شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
غناء أسّسته امرأة لكن اسمه يعود إلى

غناء أسّسته امرأة لكن اسمه يعود إلى "علوان"...هل استمعتم من قبل إلى "العلوانية"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 19 ديسمبر 202204:16 م

لا يختلف اثنان في الأهواز على أن موسيقى العلوانية هي صوت الذاكرة بالنسبة لهذا المجتمع العربي في إيران، حيث يحظى هذا النمط الموسيقي والغنائي بشعبية جارفة لدى السكان باختلاف أجناسهم وأعمارهم ومكانتهم الاجتماعية، فنادراً ما نجد هاتفاً جوالاً ليس فيه نسخة من غناء العلوانية التي تستمد اسمها من مغنيها الأشهر الفنان الأهوازي علوان الشُوَيّع (أبو شهلاء).


يأتي الاهتمام بهذا اللون الموسيقي، وهو غناء حزين وبطيء تبنى درجته الموسيقية بين سلم مقامي الحجاز والبيات، في بيئة تجهل أو تتناسى أنه غناء نسائي، إذ حفظه الرجال وتناولوه حتى أبعد الحدود لما يمنحه من نشوة ويثير المشاعر عند مستمعيه.


"التقيت في سوريا عام 2005 بطلاب من الأهواز يدرسون في إحدی جامعات دمشق، وکانت معهم أشرطة تحمل أصوات مطربين من مدينة المحمرة والأهواز عموماً... وهم مطربون اشتهروا بغناء العلوانية بأسلوب يطرب القلب ويثير خلجات النفس والحزن"؛ هذا ما كتبه يحيى الجابري مدير بيت الغناء الريفي العراقي آنذاك، في مجلة "الحياة الموسيقية" السورية عام 2007، ليكون شاهداً على قصة امتزاج الأهوازيين بنمط العلوانية.

مواصفاتها

يشرح أستاذ النغم الأهوازي مهدي دَغاغِلة لرصيف22 أن العلوانية هي لون من الغناء يعبّر عن صعوبة الحياة، وفيه إشارات إلى الصفات المحمودة التي يجب على الإنسان التحلي بها.


وأنجز مهدي دغاغلة دراسات ميدانية حول العلوانية في تسعينيات القرن الماضي، إذ يعتقد أن عمر هذا اللحن هو 100 سنة، كما أنه يختص بأداء شعر "الأبوذية" باللغة المحكية، وهو نوع من الأشعار الخاصة بمنطقة الأهواز وجنوب العراق. يضيف: "على نفس نغم الموسيقى ومن ضمنها يدرج الفنان علوان، اسمَ الشاعر وسط الكلمات كي يحتفظ بالأمانة ويعرّف بالشعراء المحليين، حتى باتت عادة يتلزم بها كلُّ من واصل هذا الأسلوب الغنائي بعده".

نادراً ما نجد هاتفاً جوالاً ليس فيه نسخة من غناء العلوانية. وتستمد هذه الموسيقى اسمها من مغنيها الأشهر الفنان علوان الشُوَيّع

"علوان أبو شهلاء، 'کاولي' أو نوري النسب، و'الكواولة' -كما يطلق عليهم في الأهواز- مجموعة سکانية تنتمي للغجر وتشتهر بالغناء والرقص، وقد حرص الرجل علی الحضور الفاعل في الدواوين الأهوازية"، معلومات یدلي بها الباحث الموسيقي محمود مَشهودي الذي عکف علی دراسة فن العلوانية لسنوات حتى استطاع أن يسجل ذلك في قائمة وزارة السياحة والتراث الإيراني كتراث ثقافي وروحي لعرب الأهواز، بمساندة الناشط الثقافي قاسم منصور آل كثير.

ألبوم العلوانية

أطلق محمود أول ألبوم رسمي للعلوانية برعاية الناشط الإيراني فَرزاد كاشي ساز، جمع فيه أصوات الفنانين المخضرمين بغية إثراء المكتبة الصوتية العربية والإيرانية، كما ساهم في التعريف بنشأة هذا النمط الغنائي وأهميته الثقافية والأنثروبولوجية في الأهواز عبر نشر دراساته باللغة الفارسية في الأوساط الأكاديمية والموسيقية في إيران.


من القواعد التي أضافها الفنان علوان إلى هذا النمط الغنائي، هو العزف على آلة الربابة، وكان يمتلك ربابة مصنوعة من علبة زيت صفيحية، وأوتار من شعر الحصان.

ويتحدث الفنان علي الرَشداوي أشهر المغنين الأحياء لهذا النمط: "كنت قد غنّيت في حضور علوان، وعند انتهائي من الأداء نصحني بأن أمزج صوتي بصوت الربابة لتكتمل نشوة الاستماع لهذا الغناء الذي اشتهر باسمه".

صدى دولي

أما كريم الباوي، أحد زعماء قبيلة الباوي في الأهواز والمتدرب على أيدي الفنان أبو شهلاء، فينقل لنا أن ثمة فنانين عراقيين ريفيين حضروا في منطقة الأهواز، جنوب غرب إيران، خلال القرن الماضي وسمعوا هذا الغناء وأشادوا به.

وصل صدى العلوانية إلى العراق والكويت والبحرين، عبر أشرطة الكاسيت في منتصف القرن العشرين، كما أدى هذا النمط الموسيقي الأهوازي بعض فناني تلك الدول 

وفي لقاء صحافي في تسعينيات القرن المنصرم في طهران، كشف الفنان الراحل حسّان إگزار الكناني، وهو واحد من تلامذة الفنان علوان، عن دعوة رسمية عراقية كانت قد وجهت لحسان في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي، بغية الحضور في مهرجان البصرة الموسيقي، ولكن تقدمه في العمر جعله يطلب من حسّان المشاركة بالنيابة عنه، فحضر حسّان وغنى موسيقى العلوانية، وحصل على إعجاب وتكريم من أمانة المهرجان.

وصل صدى العلوانية إلى العراق والكويت والبحرين عبر أشرطة الكاسيت في منتصف قرن العشرين، كما أدى هذا النمط الموسيقي الأهوازي بعض الفنانين الشعبيين في تلك الدول، مثل المطرب الكويتي عبدالله فضالة، والمطربين العراقيين مثل سلمان المنكوب وداخل حسن وسامي نسيم وغيرهم.

جذورها النسائية

لم يكن علوان الذي توفي في سبعينيات القرن الماضي مَن أبدع العلوانيّة، بل هو طوّرها وأكملها وأضاف لها حتى عرفت باسمه. وحول ذلك نعود للحديث مع أستاذ النغم مهدي دغاغلة الذي قال لنا: "يحدثنا التاريخ الشفهي عن امرأة كانت ترثي ابنتها الصغيرة بطريقة خاصة وحزينة، وهي تردد كلمة (البنيّة) وتعني البنت الصغيرة، حتى سمعها بعض الأفراد وباتوا يغنون على طريقتها فيسمون ذلك غناء (البْنَيّة)، وكونهم ينتمون إلى قبيلة العمّور، فبات الغناء يشتهر لدى الناس بالعمورية في ما بعد".

في بدايات القرن العشرين سمع الفنان علوان بهذا النمط، وبات يردده باختلاف بسيط في الأداء، وشيئاً فشيئاً أخذ يؤدي هذا اللون الغنائي حصراً، وذلك في كل مكان تتم دعوته، وعمل على إحيائه بطريقته الخاصة حتى صارت أشرطة الكاسيت تجول في الأسواق الشعبية، وتمتلئ المنازل بصداه العذب.

لا يعرف أحد شيئاً عن تلك المرأة التي فقدت ابنتها وغنت بهذا النمط الموسيقي العربي الحزين، والذي بات هوية الأهوازيين الغنائية اليوم. نمط تحول من اسم بنت إلى اسم قبيلة، ليصبح في ما بعد باسم رجل فنان.

محاولات لحفظ الغناء النسائي

تشرح الباحثة في شؤون التراث فاطمة تميمي، التي عكفت على دراسة الغناء النسائي في الأهواز بشكل ميداني، لرصيف22: "بعض الرموز أو الأمور التي تشتهر بها منطقة الأهواز، تعود جذورها إلى المرأة الأهوازية، إذ كان المجتمع في الماضي منفتحاً شيئاً ما، ولم يوجد بيت يخلو من آلة الدف".


تتحدث فاطمة بحسرة عن عدم معرفتها بمبدعة غناء "البنيّة" الذي اشتهر بـ"العلوانية"، إذ كان يجب على المجتمع أن يكرم ويستذكر تلك الفنانة التي ألهمت شعباً كاملاً.

وتضيف الباحثة أن "المرأة الأهوازية كانت تجيد الشعر والغناء والرقص على طريقتها المنبعثة من ثقافتها الأهوازية، بل كانت هناك أوقات في من النهار -لا سيما عند زوال الشمس- مخصصة للغناء والشعر"، وقد قدمت فاطمة أبحاثها ودراساتها في كتاب "ترانيم أهوازية"، وهو الكتاب الأول من نوعه في هذا المجال والذي سيصدر في مستقبل قريب.

لم نسمع اليوم موسيقى "البنيّة" أو "العلوانية" من حنجرة امرأة أهوازية، فتحولت النساء من مبدعات ومؤديات لهذا النمط خلال القرنين الـ19 والـ20، إلى مستمعات يتذوقنه فحسب، ولكن ثمة فنانات يحاولن إحياء الغناء النسائي الأهوازي، ومنهن النجمة مِينا دريس، التي أقامت حفلاتها في العاصمة طهران، وفي الدوحة، وباريس، وبرلين، وأمريكا، وفاطمة تميمي وغيرهن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image