية المختصة بملف الهجرة الروسية وأستاذة التاريخ في جامعة بواتييه هيلين مينيغالدو، إلى أن مخيم الصفايات، المؤلف من نحو ستين كوخاً، سرعان ما تحوّل إلى قرية مجهزة بكنيسة ومقصف يقدّم وجبات الطعام لجميع السكان. ونُصِبت توربينات الرياح، وهي الأولى من نوعها في شمال إفريقيا، لتوليد الكهرباء. كما افتُتحت ورش الخياطة والنجارة وصناعة الأحذية، أولاً لتلبية الاحتياجات المحلية للسكان، ثم لتلبية الطلبات من خارج المخيم. وسرعان ما ظهرت حدائق الخضروات والمزارع. وأنشئت مدرسة للأطفال ومستوصف يعالج الجرحى والمرضى، ومكتبة للحفاظ على الارتباط بالثقافة الروسية.
قطاع آخر من اللاجئين قرر كسر العزلة والنزول إلى المدن للعمل والسكن. في البداية، كانت الثقة تجاه هؤلاء منعدمة، جراء الحملات الصحافية التي سبقت وأعقبت وصولهم، فكانت الأعمال التي شغلوها متواضعة وشاقةً وذات أجور زهيدةً، فقد نبذهم أرباب العمل والتجار اليهود الذين لم ينسوا المذابح القيصرية. ثم تحولت أوضاعهم نحو الأحسن بعد فترة من الزمن، نجحوا خلالها في كسب ثقة البرجوازية، وكسبوا مواقعَ في مهن تحتاج حرفية ومعرفة مثل الكهرباء والتمريض والطب وتدريس الموسيقى والرسم والرقص.
في مذكراتها "المحطة الأخيرة: قرن المنفى الروسي في بنزرت" الصادر عام 2000، تصف أناستاسيا مانشتاين تشيرينسكي (1912 – 2009)، ابنة ضابط البحرية ألكسندر سيرغيفيتش مانشتاين، والتي عاشت 80 عاماً في تونس وكتبت مذكرات عن حياتها، ما جعلها أشهر روسية عاشت في بنزرت في القرن العشرين، التحولات الطبقية التي حدثت للروس في تونس، بالقول: "بحثاً عن وسيلة للعيش، كان جميع المواطنين الذين وصلوا تقريباً في وضع متساوٍ، بغضّ النظر عن الرتبة أو المستوى التعليمي. يمكن للأطباء فقط أن يأملوا في العمل في تخصصهم. طلب الجنرال المسن ألكسندر زافاليشين منصب حارس أو بستاني. كان الجنرال ميخائيل بوبوف، وهو مهندس ميكانيكي، وكذلك البحار نيكيتينكو البالغ من العمر عشرين عاماً، يبحثان عن وظيفة ميكانيكي. ألمازوف، الذي كان قد أعد درجة الدكتوراه في القانون الدولي في باريس، كان مستعداً لتولي مهام كاتب. والدتي، مثل العديد من السيدات، كانت تعمل بدوام جزئي في المنازل، في غسل الملابس وكيّها ورتقها. ماريا أبولونوفنا كولسترم، أرملة رئيس بلدية سيفاستوبول السابق، تنتقل من منزل إلى منزل لإصلاح الكتان، تمضي أغلب يومها بين العائلات الفرنسية البارزة في المدينة".
لكن دخول اليد العاملة الروسية إلى سوق العمل لم يكن محل رضى الطبقة العاملة المحلية، الفرنسية والتونسية. اعتبرهم التونسيون منافسين في مهن يحتكرونها، أما الاشتراكيون والشيوعيون فقد اعتبروهم ورقة احتياطية تستعملها السلطة لتعويض العمالة المحلية وكسر الإضرابات العمالية، فيما اعتبرهم اليهود معادين لهم لأسباب دينية وأخرى تتعلق بسياسات القيصر الروسي تجاه يهود روسيا.
في أيار/ مايو 1921، أعلنت جريدة "المستقبل الاجتماعي"، في عددها 184، عن اتحاد ثلاث منظمات يسارية هي: مجلس النقابات العمالية ورابطة حقوق الإنسان والقسم الفرنسي في الأممية الشيوعية، لإطلاق نداء لسكان مدينة فيريفيل (ضواحي بنزرت)، بهدف "مقاطعة العمالة الروسية التي تميل إلى تجويع الشعب" و"ممارسة الضغط اللازم على السلطات العامة وأرباب العمل وإلزامهم بوضع حد لهذا الوضع".
ناصحاً الروس الذي غادروا السفن قال القائد ميخائيل بيرنس: "عند مغادرتك للعمل، سيكون عليك مواجهة عداء اليهود والإيطاليين (وكان الإيطاليون فاعلاً اقتصادياً كبيراً في تونس خلال النصق الأول من القرن العشرين)، الذين يحاولون مقاطعة الروس ويشنون حملات ضدهم. حاربهم بأسلحتهم، أي بالوحدة والتضامن. يدعم كل منهما الآخر. للعثور على مكان جيد، تمسكوا ببعضكم البعض، لأن هناك قوة في الوحدة. لا تصدق أي شائعات حول الترحيل الجماعي إلى روسيا ودول أخرى. عندما تُتاح مثل هذه الفرصة سيتم إخطاري رسمياً". وهنا يُلحظ وصفه للعودة كـ"فرصة" لأنه يربطها بنجاح بقايا المقاومة ضد البلاشفة باستعادة السيطرة على أجزاء من أراضي الإمبراطورية.
خيبة المسعى الأخير
كان الروس يعتقدون أن المحطة التونسية ستكون مؤقتة، وأن العودة إلى الوطن ستكون قريبةً. لكن ذلك لم يحدث. على العكس تماماً، وطد البلاشفة حكمهم على نحو واسع في جميع أنحاء الإمبراطورية وأصبح أمل العودة ضعيفاً. هذا التحول الجيوسياسي جعل الفرنسيين يخرجون من ضيق تحالفهم السابق مع القيصر المهزوم إلى التسليم بالأمر الواقع وتطبيع العلاقات مع النظام الشيوعي الوليد في موسكو.
يقول الباحث التونسي نجم الدين الكازداغلي، في مقالة علمية حول العلاقات التونسية السوفياتية من ثورة أكتوبر إلى استقلال تونس (1917 – 1956): "بعد تطبيع العلاقات الفرنسية السوفياتية، توجهت لجنة فنية سوفياتية إلى بنزرت لتفقد السفن الحربية الروسية في كانون الأول/ ديسمبر 1924. وتوصل الوفد السوفياتي إلى نتيجة مفادها أن السفن لا تشكل أي عقبةً في العلاقات المستقبلية بين فرنسا والاتحاد السوفياتي. لاحقاً، في بداية العام 1925، وصل الفرنسيون والسوفيات إلى حل نهائي بشأن مسألة السفن التي تقرر أخيراً أن تُباع كخردة. وهكذا، في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1924، أُنزل العلم الروسي للمرة الأخيرة عن السفن الروسية. وبعد بضعة أشهر وبالتحديد في 25 أيار/ مايو 1925، أنهت مدرسة البحرية الروسية في بنزرت أنشطتها. لم يكن هناك حينها أي مؤسسة روسية مستقلة أخرى في تونس، مرتبطة بالجيش الأبيض الروسي. فيما شكلت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وحدها إطاراً يجمع اللاجئين الروس حول أفكار الانتماء إلى روسيا والثقافة الأرثوذكسية.
لاجئون روس في بنزرت، من الأرشيف العلمي للجمعية الجغرافية الروسية.
بحلول نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ذهب معظم المهاجرين إلى بلدان مختلفة، وتمكن معظمهم من الوصول إلى فرنسا، حيث عمل العديد من الجنود سائقي سيارات أجرة وعمال مصانع. لم يبقَ في تونس أكثر من 700 شخص، حصلوا على وظائف في الأشغال العامة، وفي المستشفيات، ومحطات الطاقة، والصيدليات، والصرافة، والمحاسبة. وعاشوا في مجتمع روسي صغير، تجمعه كنسية "القديس ألكسندر نيفيسكي" التي شُيّدت عام 1938، بقبابها الخمس وبعلم القديس أندراوس المرفوع داخلها والذي أصلحته أرامل البحارة وزوجاتهم، وبالأيقونات والأواني المنقولة إليها من كنائس السفن، إلى جانب لوحة من الرخام حفرت على سطحها أسماء جميع السفن الـ33 التي غادرت ميناء سيفاستوبول إلى بنزرت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم