لا يخفى على أحد أن الاحتجاجات في إيران نسائية بامتياز، من سبب اندلاعها، إلى رمزها، وشعارها، وتضحياتها، وأيقوناتها، وصوتها، وأغانيها. ولذلك وصفها المراقبون بأنها "ثورة نسائية"، أدهشت المجتمع الإيراني والدولي معاً.
ومنذ اللحظات الأولى وحتى اليوم مازالت الإيرانيات من كلّ شرائح المجتمع، سواء طالبات المدارس أو الجامعات، الأستاذات أو الطبيبات، السياسيات أو الناشطات الحقوقيات، الفنانات أو الصحافيات، يقدمن تضحيات في سبيل ثورتهن.
ومادامت الاحتجاجات جاءت على إثر المخالفة للحجاب الإسلامي، فأصبح الظهور دون وضع حجاب الرأس هو التحدي الأبرز. فحجم ظهور النساء العلني في الشوارع دون غطاء الرأس بات لافتاً للنظر، ويأخذ اتجاهاً متصاعداً.
"شاهدتُ اليوم كثيراً من النساء دون غطاء الرأس في شوارع العاصمة. نظرت إليهن باستحسان وابتسامة"، هي تغريدة للناشط والمصور الإيراني محمد رضا مانْدَني.
وعلى غرار ذلك قامت بعض نجمات السينما والتلفزيون الإيراني بنشر صور لهن دون غطاء الرأس، في تعبير عن تأييدهن للمتظاهرات ومطالبهن بالحرية.
مع كَتايون
كانت البداية مع نجمة المسلسل الشهير "يوسف الصديق" كَتايون رِياحي، والتي اعتزلت التمثيل بعد أدائها لدور "زليخا" في هذا المسلسل، بعد أن كسب لها شهرة دولية. فنشرت الفنانة صورة لها على حسابها في إنستغرام في الأيام الأولى من اندلاع الاحتجاجات، وبعد أن قدمت التعازي لأسرة الشابة مهسا أميني، وكتبت: "هذا ليس وقت الكذب".
نالت حركة كتايون تفاعلاً قوياً من رواد منصات التواصل الاجتماعي، وخلال مقابلة صحافية، وفي ردّها على مفردة "خلع الحجاب"، صرحت: "خلع الحجاب، هو لمن ترتدي الحجاب من قبل. أنا لم أكن محجبة قط، والآن أظهرتُ الحقيقة"
نالت حركة كتايون تفاعلاً قوياً من رواد منصات التواصل الاجتماعي، وخلال مقابلة صحافية، وفي ردّها على مفردة "خلع الحجاب"، صرحت كتايون: "خلع الحجاب، هو لمن ترتدي الحجاب من قبل. أنا لم أكن محجبة قط، والآن أظهرتُ الحقيقة".
وحول سياسات البلاد منذ الثورة الإسلامية 1979، والتي تفرض الحجاب في الأفلام والمسلسلات، حتى في أثناء تمثيل مشاهد داخل المنزل أو النوم، تشير كتايون: "لسنوات أظهرونا بالحجاب، بينما الحقيقة ليست كذلك".
الممثلة الإيرانية كتايون رياحي
تبرز هذه التصريحات أن الحجاب في سينما الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس خياراً شخصياً، بل هو أمر مرفوض من قبل من تهوى التمثيل أو الظهور للعلن أينما شاءت، سواء على شاشة التلفزيون أو السينما أو في أروقة السياسة أو الجامعة أو الحديقة أو أي مكان آخر خارج منزلها.
تراقب السلطات بلا هوادة حسابات الفنانات على السوشيال ميديا كي لا تظهر إحداهن خلافاً لما يشتهيه النظام، كما وتفرض قيوداً عدة على حضورهن في المهرجانات الدولية لأنهن يمثلن الجمهورية الإسلامية.
للعجائز أن يعملن في حقل آخر
لحقت بكتايون في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أي بداية الاحتجاجات، كلٌّ من الممثلات آناهِيتا هِمّتي، شَبْنم فَرشادْجو، مريم بُوباني، وشيوا إبراهيمي، وبين جمهور تفاعل معهن على منصات التواصل، لم يسلمن من تنمر المتشددين حيث وصفوهن بـ"لا ينبغي الحجاب للعجائز".
أما الممثلة الشابة آبان عسكري، والتي برز نجمها مؤخراً بعد التمثيل في مسلسل "ياغي" (المتمرد بالفارسية) الذي يُبثّ على منصة الأفلام الإلكترونية، خلعت حجابها بعد انتهاء بث المسلسل، وأعلنت: "وهبتُ شَعري للرّيح، وأقمتُ الحداد".
لا يأتي كلّ هذا الإفصاح والإظهار دون ثمن، فبعد هذه الموجة المتمردة على النمط الذي تفرضه قوانين النظام الإسلامي، أعلن وزير الثقافة الإيراني محمد مهدي إسماعيلي: "نحن لا نستحسن الحراك الذي يقف ضد القانون. يصرّ البعض على التمرد عن قوانين الجمهورية الإسلامية. هؤلاء يمكن لهم أن يعملوا بحرية في حقول أخرى".
تصريحات الوزير تشير إلى منع الممثلات من التمثيل، وفقدان وظائفهن، فلا يمرّ أيّ نشاط في إيران دون أن تكون النساء فيه محجبات، بيد أن التضامن مع المتظاهرين وتحدي خلع الحجاب لا يتوقف حتى مع إطلاق التهديدات.
قبل اعتقالها نشرت الممثلة هِنكامه مقطع فيديو تظهر فيه في شارع بطهران تقوم بربط شعر رأسها دون غطاء، وعلّقت: "قد يكون هذا آخرَ منشور لي. مهما حدث، فاعلموا أنني كالعادة سأقف إلى جانب الشعب الإيراني"
كما أنه بعد أن رُفعت جدارية كبيرة لمشاهير النساء الإيرانيات، نَشرت النجمةُ السينمائية الشهيرة فاطمة مُعتمد آريا، مقطع فيديو تظهر فيه دون حجاب على رأسها، وتطالب بإزالة صورتها من الجدارية، وتقول: "في بلاد يُقتل في ساحتها الشباب والفتيات الصغار، أنا لست امرأة؛ أنا أمّ مهسا وأم سارينا، وأنا والدة كلّ الذين قُتلوا. أنا أمّ إيران، ولستُ امرأة في بلاد القاتلين".
الممثلتان الشهيرتان لادَن طباطبائي وبِكاه آهَنْكَراني، اللتان تعيشان منذ فترة خارج البلاد، تضامنتا أيضاً مع مطالب المتظاهرين في ظهور علني لهما دون حجاب. بل وأعتذرت لادن على معتقداتها السابقة، وقامت بكسر إحدى جوائزها التي تلقتها من شرطة طهران في الماضي بسبب تمثيلها في أدوار بوليسية.
تَرانه تشعل المنصات
بعد فترة من الصمت السينمائي أشعلت تَرانه عَليدُوستي، نجمة السينما ذات الشعبية الواسعة والناشطة النسوية، منصات التواصل بنشر صورتها دون حجاب، وهي تحمل لافتة "المرأة، الحياة، الحرية"، باللغة الكردية.
وأطلق رواد المنصات موجةً من التفاعل مع النجمة، الذي يحظى حسابها على إنستغرام بـ8 ملايين متابع، وقد أعجب 1.6 مليون متابع بصورتها الأخيرة. كما طالب بعض من الناشطين بأن لا تبقى ترانه وحيدةً في هذا النضال لتدفع الثمن بنفسها وحسب. فقل السينمائي والمسرحي همايون غني زاده: "السينما والمسرح الإيرانيان يجب أن يدافعا عن ترانه مهما كلف الثمن. هي ليست وحيدة".
ووصفت الصحافية مينا أكبري ما قامت به نجمة السينما نظراً لإمكانية حرمانها من التمثيل: "بين السينما والشعب، اختارت ترانه عليدوستي الشعبَ، كي تؤدي واجبها تجاهه".
شقايِق، وسَحر، ودنيا، و...
لم يتوقف ركب التحدي في أوساط الفن السابع، فالتحقت كلٌّ من شقايق دِهقاني وسَحَر زكريا، وإلهام باوه نجاد، وکَتانه أفشاری نجاد، وشرارة دولت آبادي، وخَزر مَعصومي، ودنیا مَدَني، وأفسانه بايكان، وهِنكامه قاضياني، بسابقاتهن وخلعن حجابهن.
الممثلة دنيا مَدَني
بالنسبة للنظام لم يكن ذلك مجرد نشر صورة أو مقطع فيديو دون غطاء الرأس، بل كلماتهن وتصريحاتهن تبعتْها نتائج كبرى، فلم تكتف السلطات بتصريحات وزير الثقافة الذي أكد على أن من تخلع الحجاب بإمكانها أن تمارس نشاطاً آخر، بل نشرت وسائل إعلام حكومية أنباءَ اعتقال ممثلتين في يوم الأحد 21 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بتهمة التواطؤ والعمل ضد السلطات.
الممثلة سحَر زكريا
والمعتقلتان هما كَتايون رِياحي، وهي أول من نشرت غطاء الرأس من الفنانات، وهِنكامه قاضياني، وهي آخر من التحقت بقائمة الممثلات الإيرانيات في هذا التحدي حتى الآن.
وكانت هِنکامه قد وصفت النظام بأنه قاتل الأطفال، وعبرت: "تحدثتم عن الظلم بحقّ أطفال فلسطين، واليوم قد سجلتم اسمَكم في التاريخ كنظامٍ قاتل للأطفال. قتلتم 52 طفلاً في فترة وجيزة. ألا يكفي؟".
الممثلة الإيرانية هِنكامه قاضياني
استدعتها المحكمة فوراً حول هذه التصريحات، وقبل اعتقالها نشرت مقطع فيديو تظهر فيه في شارع بطهران تقوم بربط شعر رأسها دون غطاء، وعلّقت: "قد يكون هذا آخرَ منشور لي. مهما حدث، فاعلموا أنني كالعادة سأقف إلى جانب الشعب الإيراني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم