"إنجاز تاريخي"، هكذا يصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ويصادق على قوله عدوّه اللدود الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بقوله إنه "إذا تم الاتفاق فهو إنجار تاريخي"، داعياً إلى الفرح والتصفيق وأكل العنب بدلاً من قتل الناطور كما يقول المثل الشعبي السائد.
أبصر "المولود" حسب ما أسماه نصر الله، في خطابه الأخير يوم أمس الثلاثاء، النور بملف رسميّ مفصّل نشرته الولايات المتحدة اشتمل على تفاصيل الاتفاق الأخير بين "الطرفين" اللبناني والإسرائيلي، وينتظر المصادقة عليه في الناقورة.
تأتي هذه التطورات بعدما كان لبنان وإسرائيل قد أبديا ملاحظات على مسودة اتفاق سابقة أرسلها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتين، إلى الطرفين، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
فرحة عارمة علت وجه رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في صورتهما في قصر بعبدا التي انتشرت بعد انتهاء المفاوضات، وبدورها كانت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا، ضاحكةً ومستبشرةً وهي تهنّئ الرئاسة اللبنانية والشعب باتفاق الترسيم على غرار ما فعله رئيس بلادها جو بايدن، من اتصالات تهنئة وتبريك، إذ تحدثت شيا عن بدء التعافي والتأسيس للبنان مزدهر.
وكأنه "عرس وطني" يحتفل الجميع به. لكن هل يستدعي الاتفاق في عمقه هذه الفرحة؟ هل يُعدّ فانوساً سحرياً لحل كافة أزمات لبنان؟ وهل يقترب من التطبيع مع العدو؟ أسئلة مشروعة ومطروحة على مواقع التواصل الاجتماعي من ناشطين/ ات لبنانيين/ ات يتحفظ بعضهم/ نّ على الترسيم، تنتظر الإجابة.
لبنان حصل على مطالبه في شأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وبيروت ستحصل على كامل حقوقها في ما يتعلق بالغاز
نائب رئيس مجلس النواب اللبناني وكبير المفاوضين اللبنانيين الياس بوصعب، كان قد صرّح بأن لبنان حصل على مطالبه في شأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وبأن بيروت ستحصل على كامل حقوقها في ما يتعلق بالغاز من حقل قانا.
في المقابل، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا: "جميع مطالبنا تمت تلبيتها، والتغييرات التي طلبناها تم تعديلها. حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية ونحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي".
"المكمن المحتمل" وحقوق لبنان
نصّ "الاتفاق التاريخي" صدر اليوم شارحاً ومفصّلاً كل الحقوق والواجبات ونقاط النزاعات على أن يعتزم الطرفان حل أي خلافات في شأن تفسير هذا الاتفاق وتطبيقه عن طريق المناقشات التي تقوم الولايات المتحدة بتيسيرها وفق البيان الذي تناول حقوق لبنان في "المكمن المحتمل".
والمكمن المحتمل هو تعبير متفق عليه بين الطرفين المتنازعين والوسيط الأمريكي، للتعبير عن البلوك رقم 9 اللبناني والبلوك رقم 72 الإسرائيلي، بحيث ستصبح لدى لبنان منذ تاريخ توقيع الاتفاقية صلاحيات كبيرة في التنقيب عن الموارد الهيدروكاربونية والاستفادة منها، شرط أن تتولى المهمة شركة أو شركات ذات سمعة طيبة، دولية، وغير خاضعة لعقوبات دولية، وألا تعيق عملية التيسير المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة وفق ما ورد في البيان الرسمي للولايات المتحدة.
إذاً، النظرة العمومية والسطحية تشي بأن لبنان سيصبح بلداً نفطياً وستدرّ عليه عائدات النفط ما ينتشله من غرقه في الديون والعجز والأزمات. هذه الرواية التي تتبناها المنظومة الحاكمة وتحاول تصديرها إلى الشعب الذي حفيت أقدامه من الوقوف على محطات البنزين طوال السنوات الثلاث الماضية، أو من الركض خلف رغيف الخبز المحكَتر والدواء المقطوع.
"حلّ أزمة لبنان بالنفط"، هي عبارة أعلنها نصر الله في سلسلة خطاباته الأخيرة منذ أيار/ مايو 2022 وحتى انتهاء المفاوضات وبدء العمل على توقيع الاتفاق، كما رأى رئيس الجمهورية ميشال عون أن الاتفاق النفطي سينتشل لبنان من الهاوية.
لا إفادةً فعليةً؟
يعبّر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، لرصيف22، عن رأي معاكس تماماً، فـ"لبنان ليس بلداً نفطياً بعد. ما نسمعه هو مجرد أحاديث إعلامية ولا يمكن التهليل لأوهام، بمعنى أنه لو بدأنا بالتنقيب عن النفط والغاز اليوم فلن نحصل على عائدات قبل ثلاث إلى أربع سنوات، بينما ستبقى الأزمة الاقتصادية مستمرّةً. الاستفادة معنوية أكثر إذ ستصبح للبنان حدود مرسّمة وحقوق واضحة وربما يكون للاتفاق أثر اقتصادي جيد لكن على المدى البعيد".
طالما أن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان هي نفسها، فمهما استخرج لبنان من النفط والغاز لن يكون نموذجاً ناجحاً، بل الأرجح أن يكون عراقاً ثانياً
ويشدّد مارديني على ضرورة فهم الأمور بواقعية بعيداً عن التضخيم، "فالمرحلة الأولية هي اكتشاف ما إذا كان هنالك نفط، وكميّته، والأسواق المحتملة له، وبعد ذلك ضرورة عدم تسليم مكامن الثروة النفطية للطبقة السياسية الحالية". ويضيف: "لا يجب أن تكون الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن هذا الملف عبر إنشاء صندوق سيادي أو ما شابه. الشعب اللبناني لا يثق بهم بعد هدرهم لكل مقدّرات البلد السابقة، وإيصاله إلى ما هو عليه. الحل الوحيد لمنع فتح باب جديد للفساد يكون بتمليك الشعب عائدات هذا النفط عند صدورها وفق طرق منهجية وعبر أطراف موثوقة".
وتتوسط الولايات المتحدة منذ عامين بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق يهدف إلى ترسيم حدودهما البحرية وإزالة العقبات أمام التنقيب عن النفط والغاز، علماً أن البلدين يُعدّان في حالة حرب وتهديد دائمة إذ شنّت إسرائيل حروباً واعتداءات عدة على لبنان، بعد انسحابها من جنوبه عام 2000، كان أبرزها حرب الـ33 يوماً في تموز/ يوليو 2006.
لبنان يطبّع؟
يستبعد الباحث والأستاذ الجامعي علي مراد، فكرة التطبيع التي غلبت على أحاديث اللبنانيين في الأشهر الماضية. "هناك توقيع غير متزامن، لبنان وإسرائيل لن يوقّعا على الوثيقة نفسها والاتفاق بالفعل هو رسم خطوط أكثر منه ترسيم حدود، وليس اتفاق سلام على الإطلاق"، يقول.
هنا، يشير مراد في حديثه إلى رصيف22، إلى "أنه بالرغم من أن لبنان وحزب الله لم يطبّعا مع إسرائيل، إلا أن مشكلة الحزب الجوهرية اليوم هي تعارض خطابات أمينه العام الأخيرة مع أيديولوجيته ومساره السياسيين منذ 40 عاماً. فماذا لو فعلت جهة غيره ما فعله؟ بالطبع كان سيواجهها بالتخوين المعتاد، وبلصق تهم العمالة بها. هناك تغيّر كبير في موقف الحزب يضعه موضع شك أمام جمهوره في الدرجة الأولى، والتغيّر الأهم هو في موقع لبنان ومستقبله".
حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية ونحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي
ويتحدث مراد، عن ارتباط لبنان اليوم بمعادلات إقليمية ودولية وأمن طاقة عالمي من جهة، ما اضطرّه إلى الوصول إلى هذا الاتفاق، ومن جهة أخرى عن قبول حزب الله وإعطائه "الضوء الأخضر" بحسب ما عبّرت رويترز، و"سبب ذلك رغبة الحزب في محاولة إعادة تعويم المنظومة وإيهام الناس بالنفط الموعود مقابل عدم قيام السلطة بأي إصلاحات جدية لحل الأزمات المتراكمة، فالحزب والمنظومة مجتمعَين يفتحان باباً جديداً للمحاصصة هو باب الموارد البحرية التي سيجري التنقيب عنها واستثمارها".
وبدأت شركة "إينيرجيان" للطاقة ومقرها لندن، الأحد الماضي، بإجراء اختبار للأنابيب بين الأراضي الإسرائيلية وحقل كاريش البحري للغاز في شرق البحر المتوسط.
الترقب الدولي
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وفي كلمته الأخيرة، خصّ بالشكر الإدارة الأمريكية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لما قاما به مع شركة توتال، إذ "تم الاتفاق على البدء بمراحل التنقيب فور الاتفاق النهائي"، وهنا يُفتح باب الترقّب على موقف المجتمع الدولي وطرق تعاطيه مع لبنان في المرحلة المقبلة بعد الترسيم، إذ عاش البلد أشهراً وسنوات من القطيعة العربية والدولية بسبب أداء حكّامه واستفحال الفساد في كافة مؤسساته.
"طالما أن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان هي نفسها، فمهما استخرج لبنان من النفط والغاز لن يكون نموذجاً ناجحاً، بل الأرجح أن يكون عراقاً ثانياً، فالعراق بلد يعوم على النفط، لكنه غارقٌ في الفساد والانقسام السياسي أيضاً"، يقول علي مراد.
وبالرغم من أن نصر الله غمز من قناة أن حدود بحر لبنان في غزة، ولا مشكلة مع الفلسطينيين عليها، إلا أن العيون اليوم تتجه نحو الناقورة التي ستحتضن وفداً لبنانياً ووفداً إسرائيلياً، كلاً على حدة، لإتمام التواقيع الأخيرة على ملف الترسيم، وبعد ذلك الكلمة لقانا وكاريش وما بعدهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه