بينما احتفلت السلطات الإيرانية بذكرى الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران (4 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1979)، والذي يسمى في إيران بـ"اليوم الوطني لمحاربة الغطرسة العالمية، وذكرى احتلال وكر التجسس الأمريكي، واليوم الوطني للطلاب"، ونظمت مسيرات في جميع أنحاء البلاد ردد فيها المشاركون هتاف "الموت لأمريكا"، ووصف فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، المحتجين، بـ"الخونة المخادعين"، شهدت إيران احتجاجات في بعض المناطق، منها العاصمة طهران، ومدينة كَرَج القريبة منها، ومحافظة سيستان وبلوتشستان جنوب شرقي البلاد.
وهذه الاحتجاجات التي تلعب فيها النساء وطلبة الجامعات دوراً بارزاً، هي استمرار لحركة احتجاجية بدأت منذ 16 أيلول/سبتمبر الماضي، بعد وفاة الشابة مهسا أميني في مخفر شرطة الحجاب في طهران.
صورة من مسيرات طهران المناصرة للحكومة
وبعد مضي 50 يوماً أي نحو 7 أسابيع، تحث السلطات الإيرانية قوات الأمن على القضاء بسرعة على الاحتجاجات، والمتشددون في البلاد يدعون إلى مواجهة صارمة مع المحتجين. كما تتواصل السلطات الإيرانية إلقاء اللوم على الولايات المتحدة و"أعداء" آخرين بسبب دورهم في "الاضطرابات وأعمال الشغب"، وتتهمهم بمحاولة زعزعة استقرار إيران، وتغيير النظام فيها.
"الشعب الذي يتظاهر منذ 50 يوماً في الشوارع، وينزف الدم، ويشهد سقوط ضحايا، لن تستطيعوا إرغامه على التراجع عبر القتل والاعتقالات"... مولوي عبد الحميد، إمام أهل السنة
وفي المقابل تتداول دعوات عديدة من الشخصيات الإيرانية إلى إصلاحات جذرية في سياسات النظام، وإلى فتح باب الحوار في البلاد، بدلاً من قمع الاحتجاجات، معتبرين القمعَ بمثابة صب البنزين على نار غضب الشعب، ولكن يبدو أن السلطات الإيرانية تصرّ على مواصلة قمع الاحتجاجات وعدم التنازل عن نهجها، حيث لا يمر يوم في هذه الفترة لا تعتقل فيه السلطات الإيرانية شخصاً أو لا توجّه انتقادات أو اتهامات لشخص آخر أو جهة أخرى، أو تبث موادَّ إعلاميةً ضد الاحتجاجات والمحتجين، أو داعمة لقوات الأمن والشرطة.
صورة من مسيرات طهران
ووفقاً لوكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) 300 شخص لاقوا حتفهم في الاحتجاجات الإيرانية حتى يوم الخميس الماضي، بينهم 47 قاصراً، إضافة إلى 37 من قوات الأمن. وأضافت الوكالة أن أكثر من 14 ألف شخصاً اعتقلوا، بينهم 385 طالباً، في الاحتجاجات التي خرجت في 134 مدينة وبلدة و132 جامعة.
وتواصل السلطات الإيرانية منع إقامة مراسم تشييع جثمان قتلى الاحتجاجات ومراسمات أخرى متعلقة بهم، وتستمر في تهديد عائلات ضحايا ومعتقلي الاحتجاجات، وتقوم بأخذ اعترافات قسرية من بعضهم، وذلك إلى جانب محاكمة المعتقلين في جلسات محاكمة دون محام.
صورة من تجمع احتجاجي للإيرانيين في خارج البلاد
وأفادت تقارير غير رسمية باعتقال عدد آخر من الصحافيين والفنانين والناشطين المدنيين في الأيام القليلة الماضية، إلى جانب تهديد وتضييق عملِ عددٍ آخر، منها الصحافية في وكالة "إرنا" الحكومية "نادرة وائلي زاده" التي أعلنت عن طردها بسبب توقيعها على بيان دعا إلى الإفراج عن الصحافيين المعتقلين خلال الاحتجاجات، والممثل الشهير "بَهْرام رادان" الذي أعلن حظره من السفر من جانب السلطات الأمنية، وإبلاغه بذلك قبل نصف ساعة من رحلته. وكتب رادان في نصٍّ أرفقه بمقطع فيديو يتحدث فيه عن ما جرى له في مطار طهران: "اتجهتُ من المطار نحو البيت... في ظلام الليل وفي البعيد كان يلوح لي في الأفق نور يوعد بصبح جميل".
أربعينية قتلى الاحتجاجات تشعل نار الغضب وخطيب جمعة أهل السنة يدعو إلى استفتاء
شهد يوما الخميس والجمعة، وبالتزامن مع أربعينية عدد من قتلى الاحتجاجات، حضور أقارب الضحايا ومواطنين آخرين رفعوا شعارات مناهضة للنظام ولرموزه. وقوبلت هذه التجمعات بإطلاق النار والغاز المسيل للدموع من جانب قوات الأمن.
الممثل الإيراني الشهير "بَهْرام رادان" أعلن حظره من السفر من جانب السلطات الأمنية، وإبلاغه بذلك قبل نصف ساعة من رحلته
وأفادت التقارير بسقوط 16 قتيلاً على الأقل في صفوف المحتجين أمام مبنى حاكم مدينة خاش في محافظة سيستان وبلوتشستان، جنوب شرقي إيران، وإصابة واعتقال عدد من المحتجين في زاهدان مركز المحافظة، ومدينة سَراوان التابعة للمحافظة، بعد صلاة الجمعة. ورفع المحتجون في هذه الاحتجاجات شعار "الموت للحرس الثوري"، و"الموت لخامنئي"، و"سأقتُل من قَتَل أخي". وأعلن قائد شرطة محافظة سيستان وبلوتشستان مقتلَ إمام مسجد شيعي في زاهدان برصاص "مسلحين مجهولين"، بالتزامن مع خبر آخر أفاد بإطلاق نار من جانب مجهولين نحو مكتب إمام جمعة مدينة شادِگان (الفلاحية) في محافظة خوزستان، جنوب غربي البلاد.
صورة من محتجة إيرانية ترفع لافتة تحمل أبرز شعار الاحتجاجات: "المرأة،الحياة، الحرية"
ودعا خطيب الجمعة وإمام أهل السنة في زاهدان، مولوي عبد الحميد إسماعيل زِهي، في خطبة صلاة الجمعة إلى إجراء استفتاء في إيران بحضور المراقبين الدوليين. وقال مخاطباً النظام الإيراني: "الشعب الذي يتظاهر منذ 50 يوماً في الشوارع، وينزف الدم، ويشهد سقوط ضحايا، لن تستطيعوا إرغامه على التراجع عبر القتل والاعتقالات".
وأكدت التقارير الرسمية أيضاً وقوع اضطرابات في مدينة كَرَج مركز محافظة اَلْبرز غرب طهران ومقتل أحد قوات البسيج فيها وإصابة ما لا يقل عن 10 من قوات الشرطة. وأعلنت تقارير أخرى بأن الاحتجاجات في كرج شهدت مواجهة شديدة بين المحتجين وقوات الأمن، وإضرام النار في زي رجل دين، وأفادت أيضاً بأن القوات الأمنية اضطرت إلى نقل مصابيها عبر المروحية، كما قامت بإطلاق النار والمتفجرات الصوتية من المروحية نحو المحتجين.
صور من أحداث مدينة كَرَج
هذا، وأفاد الإعلام الرسمي الإيراني بمقتل عنصر من قوات البسيج في مدينة لاهيجان شمال البلاد، وعنصر آخر في طهران، وقال إن عشرات من قوات الأمن والشرطة أصيبوا أو قُتلوا في الأيام الأخيرة على يد "مثيري الشغب".
وأفادت تقارير أخرى بتنظيم احتجاجات مساء الجمعة في منطقة "جوادية" في جنوب طهران، وفي منطقة "إكباتان" الواقعة غرب العاصمة، أطلقوا فيها المحتجون شعاراتٍ تنادي بالحرية، وموجهة ضد النظام، إلى جانب احتجاجات مسائية في مدن أخرى كمدينة رَشْت مركز محافظة گیلان الواقعة شمال البلاد، وبوشِهْر وفَسا في الجنوب، والأهواز في جنوب غرب البلاد.
وانتشرت فيديوهات في الأيام الأخيرة تظهر ظاهرةً جديدة في إيران وهي مهاجمة شباب وشابات رجالَ دين في الشوارع، وإسقاط عماماتهم أرضاً. كما تتداول تقارير عن تجنب رجال الدين الخروج إلى الشارع بزيِّهم الرسمي، خوفاً من مهاجمتهم من قبل المواطنين.
ولا زالت القيود على الإنترنت مستمرة في إيران، وتطبيقا واتساب وتلغرام محظوران حتى الآن، ولا أمل في رفع الحجب عنهما، وفقاً لما أعلنته الحكومة الإيرانية، والتي دعت المواطنين إلى استبدالهما بالتطبيقات الوطنية.
بايدن يتحدث عن "تحرير" إيران، وإيران تتحدث عن نية أمريكية لتغيير النظام الإيراني
في خطوة لافتة، تعهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بـ"تحرير إيران"، وقال يوم الخميس الماضي في كلمة خلال حملة انتخابية في مكان في كاليفورنيا، تجمّع في خارجه عشراتُ المتظاهرين حاملين لافتات تدعم الاحتجاجات الإيرانية: "لا تقلقوا، سنُحرّر إيران. سيحررون أنفسهم قريباً جداً"، دون تحديد الإجراءات التي ستتخذها بلاده في هذا المجال.
وقدمت الإدارة الأمريكية، توضيحاً عن تصريحات بايدن التي أثارت الجدل، حيث أشار جون كيربي، منسق الاتصالات الإستراتيجية بالبيت الأبيض، إلى أن تصريح بايدن عن تحرير إيران كان "تعبيراً عن تضامنه مع المحتجين"، مؤكداً بأن "الأمر في النهاية متروك للشعب الإيراني لتحديد مستقبله".
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن: "نحاول فرض مزيد من العقوبات على السلطات الإيرانية بسبب قمع الاحتجاجات، وسنساعد الإيرانيين على إسماع أصواتهم للعالم".
الحاضرون في تجمع احتجاجي قرب مكان خطاب الرئيس الأمريكي في كاليفورنيا
كما أدان وزراء خارجية مجموعة السبع في بيان في ختام اجتماعاتهم في مدينة مونستر الألمانية "الاستخدام الوحشي وغير المتناسب للقوة" من قبل النظام الإيراني ضد المحتجين، وهددوا النظام الإيراني بمواصلة "استخدام كلِّ الإجراءات الدبلوماسية المتاحة لمحاسبته"، وطالبوا إيران بالسَّماح لمفوضي حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بدخول البلاد لتقييم وضع حقوق الإنسان بعد القمع وموجة الاعتقالات.
أدان وزراء خارجية مجموعة السبع في بيان في ختام اجتماعاتهم في مدينة مونستر الألمانية "الاستخدام الوحشي وغير المتناسب للقوة" من قبل النظام الإيراني ضد المحتجين، وهددوا النظام الإيراني بمواصلة "استخدام كلِّ الإجراءات الدبلوماسية المتاحة لمحاسبته"
وأكد مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، وبعد ساعات من محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الإيراني، على إدانة الاتحاد الأوروبي لقمع الاحتجاجات في إيران، مضيفاً أن الاتحاد الأوروبي ردّ بفرضِ عقوباتٍ على النظام الإيراني.
ورحّبت الخارجية الألمانية في بيان بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على إيران، وطالبت رعاياها بمغادرة إيران.
ردّ الرئيس الإيراني في كلمة له في مسيرات يوم أمس الجمعة في طهران، على نظيره الأمريكي الذي تحدث عن "تحرير إيران"، قائلاً: "أقول لبايدن إنه تم تحرير إيران قبل 43 عاماً، ولن تتحول إيران إلى دولة تابعة لهم".
كتابة شعار "الموت للدكتاتور" في أحد الشوارع الإيرانية
وبدوره، كتب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة على تويتر: "يا سيد بايدن، توقَّفْ عن تصرفاتك المنافقة"، مضيفاً أن "البيت الأبيض شجَّع بشكلٍ متزايد العنفَ والإرهابَ في أعمال الشغب الأخيرة في إيران، بينما يحاول في الوقت نفسه التوصلَ إلى اتفاق نووي".
كما قال وزير الخارجية الإيراني في تصريحات للصحافيين حول تصريحات الرئيس الأمريكي بأن "المسؤولين الأمريكيين قاموا على الفور بتصحيح تصريحات بايدن غير المدروسة، وأبلغونا عبر القنوات الدبلوماسية أن أمريكا ليس لديها مثل هذا الموقف، لكننا نعلم نيةَ البيت الأبيض منذ الـ43 عاماً المتمثلة في السعى وراء تغيير نظام الجمهورية الإسلامية".
هذا، وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية الإيرانية، بياناً حول اجتماع غير رسمي أخير في مجلس الأمن بطلبٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وألبانيا حول الاحتجاجات الإيرانية، ووصفتْه "مثالاً بارزاً لإساءة استخدام الإدارة الأمريكية للآليات الدولية لأغراضها غير القانونية والتدخلية في الشؤون الداخلية للدول المستقلة".
رسم على الجدار يظهر سير الاحتجاجات الإيرانية خلال السنوات الأخيرة (منذ عام 2017 حتى الآن)
في ظل القمع الشديد، يبدو أن شعلة الاحتجاجات الجارية في إيران، والتي تُعتبر من أكبر تحديات للنظام الإيراني منذ انتصار الثورة الإسلامية في 1979 حتى الآن ومن أطولها فترة، لا تنطفئ، رغم مضي نحو 7 أسابيع من انطلاقها. ويعتبر الكثيرون بأن هذه الاحتجاجات بداية لتغيير النظام في إيران، وفي المقابل يرى البعض أنها لن تؤدي إلى تغيير النظام، بل تجعله أشدَّ قمعاً و أكثر محاولةً للصمود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 6 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت