أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي، مهدي المشاط، الاثنين 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، عن بدء سريان العمل بـ"مدونة السلوك الوظيفي" التي صيغت بـ"أسلوب تربوي" لـ"تهذيب السلوك وزرع القيم" وضبط "أخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة".

أثار القرار لغطاً في مناطق سيطرة الحوثيين واتهاماً مباشراً للجماعة بالسعي إلى "إلهاء المواطنين والهروب من القضايا الوطنية الملحة" ومنها العجز عن توفير رواتب الموظفين الحكوميين. علاوة على انتقادات عديدة أخرى تتصل بمحاولة تسييس العمل الرسمي ومخالفة الدستور اليمني والقوانين المعمول بها.

علام تنص؟ وإلام ترتكز؟ 

تُستهل المدونة بتبرير من المشاط لأسباب إصدارها، وهي نص "الاعتزاز بهويتنا الإيمانية، وتعزيز مسار تصحيح أداء مؤسسات الدولة وكادرها الوظيفي في مختلف المستويات". كما كتب "يُنظر إليها نظرة مقدسة، نظرة أخلاقية ودينية وقيمية وإنسانية". وشدد على ضرورة الالتزام بتطبيقها "كأحد معايير التقييم الوظيفي والمؤسسي".

ترتكز على القرآن والسنة وخطب عبد الملك الحوثي... الحوثيون يُلزمون جميع الموظفين الحكوميين بـ #مدونة_السلوك_الوظيفي، وانتقادات واسعة لبنودها. هل تمثل "محاولة تسييس للعمل الحكومي"؟

من الأهداف المزعومة الأخرى التي تضمنها نص المدونة: "تعزيز وتقوية روح الولاء لله ورسوله، تصحيح مفهوم الوظيفة العامة باعتبارها خدمة للناس وإحساناً إليهم وعبودية لله، إرساء معايير ومبادئ وقواعد سلوك إيمانية وأخلاقية لتعزيز القيم المهنية التي تحكم علاقات الموظف بزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه ومتلقي الخدمة، رفع كفاءة وفعالية أداء وحدات الخدمة العامة، الامتثال والاحترام للقوانين وتنفيذ الأنظمة واللوائح، حفظ الكرامة الإنسانية للموظف والمستفيدين من الخدمة، تعزيز الثقة والاحترام المتبادلين بين الموظف والمواطنين، وترسيخ أسس الرقابة الذاتية التي تحصن الموظفين من الوقوع في الفساد".

ويُشار إلى أن الأسس التي ارتكزت عليها المدونة هي "القرآن، والهدي النبوي، وعهد الإمام علي لمالك الأشتر، دروس ومحاضرات من هدي القرآن، وخطابات ومحاضرات قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، والهوية الإيمانية والآداب الأخلاقية الإسلامية". أما المراجع التي استشهد بها، فهي "الدستور اليمني والقوانين ذات العلاقة، ووثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية، واللوائح والعرف الإداري، والعادات والتقاليد الحميدة، ومدونات بعض الدول العربية".

يُلزم جميع موظفي الحكومة التابعة للحوثيين، حاليين ومستقبليين، بالمدونة. بعد دورات ولقاءات للتعريف بمحتواها وأهمية الالتزام به، "يقوم جميع الموظفين بتوقيع تعهد خطي بالالتزام بما جاء في المدونة" على أن يُحفظ هذا التعهد في ملفه الوظيفي. بالنسبة للموظفين الجدد، فـ"لا يتم استكمال إجراءات التوظيف أو التعيين لشغل الوظيفة العامة إلا بالتوقيع على تعهد الالتزام بالمدونة".

في المقابل، "أي مخالفة لأحكام هذه المدونة تستوجب المساءلة واتخاذ الإجراءات والعقوبات التأديبية والجزائية، وفقاً للقوانين والأنظمة ذات العلاقة".

لا تُناسب غير المسلمين؟

فور الإعلان عن المدونة والإطلاع على بنودها، أعرب العديد من اليمنيين عن انزعاجهم من القرار الذي رأى فيه بعضهم "محاولة إلهاء" وانصراف أو حتى هروب من القضايا الوطنية الملحة، ومن أبرز ما يتعلق منها بالموظفين الحكوميين هي الرواتب المتأخرة.

من ضوابط مكافحة الفساد، في #مدونة_السلوك_الوظيفي، "استشعار الرقابة الإلهية وتقوى الله". يمنيون يعتبرون ذلك "هروباً من القضايا الملحة للمواطن والقضايا الكبرى للوطن"

وقال معلقون إن بها "مخالفة للقوانين وخرقاً كبيراً للدستور اليمني" لأنها "صدرت بقرار من المجلس السياسي الأعلى، دون مروره عبر مجلس  النواب"، وكذلك "محاولة تسييس للعمل الرسمي". فانتقد الصحافي مجدي عقبة "من ضمن البنود حمل الروح الثورية والمشاركة في إحياء المناسبات الدينية والوطنية، يعني إذا ما شاركت في إحياء عاشوراء وقدوم الإمام الهادي أنت مفصول".

ومن المبادئ السياسية في المدونة "تبني مواقف واضحة من أعداء البلد والأمة والاشتراك بفعالية في أنشطة التعبئة العامة" و"مقاطعة وسائل الإعلام المعادية والمشبوهة والتحذير منها".

وغرّد عضو مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن، عبد الله يحيى العلفي: "أرفض رفضاً مطلقاً الوصاية الدينية التي تسعى سلطة صنعاء إلى فرضها على موظفي الدولة من خلال ما سُمي ‘مدونة السلوك الوظيفي‘"، معتبراً "هذه المدونة لا تمثلني كمواطن يمني ولد حراً وعاش بكرامة وسيموت بكرامة". وختم بالمطالبة بـ"قوانين وطنية تحترم إنسانية الإنسان وتنبذ الوصاية بكل أشكالها".

من المبادئ التي لا تُناسب غير المسلمين بالمدونة، وربما حتى لا تُناسب جميع المسلمين: "التوجه الإيماني (أي شدة الإيمان)، والاهتداء بكتاب الله والاقتداء برسوله، الالتزام بالفرائض الدينية" و"الالتزام بالضوابط الشرعية في بيئة العمل". من ضوابط مكافحة الفساد، وفق المدونة، "استشعار الرقابة الإلهية وتقوى الله". 

وسخر الصحافي أنس القباطي من ذلك بقوله: "مدونة السلوك الوظيفي تعني أن يقضي الموظف وقته في الجامع متعبداً في فترة السلم، وخلف المترس في فترة الحرب".

وزاد: "إنه الهروب من القضايا الملحة للمواطن والقضايا الكبرى للوطن. أيهما أولى: صرف المرتبات أم إصدار مدونة السلوك الوظيفي؟ كيف يمكن أن نسميه موظفاً والسلطة لا تدفع مرتبه؟ وكيف يمكن للسلطة أن تطبق على الموظف مدونة السلوك الوظيفي، وهي لا تلتزم بأبسط واجباتها وهو دفع مرتب الموظف؟".

صحافي يمني يختصر #مدونة_السلوك_الوظيفي، ساخراً: تعني أن يقضي الموظف وقته في الجامع متعبداً في فترة السلم، وخلف المترس في فترة الحرب 

برلماني يفنّد بنودها 

وفنّد البرلماني عبد بشر، عبر حسابه في تويتر، المدونة ودحض المزاعم الحوثية الواردة بها، لافتاً إلى أنه كان يرتقب -عندما أُعلن عن ﻛﻠﻤﺔ ﻫﺎﻣﺔ للمشاط، الإعلان عن "صرف المرتبات وإطلاق الأسرى وفتح الطرق والموانئ والمطارات وإحلال السلام" لا الإعلان عن مدونة تقوم على تقوى الله من "سلطة لا تتقي الله".

وأضاف أنه بينما "ذُكر في المدونة انها ميثاق شرف، والمتعارف عليه أن مواثيق الشرف يعدها ويتوافق عليها جميع شرائح الشعب، مكونات وأفراداً، وذُكر أنها تأتي في إطار التحوّل الذي يشهده بناء الدولة في مختلف الجوانب، ونحن لم نرَ أي بناء أو تحول في الدولة سوى الجانب العسكري فقط أما المدني فمن سيىء لأسوأ".

كما أوضح أن عنصر "رضى المواطنين"، عن الأداء العملي لوحدات الخدمة العامة، غير متحقق "بسبب إخفاق السلطة، وتجريف مؤسسات الدولة، والغلاء الفاحش، والفقر والمرض، والأدوية المنتهية الصلاحية، وعدم صرف المرتبات، والطرقات المخربة، وعدم تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وو…..". أما عن المرتكزات الأساسية للمدونة،  فإن "القرآن لم تعملوا به، الهدي النبوي لم تعملوا به، عهد الإمام علي لم تعملوا به، ولم تعملوا بالدروس والمحاضرات والخطابات، فتقوى الله توجب رفع الظلم والمعاناة عن المواطنين وأن لا يكون المحسن والمسيء سواءً".

وتابع بشر: "تضمنت المدونة الرعاية الشاملة للموظفين والاهتمام بهم مادياً ومعنوياً. الموظف والمعلم والأكاديمي بدون مرتبات يموتون جوعاً وفقراً ومرضاً وغلاءً ونهباً، والسلطة لم تقدم أي حلول أو بدائل أو صرف مما هو متوفر ومتاح".

وختاماً، رأى البرلماني اليمني أن "الجانب الإعلامي (في المدونة) معظمه تكميم الأفواه ومصادرة للحقوق والحريات".