أول مشاركة عربية في المونديال كانت في نسخته الثانية المقامة في إيطاليا عام 1934، وكانت من نصيب المنتخب المصري الذي تأهل حينذاك إلى البطولة بعد تغلّبه على منتخب فلسطين في التصفيات النهائية، ليصبح أول بلد عربي وإفريقي يظهر في الحدث العالمي.
عام 1934، لم يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يضم من إفريقيا إلا جنوب إفريقيا ومصر، رغم أن القارة السمراء كانت قد شهدت تأسيس عدة اتحادات للعبة، لكن الغالبية لم تكن تهتم بإعداد منتخبات للمشاركة الخارجية، فلم تنضمّ.
مصر... الضيف الإفريقي الوحيد
اكتفت جنوب إفريقيا بعضوية "الفيفا" دون أي نشاط كروي حقيقي. وبناء عليه، كانت مصر الدولة الإفريقية الوحيدة المؤهلة والمدعوة للمشاركة في البطولة الثانية لكأس العالم، واختيرت لخوض تصفيات البطولة ضمن مجموعة ضمت تركيا وفلسطين، حسبما يروي ياسر أيوب في كتابه "مصر وكرة القدم التاريخ الحقيقي.. أين وكيف بدأت الحكاية؟".
كان من المقرر أن يشارك 16 منتخباً في إيطاليا، على أن يخصَّص 12 مقعداً لقارة أوروبا، وثلاثة لقارتي أمريكا الجنوبية والشمالية، ومقعد واحد لقارتي إفريقيا وآسيا.
ومن أجل حسم شاغل المقعد الأخير، تقرر إقامة دورة ثلاثية بين كل من مصر وفلسطين وتركيا. لكن الأخيرة انسحبت، ما جعل المواجهة بين مصر وفلسطين حاسمة.
ويشير أيوب إلى أن تركيا "انسحبت دون تأكيد واضح ومحدد لذلك، وأشارت بعض الكتابات المصرية إلى أن السبب كان الخوف من هزيمة أخرى أمام مصر، بعد الخسارة الثقيلة بهدف واحد لسبعة أهداف مصرية في دورة أمستردام الأولمبية عام 1928. أما الكتابات الغربية، فقد أشار بعضها إلى أن الحساسية والخلاف بين تركيا وبريطانيا هما سبب رفض الأولى خوض التصفيات مع مصر وفلسطين، الخاضعتين للسلطة البريطانية، وأكدت كتابات أخرى أن هذا الانسحاب كان شأناً داخلياً في تركيا، لا علاقة له بالتصفيات ومَن يشارك فيها".
وحدد "الفيفا" السادس من آذار/ مارس من العام 1934 موعداً للمباراة الأولى بين الجارتين، والسادس من نيسان/ أبريل موعداً لمواجهة العودة في القدس.
فلسطين أم إسرائيل؟
استضاف ملعب الجيش البريطاني في العباسية في مصر المباراة الأولى. وأمام 13 ألف متفرج، وتحت قيادة المدير الفني للفراعنة حينذاك، الاسكتلندي جيمس ماكراي، فاز منتخب مصر بسبعة أهداف مقابل هدف. وأقيمت المواجهة الثانية على ملعب "هابوعيل" في مدينة تعرف الآن بـ"تل أبيب"، أمام عشرة آلاف متفرج، وفاز المنتخب المصري أيضاً بأربعة أهداف مقابل هدف، خاطفاً بطاقة التأهل.
بقيت قضية مثارة عن تلك المواجهة، وهي: هل تقابلت مصر مع المنتخب الفلسطيني أم الإسرائيلي؟ يقول أيوب: "بقيت المباراتان اللتان لعبتهما مصر أمام فلسطين في التصفيات مثار جدل طويل. فقد أصبح هناك في مصر نفسها مَن يزعم أن مصر تأهلت على حساب إسرائيل، ومَن يعتب على مصر في فلسطين لأنها تجاهلت الصراع الكروي الفلسطيني وقبلت اللعب مع إسرائيل، ولا يدري هؤلاء أن إسرائيل نفسها هي التي روجت ذلك بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948".
"في الحقيقة"، يتابع الكاتب، "لم تلعب مصر إلا أمام فلسطين، وكل الوثائق الكروية والمراسلات واختيارات الحكام وسجلّ اللاعبين وهوياتهم تؤكد أنهما كانتا مباراتين رسميتين بين مصر وفلسطين، فإسرائيل لم يكن لها وجود عام 1934".
ويتفق مع هذا الطرح ما ذكره أحمد الصاوي في مؤلفه المعنون بـ"إصابة ملاعب: رواية من شوطين". يقول: "تتحدث الوثائق الرياضية الإسرائيلية عن أن أول مباراة دولية رسمية للمنتخب الإسرائيلي كانت أمام منتخب مصر، عام 1934، ضمن تصفيات كأس العالم إيطاليا 34، لكن الحقيقة أن المباراة كانت مع منتخب فلسطين، فلم تكن دولة إسرائيل قد تأسست آنذاك، وضم المنتخب الفلسطيني وقتها مزيجاً من اللاعبين العرب واليهود".
قبل سفر المنتخب المصري إلى إيطاليا، عام 1934، قال رئيس البعثة للاعبين: "نحن لم نأتِ إلى نابولي لمنافسة ممالك العالم في كرة القدم فقط، وإنما في الأخلاق أيضاً"
وبحسب خير الدين أبو الجبين، في كتابه "قصة حياتي في فلسطين والكويت"، تأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1928، وانضم إلى "الفيفا" في العام التالي مباشرة، وفي فترة الانتداب كان هذا الاتحاد مسيطراً عليه من الفرق اليهودية.
ويؤكد ياسر أيوب أنه بعد انضمام فلسطين إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، بدأ اليهود تدريجياً في إبعاد العرب والإنكليز، حتى أصبح المنتخب الفلسطيني كله من اللاعبين اليهود، رغم أنه بقي فلسطينياً بالاسم والعلم الفلسطيني، موضحاً: "هذا تأكيد على أن مصر تأهلت لنهائيات كأس العالم 1934، بعدما فازت على فلسطين وليس إسرائيل".
كأس الملك أهم من كأس العالم!
في العموم، تأهلت مصر وطلب جيمس ماكراي تأجيل نهائي الكأس السلطانية (أول بطولة لكرة القدم في مصر)، ونهائي كأس الأمير فاروق (كأس مصر حالياً) إلى ما بعد البطولة العالمية، حتى يتفرغ لاعبو المنتخب للاستعداد للمشاركة في كأس العالم.
رفض الاتحاد المصري، برئاسة حسين باشا صبري، الاستجابة لهذا الطلب. ولم يجد ماكراي مَن يسانده في طلبه، سواء من الجمهور أو الإعلام الرياضي المصري وقتها، فلم تكن كأس العالم قد أصبحت بطولة تستحق مثل هذا الاهتمام الذي يستدعي تأجيل أو حتى إلغاء نشاط محلي.
وللدلالة على ذلك، لم يحتفل حسين باشا صبري مثلاً وزملاؤه في الاتحاد بهذا التأهل، ولم يعتبروه انتصاراً أو إنجازاً لهم، ولم يروا أن الاستعداد للمشاركة في كأس العالم أهم وأجدى من الكأس السلطانية وكأس الأمير فاروق، بحسب ما ذكر أيوب.
ومما يدل على عدم الشعور بأهيمة الحدث ما قاله أيوب: "جريدة الأهرام التي كانت تتابع أي نشاط كروي محلي بحرص واهتمام، لم تكتب خبر التأهل إلا في العاشر من نيسان/ أبريل، أي بعد التأهل الفعلي بأربعة أيام كاملة، تحت عنوان ‘نتيجتا مصر وفلسطين للكرة’".
مصر في مواجهة المجر
أجريت قرعة المونديال في الثالث من أيار/ مايو عام 1934، وجرى تقسيم المنتخبات للتواجه في ثماني مباريات، وفق نظام المغلوب، فوقعت مصر في مواجهة المجر، وأقيمت المباراة بينهما في مدينة نابولي، في الـ27 من الشهر ذاته.
وفقاً لمؤلف كتاب "مصر وكرة القدم التاريخ الحقيقي... أين وكيف بدأت الحكاية؟"، اجتمع مجلس إدارة اتحاد كرة القدم، برئاسة حسين باشا صبري، بعد أربعة أيام فقط على إجراء قرعة المونديال، وناقش الاجتماع مشاركة مصر في بطولة كأس العالم، وحُدّدت للمنتخب ميزانية تبلغ 900 جنيه، يدفع منها اتحاد الكرة 100 جنيه، وتقدم الحكومة الباقي.
عندما تأهل المنتخب المصري إلى كأس العالم، عام 1934، لم يكن أحد يشعر بأهمية الأمر، حتى أن جريدة الأهرام التي كانت تتابع أي نشاط كروي محلي بحرص واهتمام، لم تنشر خبر التأهل إلا بعد أربعة أيام من حصوله
ورغم أن لائحة البطولة كانت تسمح باصطحاب 20 لاعباً، إلا أن جيمس ماكراي اكتفى بـ18 فقط. وفي تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس، في الـ17 من أيار/ مايو، امتلأت محطة قطار القاهرة بكثيرين جاؤوا لتوديع المنتخب المصري، وتَقدّمهم الأمين الثاني للملك محمد بك حسن، ووكيل اتحاد الكرة محمد حيدر. وتحرك القطار في طريقه إلى الإسكندرية.
وقبل سفر البعثة إلى نابولي، تحدث رئيس بعثة المنتخب المصري أحمد بك فؤاد أنور مع اللاعبين، وقال لهم: "لا بد من المحافظة على السمعة المصرية ورفع شأن البلاد وسلوك الجميع، سواء في الفندق أو الطرقات أو الملعب، ونحن لم نأتِ إلى نابولي لمنافسة ممالك العالم في كرة القدم فقط، وإنما في الأخلاق أيضاً".
وفي تمام الساعة الثانية والنصف ظهراً، وعلى متن الباخرة "تيفيريه"، بدأت رحلة البعثة المصرية إلى إيطاليا من ميناء الإسكندرية، واستغرق مشوار السفر يومين كاملين، درب خلالهما جيمس ماكراي اللاعبين على ظهر الباخرة التي وصلت ميناء نابولي قبل المباراة بثمانية أيام.
في نابولي، أقام المنتخب المصري تدريباته واستعداداته لملاقاة المنتخب المجري، على أمل التغلب عليه، واكتفى بتدريباته العادية ليومين فقط، قبل موعد المباراة.
وحلّ أخيراً اليوم الحاسم، وكتبت جريدة الأهرام يومها تقول: "طبيعي أن يعرف الوفد المصري أن المسؤولية كلها واقعة على مبلغ تقديره هو نيابة عن مصر، وعلى كل حال نحن واثقون في أن الوفد سيمثلنا في هذه المأمورية أحسن تمثيل".
عبد الرحمن فوزي يدخل التاريخ
انطلقت المباراة عند الساعة الثالثة والنصف من عصر يوم الـ27 من أيار/ مايو، على استاد جيورجيو إسكارييلي في مدينة نابولي، أمام عشرة آلاف متفرج.
ويوضح ياسر ثابت في مؤلفه "موسوعة كأس العالم"، أن منتخب مصر بدأ المواجهة بتشكيل مكون من: مصطفى كامل في حراسة المرمى، وعلي كاف، وحميد شارلي، وحسين الفارو، وإسماعيل رأفت، وحسن رجب، ومحمد لطيف، وعبد الرحمن فوزي، ومحمود مختار (التتش)، وكامل مسعود، ومحمد حسن.
وخسر منتخب مصر أمام المجر التي يصفها السيد فرج، في مؤلفه "رواد الرياضة في مصر"، بأنها كانت "سيدة كرة القدم في العالم آنذاك"، بأربعة أهداف مقابل هدفين، بعد شوط أول انتهى بالتعادل الإيجابي بهدفين لكل فريق.
وأحرز هدفي الفراعنة عبد الرحمن فوزي، نجم نادي المصري البورسعيدي، في الدقيقتين 35 و39 من عمر المباراة، ليصبح أول لاعب مصري وعربي وإفريقي يسجل في نهائيات كأس العالم.
ويؤكد ياسر أيوب أنه جرى اختيار عبد الرحمن فوزي واحداً من أفضل لاعبي العالم في مركز الجناح الأيسر، وكان مصطفى كامل، حارس مرمى الأهلي ومنتخب مصر، أصغر حارس مرمى في البطولة، إذ لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره بعد، ولم تنتقص الأهداف المجري الأربعة في مرماه من إعجاب واحترام الكثيرين لموهبته، بل أثنت عليه الصحافة الإيطالية يومها.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.