اللغة الفارسية في إيران، البلد المكون من الأتراك والأكراد والعرب والبلوش إلى جانب الفرس، هي اللغة الرسمية للبلاد وقد ساهم كثير من نخب القوميات الإيرانية في إثراء اللغة الفارسية أدباً وفناً وثقافة، ولا تستثنى الموسيقى في هذا المجال، فعلى وقع أنغام الموسيقى الفارسية، أسهم فنانون من أصول عربية في إثراء الوسط الفني الغنائي حتى تمكنوا من تكوين جمهور خاص بهم يحضر حفلاتهم وينشر أغانيهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويتحمس للدفاع عنهم وينتظر جديدهم بلهفة.
في هذا المقال نتطرق إلى المسيرة الفنية لأربعة من هؤلاء المطربين/ات الشباب الذين سطع دورهم خلال السنوات الأخيرة في الأغنية الفارسية رغم أنها ليست لغة الأم بالنسبة لهم، ويشترك هؤلاء النجوم بانتمائهم إلى الأهواز، الإقليم العربي الواقع في جنوب غربي إيران، والتفاخر بهويتهم العربية.
مهدي يرّاحي عازف وملحن ومغنّ
في عائلة مثقفة ولد مهدي يرّاحي في الأهواز عام 1981، وفي بداية شبابه هاجر إلى العاصمة طهران لممارسة هواياته باحتراف، فأتقن العزف على القيثارة والبيانو، وتعلم التلحين حتى لحن لبعض من الفنانيين الإيرانيين، ومن ثم دخل عالم الغناء عبر التلفزيون الإيراني. خلال مسيرته الفنية التي لا تتجاوز عقدين من الزمن، بات يرّاحي من أبرز مغني البوب في إيران، وأقام حفلات في معظم المدن الإيرانية خلال السنوات الأخيرة.
براعته في التلحين والعزف جعلت منه فناناً قادراً على خلق أعمال فنية تنافس أبرز المطربين الفرس في إيران حيث استلم يرّاحي جائزة "باربُد" عام 2018 كأفضل مغني بوب إيراني في مهرجان فجر بطهران، وقد استمع الملايين إلى أغانيه عبر المنصات الرقمية.
أعادت مينا دريس أداء أغانٍ من التراث العربي والفارسي ولاقت استحسان جمهورها
لقصائد الشاعرات الإيرانيات حضور لافت في أغاني يرّاحي، صاحب الصوت الجميل الذي يغني بالفارسية بحنجرة عربية، مما جعلته يتميز عن الآخرين بعذوبة صوته الشجي.
وإلى جانب الغناء الإيراني، يعني مهدي بالعربية أيضاً وسبق وأعلن عن إصدار ألبومه العربي الأول، لكن منعه من الغناء وأي نشاط آخر في البلاد منذ عام 2020 حال دون تقديمه هذا الألبوم. وتمنع السلطات الإيرانية يرّاحي من مزاولة أي عمل فني داخل البلاد بسبب مواقفه السياسية والاجتماعية وتوجيه النقد للسلطات عبر أغانيه التي أخذت طابعاً اجتماعياً خلال العقد الأخير، كما أن نشاطه في الدفاع عن حقوق الشعب والناشطين الذين يتعرضون للمضايقات الحكومية، عززت منعه من القيام بأي نشاط فني واجتماعي.
مينا دْرِيس... فيروز إيران
في مدينة عبادان إحدى مدن الأهواز (محافظة خوزستان)، ولدت مينا دريس عام 1983. كانت بدايتها الفنية في المدرسة، حيث حازت على المرتبة الأولى على صعيد إيران في مسابقة الفرق الإنشادية للطالبات. وخلال أيام الجامعة شاركت مينا في صفوف تدريب الغناء في المعاهد الأهلية بطهران وشجعها المدرسون على الغناء بالعربية. وبعد الطرب بلغة الأم ها هي تغني اليوم بالفارسية والكردية والتركية.
صوتها مكتمل القوة والمرونة، فتنتقل بين المقامات بحرفية، كما أنه يصنف كصوت نسائي غليظ (ألترو أو الألتو)، وهي تغني على طريقة غناء أم كلثوم وفيروز؛ هكذا يفسر الباحث الموسيقي محمود المشهودي، المساحة الصوتية للفنانة مينا دريس وطريقتها في الأداء على المسرح الذي يشد انتباه الجمهور لحلاوته.
وبما أن السلطات الإيرانية لا تسمح للنساء بالغناء إلا في الحفلات النسائية أو الغناء برفقة صوت رجالي، فغنت مينا مع مطربين آخرين في جميع حفلاتها العامة ضمن فرق غنائية كلاسيكية، کما أعادت أداء أغانٍ من التراث العربي والفارسي ولاقت استحسان جمهورها.
مينا التي تعتبر من المطربات البارزات في الوسط الفني الإيراني، غنت في حفلات في كل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وقطر، وتعد هذه البلدان محطاتها الدولية للغناء وإبراز موهبتها في الطرب بأكثر من لغة في المهرجانات الغنائية هناك وبرفقة الفرق الإيرانية.
وإلى جانب الغناء، رافقت مينا نجمّات السينما الإيرانية في التمثيل بمسرحية تعكس مشاكل النساء المدمنات، وقد نالت إعجاب الفنانين لقدراتها في التمثيل. ومازالت مستمرة في إبراز مواهبها عبر تمكنها من الغناء باللهجات المختلفة والمنوعة للقوميات والمدن المتعددة وحتى دون رفقة الآلات الموسيقية، فقدرتها على الغناء لاقت ترحيباً واسعاً من الأساتذة والموسيقيين في البلاد.
مهدي صاكي... الممثل والمطرب والشاعر
ولد مهدي عام 1974 في الأهواز، مثّل في عدة أفلام ومسرحيات، وإلى جانب موهبة التمثيل فقد مارس الغناء على طريقة "موسیقی الفیوجن" ضمن فرقته الغنائية (كَمَاكان). يغني مهدي بأسلوبه الجميل باللغتين العربية والفارسية أغانيَ فولكلورية إلى جانب قصائد عدة لجلال الدين الرومي، كما يعمل في معظم أغانيه على مزج الأغاني العربية والفارسية بتوزيع جديد وآلات موسيقية غربية.
ما يميز أسلوب مهدي أن مشاعره وأحاسيسه في الأداء تجعل السامعين يتعايشون مع أغانيه التراثية. ومن أجمل أغانيه القصيدة التي غناها لجلال الدين الرومي بأسلوبه الخاص المفعم بالحيوية والأحاسيس: "أنا طلبٌ في طلب، أنت طرب في طرب/طربك علق بطلبي فانقلبت رأساً على عقب".
في فناء مقهى شعبي بالعاصمة طهران يقيم مهدي صاكي حفلاته الموسيقية ضمن فرقته (كماكان) لجمهوره، وقلما يغني على المسارح الشهيرة وحتى عند ما يقرر الطرب لجمهوره في أنحاء البلاد، يفضل أن يجري حفلاته بالمقاهي التقليدية كما فعل في مدينة بوشِهْر خلال الشهر الماضي وتضامناً مع عيد نوروز في إيران، وهذا الاختيار يتناسب تماماً مع نمط الأغان التي يؤديها. وكان معرض إكسبو دبي 2020 آخر منصة دولية غنا عليها صاكي وفرقته بعد مهرجان برلين.
"ترعرعتُ في بيت عربي في الأهواز وكبرت في مجتمع فارسي حيث درست، لذا تغذيت من الثقافتين، وأصبح حبي للشعر والموسيقى الفارسية والعربية متلازماً"... المطرب العربي الإيراني مهدي صاكي
وعن أسباب الغناء باللغتين الفارسية والعربية، تحدث مهدي لنا قائلاً: "ترعرعت في بيت عربي في الأهواز وكبرت في مجتمع فارسي حيث درست، لذا تغذيت من الثقافتين، وأصبح حبي للشعر والموسيقى الفارسية والعربية متلازماً، كما أن الموسيقى هي لغة بلا حدود".
يبدو أن التمثيل والطرب لا يكفيان لإظهار كل ما يهواه مهدي صاكي ويمارسه، فقد نشر ديوانه الشعري تحت عنوان محبوبتي (محبوبه من) بالفارسية قبل أعوام. وموهبته في العشر جعلته متمكناً من دمج الشعر العربي المأخوذ من الفلکلور الأهوازي والشعر الفارسي في أغانيه.
أحلام... من لاعبة محترفة إلى مغنية بوب
من أب عربي وأم فارسية، ولدت أحلام إسماعيلي في مدينة إصفهان عام 1991. وبعد أن مارست كرة القدم باحتراف في الدوري الممتاز الإيراني للنساء، تركت هذه الرياضة بسبب المضايقات والإهمال للرياضة النسائية ، وتوتجهت إلى دبي للإقامة والغناء بتشجيع من شقيقها بنيامين وهو بدوره مغنّ غير شهير في إيران، وفق ما نشرته وسائل إعلام محلية.
أصبحت أحلام مغنية بوب بالفارسية والعربية، بصوت ليس محترفاً، حيث تعتمد المطربة على إحساسها وأداء الرقص وإطلالاتها في الأغاني المصورة (فيديو كليب)، حسب الباحث الموسيقي محمود المشهودي.
ولأحلام حفلات غنائية في دول عدة أهمها أمريكا وبريطانيا حيث الغناء للجاليات الإيرانية المقيمة هناك أمر رائج، إضافة إلى حفلاتها في دبي وحضورها المستمر في القنوات الفارسية التي تبث من أوروبا، كما أنها ممنوعة من الغناء في مسقط رأسها.
ورغم تواضع صوتها، وعدم تقديمها شيئاً مختلفاً فنياً عن البقية حتى الآن، إلا أن أغانيها المصورة حصدت ملايين المشاهدات على اليوتيوب، ووصل عدد متابعيها على إنستغرام إلى مليوني متابع، ذلك أنها تعمل کعارضة أزياء لماركات دولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...