لا تحلو مشاهدة مباريات كأس العالم برقي وتحضّر أو "بالشوكة والسكين"، فالتشجيع لا يكتمل بدون رهانات على المشاريب أو على تنظيف المنزل، ولا يكون نارياً بدون شجارات حقيقية لكن "غير خطيرة"، وبدون تهديد ووعيد بأن "فريقي سيعلم فريقك اللعب"، والأهم بدون إذلال للطرف الخاسر من قبل الطرف الفائز.
في كثير من الأحيان يبدو أن المنتخبات نفسها في الملعب تتمتع بدرجة تسامح وروح رياضية أعلى بكثير من المشجعين خلف الشاشات.
كأس العالم هو من المواسم القليلة التي يتفق عليها الرجال والنساء في مصر، أو بالأحرى يتفقون على حبها ويختلفون في تشجيع منتخباتها. في المونديال تزداد المفارقات التي لا تخلو من الشجارات والمصالحات، فيفتخر مشجع المنتخب الفائز بنفسه ولكنه لا يترك الخاسر دون أن يدفع الثمن.
اليوم يشحذ المصريون هممهم قبيل المونديال للخروج بأقوى الطرائف والنكت والتهديدات فيما بينهم، وقريباً ستضج المنازل والمقاهي بالتصفيق والصراخ والرهانات.
"عشان عيون رونالدو"
يعترف حسام (44 عاماً) مهندس أن زوجته تتابع مباريات كأس العالم لمشاهدة لاعبها المفضل كريستيانو رونالدو، ولأنه لا يشجع البرتغال تكون دائماً ضده، يقول "مراتي بتحب كريستيانو وده أحياناً بيزعل لأنها بتبالغ شوية، وطول الوقت تتكلم عن مواهبه وجماله، مش كورة ده يعني".ويضيف: "في مرة لما البرتغال خسرت انهارت من العياط ودا استفزني واتخانقنا مع بعض خناقة كبيرة، وبسببه بنزل أشوف الماتشات على القهوة أغلب الوقت".
حسام... "مراتي بتحب كريستيانو وده أحيانا بيزعل، لأنها بتبالغ شوية، وطول الوقت تتكلم عن مواهبه وجماله، مش كورة ده يعني"
لكن ما يبدو في ظاهره شجاراً بين الأزواج والأحبة، لا يكون دائماً هكذا في جوهره، فمناكفات كأس العالم قد تكون فرصة حقيقية لحل الخلافات وتفريغ التوتر في العلاقات من خلال تبادل النكات والرهانات وحتى الصراخ "المشروع" بين الأصحاب أو النسايب أو الأزواج.
تروي دينا (25 عاماً) لرصيف22 أن بداية إدراكها لأهمية كرة القدم لدى زوجها كانت خلال فترة خطبتهما، تقول: "واحنا مخطوبين كان في ما بينا ميعاد عندنا البيت ويومها كان فيه ماتش في كأس العالم، أخويا وقتها قالي خطيبك مش جاي، طبعا أنا اتكلمت بثقة وقلتله طبعا هييجي والكارثة بقى إنه مجاش، بعدها فضل يتصل بي وأنا مردتش.. ولكن اكتشفت بعدين مع الوقت إن الكورة عنده مهمة جداً وإنه ممكن ينسى أي حاجة بسببها".
أما ماهر محمد (33 سنة) ويعمل محامياً فيحمل في ذاكرته الكثير من المواقف الطريفة مع زوجته بسبب كرة القدم، وخاصة كأس العالم، فهي لم تخسر إلا رهاناً واحداً معه على حد تعبيره على الرغم من كونها ليست على دراية بعالم كرة القدم. يقول لرصيف22: "هند مالهاش أوي في كأس العالم بس بتحب تعاندني وتدخل معايا في رهانات، وللأسف كلها بتفوز فيها، أنا مش فاكر إني كسبت رهان لحد النهاردة إلا مرة واحدة، بس هي كل مرة بتشجع فريق مختلف... مرة إيطاليا ومرة إنجلترا ومرة فرنسا.. فاكر من سنين طلبت مني شنطة غالية كانت عايزاها ودخلت معايا في رهان وطبعا اشتريت ليها الشنطة.. مرة تانية بعدها كان نفسها في فسحة ودخلنا في رهان وفازت.. أنا كل مرة بقول مش هدخل في رهان معاها تاني، الست ده حظها حلو".
أما دعاء (28 عاماً) وهي مُدرسة فتقول لرصيف22 إن جو المنزل يصبح مشتعلاً أثناء كأس العالم، وخاصة عندما تكون مصر مشاركة، وتحكي عن مرة استفزت فيها زوجها وراهنته على أن منتخب مصر سيفوز وكان طلبها أن يقوم زوجها بإعداد العشاء في اليوم التالي، وتقول دعاء: "أنا فزت بالرهان بس ندمت الحقيقة إني راهنته يطبخ، الأكل كان وحش".
"حاسب على المشاريب"
بمجرد افتتاح المونديال تتغير الأجواء في المنازل والمقاهي، وتسيطر أخبار المنتخبات والمدربين والهجوم والدفاع والخطط على الأحاديث، لكن ما يظهر دائماً مع المونديال هو الرهانات، خاصة التي تدور في المقاهي والتي يتكبد فيها الخاسر ثمن المشروبات أو ما تم الاتفاق عليه قبيل بدء المباراة.عادل... "لما وصلت عند صاحبي كان مجهز المشاريب والتسالي، يومها قال لازم نتراهن قلتله ياعم بلاش قال لا، وتراهنا على الساعة بتاعته، ولما فزت حرفياً طردني من البيت ورمى الساعة في وشي"
اتفق عادل (32 عاماً) مع صديقه في المونديال السابق أن يحضرا المباراة في منزل الأخير، يقول: "لما وصلت عند صاحبي كان مجهز المشاريب والتسالي، يومها قال لازم نتراهن قلتله ياعم بلاش قال لا، وتراهنا على الساعة بتاعته كانت عجباني الحقيقة، لما فزت صاحبي حرفياً طردني من البيت ورمى الساعة في وشي، من يومها بطلت أتراهن مع أي حد".
العلاقة بين الأصدقاء تحتمل الخلافات التي قد تصل إلى حد الطرد والشتم، وأحياناً المقاطعة لفترات قصيرة، لكن هل تحتمل علاقات العائلات التي تربطها علاقات نسب هذا النوع من "الحرد"؟
محمود (49 عاماً) موظف من عشاق كرة القدم، يقف له في المرصاد شقيق زوجته، يقول لرصيف22: "هو أخو مراتي وحبيبي بس مستفز ودايما بيتحداني، لما مصر متلعبش بشجع كل مرة منتخب غير التاني، فعادة نسيبي بيختار منتخب مخالف يشجعه لما بنكون في البيت، وبنملا البيت صراخ، حماتي في مرة هددتنا وفي الآخر طردتنا من البيت احنا الاتنين، وأنا اللي كنت في زيارة عندهم".
غالباً ما يكون موضوع الرهان بين محمود ونسيبه وجبة غداء أو عشاء، لكن المشكلة بحسب محمود هي حيرة زوجته في اختيار الاصطفاف الذي لن يتسبب لها بمشاكل لاحقة، سواء مع أخيها أو مع زوجها.
العلاقة بين الأصدقاء تحتمل الخلافات التي قد تصل إلى حد الطرد والشتم، وأحياناً المقاطعة لفترات قصيرة، لكن هل تحتمل علاقات العائلات التي تربطها علاقات نسب هذا النوع من "الحرد"؟
أشرف (30 عاماً) يعمل مترجماً، خصمه الكلاسيكي في كأس العالم هو شقيقه، يقول: "أول كأس عالم تابعته أنا وأخواتي في عام 2002 اللي البرازيل كسبت فيه، أنا كنت بشجع فرنسا بسبب زين الدين زيدان وأخويا ضدي كان بيشجع إنجلترا عشان ديفيد بيكهام، ومع الوقت زيدان اعتزل فبطلت أشجع فرنسا، وبيكهام برضه فأخويا مبقاش بيشجع إنجلترا".
"المونديال من القهوة طعم تاني"
عطية عبده (55 عاماً) هو صاحب مقهى "اتفضل عندنا" في محافظة الشرقية، والذي يرتاده الرجال في الغالب، لم تصل عدوى الغلاء لأسعار المقهى المتواضع بعد، لذا فالإقبال عليه جيد، بمقاعده الخشبية الصغيرة وطاولاته المتواضعة ورواده المألوفين.يروي عبده لرصيف22 كيف ينتظر أصحاب المقاهي عادةً هذا الموسم الذي لا يقل زخماً وكثافة في العمل عن مباريات الأهلي والزمالك، وأن العمل يزداد لا سيما حين تكون مصر متأهلة.
عطية ليس من المؤمنين بأن المونديال يُشاهد من المنزل، فباعتقاده أن أجواء المقاهي الحماسية لا تعوضها جلسة المنزل. يقول: "حتى لو مصر مش موجودة بيكون الجمهور كبير وزحمة، الناس بتحب الكورة أيا كانت.. وقعدة القهوة طعمها غير يعني الشاي بينزل والمشاريب والتسالي والشيشة وكل واحد وطلبه بس، لكن طبعاً في خناقات كتيرة بتحصل".
عن هذه "الخناقات" يقول: "كل واحد عايز المنتخب بتاعه يفوز، والتحفيل بيشتغل على الخسران، مرة شوية شباب مسكوا في بعض والضرب اشتغل فصلناهم بالعافية وطلعناهم برة القهوة، بس الرجالة الكبيرة أهدى شوية من الشباب".
هو أخو مراتي وحبيبي بس مستفز، لما مصر متلعبش بشجع كل مرة منتخب غير التاني، فعادة نسيبي بيختار منتخب مخالف وبنملا البيت صراخ، حماتي في مرة هددتنا وفي الآخر طردتنا من البيت احنا الاتنين
ويختم: "الرهانات موجودة على المشاريب بالأساس، وأحياناً على فلوس بس ده قليلة وبتبقى مبالغ صغيرة يعني، هرجع وأقول المكسب بيزيد كتير في الموسم ده والحمد لله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه