تزامناً مع احتجاجات إيران ضد فرض الحجاب وأسلمة المجتمع، التي اتصفت بحضور نسائي بارز، رفع الحرس الثوري على جدارية كبيرة صور مشاهير النساء الإيرانيات المعاصرات، بيد أن التنديد التي طال تلك الجدارية حال دون بقائها ليوم واحد.
"نساء وطننا إيران"، شعار اتَّخذ مكاناً له وسط الجدارية المتسعة لألف متر مربع في ساحة ولي عصر بقلب طهران، كما أحيط الشعار بصور ناجحات في مختلف المجالات الفنية والعلمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والسياسية والرياضية، فيبدو أنها محاولة من السلطات لاحتواء الأزمة القائمة في البلاد منذ شهر، والتي باتت تعرف بحركة نسائية ضد تقويض حرياتهن.
ومنذ اللحظة الأولى أثارت الجدارية ضجة في المجتمع الإيراني، بين استغراب وتنديد وفرز إشكالياتها والمطالبة بإزالة بعض الصور من قبَل أصحابها.
استغرب البعض بالسماح لرفع صورة الشاعرة الكبيرة فُروغ فَرُخْزاد والتي عاشت وتوفيت قبل الثورة الإيرانية 1979، والتي طالما حاولت سلطات الجمهورية الإسلامية طمس ذكرى ها. واستغرب البعض الآخر أيضاً من وضع صور النائبة البرلمانية المحافظة فاطمة رهبر والكثير مثلها التي لم تكن من الناجحات كما يعتبرها الشارع الإيراني.
منذ اللحظة الأولى أثارت الجدارية ضجة في المجتمع الإيراني، بين استغراب وتنديد وفرز إشكالياتها والمطالبة بإزالة بعض الصور من قبَل أصحابها
"فجأة باتت فروغُ (الشاعرة الإيرانية) جيدة؟ كم أنتم حقراء ووحيدون، كل يوم وأنتم أكثر عزلة"، "مرت أيام لم نجرأ بها على حمل كُتُب فروغ، والآن يعترفون بفروغ الشاعرة"، "أصبحت الآن إلميرا شريفي (مذيعة أخبار) من مفاخر إيران؟". هذه عيّنة من تعليقات الإيرانيين على أن الجدارية لا تبرز شخصيات نسائية بنفس المستوى، فبعضها تستحق التكريم ولكن السلطات اعترفت بها مؤخراً، وبعضها لم تستحق التكريم بينما تسعى السلطات للترويج لها وفق إيديولوجيتها، حسب رأي المغردين.
حجاب بالفوتوشوب
ووسط التنديد الواسع بسياسات فرض الحجاب، عمل القائمون على الجدارية على رسم غطاءٍ حول رأس بعض الشخصيات مثل الشاعرة بَروين اعتِصامي، أو اختيار صور محجبة لهن من بين عشرات صورهن من دون الحجاب، كالشاعرة فُروغ فَرُّخْزاد، وعالمة الرياضيات مريم ميرزاخاني، والرسامة إيران دَرودي، والكاتبة سِيمين دانشوَر، وغيرهن.
وهنا جاءت الانتقادات لاذعةً للجدارية، وكتبت الحقوقية شَراره دِهشِيري: "مشكلتنا معكم بالضبط هي أن هذه الشخصيات الناجحة والمثقفة هي حتى غير قادرة على اتخاذ القرار في شَعرها، وأنتم تتعاملون كأصحاب العبيد فتملون قواعدكم للتنفيذ".
وقالت الناشطة الاجتماعية فَرين: "عندما تضعون الحجاب على رأس فُروغ فرُّخزاد، فإنكم لم تسمعوا شعار (مرأة، حياة، حرية)". وعلّقت أخرى: "هذه كانت نتائج اجتماعاتكم لكسب الثقة؟ صور نساء يرتدين الحجاب قسراً؟". وكتب آخر: "نصفهن إذا عبرن من ساحة ولي عصر سوف تقوم شرطة الحجاب بتوجيهن"، في إشارة إلى أن الكثير منهن لم يتلزمن بالحجاب الإلزامي.
أما الصحافي إحسان سلطاني المقيم في إيطاليا، فأشار إلى صورة "بي بي مريم بَختياري" المناضلة في الثورة الدستورية (1906) ومن الرائدات في المطالبة بحقوق النساء: "إن كانت حيةً اليوم، فهي إما أنها كانت قابعة في سجونكم وإما رافعة السلاحَ ضدكم".
نجمات يطالبن بإزالة صورهن
وفي غضون ذلك نشرت النجمة السينمائية الشهيرة فاطمة مُعتمد آريا، مقطع فيديو تظهر فيه باكية ودون حجاب على رأسها، تطالب بإزالة صورتها من الجدارية، وتقول: "في بلاد يُقتل في ساحتها الشباب والفتيات الصغار، أنا لست امرأة، أنا أمّ مهسا وأم سارينا، وأنا والدة كل الذين قُتلوا. أنا أم إيران، ولست امرأة في بلاد القاتلين".
الممثلة الإيرانية فاطمة معتمِد آريا
ولم تمض إلا ساعات قليلة حتى كتبت المخرجة مرضية بُرومَند، "أزيلوا صورتي من جدار تقمعون الشباب والأطفال تحته. علاقتي بكم يحددها الشعب دائماً. كنت واقفة إلى جانب الشعب دائماً، وهكذا سأبقى".
مرضية بُرومَند
وطالت هذه الحملة نجمات أخريات، كالرياضية متسلقة الجبال الشهيرة بَروانه كاظمي التي صرحت: "عار لاستغلالكم صور النساء. أنا غاضبة من مشاهدة صورتي في موقع تتلطخ به دماء نساء ورجال وطني".
والتحقت بها الرياضية فَرخُنْده صادق، التي تسلقت قمة جبل إيفرست، كأول إيرانية في التاريخ، فطالبت هي الأخرى بحذف صورتها من الجدارية. ومن جانبها عبرت الكاتبة والناشرة نفيسة مُرشد زاده عن غضبها تجاه الجدارية التي تحمل صورتها.
وحول صورة المدبلجة والممثلة جاله عُلُو التي طالبت بإزالتها، كشف المخرج رضا دُرميشيان أن هذه الصورة التقطتها المصورة نوشين جعفري وهي "تقبع في سجن إيفين الآن". كما أعلن ابن الممثلة المسرحية الشهيرة الراحلة هُما روستا عن عدم رضاه لوضع صورة والدته: "ليس لكم الحق في ذلك. هذا سلوك مخجل".
أين صور قتيلات الاحتجاجات؟
وبين الكم الهائل من الاعتراض على الجدارية، تساءل البعض عن صورة مهسا أميني، وحديث نجفي، وسارينا إسماعيل زاده، ونيكا شَاكَرمي، وهن أبرز قتيلات احتجاجات البلاد.
ووصف الناشط مَتين غَفّاريان في تغريدة، الرسائلَ الضمنية لمسؤولي هذه الجدارية كالتالي: "1. الجدران لنا نحن فحسب؛ لا يحق لأي أحد أن يرفع جدارية بهذه الأبعاد في طهران. 2. أنتم موضوعنا دون اختياركم، فنستغلكم دون إذن. 3. تُظهرون للعلن كما نشتهي نحن، وبالمظهر الذي يتناسق مع رأينا، وإذا اقتضى الأمر فنشوّهكم".
وكتبت الصحافية مريم شُكراني: "لا أتذكر قبل هذا أن جدارية في هذه الساحة احتوت أيّ هويةٍ للمرأة الإيرانية سوى هوية الأمومة والإنجاب". والإعلامية إلهام نَدّاف غردت أيضاً: "نفس هذه الأدمغة التالفة أزالت جميع صور النساء من المدينة خلال الأشهر الماضية، والآن يصادرون النساء الإيرانيات باسمهم، ويرفعون صورهن على ساحة ولي عصر كيفما شاءوا".
"في بلاد يُقتل في ساحتها الشباب والفتيات الصغار، أنا لست امرأة، أنا أمّ مهسا وأم سارينا، وأنا والدة كل الذين قُتلوا. أنا أم إيران، ولست امرأة في بلاد القاتلين"
"السيد رئيس البلدية، السيد رئيس مؤسسة أوج (الثقافية التابعة للحرس الثوري)، في هذه الظروف تزيدون من الفجوة بأعمالكم هذه"؛ تعليق جاء من الناشط محمد صادق علي زاده، حول التنديدات الواسعة بهذه الجدارية، متحدثاً عن مدى الفجوة الحاصلة بين السلطات والشارع الإيراني بعد أزمة الحجاب.
من زاوية أخرى ينظر الباحث في علم الاجتماع والسياسة عباس عبدي، ويؤكد أنه إن كان هناك احترام وتقدير لهذه النساء المثقفات اللاتي رُفعت صورهن على الجدارية، فلم يتم إنشاء شرطة الحجاب من البداية، لأن الكثير منهن ينطبق عليهن قانون فرض الحجاب الإسلامي، وكان عليهن الذهاب إلى مخفر الشرطة.
إزالة الجدارية
بعد مرور أقل من 24 ساعة على رفع الجدارية، أزالت مؤسسة "أوج" المعنية بهذا الأمر، اللافتةَ الكبيرة، إذ أعلن مدير العلاقات العامة لها مِهردَاد مُعظمي، أن المؤسسة تهتم دائماً بوحدة البلاد، وأن الجدارية سعت أن تعرف ببعض الناجحات في هذه الأيام التي كثر الحديث فيها عن النساء. وأكد على تعديل هذه الجدارية ووضعها من جديد.
اللافتة الجديدة
وتتواصل الاحتجاجات حول الحريات منذ شهر بعد وفاة مهسا أميني التي كانت محتجزة من قبل دوريات الشرطة بسبب الحجاب، وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها النرويج مقتل ما لا يقل عن 200 شخص بينهم نحو 23 طفلاً، ونندت منظمة العفو الدولية بمقتل المتظاهرين خاصة الأطفال وقمع الحكومة الوحشي حسب توصيفها.
أما قائد شرطة إيران حسين أشتَري فأوعز الاقتتال القائم في الاحتجاجات إلى عناصر وصفهم بمعارضي الثورة الإسلامية، والذين أطلقوا الرصاص على الناس بزيّ الشرطة، كما اتهم الفرَق الإرهابية المنفصلة في كردستان وبلوشستان بأنها نفذت عمليات إرهابية داخل البلاد، وتحدث عن استشهاد عناصر قوات الأمن، حسب قوله.
ولم تعلن السلطات عن إجمالي عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، بل شرح وزير الداخلية أحمد وحيدي، أن هناك عناصر تابعة للاستخبارات الأجنبية تستلم أموالاً لتنفّذ أعمال شغب في البلاد، وفق تعبيره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع