"كنت أشتري كتباً من الورّاق كمال وداعة، وعندما عرف أنها لصالح المعتقلين، تقاسم معي أسعارها مناصفةً، دعماً لهم ولحريتهم".
من هنا، تساءلت سارا حمدان، المناهضة لأعمال الاعتقال والعنف داخل السجون: لماذا لا أشرك الآخرين في حملة لتوفير أكبر قدر من الكُتُب لإخراج من هم داخل المعقل إلى فضاءات القراءة الأوسع. وبالفعل، بدأت بنشر فكرتها على مواقع التفاعل الاجتماعي، لتجد دعماً كبيراً.
مجهود فردي لقرابة عام
ظلت سارا بعد استيلاء الجيش على السُّلطة، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، تُوفر للمعتقلين في العاصمة الخرطوم الكتب، في أثناء الزيارات التي تتيحها سلطات السجون، وفقاً لحديثها إلى رصيف22. لكنها، ولرغبتها في إطلاق مشروع طموح يتعلق بإنشاء مكتبات داخل السجون، وقد بدأت منفردة لكنها كانت مصممةً على إنجاح الخطوة الأولى، وبالفعل نجحت الحملة في الحصول على 93 كتاباً في يوم واحد، بالإضافة إلى تعهدات بعشرات العناوين التي تسعى إلى استلامها في الأيام المقبلة.
تقول سارا لرصيف 22 السجون لن تغلَق ذات يوم حتى لو انتهت الدكتاتوريات وأوقفت الاعتقالات السياسية. بالضرورة، من حق كل محتجز أن يحصل على كتاب، فللكتاب عوالم أخرى أوسع من مساحات السجون".
تفاعل العشرات مع المبادرة التي أطلقتها سارا في حسابها على فيسبوك، ومن بينهم الكاتبة الجنوب سودانية المهتمة بالشأن السوداني إستيلا قايتانو، التي بادرت هي الأخرى إلى إنشاء مكتبات عامة في مدن إقليم دارفور قبل أن تتوسع لاحقاً إلى مدن أخرى. تقول صاحبة حملة توفير الكتب للمعتقلين، إن المعتقل يملك الكثير من الوقت لكنه لا يملك إلا حيزاً ضئيلاً من الإمكانات التي يمكنها التخفيف من عبء الوقت.
من حق كل محتجز أن يحصل على كتاب، فللكتاب عوالم أخرى أوسع من مساحات السجون.
ضغوط المدافعين عن حقوق الإنسان
في السودان، لا تعلن السلطة عن أعداد المعتقلين، نظراً إلى تعدد المؤسسات التي تعتقل الأشخاص، والتي من بينها الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، وشرطة المباحث، والشرطة، وهذا ما يؤكده المحامي الناشط في "محامو الطوارئ"، وهو تجمع يُدافع ويترافع عن المتضررين من عنف الدولة مجاناً، ويقول لرصيف22: "لا توجد إحصائية للمعتقلين، لكن التقديرات تشير إلى أنه ومنذ استيلاء قادة الجيش على الحكم في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فاق عدد المعتقلين الـ1.500 في العاصمة الخرطوم فقط، بعضهم قضى شهراً والآخر شهران في المعتقل".
بات الحكم العسكري، بعد رفع حالة الطوارئ في 29 أيار/ مايو هذا العام، يُفرج عن الذين يعتقلهم بسرعة بالضمان العادي نظراً إلى الضغوط التي يُمارسها ضده محامو الطوارئ بكشف الانتهاكات، إذ يعتقل الآن وفقاً لعثمان البصري المحامي الحقوقي، 12 متظاهراً فقط، بالإضافة إلى وجدي صالح القيادي في ائتلاف الحرية والتغيير، وضابط متقاعد وعمل الاثنان في لجنة حكومية مجمدة أعمالها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهي معنية بتفكيك بنية تمكين نظام الرئيس المعزول عمر البشير (حزيران/ يونيو 1989-نيسان/ أبريل 2019).
لكن وعلي صعيد اخر يتحدث بعض المعتقلين عن تعرضهم للتعذيب وفقاً لتأكيدات "محامو الطوارئ"، وكان آخرهم الشاب خالد الوليد لكن في بعض الأحيان، يمكن أن يقضي الشخص جراء التعذيب في مراكز احتجاز الشرطة، على غرار ما حدث لمدثر كمال، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي
حيث يؤكد المعتقل السابق خالد إبراهيم (اسم مستعار)، على أن السجين السياسي لا يُمنّي نفسه بغير الحرية، وفي حال استحالت يحاول أن يُمارس أفعالاً توصله إليها من قبيل القراءة. ويضيف لرصيف22: "قضيت 23 يوماً في سجن في العاصمة الخرطوم، ولم أفعل سوى مطالعة الكتب التي تصلني من سارا حمدان، وفي الصفحات تتراءى لي الحرية، ولكن باب السجن والحُرّاس يفصلوني عنها". وعن هذا تقول صاحبة حملة توفير الكتب للمعتقلين: "مهما كانت المعاملة في السجن حسنةً، وظروف الحياة مقبولةً، إلا أن السجن يبقى عذاباً والاحتجاز يظل نكالاً تنفعل النفس معه على نحو يضرّ بها وربما يُدمرها".
وتواصل: "يلجأ السجين إلى حيل كثيرة للتغلب على الوقت الذي يمضي بطيئاً، وثقيلاً. لكن الشيء الذي لا يُعتقل هو الخيال الذي في وسعه تخطّي أسوار السجن مهما كان الأخير مُرّاً. وعلى مر التاريخ، نجح عدد من المساجين في حبس السجن داخلهم، وخرجوا من ضيق الزنزانة إلى فضاءات أوسع؛ لذا جاءت الحملة، وهي في مجملها إيماني المطلق بالقضايا التي تدعم حقوق السجناء".
سيخرج المعتقل من أسوار السجن مهما طال وقت احتجازه، لكن إعادة الثقة بمؤسسات الدولة التي يتصل عملها بالعدالة، ربما تحتاج إلى سنوات طوال.
هل تنجح الحكومة المقبلة في تحقيق العدالة؟
تأمل قوى مدنية، وهي بصدد توقيع اتفاق إطاري مع قادة الجيش يتعلق بنقل السُّلطة إلى المدنيين، أن تجرى إصلاحات جوهرية على أجهزة العدالة
وهذا ما ذكره مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فولكر تروك، في مؤتمر صحافي عقده قبل ساعات من مغادرته البلاد إذ قال إن "أحد أكبر التحديات التي تواجه السودان هي بناء الثقة بين السلطات والشعب. بعد عقود من القمع، والسنوات القليلة الماضية المضطربة، تراجعت الثقة في المؤسسات الحكومية والمؤسسات القضائية.
سيخرج المعتقل من أسوار السجن مهما طال وقت احتجازه، لكن إعادة الثقة بمؤسسات الدولة التي يتصل عملها بالعدالة، ربما تحتاج إلى سنوات طوال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع