شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أفلام حسّاسة وقبلات محذوفة... مقصّ الرقابة العربية بالمرصاد

أفلام حسّاسة وقبلات محذوفة... مقصّ الرقابة العربية بالمرصاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 11 نوفمبر 202203:00 م

لم تمرّ قبلة الممثلَين سامر المصري وندى أبو فرحات، مرور الكرام في المسلسل المعرّب "ستيلتو" الذي يُعرض حالياً على شاشة MBC4 ومنصة "شاهد"، ليس فقط لأنها شاشة عربية تُعرف بالالتزام، ولكن لأن القبلات في الأعمال التلفزيونية بين النجوم العرب ليست أمراً نشاهده كل يوم، وهذا ما دعا القناة لوقف عرضه تلفزيونياً والاكتفاء بالعرض عبر المنصة.

تزامن هذا الأمر مع عرض مسلسل "قلم حمرة" عبر منصة "شاهد"، ومَن شاهد العمل كاملاً يعرف أن قناة MBC حين عرضته في السابق حذفت منه العديد من المشاهد، وخاصةً مشاهد ورد التي تلعب دورها الممثلة الشهيرة سلافة معمار، وهي في المعتقل وتعاني من فقر الدورة الشهرية، وقد أبقت منصة شاهد على هذا الحذف، فما الذي يجعل الحديث عن الحيض أو عرض القبلات ممنوعاً؟

الضرورات لا تبيح المحظورات

من الصعب الوصول إلى نتيجة نهائية في النقاش الذي يدور بين الأفراد المبدعين حول أهمية وجود الرقابة في الأعمال الفنية، وتحديداً التلفزيونية.

إن وجود الرقابة، بكافة أشكالها الرسمية، في الوقت الذي تضبط فيه المحتوى الفني وتمنعه من أن يشبّ عن الطوق أو المغالاة في الطرح، قد يؤطر الشخص المبدع ويحدّده في الوقت ذاته، لا سيّما وأن الرقابة لا تأخذ شكلاً سياسياً فقط، بل تتأرجح بين الرقابة الاجتماعية، الدينية، رقابة العادات والتقاليد وغيرها، والضرورات لدى المبدع الفني لا تبيح المحظورات لدى الرقابة، وقد تكون الرقابة متأصلة في رأس الكاتب/ة الذي يعرف ما هو مسموح وما هو ممنوع، وكأن لديه "شرطياً صغيراً" في عقله ينهيه حتى عن رفع مخيّلته أكثر من المعتاد.

لم تمرّ قبلة الممثلَين سامر المصري وندى أبو فرحات، مرور الكرام في المسلسل المعرّب "ستيلتو" الذي يُعرض حالياً على شاشة MBC4 ومنصة "شاهد"، ليس فقط لأنها شاشة عربية تُعرف بالالتزام، ولكن لأن القبلات في الأعمال التلفزيونية بين النجوم العرب ليست أمراً نشاهده كل يوم

مع العلم أن الرقابة موجودة في أكثر دول العالم تمدّناً وديموقراطية، والاختلاف فقط يكمن في ارتفاع سقف الحريات بضعة أمتار لا أكثر.

في هذا الصدد، قال السيناريست فؤاد حميرة لرصيف22: "لا يحق لأحد أن يكون وصياً على الفكر وإلا مات الإبداع، نحن شعوب تسمع بالحضارة فقط ولا تمارسها لأن حكوماتنا فرضت علينا رقابات وليس رقابة واحدة".

وتابع بالقول: "تمنعنا هذه الرقابات من التفكير خارج الصندوق ومن التفكير الإبداعي بحجة حماية الوطن والأخلاق، وكأنهم يملكون أخلاقاً أكثر من الآخرين".

يضطر المبدع في الدول الناطقة باللغة العربية لاستبدال التصريح بالتلميح، إما عن طريق اختيار أسماء مناصب أو جهات رسمية ليست موجودة بالواقع مثل "المجيد الأول"، أو عن طريق العودة للوراء واختيار مرحلة تاريخية سابقة، كفترة الاحتلال العثماني، لكي يبعد الشك عن أنه يتحدث عن أحداث واقعية، أو يقرّر الابتعاد عن ذكر أسماء مدن أو دول أو تلميحات تعبّر عن زمان ومكان محددين، كالأعمال الفنتازية التي انتشرت في وقت من الأوقات، ولعلّ الحل الأسهل هو أن تتم كتابة في بداية العمل، الجملة التالية من باب رفع المسؤولية: "هذه القصة ليست واقعية وأي تشابه بينها وبين أي قصة واقعية أو أي شخصيات هو أمر ليس مقصوداً".

غير أنه في الآونة الأخيرة، يتم عرض نص تلفزيوني على الجهات الرقابية الرسمية، وبعد الحصول على الموافقات المطلوبة يتم تصوير نص مختلف عن النص المعروض عن الرقابة.

حول هذه الحلول وآلية عمل الجهات الرقابية، قال الصحافي والناقد الفني سومر إبراهيم لرصيف22: "تقوم بعض شركات الإنتاج بتقديم نصوص تلفزيونية مختلفة للجهات الرقابية، وحاولت الرقابة أن تُخضع النص المراقب ورقياً إلى التدقيق حين المشاهدة، وفي حال وجود مخالفات يتم اتخاذ الإجراءات القانونية، كإيقاف الترخيص أو تجميده أو سحبه أو دفع غرامات".

أضاف إبراهيم: "يوجد نوعان من الرقابة: الرقابة على السيناريو والرقابة البصرية بعد التصوير، لأن المخرج يمكن أن يحمّل الصورة رموزاً وأبعاداً لا تتناسب مع شروط الرقابة، وقد تكون الرقابة مفيدة لتوضيح بعض الأمور التي لم ينتبه إليها صنّاع العمل".

ثلاثية الرقابة... السياسة والدين والجنس

لا يمكن حصر قائمة المحظورات الرقابية لأنها تختلف بين بلد وآخر، ولا يوجد أصلاً قائمة لدى الجهة الرقابية مذكور فيها الممنوعات في النص التلفزيوني، بل يخضع الأمر للحساسية الخاصة التي تكتسبها اللجنة نظراً لخبرتها في التوجّه الفكري للدولة التي تمثلها، ولكن يوجد اتفاق ضمني على أن المواضيع السياسية والدينية والجنسية والتي تشكل أكثر المواضيع جذباً للرأي العام، هي أكثر المواضيع منعاً في الوقت عينه لأسباب مختلفة.

حين عُرض المسلسل السوري الشهير "الخوالي" في مطلع الألفية الثالثة، تغيّرت بعض المشاهد في القناة السورية الرسمية لأنها تمس بتاريخ الدولة التركية، بخاصة وأن العلاقات بين البلدين كانت جيّدة وقتذاك، ولم يعرض المشهد الأخير حينها، إلا أنه عُرِض لاحقاً حين ساءت العلاقات.

قد تكون الرقابة متأصلة في رأس الكاتب/ة الذي يعرف ما هو مسموح وما هو ممنوع، وكأن لديه "شرطياً صغيراً" في عقله ينهيه حتى عن رفع مخيّلته أكثر من المعتاد

قد يتعدى الأمر حذف المشاهد إلى منع جزء كامل من العمل، كما حدث في مسلسل "مرايا 2011" بحيث منعت القنوات السورية عرض الحلقة الأول منه والتي حملت مضامين سياسية، وكانت تحت عنوان "حذاء ساندريل".

هناك بعض الأعمال التي تُمنع وهي على الورق، فلا تصل إلى مرحلة التصوير حتى، في حين أن القنوات التلفزيونية قد تمارس بدورها الرقابة على بعض الأعمال، فمثلاً مسلسل "صرخة روح"، الذي تحدث عن الخيانات الزوجية، لم يعرض التلفزيون السوري حينها خماسية "حب محرم" والتي تتحدث عن علاقات المحارم بين أم الزوجة التي تلعب دورها النجمة سوزان نجم الدين، والصهر الذي لعبه الممثل الشهير ميلاد يوسف، لأنها اعتُبرت حينها خادشة للحياء العام، فيما عُرضت هذه الخماسية على بعض المحطات الثانية.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل المشكلة الكبيرة التي كادت أن تتسبب بأزمة دينية بين رئيس اتحاد علماء بلاد الشام محمد سعيد رمضان البوطي، وبين المخرج نجدت أنزور، على خلفية مسلسل "ما ملكت أيمانكم"، والذي تحدث فيه عن الفكر الإسلامي والجهاد وغيرها من المواضيع الدينية الحساسة.

كما تختلف أشكال الرقابة بين قناة وأخرى، أو بالأحرى يختلف ترتيب أولويات السياسة والدين والجنس بين الدول العربية، فمثلاً في مسلسل "كسر عضم" الذي عُرِض في الموسم الرمضاني الفائت، حذفت القنوات السورية بعض المشاهد التي تتناول قضايا سياسية حساسة، على غرار المشهد الذي يتحدث عن فترة الوجود السوري في لبنان، فيما أبقت عليه قناة أبو ظبي لكنها حذفت العديد من المشاهد التي حدثت في بيت فتيات الليل.

حول الرقابة التي تمارسها بعض القنوات التلفزيونية، قال سومر إبراهيم: "من الناحية القانونية، لا يوجد ما يمنع القناة العارضة أو المالكة للعمل بحذف أو اقتصاص المشاهد، فلكل قناة سياسة خاصة بها ولا يوجد إعلام مستقل، والأمر يتعلق بالأدبيات أو بالأخلاقيات الفنية التي تفرض الحفاظ على المحتوى الفني لا أكثر".

الرقابة قبل وبعد العام 2011

قد تكون آلية عمل الرقابة اختلفت بعد العام 2011 وما تلاه من أحداث سياسية وثورات وسقوط أنظمة عربية، جعلت بيوت السياسة العربية تتنبه إلى مخاطر الإعلام والأعمال التلفزيونية والرسائل التي تحملها، والتشدد الرقابي لم يكن حكراً على بلد معيّن.

قبل العام 2011 كانت الرقابة تتمثل في اقتصاص أجزاء من العمل أو حذف بعض المشاهد فقط، كما حدث في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب" في العام 2006، إذ حذفت القنوات السورية حينها العديد من المشاهد في الحلقتين الأخيرتين، ودمجت المشاهد المتبقية معاً في حلقة واحدة.

حول حذف المشاهد واختلاف أشكال الرقابة عبر الزمن، قال كاتب العمل فؤاد حميرة: "لم تكن الرقابة في أي يوم وتحت أي مسمى إلا أداة قمعية بيد السلطات التي تلغي كل تفكير خارج سياقها، بحجّة المحافظة على الوطنية والأخلاق والشرف والدين، وبالطبع جميعنا يعلم أن (الوطنية ملاذ السفلة)، كما قال أحد الفلاسفة العرب".

قد تكون الرقابة تشدّدت فعلاً بعد العام 2011، بيد أن هناك العديد من المسلسلات التلفزيونية تعثرت كثيراً أمام مقص الرقابة والذي كان سيمنعها تماماً من التصوير، مثل مسلسل "دقيقة صمت" في العام 2019، بحيث أصدرت وزارة الإعلام السورية بياناً تحدثت فيه عن أن الرقابة ليست موافقة على المادة المعروضة، وبأن اللقطات المصوّرة خرجت من البلد دون موافقات، بل تهريباً إلى لبنان، دون أن تعيد العمل المصور لعرضه على لجان المشاهدة للتأكد من الالتزام بالملاحظات التي وضعتها عندما تم الحصول على موافقة النص المبدئية.

كما أن هناك العديد من المسلسلات التي مُنع عرضها، مثل مسلسل "فوق السقف" للمخرج سامر برقاوي، الذي عُرِض منه عشر حلقات فقط على القنوات السورية ثم توقف عرضه، والمفارقة أن الجهة المنتجة كانت جهة رسمية، بالإضافة لمسلسل "الولادة من الخاصرة" الجزء الثالث الذي لم يعرض بالكامل، كما أن مسلسل "ضبوا الشناتي" اقتصر عرضه على ربع ساعة فقط من كل حلقة على القنوات الرسمية، لأنه يتناول تداعيات الأحداث السورية في العام 2014، وربما هذا التشدّد قد أبعد رؤوس الأموال والشركات المنتجة عن التصوير في سوريا لصعوبة الحصول على الموافقات.

وعن أشكال الرقابة بعد العام 2011، قال سومر إبراهيم: "لم تتقلّص أو تزدد هوامش الرقابة بعد العام 2011، ولكن ربما الظرف الذي حدث يستدعي الانتباه أكثر للتفاصيل، فالرقيب في هذه الحالة يمثّل وجهة نظر رسمية وليس وجهة نظر شخصية، ولكن الخطوط الرقابية كما هي، فالبلد كانت تخوض حرباً وهناك اعتبارات تخص هذه المؤسسة العسكرية والشهداء، ولكن الخطوط قد تزداد أو تنقص حسب القائم على هذه الرقابة".

وتابع بالقول: "إن تصوير الأعمال في دول ثانية لا يرتبط بموضوع الرقابة، بل تكون هذه الأعمال مسلوبة البيئة، فالنص لا ينتمي لهوية أو بيئة أو تفاصيل حياة لمجتمع ما، بل هي أعمال استهلاكية قابلة للتصوير بأي مكان، وتحديداً في أعمال جميلة بصرياً".

"لم تكن الرقابة في أي يوم وتحت أي مسمى إلا أداة قمعية بيد السلطات التي تلغي كل تفكير خارج سياقها، بحجّة المحافظة على الوطنية والأخلاق والشرف والدين"

بعيداً عن الرقابة الشاملة على الأفراد، ظهرت أنواع جديدة من الرقابة بعد العام 2011، وهي الرقابة الشخصية التي تختص بأفراد محددين، مثل منع ظهور بعض الأسماء على شاشة تلفزيونية معيّنة على خلفية آرائهم السياسية، وبالتالي باتت أعمالهم التلفزيونية القديمة منها والحديثة ممنوعة من العرض، مثل مسلسل "هومي هون" الذي يعرض على التلفزيون السوري مع حذف جميع مشاهد الفنانة سلافة عويشق، لاتخاذها مواقف سياسة معارضة منذ العام 2011، أو عدم عرض مسلسل "الفصول الأربعة" لأنها من بطولة العديد من الأسماء المعارضة مثل جمال سليمان ويارا صبري وغيرهم.

وفي المقلب الآخر، تفضّل بعض القنوات العربية عدم عرض أو استقبال العديد من الفنانين/ات ممن لديهم/نّ مواقف مؤيدة، مثل دريد لحام وسلاف فواخرجي وزهير رمضان وغيرهم، وينطبق هذه الأمر على العديد من الدول العربية، وهذا ما حدث مع الفنانة المصرية غادة عبد الرازق التي توقف مسلسلها عن العرض بعد تصريحاتها السياسية بعد ثورة يناير في مصر، وكان اسمها حينها على "القوائم السوداء".

في الختام، لو افترضنا مثلاً أنه من الآن فصاعداً لن تخضع الأعمال الفنية لأي شكل من أشكال الرقابة، فهل سيرتفع حينها مستوى الأفكار والمواضيع المطروحة أم ستكون النتيجة كارثية؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard