في عام 1932، عقد المؤتمر الثاني والأخير للمرأة الشرقية (نسوان الشرق) في طهران بمشاركة ممثلات من ستة عشر دولة بهدف تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة. وترأست هذا المؤتمر نور حمادة، الناشطة النسوية في سوريا ولبنان، والتي كانت قد عقدت أول مؤتمر في دمشق قبل عامين من ذلك (1930).
بدأت نور حمادة قبل ذلك فعالیاتها فی إطار جمعیات وحرکات في لبنان وسوریا، وكانت تعود تلك الحرکات إلی النهضة الأدبیة النسویة في العقود الخمسة الماضیة في سوریا ولبنان.
تأسست بعد ذلك تدريجياً، حرکات و جمعیات عدیدة في المجالات الأدبیة والاقتصادیة والاجتماعیة في بیروت. وکان هناك 30 جمعیة نسویة قبل الحرب العالمیة في بیروت، حیث عملت حمادة علی جمع رئیساتها وإنشاء "الاتحاد السوري – اللبناني".
وکانت تعتقد حمادة أن عدد الأعضاء المسلمات في تلك الجمعیات قلیل جداً بالنسبة لغیر المسلمات، وعزت سبب ذلك إلى تعصب الرجال ومنعهم النساء من القيام بالأنشطة الاجتماعية، الأمر الذي جعلها تعمل علی إنشاء جمعیة جدیدة للنساء المسلمات تحت عنوان "عصبة المحمدیات".
عندما بلغ عدد أعضاء الجمعیة 500 امرأة من الشیعة والسنة والدروز، قامت حمادة بضم نساء مسیحیات ضمن تأسیس جدید أطلقت علیه "المجمع النسائي العربي".
ثم بدأت حمادة الدعوة إلی إنشاء مؤتمر عام للمرأة العربیة حیث بدأت دعوتها بإرسال رسالة إلی رائدة الحرکة النسویة فی مصر، هدی الشعراوی، سائلة إیاها الموافقة علی إقامة المؤتمر في دمشق إذا ما کانت موافقة علی ذلك.
هدى الشعراوي
عندما کانت حمادة تمهد إلی إقامة المؤتمر زار وفد نسوي هندي دمشقَ، وطلب منها ألا یکون المؤتمر للمرأة العربیة دون غیرها، بل للمرأة الشرقیة عموماً. أدی ذلك إلی اتخاذ المجمع النسائي العربي قراراً بتنظیم المؤتمر العام للمرأة الشرقیة مبیناً معنی "نسوان الشرق" الذي استخدم في العنوان بالإیضاح: عندما نقول نسوان الشرق لا نعني آسیا وحدها، بل شرق أوروبا وجزءاً کبیراً من إفریقیا وأسترالیا أیضاً.
أقیم في شباط/نوفمبر 1932 مؤتمر "نسوان الشرق" في دورته الثانیة بمشارکة ممثلات نسویات من ترکیا وسوریا ولبنان والیونان ومصر وتونس والهند وأفغانستان والعراق والحجاز والصین والیابان وأسترالیا وزنجبار ودول أخرى، واستمر لستة أیام علی التوالي
کان من الصعب تنظیم المؤتمر آنذاك، حیث کانت سوریا تخضع للانتداب الفرنسي. عملت نور حمادة لمدة شهرین من أجل الحصول علی ترخیص لإقامة المؤتمر، وبالتالي عندما لم تنجح في زیارة المفوض السامي لفرنسا، وجهت رسالة إلی الأمم المتحدة رافعة الأمر إلیها، شاکیة من تقصیر حکومة الانتداب في إصدار الترخیص. کما طالبت المجتمع الدولی وجمعیة الاتحاد العالمي للمرأة بإیفاد ممثل للإشراف علی المؤتمر وإعداد تقریر من فعالیاته.
وبالتالی نجحت حمادة برفقة مجموعة من النساء البارزات في لقاء المفوض السامي للانتداب الفرنسي الذي قال لها کیف تجرأت إعلان دمشق مقراً للمؤتمر ودعوة الجمعيات النسوية وممثلاتها قبل أن یأذن لها بذلك؟.
وبالمقابل أشارت حمادة إلى رسائلها المكررة على مدى شهرين، والتي طلبت فيها زيارته، ولم تحظ برد. وبالنهاية هكذا تمت الحجة علی المفوض الفرنسي بأنه إن لم یسمح لها بتنظیم المؤتمر "ستذهب هي وضیفاتها إلی البراري لتقیم المؤتمر تحت ظل الأشجار، حیث لا جدار یحیط بها ولا سماء تعلوها إلا السماء، وبالتالي لن یحق للحکومة اعتراضها"، وفي النهایة صدر الترخیص.
قدسية أشرف
أقیم عام 1930 المؤتمر الأول بمشارکة ممثلات من مختلف الدول والجمعیات حیث مثلت إیران "قدسیة أشرف"، ویبدو أن بلاغتها في النطق کانت مؤثرة في قرار المجمع بتنظیم الدورة الثانیة من المؤتمر في طهران.
کان من المقرر تنظیم المؤتمر کل عامین في إحدی الدول الشرقیة، ثم یلي کل مؤتمر اجتماع في لبنان للمصادقة علی ما یصدر عنه.
وبعد عامین علی المؤتمر الأول، في تشرين الأول/أکتوبر 1932، ذهبت نورحمادة وصديقتاها (حنیفة خوری بالنیابة عن المرأة المصریة، وفاطمة سعید مراد بالنیابة عن المرأة السوریة) إلی طهران.
واستمرت الاستعدادات لعقد المؤتمر الثاني، شهراً بأکمله، حیث شهدت طهران عقد ندوات واجتماعات نسویة مکثفة بمشارکة جمعیات نسویة إیرانیة.
وأقيم المؤتمر الثاني في طهران، باستضافة جمعیة "النساء الوطنیات" الإيرانية التي تأسست شباط/فبرایر 1923 علی ید الناشطة الإيرانية "محترَم إسکندری" وعدد من صديقاتها.
وقُبیل المؤتمر کان موضوع الحجاب نقطة اختلاف رئیسیة بین المشاركات في المؤتمر. فکان البعض یشجع منع ارتداء الحجاب والبعض یرفض ذلك، وفي النهایة، ونظراً لتصاعد الخلاف، أعلنت نور حمادة أن المؤتمر لن یخوض هذا الموضوع مستقلاً.
وأقیم في شباط/نوفمبر 1932 مؤتمر "نسوان الشرق" في دورته الثانیة بمشارکة ممثلات نسویات من ترکیا وسوریا ولبنان والیونان ومصر وتونس والهند وأفغانستان والعراق والحجاز والصین والیابان وأسترالیا وزنجبار ودول أخرى، واستمر لستة أیام علی التوالي.
وفي الیوم الأول من المؤتمر، حاضَرت ممثلات نسویات من الیابان ومصر والهند وسوریا والعراق ولبنان حول وضع المرأة في دولهن، وذلك بعد کلمات افتتاحیة ألقیت من قبل منظمات المؤتمر، وقراءة رسالة التحالف الدولي للمرأة (International Alliance of Women) الموجهة إلی المؤتمر.
أقیم عام 1930 المؤتمر الأول بمشارکة ممثلات من مختلف الدول والجمعیات حیث مثلت إیران "قدسیة أشرف"، ویبدو أن بلاغتها في النطق کانت مؤثرة في قرار المجمع بتنظیم الدورة الثانیة من المؤتمر في طهران
وأظهرت محاضرات الیوم الأول الفرق الشاسع بین الوضع الذي تعیشه المرأة في الدول المختلفة؛ علی سبیل المثال في العراق کانت المرأة تعاني من وضع اجتماعي متردٍ قبل 20 عاماً من عقد المؤتمر، وکان تعلیم الفتیات إشکالیة أساسیة، ولکن وضع المرأة بدأ یتحسن وقتها، وأخذت تحصل علی حقوقها، بحسب ممثلات المرأة العراقية في المؤتمر.
في المقابل زعمت ممثلة لبنان أن المرأة هناك تتمتع بأکثر حریة مقارنة بالدول الشرقیة الأخری، و"المرأة هي تتصرف بحقوقها"، وأن حق المرأة کالرجل في المدارس العلیا والمؤسسات والدوائر.
وعرضت ممثلة الیابان شرحاً وافیاً من وضع المرأة وتعلیم الفتیات في بلادها، کما قدّمت موجزاً تأریخیاً من الحرکة النسویة خلال الأعوام الخمسين الماضیات في الیابان، حیث طالبت المرأة من خلالها بالمساواة.
وفي الأیام التالیة قدمت عدد من الناشطات الإیرانیات محاضرات حول قضایا کثیرة، تضمنت المساواة وإشکالیات قانون الزواج والطلاق، ونظرة موجزة، وما جاء في هذه المحاضرات كان یدل علی أبرز هواجس المرأة الإیرانیة آنذاك.
وکان أحد المحاضرین الإيرانيين "هُمایون تاج کاووسیان" الذي تحدث حول المساواة بین المرأة والرجل، حیث زعم أنه کلما تقدم البشر تراجع مستوی الحب والمؤازرة بین الزوج والزوجة وحل الظلم محل العدل والحب في ضمیر الرجل المتحضر. وتدریجیاً تم نسیان التلازم بین المرأة والرجل، وأصبحت المرأة في الأسر.
ثم قال: "نحن لانعني هنا محاربة الرجل بل نرید التمسك بالمنطق والدلیل لنوضح أن السعادة في المساواة والحب والتقارب الحمیم، وکل ما تقدم الانسان ونمی فکرياً وروحياَ، فضّل المساواة بین الرجل والمرأة ولم یحول دون ذلك".
وقالت الناشطة الإيرانية "إیران آراني" في کلمتها إن المرأة تطالب بالحریة الطبقیة، وأن یُحترم شأنها في المجتمع، وأن تُحفظ حقوقها، مؤکدة أن أول خطوة تتمثل في إیجاد فرص عمل للمرأة والاهتمام بتطویر المرأة بقدر مستوی الاهتمام بتطویر الرجل.
وأضافت: "لا یمکن أن یکون هناك مجتمع یتفوق رجاله کثیراً علی النساء لأن تطور کل جنس یرتبط بتطور وتقدم الجنس الآخر". واعتبرت "إيران" الحرکة النسویة حرکة اجتماعیة عامة.
وأثناء المحاضرات کان یتم التوصل إلی قوانین تعکس مطالب المرأة، حیث کان یتم الإعلان عنها في المؤتمر ومناقشتها حتی توصل المؤتمر إلی 22 مادة تمت المصادقة علیها؛ أهمها: بعد التخرج المرأة یمکن للمرأة أن تطالب الحکومة بحق المشارکة في الانتخابات، وإعلان التعلم الابتدائي للطلاب والطالبات مرحلة إلزامية، والتعلیم العالي مرحلة غير إلزامية، وإقرار الحریة للمرأة والرجل بشكل متساو، ومساواة الأجور في حال کانت الأعمال والرتبة والشهادة متشابهات، ومطالبة الحکومة بإنشاء روضة أطفال في مختلف المدن، وأن یتم الطلاق وفق المعاییر الشرعیة ولیس العرفیة، ووضع قانون للزواج، وتأکید أهمیة استخدام المنسوجات الوطنیة في الألبسة، والدعایة إلی استخدام المنتجات الوطنیة.
رغم إقرار میثاق المؤتمر صراحة بطباعة المحاضرات في کتاب بلغة الدولة المضیفة بالإضافة إلی العربیة والفرنسیة، وتأکید أهمیة هذا الإجراء خلال الدورة الثانیة من المؤتمر التي أقیمت في طهران، ولکن لم یتم العثور علی أي کتاب مستقل بتلك اللغات.
کان مؤتمر نسوان الشرق الثاني الذي أقیم في طهران آخر مؤتمر أقیم تحت هذا العنوان، إذ تلت مؤتمر إسطنبول حروب في مختلف دول العالم
وفی ما یخص جمع بیانات المؤتمر یجب الإشارة إلی جهود المؤرخة والمدرسة فی فرع الدراسات النسویة الإيرانية "أفسانه نجم آبادی" التي أصدرت بالتعاون مع "غلام رضا سلامي" کتاب "حرکة نسوان الشرق"، والذي یتیح لنا العثور علی محاضرات ووثائق متبقیة من ذلك المؤتمر.
وأقیم المؤتمر في دورته الثالثة في إسطنبول، حیث اندمج بمؤتمر آخر لممثلات الدول الغربیة لتزامنه مع الأخیر.
في الحقیقة، کان مؤتمر نسوان الشرق الثاني الذي أقیم في طهران آخر مؤتمر أقیم تحت هذا العنوان، إذ تلت مؤتمر إسطنبول حروبٌ في مختلف دول العالم، وبالتالي دخل العالم الحرب العالمیة الثانیة، کما أن بعض التطورات الداخلیة والسیاسیة في الکثیر من الدول الأعضاء حالت دون تنظیم الجمعیات النسویة مؤتمراً مستقلاً آخر تحت عنوان "نسوان الشرق".
مما یلفت النظر في المؤتمر النسوي الدولي المشار إلیه، هو أنه کان یجمع بین نساء من مختلف نقاط العالم لأیام عدیدة، وکانت هؤلاء النساء یترکن الأثر المتبادل البالغ علی جمعیات وفعالیات بعضهن بعضاً. وبالإضافة إلی الوحدة بينهن، کانت تدعم کل منهن الأخریات في مطالبتها بحقوقها. فکان المؤتمر محلاً للتعلیم وتبادل المعلومات والأفکار بین النساء من تلك الدول.
التأکید على الوحدة بین النساء بغض النظر عن انتماءاتهن الدینیة والطائفیة وتسلیط الأضواء علی المساواة بین المرأة والرجل، كان يجمع نساء من ثقافات ومعتقدات مختلفة من دول مختلفة. واستطاعت تلك الحرکة أن تترك أثراً علی دعم المساواة في حقوق المرأة والرجل، وعلى تنمیة ووعي المرأة والرجل في الدول الأعضاء، ودعم الحرکات المطالبة بحقوق المرأة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 15 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين