شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن سلمان رشدي وعزيز نيسين وفتاوانا العالقة

عن سلمان رشدي وعزيز نيسين وفتاوانا العالقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الجمعة 26 أغسطس 202202:47 م
Read in English:

On Salman Rushdie, Aziz Nesin and our lingering fatwas

قبل نحو عشر سنوات، اصطحبني صديق في إسطنبول إلى مركز عزيز نيسين الثقافي، لتناول كأس من الشاي. وصديقي سريع المشي، ومسرحي ومفكّر يتمتع بكل المؤهلات اليسارية المناسبة. كنا قد مررنا للتوّ في شارع الاستقلال، حيث أوقفه عدد من الشباب يعرضون عليه شراء صحيفة شيوعية محلية، فاشتراها بعد مناقشة قصيرة معهم.

"إنهم أغبياء، عشرة يورو! أخبرتهم بأنه ما من فنان أو شخص من الطبقة العاملة قادر على توفير ثمن صحيفتهم".

كنت أعلم أنه كان يتحدث عن نفسه. في الأيام الماضية، أظهر لي فنّ تناول وجبات لذيذة لكن مقابل القليل من المال، كما التعرّف على مطاعم إسطنبول المخفية.

"لكن على الرغم من ذلك، اشتريت الصحيفة. لماذا؟".

"لأنهم ما زالت لديهم قيّمهم العليا، ولا أريدهم أن يفقدوا الأمل".

في المركز الثقافي، طلب كأسين من الشاي وعرّفني إلى النادل كفنان هرب من إيران عندما كان طفلاً صغيراً. لم يبتسم النادل العابس أبداً، ولكن كان لديه سؤال جاهز لي: "إذاً أنت لاجئ إيراني. الآن قل لي، هل أنت ليبرالي أو شيوعي؟"

في المركز الثقافي، طلب كأسين من الشاي وعرّفني إلى النادل كفنان هرب من إيران عندما كان طفلاً صغيراً. لم يبتسم النادل العابس أبداً، ولكن كان لديه سؤال جاهز لي: "إذاً أنت لاجئ إيراني. الآن قل لي، هل أنت ليبرالي أو شيوعي؟".

"أبي كان شيوعياً!"، أجبت النادل. و"هكذا هربنا، مستعينين بعلاقاته الشيوعية الكردية التي هرّبتنا عبر الجبال، من إيران إلى تركيا".

"إنه محتال!"، قال النادل لصديقي، وأضاف: "سألته عمّا إذا كان شيوعياً، وحرّف السؤال بالحديث عن والده".

لم أخجل لعدم تمكّني من الإجابة عن سؤاله، لكني فعلاً شعرت بأني محتال في أثناء وجودي في مركز عزيز نيسين من دون قراءة كتبه. قبل سنوات قليلة، حاولت العثور على كتبه في المكتبة المركزية في أمستردام. بعد الفحص في الملفّات الرقمية للمكتبة، عرفت أنها متوفّرة باللغات التركية والفارسية والبرتغالية بشكل مثير للفضول. لم أجد أعماله بلغة كنت مرتاحاً إلى قراءتها فيها، وتالياً أجّلت التعرّف على أعمال كاتب يتحدث والدي عنه كثيراً.

قبل أيام، وكان ذلك مساء يوم الجمعة، وفي ختام أمسية سرد قصصٍ في مركزي الثقافي في أمستردام، مزراب، كان شابان تركيان يجلسان عند البار ويشربان البيرة. سألتهما إذا كانا قد سمعا بالأخبار.

"أي أخبار؟".

"تعرّض سلمان رشدي للاعتداء وكاد أن يُقتل على خشبة مسرح في نيويورك".

كان الشابان يساريين، مثل أولئك الذين كانوا يبيعون الصحيفة في شارع الاستقلال أو يقدّمون كؤوس الشاي في المراكز الثقافية. لكنهم كانوا أصغر من أن يتذكروا "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، أو الفتوى التي أصدرها آية الله الخميني الإيراني في عامه الأخير.

ثم سألتهما إذا كانا يعرفان من هو عزيز نيسين، وكيف كاد أن يُقتل؟ "بالطبع!"، أجابا، هو "أهم كاتب لدينا".

نجا عزيز نيسين من الهجوم، وللأسف، في الوقت الذي مات فيه سبعة وثلاثون آخرون. نأمل أن ينجو سلمان رشدي من الهجوم الهمجي عليه، في الزمن الذي قُتل فيه آلاف المثقفين الإيرانيين في موطني إيران، على يد آية الله الخميني نفسه الذي أصدر الفتوى ضد رشدي

وهو مكروه لكونه شيوعياً ومفكراً وملحداً. وكان ذلك في عام 1993، عندما غادر حشد مسعور المسجد في مدينة سيواس التركية متوجهاً إلى الفندق الذي اجتمع فيه عزيز نيسين بفنانين ومثقفين آخرين، معظمهم من العلويين. هاجم الحشد الفندق مدة ثماني ساعات من دون تدخل الشرطة، وتمكّن في النهاية من إحراقه.

مات سبعة وثلاثون شخصاً في الحريق. عزيز نيسين، رجل عجوز، تمكن من الهروب عن طريق السلم، ولكن حتى عندما نجح في ذلك، تعرّف إليه رجال الإطفاء الذين كان من المفترض أن يساعدوه، واعتدوا عليه.

كان كل هذا صحيحاً، ولكن كان هناك سياق لم يعرفه الشابان؛ إن سبب غضب المتعصبين الدينيين على مثقف مثل عزيز نيسين، هو رغبته في ترجمة "آيات شيطانية" لسلمان رشدي ونشرها باللغة التركية.

عندما سيموت سلمان رشدي يوماً ما، ونأمل أن يكون ذلك في سنّ الشيخوخة، سيستمر أدبه المعقّد وغير الموقّر، تماماً كما يستمر شعر عزيز نيسين الخفي. لكن في الوقت نفسه، وللأسف، يبدو أن فتاوى المتعصبين دينياً لا تزال قائمةً بعد وفاتهم أيضاً

نجا عزيز نيسين من الهجوم، وللأسف، في الوقت الذي مات فيه سبعة وثلاثون آخرون. نأمل أن ينجو سلمان رشدي من الهجوم الهمجي عليه، في الزمن الذي قُتل فيه آلاف المثقفين الإيرانيين في موطني إيران، على يد آية الله الخميني نفسه الذي أصدر الفتوى ضد رشدي.

وعندما سيموت سلمان رشدي يوماً ما، ونأمل أن يكون ذلك في سنّ الشيخوخة، سيستمر أدبه المعقّد وغير الموقّر، تماماً كما يستمر شعر عزيز نيسين الخفي. لكن في الوقت نفسه، وللأسف، يبدو أن فتاوى المتعصبين دينياً لا تزال قائمةً بعد وفاتهم أيضاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard