لا البيان الذي نشرته النيابة الرسمية المصرية، ولا بيان وزارة الخارجية الأردنية الذي كرّر التصريح المنسوب للبيان الأول، ولا تقرير الطب الشرعي ومركز السموم المصري، لا شيء مما سبق زعزع اقتناع المصدقين بأن الفنان والمخرج الأردني أشرف طلفاح قُتل في مصر ولم ينتحر أو يمت بجرعة مخدرات زائدة.
وكان طلفاح قد عُثر عليه فاقداً الوعي مع آثار حروق وإصابات متعددة في أنحاء متفرقة من جسده، قبل نحو أسبوع، في مسكنه المستأجر بأحد الكومباوندات الشهيرة في مدينة 6 أكتوبر المصرية. واستبعد بيان أولي للنيابة العامة المصرية "وجود شبهة جنائية" في وفاته، فيما سرّبت وسائل إعلام محلية مزاعم بأن الراحل ربما تعاطى مخدراً قوياً اسمه "حبة الفيل الأزرق" من آثاره الجانبية دفع متعاطيه لإيذاء نفسه وحتى الانتحار.
العائلة: لم يكن يتعاطى المخدرات
"أشرف لم يكن يتعاطى المخدرات ولم يكن مدخناً"، هذا ما قاله صديق طفولة أشرف المقرب منه وابن عمه الدكتور أسامة طلفاح، الذي صرّح باسم العائلة لعدة مواقع إخبارية بأن الرواية الرسمية المصرية غير موثوق بها، واصفاً إياها بـ"المتناقضة والغامضة وغير الصحيحة".
أضاف: "العثور على عقار الفيل الأزرق بيد الراحل ليس دليلاً على أنه متعاط، وجميعنا نعلم أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أخذ هذا الشيء بإرادته، ويمكن أن يكون بعمل إجرامي، لكنه لم يتعاط أي شيء مطلقاً، وبحسب نظرتنا بالموضوع فالوفاة لم تكن طبيعية".
وصفه البعض بأنه "ريجيني جديد" وأسرته تشدد "الوفاة لم تكن طبيعية"... روايات متضاربة تكتنف وفاة الفنان الأردني #أشرف_طلفاح في #مصر. هل قُتل تعذيباً أم إثر اعتداء "بلطجية" أو بـ"حبة الفيل الأزرق"؟
روايات متناقضة
نزلت أنباء وفاة الفنان الأردني أشرف طلفاح ابن الـ47 ربيعاً في مصر والأردن كالصاعقة على مسامع ذويه ومحبيه وزملائه، ما زاد الصدمة هي تلك الأخبار المتواترة عن تعرضه لاعتداء جسدي شديد من "بلطجية" اقتحموا مكان سكنه، مما أدخله في غيبوبة تامة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة صباح الاثنين 14 تشرين الثاني/ نوفمبر.
حتى اللحظة، هناك أكثر من رواية حول سبب وملابسات الوفاة مع القليل من المعلومات الموثوق بها التي كررتها الجهات الرسمية في مصر والأردن.
الرواية الموثوق بها هو أن طلفاح الذي انتقل للإقامة في مصر قبل أقل من شهرين للحصول على شهادة الدكتوراه وتطوير فرصه في الأدوار الفنية، عُثر عليه فاقداً الوعي في شقة صغيرة مستأجرة في منطقة دريم لاند، وعلى جسده آثار جروح وحروق عديدة ورضوض.
النيابة العامة المصرية أكدت في بيانها "عدم وجود دلائل لأي شبهة جنائية في وفاته"، ونقلت عن المصادر الطبية أنه نُقل من مسكنه "في حالة غيبوبة تامة وبه آثار إصاباتٍ متعددة، وآثار جروح وحروق بأنحاء متفرقة من جسده" علاوة على "إصابته بنزيف في المخ، وتجمع دموي وارتشاح على الرئة".
وبينما أمرت النيابة العامة بإجراء الصفة التشريحية لجثمانه لبيان "سبب وكيفية إصابته"، وأخذت عينات بيولوجية منه لبيان مدى وجود ما يُشير لوجود شبهة جنائية في وفاته"، شدد البيان على "عدم وجود أيِّ آثار عنف على مقبض بابه الخارجي أو داخل المسكن"، ما ينفي احتمال السرقة واقتحام المسكن.
كما صرحت النيابة بأن تفريغ كاميرات المراقبة المحيطة بمسكنه أكدت عدم دخول أو خروج أي شخص في وقت متزامن لتعرضه طلفاح للإصابة.
لكن مصدراً أردنياً غير مسؤول، فضّل عدم ذكر اسمه، صرّح لرصيف22 بأن "عائلة طلفاح لم تتمكن من الاطلاع على تفريغات كاميرات المراقبة لتتأكد بنفسها من عدم اقتحام المنزل، إضافة إلى محاولة ثنيهم عن مشاهدة الجثة في البداية، نظراً لسوء حالتها كما قيل لهم". أشار نفس المصدر إلى وجود "إيذاء شديد من فقء العين وإطفاء السجائر وضرب مبرح وتهشيم في الجمجمة" على جثمان الراحل.
مخاوف في الأردن من لفلفة القضية باتفاق الأطراف للاعتبارات الاجتماعية والسياسية… مطالبات بإعادة تشريح جثمان #أشرف_طلفاح في #الأردن وسط الشكوك في رواية السلطات الأمنية في #مصر لملابسات وفاته. هل تموت القصة بدفن الجثمان؟
زملاؤه: لا نصدق النيابة المصرية
إثر الأنباء المتواترة من مصر، أعرب عدد من زملاء الفقيد عدم تصديقهم الرواية المصرية. الفنانة الأردنية عبير عيسى كانت صاحبة الصوت الأعلى في ذلك، إذ طالبت الحكومة الأردنية "باسترجاع حق ابنها الأردني كمواطن لا كفنان" رافضة جملةً وتفصيلاً مزاعم تعاطيه للمخدرات أو محاولته الانتحار بحكم معرفتها به وزمالتها معه. "ابننا مش خروف عشان ينذبح بهاي الطريقة"، قالت.
الفنان الأردني يوسف كيوان رفض أيضاً الرواية المصرية، مشيراً إلى أنه والكثير من زملائه الذين تواصلوا معه، لا يثقون بكل التقارير التي تصدر عن المستشفيات في مصر، ولا بأي شيء سيُحكى عن أشرف "لأننا نعرفه عز المعرفة".
فور انتشار الخبر عبّر معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي عن الحزن والغضب لرحيله "غريباً مغدوراً"، ووصفه البعض منهم بأنه "ريجيني جديد"، في إشارة إلى تعرضه للتعذيب والاعتداء الجسدي قبل وفاته كما الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي جرى تعذيبه حتى الموت قبل سنوات في مصر. وتحدث كثيرون عن "تفشي البلطجة" في مصر، معتبرين أن البلد "غير آمن".
"الفيل في الغرفة"
في خضم التفاعل حول نبأ وفاته، نقلت وسائل إعلام مصرية عديدة عن "مصادر طبية وأمنية" لم تسمها أن طلفاح نُقل إلى "مركز السموم بمعهد القصر العيني حيث لفظ أنفاسه الأخيرة" بعد العثور على عقار "DMT"، المعروف باسم "حبّة الفيل الأزرق" وهو أحد العقاقير المخدرة، في يد الممثل الأردني لدى دخول مسكنه.
لم تنفِ هذه الوسائل أن الراحل كان على قيد الحياة حين عُثر عليه بل أوضحت أنه "تم قياس النبض والأكسجين له وتركيب أنبوبة حجرية، حتى وصل إلى المستشفى وتم تركيب كانيولا له هناك وإعطاؤه عقار (أيبونيرفين) وسحب عينات من دمه لتحليلها، ليتبين بعد ذلك أنه يحتاج إلى نقله إلى قسم السموم على الفور".
التقرير الطبي المبدئي الذي استندت إليه هذه الوسائل في روايتها المزعومة كان قد حُرر بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري أي يوم العثور على الفنان وقبل إعلان وفاته بيومين.
أما عن "حبة الفيل الأزرق" التي أشير إليها، فهي تحتوي على "ثنائي ميثيل تريبتامين"، وهي بودرة بلورية بيضاء يتم تناولها بعدة طرق منها التدخين والبلع عبر الفم أو الحقن.
ويقول المركز القومي للسموم في مصر إنها تمنح جسد وعقل المتعاطي "طاقة إيجابية وقوى بدنية غير طبيعية"، لكنها أيضاً تؤدي إلى "خروج الجسم عن سيطرة العقل مع الوقت حيث لا يتحملها ويفقد متعاطيها السيطرة على نفسه، مع إمكانية القيام بأفعال غير متوقعة قد تنتهي بالانتحار أو قتل الآخرين".
بيد أن المزاعم بنقله إلى مركز السموم اعتبرت من قبل الكثيرين في الأردن محاولة تمويه وتشويه للحقيقة، تحديداً من قبل العائلة وكثير من زملاء طلفاح الذين يصرون على أنه لا يتعاطى المخدرات.
الفنان الأردني زهير النوباني لرصيف22: لدي ثقة كبيرة بنزاهة التحقيقات والفحص الطبي المصري، لكنني مع هذا ووفاءً لابننا، أُشجِّع أن يكون هناك تشريح ثان للجثة في الأردن
مطالبات بـ"تشريح ثانٍ" بالأردن
اللافت أن النيابة العامة المصرية لم تأت على ذكر حبة "الفيل الأزرق" من قريب أو بعيد في بيانها. كما لم يصدر حتى كتابة هذه التقرير أي مستند رسمي من المركز القومي للسموم بالقاهرة عن العثور على هذا المخدر في جسم المغدور أو استقبال المركز للفنان الراحل من الأساس.
لدى تواصل رصيف22 مع نقابة الفنانين الأردنيين، أوضّحت أنها لن تصرح بشكل رسمي قبل الحصول على نتائج تقرير الطب الشرعي التي تبين سبب الوفاة بدقة، إذ سيتم التصريح بالتنسيق بين عائلة المتوفى والنقابة والسفارة الأردنية في القاهرة.
في الأثناء، نعى الفنان الأردني زهير النوباني، عضو نقابة الفنانين الأردنيين، طلفاح كـ"ابنه" على حد تعبيره. وقال لرصيف22: "حزين جداً على أشرف. كان شاباً طيباً. خسرنا موهبة كبيرة فهو ما نعتبره جوكر في عالم الفن، أي أنه ممثل قادر على لعب كل الأدوار. لكن بيئتنا والإنتاج المحلي في الأردن غير قادرين على صناعة نجم. كان أشرف يرفض أعمالاً كثيرة إما لأنها بلا أجور عادلة أو لأنها لا تضيف لمنتجه الفني. وفي النهاية قرر السفر إلى مصر للبحث عن فرصة جديدة وكانت النهاية المحزنة".
ويردف: "لدي ثقة كبيرة بنزاهة التحقيقات والفحص الطبي المصري، لكنني مع هذا ووفاء لابننا أشجع أن يكون هناك تشريح ثان للجثة في الأردن".
أما الفنان الأردني منذر رياحنة، فقد رثى صديقه الراحل على صفحته في فيسبوك بقوله: "أشرف طلفاح يتركنا وحيدين في نهاية هذه السنة. لم يستطع مواصلة ما تبقى من الدرب الفني وإيانا. الرجل الذي اجتمعتُ معه على أعمال كثيرة ومواقف أكثر، يترك في القلب فجيعة كبرى برحيله اليوم. الكلمات تخونني وأنا أكتب عنك. وداعاً يا صاحبي".
أما المنتج الأردني طلال العواملة فعبر عن أسفه لرحيل طلفاح، واصفاً إياه بالموهوب. يقول لرصيف22: "لم يكن أشرف راضياً عن الأدوار المتاحة له، حاله حال جيل كامل من الممثلين الأردنيين، ففي النهاية الإمكانيات محدودة، الله يرحمه والله يساعد أهله وأولاده، كان في طريقه ليكون فنان صف أول، لكن قدر الله وما شاء فعل".
مع صدور تصريح الدفن من محكمة صحة السيدة زينب، يتوقع وصول الجثمان إلى الأردن في وقت قريب، الأمر الذي قد يعيد فتح القصة مع أجوبة جديدة في حال قررت العائلة طلب تقرير طب شرعي ثان من السلطات الأردنية، أو تُدفن القصة معه في حال قررت كل الأطراف إقفال هذا الملف لما له من أبعاد اجتماعية وسياسية قد تصل إلى حد الأزمة الدبلوماسية، حينها سيذهب الجواب عن سؤال هل قُتل أم انتحر مع أشرف إلى قبره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين