مع العد التنازلي لانطلاقة مونديال قطر 2022 لا يزال العالم يعيش أزمة اقتصادية بسبب تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب الاختناقات الاقتصادية المحلية التي تعانيها بعض البلاد العربية التي يعاني أفرادها من تبعات التضخم المالي وتدني معدلات الأجور وانهيار قيمة العملة الشرائية.
الأمر أثر بشكل كبير أيضاً على حركة بيع وشراء القمصان الرياضية والأعلام في موسم المونديال، الذي يتكرر كل 4 سنوات.
قمصان عالمية بأياد مصرية
في مصر يبلغ سعر إحدى قمصان المنتخبات الأوروبية الكبرى الأصلي ما يقارب 2900 جنيه (127 دولار أمريكي)، لذا يلجأ بعض من شباب الطبقة المتوسطة لشراء القمصان المقلدة أو ما يسموها (كوبي أوريجنال)، حيث أن النسخة الأفضل والتي تتشابه بشكل كبير مع النسخة الأصلية لا يتخطى سعرها حالياً 460 جنيه (20 دولار أمريكي).
تأتي النسخة المقلدة إلى مصر من الأسواق الآسيوية، ولكن حركة الاستيراد والسفر أيضاً لم تعد مثل السنوات السابقة، بعد الأزمات الاقتصادية بداية من فيروس كورونا ثم التضخم المالي، مما أدى إلى لجوء الكثير من متاجر الملابس والأدوات الرياضية إلى الصناعة المحلية، وحياكة القمصان بدلاً من الاستيراد.
يتراوح ثمن القميص المصنوع محلياً في مصر من 3 إلى 7 دولار، وهو ما يتيح المجال لإقبال شريحة أكبر من الجماهير على الإقبال لشراء قمصان منتخباتهم المفضلة قبل المونديال
يتراوح ثمن القميص المصنوع محلياً من 70 جنيه (3 دولار) إلى 150 جنيه (7 دولار أمريكي) فقط، وهو ما يتيح المجال لإقبال شريحة أكبر من الجماهير على الإقبال لشراء قمصان منتخباتهم المفضلة قبل المونديال.
رصيف22 قابلت أحد العاملين في متجر مصري يدعى "أفريقا ستور" الذي ينتشر عبر 26 فرعًا ويعتمد بشكل أساسي على الصناعة المحلية بدلاً من الاستيراد، وسألناه عن حركة البيع والشراء في موسم المونديال فقال: "في العادة نطرح دفعة كبيرة من قمصان المنتخبات المشاركة قبيل انطلاق مباريات كأس العالم بشهر، وتدريجياً تزداد حركة الشراء وتُطرح دفعة أخرى بعد بداية البطولة، وتصل إلى ذروتها بعد أولى الجولات وظهور النجوم بالقمصان الجدد في المباريات".
ويضيف: "مبيعات قمصان المنتخبات تجذب من يريدها فوراً لأنه يعلم أن هذا القميص ربما لن يكون متوفراً بعد شهر من الآن، على عكس قمصان الفرق المحلية الأوروبية المتوفرة على مدار العام تقريباً، لذلك ترتفع المبيعات بالطبع في شهر كأس العالم".
البرازيل والأرجنتين هما الأكثر مبيعاً
وعن القمصان الأكثر مبيعاً: "بالطبع البرازيل والأرجنتين دوماً هم الأكثر مبيعاً، تأتي بعدها المنتخبات الأوروبية الكبرى مثل فرنسا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا، كذلك تأتي بعض من الجاليات العربية والأفريقية المقيمة في مصر للسؤال عن قمصان بلادها المشاركة في المونديال".
أما عن الإقبال على الشراء في مثل هذه الظروف الاقتصادية فيقول: "الاعتماد على الاستيراد أصبح صعباً، وتكلفة القميص المستورد الآن قد لا تتناسب مع كل الشرائح والطبقات، لذلك نعتمد على الحياكة والصناعة المحلية بشكل أكبر، ونضيف هامش ربح بسيط على كل قميص، معتمدين على جذب شرائح أكثر في المبيعات".
على الرغم من نجاح هذه المتاجر في التسويق لمنتجاتها، إلا أنها تواجه عقبة أخرى كبيرة: "نعاني من تضييق الرقابة والمصنفات على منتجاتنا، المصنعون الرئيسيون يطالبون بعدم تقليد منتجاتهم، والمواطن البسيط لا يستطيع شراء قميص فريقه المفضل بأكثر من 2000 جنيه، ما نفعله نحن أننا نوفر له خامة جيدة ونحقق له مراده بـ 150 جنيه فقط".
الأعلام التي ترفرف بدون سياسة
أما عن حركة بيع الأعلام للمنتخبات المشاركة في المونديال، فيعتمد البائعون بشكل كبير على الوقوف في الطرق وبيع الأعلام لركاب السيارات، إضافة إلى جمهور آخر وهو أصحاب المطاعم والمقاهي التي تعرض مباريات كأس العالم وتشتري الأعلام لتزيين المكان ولتعلن لزبائنها عن توفر شاشات العرض.
البرازيل والأرجنتين دوماً هم الأكثر مبيعاً، تأتي بعدها المنتخبات الأوروبية الكبرى مثل فرنسا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا، كذلك تأتي بعض من الجاليات العربية والأفريقية المقيمة في مصر للسؤال عن قمصان بلادها المشاركة في المونديال
أسعار الأعلام في مصر تبدأ من 45 جنيه (2 دولار) إلى 100 جنيه (5 دولار) بناءً على جودة وحجم العلم.
قابل رصيف22 أحد مصنعي وبائعي الأعلام لسؤاله عن حركة البيع في المونديال، يقول: "الحسرة الأكبر هي عدم مشاركة مصر في كأس العالم، فالمبيعات ترتفع إلى عشرات الأضعاف في حال مشاركة مصر مثلما حدث عام 2018".
ويضيف: "نستهدف بعض المناطق التي تعيش فيها جاليات المنتخبات العربية المشاركة في المونديال، الجالية السعودية والمغربية والتونسية، ونقوم بالتركيز على يوم المباراة والليلة التي تسبقها للترويج للأعلام وعرضها".
أحد المصنعين... الحسرة الأكبر هي عدم مشاركة مصر في كأس العالم، فالمبيعات ترتفع إلى عشرات الأضعاف في حال مشاركة مصر مثلما حدث عام 2018
سوريا ولبنان...
في سوريا يعتمد عاشق كرة القدم على شراء القميص المصنوع محلياً، وذلك بسبب القيود على حركة الاستيراد، وأحياناً تُهرب بعض البضاعة القادمة من الأسواق الآسيوية، ويقدر سعر القميص المصنوع محلياً بـ50 ألف ليرة (19 دولار أمريكي)، بينما يصل ثمن القميص الأصلي في سوريا إلى 250 ألف ليرة، أي أكثر من 100 دولار أمريكي، هذا في الوقت الذي يبلغ متوسط رواتب الموظفين الحكوميين في البلاد 100 ألف ليرة.
الصناعة المحلية للقمصان المنسوخة في سوريا تفيد الشعب اللبناني المحب لكرة القدم، الذي يعتمد على استيرادها بشكل كبير إلى جانب الاستيراد من الأسواق التركية، بدلاً من الصناعة المحلية.
يتحدث خالد وهو أحد العاملين بمتجر “Krom” في بيروت والمختص ببيع الملابس والأدوات الرياضية عن حركة البيع والشراء في فترة المونديال فيقول: "المونديال هو أكثر شهر نبيع فيه القمصان، لأنه يجذب اهتمام شريحة أكبر من متابعي بطولات الأندية".
وأضاف: "الكل يريد عيش أجواء المونديال، وارتداء القمصان، لا توجد صناعة محلية مزدهرة للملابس الرياضية في لبنان، الأغلبية تلجأ لشراء القميص المستورد من سوريا أو تركيا أو الأسواق الآسيوية، فشراء 5 قمصان مقلّدة يساوي سعر قميص واحد أصلي".
الصناعة المحلية للقمصان المنسوخة في سوريا تفيد الشعب اللبناني المحب لكرة القدم، الذي يعتمد على استيرادها بشكل كبير إلى جانب الاستيراد من الأسواق التركية، بدلاً من الصناعة المحلية
ويتابع: "الأوضاع الاقتصادية في لبنان أثرت على الإقبال على المبيعات لكن ليس بقدر ما أثرت على اختيار جودة القميص، فبدلاً من الإقبال على شراء القميص التقليد الأعلى جودة، اتجه الكثير إلى شراء قميص بأقل جودة وأقل سعر".
فلسطين
الأوضاع لا تختلف كثيراً في الضفة الغربية، حيث تفرض ظروف الاحتلال قيوداً على التصنيع المحلي، لكن الاستيراد ليس من بينها، لذا فبديل القمصان الأصلي هو هي القمصان المقلدة القادمة من الأسواق الآسيوية، والتي يقدر سعرها بين 15 إلى 30 دولار أمريكي حسب جودة القميص، بينما يقدر سعر القميص الأصلي 120 دولار أمريكي هناك.
رصيف22 تحدثت إلى الصحافي الفلسطيني خليل جادالله، يقول: "الفلسطينيون رغم الصعوبات المالية هم شعب محب للحياة، فالأوضاع الاقتصادية ومهما كان تأثيرها وصعوبتها إلا أنها لا تمنع الناس من ممارسة العادات التي يحبونها، وهي بالتأكيد لا تمنع محبي كرة القدم من شراء قمصان منتخباتهم المفضلة في المونديال".
أكثر المنتخبات التي يحب الشعب الفلسطيني ارتداء قمصانها وتشجيعها في المونديال هي البرازيل والأرجنتين، ثم إسبانيا وألمانيا إلى جانب المنتخبات العربية وعلى رأسها الجزائر
وعن أكثر المنتخبات التي يحب الشعب الفلسطيني ارتداء قمصانها وتشجيعها في المونديال قال: "البرازيل والأرجنتين بالطبع، ثم إسبانيا وألمانيا إلى جانب المنتخبات العربية وعلى رأسها الجزائر".
في كل مرة يلعب بها "الخضر" وفي أي مناسبة وبغض النظر عن غريمه تغرق المدن والقرى الفلسطينية بالعلم الجزائري.
الخليج... لا صناعة محلية للقمصان
في الأسواق الخليجية يختلف الوضع عن دول الشام وشمال أفريقيا، فالمواطن الخليجي لديه قوة شرائية لاقتناء القميص الأصلي، لذلك تكاد الصناعة المحلية لقمصان كرة القدم شبه معدومة، ولكن استيراد القمصان المقلدة "كوبي أوريجنال" منتشر لاستهداف المغتربين، أصحاب الدخل المنخفض نسبياً عن دخل المواطن الخليجي.
في الكويت حقق متجر "Soccer Mega Store" نجاحاً كبيراً، وهو الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد القمصان المقلدة من الأسواق الآسيوية، ويقدر سعر القميص المقلد الأعلى جودة بـ10 دينار كويتي (32 دولار أمريكي).
المغرب العربي... المنتخبات تشارك إذن القميص يبيع
أما في المغرب العربي الذي سيشهد مشاركة منتخبي تونس والمغرب، نجد أن الأوضاع الاقتصادية في تونس قد أثرت بالسلب على الإقبال على شراء قميص منتخب نسور قرطاج، وأن أغلب من يشترون القميص هم من ميسورين الحال، والذين ينون السفر إلى قطر لمؤازرة منتخب بلادهم في المونديال.
يبلغ فارق السعر في تونس بين القميص المصنع محلياً أو المستورد من الأسواق الآسيوية والقميص الأصلي ما يقارب 100 دينار تونسي (30 دولار أمريكي).
زياد جيندوبي هو أحد العاملين في مجال بيع القمصان الرياضية في تونس، يقول لرصيف22: "بالتأكيد فإن مبيعات شهر المونديال تختلف عن بقية شهور السنة، خاصة المشجعين المسافرين إلى قطر، ولكن الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل كبير على حركة البيع والشراء على السلع الأساسية، فما بالك بشيء ثانوي مثل قميص لمنتخب كرة القدم".
ولدى سؤاله عن أكثر قمصان المنتخبات مبيعاً في تونس بعيداً فيجيب: "الجمهور التونسي يرتبط بالأندية أكثر من المنتخبات، باستثناء قميص المنتخب الوطني لا يوجد إقبال كبير على شراء قمصان المنتخبات الأخرى مقارنة بمبيعات العام من قمصان الأندية الأوروبية".
يبلغ فارق السعر في تونس بين القميص المصنع محلياً أو المستورد من الأسواق الآسيوية والقميص الأصلي ما 30 دولار أمريكي
أما في المغرب الإقبال في شهر المونديال يكون مرتفعاً، خاصة عند مشاركة المنتخب الوطني، وينال المنتخب البرازيلي نصيب الأسد من مبيعات القمصان العالمية المشاركة في المونديال بعد القميص المغربي".
كما تحظى القمصان ذات التصاميم المميزة من المنتخبات بمبيعات عالية، حتى لو لم يكن هذا المنتخب من صفوة المنتخبات العالمية، على سبيل المثال حظى قميص المنتخب النيجيري في كأس العالم الماصي بمبيعات عالية لدى الشباب.
يقول الصحافي الرياضي المغربي حمزة شيتاوي لرصيف22 إن الأوضاع الاقتصادية لا تؤثر على إقبال المغاربة على شراء القمصان، خاصة إن صناعة القمصان المحلية مزدهرة.
ويضيف: "إذا وقّع ميسي اليوم مع ناد جديد، بعدها بنصف ساعة تُصنع قمصان محلية وتباع في الأسواق، السوق مفتوح ومنوع بين القمصان محلية الصنع والاستيراد من آسيا والأصلية، ولكن يُعتمد على الصناعة المحلية أكثر من الاستيراد في الغالب".
يقدر سعر القميص محلي الصنع في المغرب بـ100 درهم (10 دولار أمريكي) بينما يصل سعر القميص الأصلي إلى عشرة أضعاف 1100 درهم مغربي تقريباً أي ما يعادل 100 دولار أمريكي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...