شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الاثنين 25 يونيو/حزيران 1982... وداعاً

الاثنين 25 يونيو/حزيران 1982... وداعاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 28 نوفمبر 202204:49 م

تندرج هذه المادة ضمن ملف الرسائل (أمّا بعد)، في قسم ثقافة، رصيف22.


قد تحمل بعض المراسلات العائلية أو الرسائل المتبادلة بين العائلة العتَب. أحياناً تأتي على مستوى التنبيه، وأحياناً أخرى تتعدى التنبيه إلى الشماتة والطعن. يتضمن هذا القسم من المدوّنات التوبيخَ والطعنَ من سوء عمل أو إهمال مفروض. بيد أنه وبصورة نادرة تُقرأ رسائل الملامة والعتب بعد موتِ كاتبها، وعادة ما يكون قد انتحر. تحمل هذه النصوص لغةً حادّة، ولأنها قد أُرسلت بعد الموت فلا مجاملة فيها ولا خجل. رسائل الملامة صريحة جداً وسوداوية، وفي نفس الوقت انتقامية. ومن هذه الناحية يُحمَّل المتلقون جانباً من خطيئة مدوّن/ة الرسالة.

من بين الرسائل العديدة التي تحمل هذا الطابع نلقي هنا نظرةً على رسالة "بتول" ذات الرابعة والعشرين عاماً، التي كانت تسكن في طهران، وقد أرسلت هذه الرسالةَ إلى بيت خالها لتقرأها بعد موتها عائلتُها، خاصة أمّها.

كُتبت الرسالة على أوراق مخططة بقلمِ حبرٍ جاف، ووُضعت إلى جانبها وصيتُها في ظرف، وأرسلتها الفتاة عن طريق البريد مختومةَ الطوابع. استمرّ هذا الظرف لسنوات بعد كتابة الرسالة التي يحملها، في ميادين طهران، يُباع ويُشترى من قبل الباعة الجوالين، دون أن نلعم ما هو مصير الكاتبة، إلى أن عثرتُ عليه ذات يوم.

تفتتح بتول رسالتَها باسم الله وعظمته، وبعد التأكيد على قراءة رسالتها بعد موتها، تخاطب أمّها مباشرة:

"أمّي! الحديث موجّه إليك، لم أرَ الحبَّ منكِ منذ طفولتي، ولم أجد عندكِ سوى الضّرب والشتم. أدّى هذا إلى أني حين ذهبتُ إلى المدرسة كنت لا أشارك البنات الصغيراتِ لعبَهن. كنتُ أقف وحيدة في باحة المدرسة ناظرةً إلى حركةِ ولعب الطفلات".

وتكمل بعد ذكر قصص طفولتها ووحدتها، عائدة مرة أخرى إلى أنّ سبب كلّ ما حدث لها هي أمّها، إذ فقدت بسببها ثقتّها بنفسها. ثمّ تتحدث عن أبيها:

"بعد أن كبرتُ عرفت أني دون أب، ومَن نطلق عليه اسم الأب، ليس بأبٍ لي. وكنتُ قد خمنتُ أنكِ لستِ أمّي، وقد التقطتِني من قارعة الطريق".

"أمّي! الحديث موجّه إليك، لم أرَ الحبَّ منكِ منذ طفولتي، ولم أجد عندكِ سوى الضّرب والشتم. أدّى هذا إلى أني حين ذهبتُ إلى المدرسة كنت لا أشارك البنات الصغيراتِ لعبَهن. كنتُ أقف وحيدة في باحة المدرسة ناظرةً إلى حركةِ ولعب الطفلات"

تتحدث بتولُ عن ضرب أمِّها لها، وآثار العضّ على جسدها، حتى تصل إلى قرار الانتحار عن طريق أكلِ الفحم، لكنها لم تستطع. تتحدث عن التفرقة بينها وبين بقية أخواتها وإخوتها وطردها من البيت:

"لقد أعطيتِني شادوري عدّةَ مرات، وطلبتِ مني مغادرة البيت، بينما لم يكن لي مكان، فكنت أبقى في نفس البيت. أذهب لمَن؟ بيت عمّي الذي لا يحمل ذرة عاطفة؟ بيت أبيك الذي طردني منه عدة مرات؟".

تتحدث بتول عن زوجِ أمها، وأنه الوحيد الذي كان يفهمها، وبعد موته شعرت بوحدة كبيرة:

"حين حملوا نعشَه إلى بِهِشْت زهرا (مقبرة طهران) عرفت حينها حجمَ ما حدث، ومدى سوءِ وضعي المستقبلي".

تشكو من أمها، إذ لم تسمح لها بمصادقة أحد، كما لم تسمح ها أبداً بمرافقة فتيات من سنّها، وكلما تحدثت مع بنات الجيران كانت تقع مباشرة تحت طائلة التحقيق. ترى بتول هذه الأمور أنها قد أحاطت وحدتَها. وحين تتحدث عن الزواج تتطرق إلى ثلاث نقاط؛ تكتب:

" أولاً، أنفر من الرجال، ثانياً ليس لديّ جهاز، ثالثاً الخوف من أن أشيخ وأعود إلى بيتٍ تكونين أنتِ أمّي فيه، فأفكر: ما بالك بأمّ زوجي وما ستفعله بي!".

توضح أنها صممت على الزواج من داود، لأنّ داود مثلها، وحيد وفقير. وفي نهاية حديثها تذكّر أمها بأنها قد منّت عليها لأنها رعتها، بينما هذا الأمر هو واجب الأمّ، وتقول إنها إن  تزوجت يوماً ما، ورُزقت بطفل لن تقوم أبداً بما قامت به أمُّها، وتختم:

"لقد قلت لكِ كلّّ هذه الأمور في حال أني حفظتها في قلبي 24 عاماً، لأنك تكبريني، وطالما راودني الشعور بأنه لا يجب أن أجرح قلبك. لم أعد أتحمل، فأُجبِرت على إهلاك نفسي حتى أذهب نحو إلهٍ أسأله".

"قلتُ لكِ كلّّ هذه الأمور في حال أني حفظتها في قلبي 24 عاماً، لأنك تكبريني، وطالما راودني الشعور بأنه لا يجب أن أجرح قلبك. لم أعد أتحمل، فأُجبِرت على إهلاك نفسي حتى أذهب نحو إلهٍ أسأله"

المخاطب في الرسالة في معظم الأحيان هي أمّها، وفي الصفحات الأخيرة تخاطب أخواتها وإخوتها. ومن هنا تخرج رسالتها من طابع الطّعن، فتحاول نصيحةَ كلّ واحد منهم باختصار:

"عزيزي مجتبى، مرحبا. حاول أن تحصل على الديبلوم، وابحثْ عن عمل فيه عائد مالي جيد، وأرجو أن تتزوج فتاَة أحلامك. افتحْ قلبَك لأخواتك وإخوتك، لا أن تتزوج وترحل، فهو في ذاته عمل بائس. في أمان الله".

"عزيزي مهدي، أنت أيضاً ادرُسْ لتفيد أبناءك في المستقبل، لا أن تكون إنساناً أعمى".

"نرجس، حاولي أن تتعلمي حرفةً إلى جانب دراستك، وإذا تقدم إليك شخصٌ طيب، تزوجي، لأنه لا فائدة من البقاء في هذا المكان، وما وصلتُ إليه أفضلُ دليل".

"عزيزتي ليلى، لا تبحثي أبداً عن صديق، لأنهم لا يسعون إلا لخداع الفتاة، ولكن جِدي لكِ صديقةً جيدة".

بعد إنهاء النصائح، تطلب من إخوتها الثلاثة أن يعدّوا الجهاز لأخواتهم، وألا يتركوهن دون ذلك، وتعود مرة أخرى إلى أسباب انتحارها وتختمها:

"منذ وفاة السيد (زوج أمها) أردتُ الانتحار، ومن أجل شرفكم لم أقم به، ولكن أقسم عليكم بالله ألا تحطّوا من مكانتي كي تظهروا بأفضل صورة. لقد وصلت إلى النهاية. سأرحل، والله يعلم، وهذا يكفيني. وداعاً. أحبّكم كلَّكم، ولكنكم لم تتقبلوني. فديتكم".

وتذيّل رساتها باسمها، وتاريخ الاثنين 25 يونيو/حزيران 1982، مع توقيع. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image