"أرقص من أجل الحرية التي نخشى أن نخسرها"؛ تقول سماء واكيم حول عرضها "تباً"، الذي استقبله مسرح ساحة روابط بوسط القاهرة ضمن فعاليات الملتقى الدولي للفنون العربية المعاصرة ضمن برنامج "دي-كاف" في نسخته العاشرة المختتمة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر المنقضي.
فيما تؤكد سلمى سالم على أن قوة المرأة تأتي من رحمها كمركزٍ لطاقة جسمها، في عرضها "ارتكاز" الذي قدّمته في نفس الملتقى.
قدم الملتقى خمسةَ عروضِ رقص معاصر قامت بتصميمها وإخراجها وأدائها نساءٌ من مصر وفلسطين، في محاولة لكلٍّ منهن للكشف عن شغفها بالحركة والرقص والتعبير عن دواخلها وأفكارها. وأتت عروض الملتقى خلال فترة من التشديدات الأمنية التي تشهدها مناطق وسط القاهرة استعداداً لقمة المناخ COP27.
لمدة عامين ظلّ عرض "تباً" لمصممة الرقص والممثلة سماء واكيم قيد التطوير، منذ بدأ عام 2020 بمنحة من معهد غوته بالقاهرة والمغرب، وتطور العرض خلال ذلك من فكرةٍ مدتها خمسُ دقائق إلى ساعة كاملة من الأداء الحركي المصاحب لموسيقي صممتها سمر حداد كينج، وأصوات تؤديها سماء نفسها.
تقول سماء لرصيف22 إن العرض "عن الحرية التي نخاف أن نخسرها خلال حياتنا".
في العرض تطرح سماء واكيم، أسئلةً حول مدى تأثير العيش في منطقة حربٍ في تشكيل الهوية، لتبحث في مدى تغلغل "تروما" الأجيال السابقة في جسدنا الحالي عبر الحركة والصوت
يبدأ العرض بيدٍ تخرج من باب المسرح، تظهر بعدها سماء محاولةً التشبّثَ بحبلٍ تم تثبيته بعرض الخشبة، لتحكي يوماً عادياً في فلسطين بين أصوات القنابل وأغاني الأعراس وهتافات الانتصار وبكاء الجنازات.
تقول سماء: "عندما كنت أصغر سناً وأقل فهماً لمفهوم الحرية، كنت أكثر جرأةً ومقاومة. وعندما كبرت، فهمت ما يمكن أن أخسره. أصبحت أخاف أن أخسر حرّيتي، ومن هنا جاءت فكرة العرض".
تحكي سماء في مقابلة تلفزيونية سابقة أنها بدأت الرقص وهي في عمر الخامسة، عندما أهدتها جدتها بدلةَ رقصٍ شرقي، جاءت بها من رحلة إلى تركيا، ليصبح الرقصُ فقرةً أساسية في التجمعات العائلية، وتصبح هذه البدلة فكرةً لأول عرضِ رقص معاصر تؤديه سماء على المسرح.
في العرض تطرح سماء واكيم، أسئلةً حول مدى تأثير العيش في منطقة حربٍ في تشكيل الهوية، لتبحث في مدى تغلغل "تروما" الأجيال السابقة في جسدنا الحالي عبر الحركة والصوت.
تسترجع في حركات الرقص ذكرياتِ طفولتها في ظلِّ الحروب المستمرة، وتلك اللحظة الّتي بدأت تخاف فيها من فقدان حرّيّتها، وتخوض في العالم المتخيّل المنسوج من الخوف والأمل في محاولةٍ للصمود. حين يتغلّب الخوف عليها، وينقلب عالمها لتصبح الأرض غير مستقرّة، وتنكمش الأصوات لتخلق عالماً ثالثاً يختلط فيه الواقع بالخيال.
الحوار بين الموسيقى الحيّة لسمر حدّاد كينج وأصوات سماء، في عالم تتحوّل فيه أصوات القنابل وضجيج طائرات الهليكوبتر وأغاني العرس ورقصة الدبكة الفلسطينية إلى واقعٍ مُعَاش في يوم عادي في فلسطين.
قدمت سماء العرض نفسه في منحة معهد غوته بعنوان كُتب باللغة الإنكليزية "ما أخسره"، وبالعربية "تباً". شرحت هي الفارق في مقابلة سابقة، بأن ما تخسره هنا هو عقلها، وكيف تشعر أنها تقترب من الجنون لمجرّد التفكير في احتمالات قد تقيد حريتها. لكنها تظن أن كلمة "تباً" مرادف أقوى في العربية.
ارتكاز الرحم
تركز سلمى سالم على وضع يدها على عضلات البطن خلال أغلب فقرات عرضها "ارتكاز"، لتؤكد فكرةَ أنّ قوةَ المرأة ومركز الجسد هنا في الرحم، فمنه تأتي الحياة وقوّتها النفسية.
تقول سلمى: "فكرة العرض استلهمتها من مرساة السفن، مركز الارتكاز في منتصف المرساة، وفي المرأة البطن حيث مركز الجسم ومخزن الطاقة للأطراف".
درست سلمى علم النفس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعملت لفترةٍ كمعالجة نفسية قبل أن تتفرغ للرقص، حيث بدأت برقص الباليه التقليدي، ثم رياضة كونغ فو، وهو ما ساهم في تطوير حركاتها في الرقص المعاصر.
العرض هو رحلة لجسم أنثى يقاتل في طريقه - عبر القيود المجتمعية- للعثور على قوته الداخلية
يبدأ العرض وسلمى جالسة على الأرض رافعة قدميها في الهواء، وتتحرك بتوازن في حركات دائرية مع موسيقى بنسق ثابت، وتلعب إضاءات المسرح دوراً في الألوان ودرجة سطوع الضوء لترسم خطوطا مستقيمة، أو خطوطاً متقاطعة كعلامة "X".
وتتسارع الموسيقي مع محاولات سلمى للوقوف ممسكة بالبطن حتى تستقر على قدمين رافعة يدها بقبضةٍ مضمومة كعلامة للقوة ونظرة ثابتة.
تشرح سلمى الاختلاف بين تقنيات رقص الباليه والرقص المعاصر، بأن الباليه يحاول فيه الراقصون الابتعاد عن الجاذبية الأرضية، حتى بالوقوف على أطراف الأصابع، ولكن في الرقص المعاصر تسير الراقصة والراقص مع الجاذبية وضدّها، وحركاتهما أكثر تحرراً، "وهو ما ساعدتْني فيه رياضة الكونغ فو".
توضح سلمى لرصيف22: "نقطة قوة المرأة في الرحم وشخصيته بأنه يحمل الجنين، لذلك أبدأ العرض بحركةٍ مرتكزة على عضلات البطن، مثل حركة الجنين في الرحم، إلى أن أستطيع الوقوف على القدمين".
يتناول العرض تأثيرَ القوى السياسية والاجتماعية والدينية على جسد المرأة. والعرض هو رحلة لجسم أنثى يقاتل في طريقه - عبر القيود المجتمعية- للعثور على قوته الداخلية.
تعكس عروض سلمى سالم موضوعاتٍ تتعلق بممارسات الفكر والجسد والتعافي من خلال الحركة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينمقال أكثر من رائع. قمة الإبداع والرقي. شكرا.
Salim Abdali -
منذ 3 أياماتابع يومياتك الأليمة، وشكرا يا شاعر لنقلك هذه الصور التي رغم الالام التي تحملها، الا انها شهادات تفضح غياب الضمير الانساني!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامماذا لو أن النبي بداية منذ أواخر سنواته الشريفات وحتى اليوم كان محروماً من حقوقه في أمته مثلما أن المرأة قد حرمت حقوقها وأكثر؟ وأنه قد تم إيداعه "معنوياً" في غرفة مقفلة وأن كل من تصدر باسمه نشر فكره الخاص باسمه بداية من أول يوم مات فيه النبي محمد؟ إن سبب عدم وجود أجوبة هو انحصار الرؤية في تاريخ ومذهب أو بالأحرى "تدين" واحد. توسيع الرؤيا يقع بالعين على مظلومية محمد النبي والانسان الحقيقي ومشروعه الانساني. وجعل القرءان الدستور الذي يرد اليه كل شيء والاطلاع إلى سيرة أهل البيت بدون المزايدات ولا التنقصات والتحيزات يرتفع بالانسان من ضحالة القوقعة المذهبية إلى جعل الإنسان يضع الكون كاملاً والخليقة أمام عينيه ولا يجعله يعشق التحكم في الآخر.
إن وصف القرءان للنساء بأنهم نساء منذ طفولتهن بعكس الرجال الذين هم بنين ثم يصيرون رجالاً هو وصف بأن المرأة منذ الصغر تولد أقرب بكثير للتقوى الذي هو النضج وكف العدوان بينما للرجل رحلة طويلة في سبيل التقوى التي هي كف العدوان وليس فقط تدوير المسبحات في الأيدي.
مشروع محمد لم يكتمل لأن "رفاقه" نظروا له على أنه ملك ويجب وراثته والتعامل مع تراثه كملك. أما الذين فهموا مشروعه وكانوا أبواب المشروع الانساني فقد تم قتلهم وتشريدهم وفي أحسن الاحوال عزلهم السياسي والثقافي حتى قال الإمام علي أنه يرى تراثه نهباً أي منهوب.
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ 5 أياممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 6 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي