شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سيرة جوزف أنطون وآياته

سيرة جوزف أنطون وآياته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

الجمعة 25 نوفمبر 202203:34 م

" وكما سيملي القدر، سنقوم بعمل، حيث ما مضى تمهيد، وما سيأتي، أمر نقرره أنا وأنت" (شكسبير، من مسرحية العاصفة-من مقدمة كتاب "جوزف أنطون: سيرة ذاتية"

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أعلن أندرو ويلي وكيل الكاتب سلمان رشدي فقدانَه للبصر بإحدى عينيه، والشلل في إحدى ذراعيه، نتيجةً لطعنه من قبل الشاب الأمريكي اللبناني الأصل هادي مطر، تنفيذاً لفتوى الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي في عام 1989. تأتي تلك الحادثة بعد عشر سنوات من نشر مذكرات سلمان رشدي "جوزف أنطون: سيرة ذاتية"، وهو الاسم المستعار الذي اضطر رشدي لاستخدامه خلال سنوات الخطر، بعد الفتوى بقتل مؤلف رواية "آيات شيطانية" وناشريها ومترجميها عام 1989، والذي استوحاه من الروائييْن أنطون تشيخوف وجوزف كونراد.

يروي سلمان رشدي في الكتاب تفاصيلَ حياته منذ إصدار الفتوى وحتى عام 2002، عندما أخبرته الأجهزةُ الأمنية البريطانية بانخفاض مستوى التهديد، الذي لم يتخيل أحد أن يتحول لحقيقة بعد عشرين عاماً في 2022.

بينما يسود اعتقاد لدى المواطنين العرب عن كون رواية "آيات شيطانية" مؤامرة غربية ضد الإسلام، وأن الغرب قد حمى سلمان رشدي، وأعطاه المال والجوائز كمكافأةٍ له على الإساءة للدين الاسلامي، نشاهد صورةً مختلفة في الكتاب؛ فرشدي كان يتعرض للهجوم من سياسيين بريطانيين باعتباره قد أساء لملايين المسلمين البريطانيين، وهو ما كان يرى أنه هجوم لأسباب انتخابية من أجل عدم خسارة أصوات الناخبين المسلمين، وكذلك تعرض لانتقادات العديد من الصحف البريطانية باعتباره مغروراً ومستفزاً وشخصاً يبحث عن الشهرة، يكلف الميزانية البريطانية تكاليف حراسته المشددة بسبب حماقته.

يروي سلمان رشدي في كتاب "جوزف أنطون: سيرة ذاتية" تفاصيلَ حياته منذ إصدار فتوى الخميني وحتى عام 2002، عندما أخبرته الأجهزةُ الأمنية البريطانية بانخفاض مستوى التهديد، الذي لم يتخيل أحد أن يتحول لحقيقة بعد عشرين عاماً في 2022

وهناك أيضاً المظاهرات الاسلامية التي كانت تخرج في بريطانيا نفسها تحرق رواية "آيات شيطانية"، وتهديدات من قيادات إسلامية مثل تصريحات المغني البريطاني "كات ستفينز" الذي أصبح "يوسف إسلام" بعد اعتناقه الإسلام على شاشة التلفزيون، عن تمنيه الموتَ لرشدي، وعن استعداده لإرسال "فرق الموت" إليه إذا عرف مكانه، وأغلبية شركات الطيران التي كانت ترفض صعوده على طياراتها لأسباب أمنية، ودور النشر الخائفة من نشر كتبه خوفاً من التهديدات. إنها حياة مليئة بالخوف والقلق على زوجته وأولاده، مقيدة بموافقة الحراسة على خروجه من المنزل لزيارة أصدقاء أو التواجد في أي مكان عام.

فتوى سياسية وحرية التجديف مكفولة

نقلاً عن شقيقته يرى رشدي أن للفتوى أسباباً سياسية، متصلةً باضطرار الخميني لتجرع السم، وقبول وقف الحرب العراقية الايرانية، التي أضعفت الثورة الإيرانية مادياً وعسكرياً وشوهت جيلاً من الإيرانيين. لذلك كان على الخميني الذي كان يقترب من الموت، أن يستعيد الزخم السياسي، ويعيد تنشيط المؤمنين بتلك الفتوى. كذلك استغلّها قادةُ المسلمين الآسيويين البريطانيين لتحويل سياسة الأقليات الإثنية من العلمانية والاشتراكية لفصائل هندوسية وإسلامية وسيخية. وهو أيضاً ما حدث في باكستان عندما اقتحم ألفا متظاهر مركزَ المعلومات الأمريكي في إسلام آباد، واشتبكوا مع الشرطة، ووصلوا لسطح البناء، وأحرقوا تماثيلَ لرشدي وأعلاماً لأمريكا، على الرغم من جنسية رشدي البريطانية. وأسفرت هذه الأحداث عن مقتل خمسة أشخاص، وكان التكهن أن الهدف الرئيسي من المظاهرات كان زعزعةَ حكم رئيسة الوزراء بينَظير بوتو التي كان يعتبرها المتطرفون الإسلاميون "علمانيةً"، واستخدموا الروايةَ ككرة قدم في لعبة سياسية.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أعلن أندرو ويلي وكيل الكاتب سلمان رشدي فقدانَه للبصر بإحدى عينيه، والشلل في إحدى ذراعيه، نتيجةً لطعنه من قبل الشاب الأمريكي اللبناني الأصل هادي مطر، تنفيذاً لفتوى الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي في عام 1989

لا ينكر رشدي أن الرواية بها تجديف بالإسلام، فيذكر أن معجباً مجهولاً أرسل له قميصاً كهدية مكتوب عليه "التجديف جريمة بلا ضحايا"، وهو قد أتى من عائلة لم تكن أبداً متدينة، ولم يتعلم أبداً الصلاة أو معانيها، ويصف ذهابه لصلاة عيد الفطر وهو طفل بالمحاكاة والتمتمة بكلماتٍ مجهولة بلغةٍ لا يعرفها، ويرى أن الدين يُستخدم كأداة للقمع السياسي والإرهاب الدولي، وأن هناك حاجةً للتجديف لاستخدامه كما فعل كتّاب التنوير الفرنسي كسلاح يرفضون من خلاله قبول سلطة الكنيسة في وضعِ حدود على الفكر.

حضور عربي من ابن رشد لإدوارد سعيد

على الرغم من كون الفتوى ايرانية بالأساس، إلا أن مذكرات رشدي تتقاطع كثيراً مع العالم العربي بأشكال مختلفة؛ فالبداية من اسم سلمان رشدي، الذي يكشف أن والده هو من غير اسم العائلة لـ"رشدي" بسبب إعجابه بأفكار الفيلسوف "ابن رشد". وعلى الرغم من أن والد سلمان لم يكن مؤمناً،  الا أنه احترم ابن رشد لكونه في مقدمة من اختاروا الجدلَ العقلاني لتفسير الإسلام في مواجهة التفسير الحرفي، وهو ما اعتبره سلمان رسالةً لاستمرار المعركة بعد ذلك بينه وبين المتشددين إسلامياً.

في سيرة جوزف أنطون الطويلة، نرى سنوات من القلق والخوف والتهديدات والسياسة والعنف والاضطراب، بسبب كتابٍ يراه الكثيرون مسيئاً، وبسبب فتوى عاش بسببها سلمان رشدي في خوف، ظن أنه قد ابتعد، ولكنه لم يعرف أن شبح فتوى القتل يمكن أن يعيش 33 عاماً

أول مفارقات رواية "آيات شيطانية" التي استغرقتْ في كتابتها أربع سنوات، أنه تلقى دعوةً من الجامعة الأمريكية في القاهرة ليحاضر الطلبة أثناء كتابتها وكان ردُّه: "إذا كان بوسعي إنهاء روايتي وأرتب المجيء بعد ذلك، فسيكون ذلك أفضل"، وبعد صدور الرواية أصبحت الرحلةُ مستحيلة.

كذلك يظهر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق -الذي يصف رشدي اسمَه بأنه قديم جداً من ألف ليلة وليلة- واصفاً رواية رشدي بأنها مليئة بالأكاذيب وشطحات الخيال، ويطلب من المسلمين البريطانيين محاكمةَ المؤلف. كما يشير رشدي لاعتراض شيخ الأزهر على رواية "أولاد حارتنا" وقوله: "لا يمكن السماح بتداول رواية لأن مؤلفها فاز بجائزة نوبل للآداب. لا تبرر الجائزة نشرَ أفكار مضللة".

ويظهر أيضا الشيخ المصري عمر عبد الرحمن بقوله إنه لو عوقب نجيب محفوظ بشكل ملائم على رواية "أولاد حارتنا"، لما تجاسر رشدي على نشر "الآيات الشيطانية". أما نجيب محفوظ نفسه فيذكر رشدي أنه قد دافع عن الرواية في البداية، واعتبر فتوى الخميني "إرهاباً فكرياً"، قبل أن ينتقل للمعسكر المضاد، ويقول: "رشدي لا يمتلك الحقَّ بشتم أيّ شيء، خصوصاً النبي أو أي شيء يُعتبر مقدساً".

وتظهر الحكومة المصرية ممثلة في وزير الأوقاف محمد علي محجوب، الذي التقى رشدي مع مجموعة من المصريين البريطانيين، في اتفاقٍ على حلّ المشكلة وإعلان رشدي إسلامَه ورغبته في إيقاف طباعة الرواية، وهو ما استجاب له رشدي في البداية، وندم عليه، ووصف نفسه بأنه كان وضيعاً، لأنه قال ما لم يكن مقتنعاً به، ثم عندما عبرت الحكومتان السعودية والإيرانية عن غضبهما من تدخل الحكومة المصرية تخلى الوزيرُ محجوب عن الاتفاق، واختفى.

لو عوقب نجيب محفوظ بشكل ملائم على رواية "أولاد حارتنا"، لما تجاسر رشدي على نشر "الآيات الشيطانية"

كذلك تنال السعودية الكثير من الانتقادات في الكتاب، فيعتبر رشدي أن تعيين آل سعود على عرش البترول هو خطأ السياسة الغربية الخارجية الأكبر، لأنهم استخدموا ثروتهم النفطية في نشر الأفكار الوهابية، وأدى ذلك لصعود تياراتٍ متشددة أخرى في الهند وإيران ومصر، وهو ما أدى لابتعاد الإسلام عن أصوله، بينما يزعم أنه يعود لجذوره وانتشار فكرة الطهرانية "الخوف الكامن من أن شخصاً في مكان ما يمكن أن يكون سعيداً".

ويظهر المفكر الفلسطيني/الأمريكي إدوارد سعيد كصديق وداعم لرشدي، يدافع عنه في الصحف ودوداً عند اللقاء معه في نيويورك، ويلتقي به في منزل صديق كويتي في لندن برغم المخاوف الأمنية، وتأتيه رسائل دعم من مائة كاتب عربي مسلم، في كتاب مشترك بعنوان "إلى رشدي للدفاع عن حرية التعبير"، منهم الشاعر السوري أدونيس بقوله: "إن الحقيقة ليست السيف ولا اليد التي تحمله"، والكاتب الجزائري محمد أركون، وإميل حبيبي من فلسطين، وإلياس خوري من لبنان الذي قال: "لدينا واجب أن نقول له إنه يجسد عزلتنا"، والروائي صنع الله ابراهيم: "كلُّ من له ضمير يجب أن يذهب لمساعدة هذا الكاتب كي يتجاوز الصعوبات".

في سيرة جوزف أنطون الطويلة، نرى سنوات من القلق والخوف والتهديدات والسياسة والعنف والاضطراب، بسبب كتابٍ يراه الكثيرون مسيئاً، وبسبب فتوى عاش بسببها سلمان رشدي في خوف، ظن أنه قد ابتعد، ولكنه لم يعرف أن شبح فتوى القتل يمكن أن يعيش 33 عاماً، طالما أن هناك من يؤمن بأن الطعن والقتل طريقة صائبة للتعبير عن الرأي. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image