شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أنا شاعر قنوع ولا أشتهي زوجةَ جاري

أنا شاعر قنوع ولا أشتهي زوجةَ جاري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 5 نوفمبر 202202:24 م

المفاهيم

رجلٌ هائمٌ أم أضحوكة؟

أنا في الثانية و الثلاثينِ من عمري، وعما قريب سأغادرها دون أدنى شعور بالإبهار. يتم تعريفي كشاعرٍ فحسب. يواجه الناس ذلك باستغراب بسيط في المصادفات، وفي مقرّ عملي لم يكد يصدق زملائي الأمرَ إلا بعد أن وجدوا اسمي بالفعل محفوراً على غلافِ كتاب.

لقد صورتْ المخيّلة الجمعية الشاعر كرجلٍ هائمٍ، متأمّلٍ يرتدي نظارات طبية وقبعة، ثمّ يتخذ زاوية المقهى أو ركن الغرفة ملاذاً لا يشاركه أحدٌ به. رجل متزن، لا يتسلى ولا يرقص، لا يمرح، ولا يلقي النكات البذيئة أيضاً وبمقدار ما، يحاول الحديث بالفصحى بتلك اللغة المقعّرة كأنه أحد مشايخ الدعوة السلفية، وحتى عند مطاردته القحاب فإنه سيعاملهن على أنهنّ مغلوبات.

لا يبدو شبقاً أو فحلاً. لقد انتهى زمن الفحولة العربية شعرياً، فظهر نموذج الشاعر النحيل الذي يدجّن القيم الإنسانية بتحويلها إلى أحلام و قصائد وأفكار افتراضية.

غالباً أنه شاعر وينبغي أن يكون شفافاً ورومانسياً... يا لها من أضحوكة، مع أن الرومانسية لم تكن إلا اتجاهاً شعرياً ضمن اتجاهات كثيرة، منها البذاءة والانحطاط والمرح والعبث والسفسطة.

وهكذا، يلقي الناس عتاباً أشد على شاعر يسرق أو يقتل أو يخدع أو يتصرّف برعونة وحماقة، ثم يختلقون الأعذار له أكثر مما يختلقونها للجميع. يا لها من مفارقة فظيعة، حسناً ينبغي ألا يفعل الشعراء تلك القباحات، لكنهم يفعلونها، ليس للشعر تلك القدرة العجيبة على تحويل البشر إلى فراشات ورقية، ولو كانت له فالأولى أن يعصم القرّاء قبل الشعراء مثلاً!

لا أصنع الفخاخ، أنا لستُ شماعةً!

اعتقدتُ في مراهقتي أن الشعراء لا يتعرّقون، لهم مكاتب خاصة ينزوون خلفها من أجل الرد على التساؤلات أو رسائل المعجبات. يعجبون أي امرأة دون أن يتأنقوا أو يكون لهم حظ من الوسامة... يا لها من ترّهات لم تستمر معي سوى لحظاتٍ، جرّاء غياب الوعي و النباهة و لين العود، لأجد نفسي أشتغل كعامل بناء ثم في غسل السيارات ثم مدقّق لكتب وبحوث غالبها أكاديمية بحتة، تتناول مواضيع لا يفكر أحد أنه بقراءتها ذات يوم، من قبيل "أثر مشروع مياه الصويرة في دعم اقتصاد المدينة"، و يمكنك أن تضع خطاً تحت المشروع و خطين سميكين تحت المدينة.

الشعر هاجس أقرب إلى الاستمناء منه إلى الإلهام، حجاب من المثل و الأوهام والفراغات العبثية بين الشاعر و حياته المعاشة، بين الشاعر وقصة حبه، وبين الشاعر وسلامة سلوكه الشخصي، فلطالما استطاع الباحثون في سير الشعراء أن يتفننوا باختراع الأعذار لشعراء غدارين وسفاحين وطبالين، لا لشيء سوى لأنهم شعراء... مجاز

أما إعجاب النساء، ولعله السبب الأعمق في اندفاع كثير من المراهقين نحو الشعر منذ البداية، فإنه إشاعة كبرى أودّ ألا يصدقها أي فتى غرير يحاول أن يعيش سعيداً بالحصول قدر من المتع الشخصية الساحرة، ولا يأخذني ذلك المزاج لأن أتبنى رأياً مفاده أن الشعر ينشأ كـ"جزء من مقاومة الكبت". إنه حلٌ من بضعة حلول، لأنّ رأياً مثل هذا، رغم قناعتي به منذ فترة، إلا أنه يحتاج إلى دقة وإحصاء ميداني، لنعرف من الشاعر الذي يهجس بالكتابة ومن "العرص" الذي يتحرّى خطى الفاتنات.

فجأة يجد الشاعر نفسه أشد المخلوقات عزلة و خيبة ومرارة، والعدد الذي يحيط به من النساء لا يتجاوز عدد أصابع يدٍ يسرى، واحدة منهن والدته والأخرى أخته أو زوجة أخيه. يرى فروسيته تنهار وحلمه الأثير يتبدد، ما يجعل الشعراء يصلون إلى العجز والبؤس الذي تجسّده قصائدهم الحالمة، أو الجائعة بعبارة أخرى.

دون توابل مثالية عرفتُ اللعبة مبكراً، فرضيتُ أن تكون لي تلك الكفاية الضئيلة من العلاقات النسائية، أعرف نساء كثيرات... بلى، لكني لا أحلم ولا أصطاد. لا أضع الفخاخ. لا أريد رفيقات في طريق لا يسع خطى مترامية ولا أود أن أجترحَ هنا قانوناً أخلاقياً. ما أقوله يخصّني فحسب، إن الجشع الجنسي والطمع بالظلال والفساتين العديدة أسوأ الانحطاطات البشرية، إضافة إلى أنني لستُ شماعةً، فإن كون امرأة واحدة لا تكفي الرجل اللاهث يعني أن جميع النسوة محض هواء، وما المغامرة؟ أأنا ضدها أم معها؟ بلى أنا مع كل مغامرة دنيئة دون تخطيط، صنع الفخاخ ؟ بلى هو أسوأ الرذائل التي لم تتخلص منها الحضارة البشرية بعد.

من جحيم الشعر إلى جنة الرواية!

حلمتُ أنني صرتُ روائياً، وأن الرواية جنة الشعراء، لا سيما النوع المهمش منهم، الذين ينعمون بالبؤس ويردّدون أنهم الأقلية الهائلة، أما الرواية فهي القدرة على صناعة أبطال يتحدث الناس عنهم و يشيرون إليهم في أماكن عدة.

يمكن للروائي صنع عالمه بصرامة أكثر فيما الشاعر مقيّد بمساحة ضيقة من الصنعة، الروائي أيضاً يُترجم له أكثر وينال الجوائز، إضافة إلى أن ثمة احتراماً كبيراً يبديه الناس للروائي، غير ما يقابل به الشاعر، الذي يُعتبر في أحسن أحواله قادماً من صنعة أعذب ما فيها أكذبها. تلك ليست حقائق، إنها انطباعات، ذلك أن الانطباع وحده القادر على تفسير العالم أحياناً.

يجد الشاعر نفسه أشد المخلوقات عزلة و خيبة ومرارة، والعدد الذي يحيط به من النساء لا يتجاوز عدد أصابع يدٍ يسرى، واحدة منهن والدته والأخرى أخته أو زوجة أخيه. يرى فروسيته تنهار وحلمه الأثير يتبدد، ما يجعل الشعراء يصلون إلى العجز والبؤس الذي تجسّده قصائدهم الحالمة... مجاز

إن كان الشعر أصل الفنون و أعرقها فإنّ الرواية ابنته المدللة الشقية، ثم إني بعد أن أفقت من الحلم استعدتُ قوتي و حملتُ خشبتي على ظهري باحثاً عمن يصلبني عليها. الكلمة خشبة والقصيدة خشبة. لا تظنوا أن مأساة الشعراء سخيفة حد مقاربتها بمأساة سيزيف كما يفعل بعضهم. ثمة يأس أشد من الاستمرار على نقل الصخرة نفسها من السفر إلى الأعلى، شيء يشبه الوقوف في الظلام لحراسة ظلها. 

الشعرُ كتدخين الأرجيلة

مئة ألف شاعر في العالم، التقيت ببعضهم و رأيت بعضاً منهم في الشاشة. شعراء ماتوا وآخرون يتم سحلهم من المقبرة بين فترة و أخرى، الجميع وضعوا تعريفات للشعر تبدو كلها مبجّلة، توصله حد النبوة أو السحر، أما أشد التعريفات تواضعاً فإنها تجعله صوت الإنسان المرافق لبناء الحضارة، فيما يراه شعراء راديكاليون نمطاً ثورياً لا يستهان به، فيما لم يشر أحد منهم إلى أنه أحد أسوأ العادات والانفعالات البشرية. هو هاجس أقرب إلى الاستمناء منه إلى الإلهام، حجاب من المثل و الأوهام والفراغات العبثية بين الشاعر و حياته المعاشة، بين الشاعر و قصة حبه، وبين الشاعر وسلامة سلوكه الشخصي، فلطالما استطاع الباحثون في سير الشعراء أن يتفننوا باختراع الأعذار لشعراء غدارين وسفاحين وطبالين، لا لشيء سوى لأنهم شعراء.

مئة ألف شاعر لم يجد أحد منهم فرصة للتفكير بأن من الأفضل ألا نعتبر الشعر فناً طالما أنه لم يعد أغنية شخصية أو أهزوجة جماعية. بل أشبه بعادة سيئة مثل التدخين أو لعب الورق، وقيمة تلك العادة أو اللعبة في ضروريتها لا في جدواها، فلا يمكن لإنسان سوي أن يعيش حياة طبيعية بعد تجريده من عاداته السيئة.

أنني أمزح معكم حقاً ببعض من الجدية ،الشعر أحد أحب العادات التي تمقتها أمي، وحيث أكتب الآن أسألها: "هل تودين أن أقلع عن تدخين الأرجيلة أو أن أتوقف عن كتابة للشعر؟".

فتجيب: "حيث هناك خيار وحيد، فإننا في النهاية سنموت جميعاً بصرف النظر عن أضرار التدخين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image