يواجه عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة، ووزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، اتهامات علنيةً بالتواطؤ في تسليم مواطن ليبي إلى الولايات المتحدة بدعوى تورطه في قضية لوكربي، بعد مرور نحو 33 عاماً عليها، في أحدث فضيحة من نوعها في عمر الحكومة المليء بالفضائح، على الرغم من أنها تتولى السلطة منذ عامين فقط.
وبعد شهر على اختفائه، وجد أبو عجيلة المريمي، الضابط السابق في جهاز المخابرات الليبية في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، نفسه في قبضة السلطات الأمريكية والبريطانية والإستكلندية، بتهمة التورط في لوكربي، التي ظن الليبيون أنها سُوِّيت تماماً، بعدما دفع القذافي 2.7 مليارات دولار، كتعويض لأسر الضحايا وتسليم المشتبه بهما اللذين خضعا لمحاكمة أدانت أحدهما وبرّأت الآخر.
وكان الدبيبة قد طالب في السابق بإعادة فتح القضية في محاولة للتودد إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حين قال إن ملف قضية لوكربي، أُقفل في الخارج، ونحن نريد فتحه في الداخل لمحاسبة من ورّطنا لسنوات وتسبب في خسارتنا المالية.
كما أعربت وزيرة خارجيته، المنقوش، عن ترحيبها بتسليم المتورطين في هذه القضية، في تصريحات أدت إلى تعليق المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفى، عملها وإخضاعها للتحقيق.
وفي إطار مساعيه لتكريس نفسه حاكماً إلى أجل غير معلوم، بالرغم من مساعي مجلسي الدولة والنواب للإطاحة به، والبقاء في منصبه الذي يتولاه منذ نحو عامين، يعتقد الكثير من المراقبين أن الدبيبة قد باع مواطنه "أبو عجيلة" لسلطات التحقيق التي تطارده، وهي الشرطة الإسكتلندية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
وعلى الرغم من أن وزارة العدل في حكومة الدبيبة عدّت أن ملف قضية لوكربي لا يمكن إثارته مجدداً، بعدما أُغلق بالكامل من الناحيتين السياسية والقانونية، وفقاً لاتفاقية بين ليبيا وأمريكا عام 2008، فقد اختطف مسلحون تابعون لما يُعرف باسم القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب في مدينة مصراتة في غرب البلاد، "أبو عجيلة" من منزله في منطقة أبوسليم بشعبية المشروع في العاصمة طرابلس، في ساعة مبكرة من صباح التاسع عشر من الشهر الماضي، ونقلوه إلى جهة غير معروفة.
وأثارت القضية سخطاً شعبياً عارماً، بينما دعا مجلس النواب الليبي، النائب العام، لتحريك دعوى جنائية ضد المتورطين في خطف "أبو عجيلة"، وتسليمه للسلطات الأمريكية.
ووجّه أعضاء في المجلس وناشطون، اتهامات مباشرةً إلى الدبيبة بتقديم المخطوف إلى أمريكا في إطار صفقة تضمن له الاحتفاظ بمنصبه.
وجّه أعضاء في المجلس وناشطون، اتهامات مباشرةً إلى الدبيبة بتقديم المخطوف إلى أمريكا في إطار صفقة تضمن له الاحتفاظ بمنصبه.
أصل القضية
وكانت قد انفجرت قنبلة على متن طائرة بوينج 747، تابعة لشركة بان أمريكان فوق بلدة لوكربي الإسكتلندية، بعد نحو 40 دقيقةً من مغادرتها مطار هيثرو في لندن، يوم 21 من كانون الأول/ ديسمبر عام 1988، ما أسفر عن مصرع 270 شخصاً، أغلبهم كانوا من الأمريكيين العائدين إلى وطنهم لقضاء عطلة عيد الميلاد.
وكان تحطّم الطائرة التي عُرفت لاحقاً باسم بان آم 103، تاريخياً، حتى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية عام 2001، أكبر هجوم إرهابي على المدنيين الأمريكيين في التاريخ، كما أنه لا يزال الهجوم الإرهابي الأكثر دمويةً في تاريخ المملكة المتحدة.
عمل أبو عجيلة في جهاز أمن الجماهيرية (المخابرات الليبية)، كخبير تقني في بناء الأجهزة المتفجرة منذ عام 1973،
واتهمته السلطات الأمريكية، بلعب دور صانع القنبلة، إذ قبل أسبوع من مغادرته منصبه عام 2020، أعلن المدّعي الأمريكي العام السابق ويليام بار، عن مقاضاة المريمي، وقال في مؤتمر صحافي: "هذا الرجل المسؤول عن قتل الأمريكيين والعديد من الآخرين، سيخضع للعدالة على جرائمه، معلناً عن أن الولايات المتحدة قد وجّهت اتهامات جنائيةً ضد المتآمر الثالث ‘أبو عجيلة مسعود’ لدوره في تفجير الطائرة...".
الاعترافات
وفقاً لأوراق رسمية أمريكية، فقد تلقّى محققون أمريكيون معلومات عن اعتراف سجله المريمي إلى مسؤول ليبي في مقابلة تمت بالفعل في 12 أيلول/ سبتمبر عام 2012، بعد عام واحد فقط من سقوط نظام القذافي ومقتله.
وحجبت السلطات الأمريكية اسم المسؤول الليبي الذي وشى بالمريمي، لكنها عرّفته على أنه ضابط تنفيذ القانون، وقالت إنه أعرب عن استعداده للإدلاء بشهادته في محاكمة إذا وافقت الحكومة الليبية.
بحسب المقابلة التي تمت ترجمتها من العربية إلى الإنكليزية، بين هذا الضابط ومسعود، اعترف الأخير بصنع القنبلة التي أسقطت رحلة بان آم 103، والعمل مع المقرحي وفحيمة لتنفيذ المؤامرة، كما اعترف بتورطه في مؤامرات أخرى ضد مواطني الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
وأكد مسعود أنه تم تفجير رحلة بان أمريكان 103، بأمر من قيادة المخابرات الليبية، وقال إن القذافي شكره وأعضاء الفريق الآخرين لهجومهم الناجح على الولايات المتحدة بعد العملية.
في أثناء المقابلة، قال الضابط الليبي إنه استجوب مسعود وآخرين لتحديد ما إذا كانوا قد ارتكبوا أي جرائم ضد ليبيا والشعب الليبي خلال الانتفاضة الشعبية التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ضد القذافي.
وروى الضابط، أنه قبل المقابلة التي أجريت مع مسعود، لم يكن يعرف شيئاً عن تفجير رحلة بان أمريكان 103، بخلاف ما كان قد قرأه في وسائل الإعلام.
عندما سئل مسعود عما إذا كان قد شارك في أي عمليات في ليبيا أو خارجها، بادر إلى الرد بأنه شارك في "طائرة لوكربي"، من بين أمور أخرى، إذ سرد تورطه في إحدى العمليات الأخرى، ومنها قصف ملهى لابيل الليلي في برلين في شهر نيسان/ أبريل 1986.
أوضح مسعود أن ضابط مخابرات ليبياً طلب منه السفر إلى برلين الشرقية للقاء ضابط الأمن في السفارة الليبية هناك، الذي أبلغه لاحقاً أنه كان بصدد صنع عبوة ناسفة ضد الملهى الليلي الذي اختير كهدف للهجوم لأنه كان يتردد عليه ضباط عسكريون أمريكيون.
وروى مسعود أنه في شتاء عام 1988، استدعاه مسؤول مخابرات ليبي إلى لقاء في مكتبه في طرابلس، وفي أثناء ذلك الاجتماع، الذي ضم مسؤولين ليبيين إضافيين من المخابرات، سئل مسعود عما إذا كانت "الحقائب" قد اكتملت، وعندما أجاب بالإيجاب أمر أحد مسؤولي المخابرات بأخذ إحدى الحقائب والسفر بها إلى مالطا.
قال مسعود إنه سافر في اليوم التالي إلى مالطا بالطائرة حاملاً الحقيبة المجهزة، وأشار إلى أن أحد مسؤولي المخابرات الليبية أبلغه بانتظار المقرحي وفحيمة هناك لمقابلته في مطار مالطا.
وذكر أنه بعد نحو ثلاثة أو أربعة أيام في الفندق، التقى بهما في بهو الفندق حيث طلبوا منه أن يستيقظ في الساعة السابعة صباح اليوم التالي على وجه التحديد...
وقال إنه تلقّى تعليمات بضبط المؤقت على الجهاز في الحقيبة بحيث يحدث الانفجار بالضبط بعد 11 ساعةً. كما تسلّم مسعود 500 دولار أمريكي لشراء بعض الملابس لوضعها في حقيبة السفر، بدلاً من استخدام ملابسه الخاصة.
وقال مسعود للضابط الليبي إنه وقف في مكان محدد بالقرب من فحص أمتعة الركاب في مطار لوقا، قبل أن يمر المقرحي وفحيمة أمامه.
في رواية قدمها كين دورنشتاين، مخرج الأفلام الوثائقية الذى توفي شقيقه ديفيد في الهجوم، قال إنه علم في عام 2012، من رجل ليبي يعيش في ألمانيا باسم مسعود، وبعدها بثلاث سنوات تلقّى في عام 2015، صورةً لمسعود حين كان محتجزاً في سجن ليبي.
حجبت السلطات الأمريكية اسم المسؤول الليبي الذي وشى بالمريمي، لكنها عرّفته على أنه ضابط أعرب عن استعداده للإدلاء بشهادته في المحاكمة إذا وافقت الحكومة الليبية.
جداول الرحلة
وتربط جداول الرحلات التي حصلت عليها السلطات الأمريكية، بين المريمي وكل من عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة، المتهمين الأساسيين في القضية، إذ سافر برفقة المقرحي في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1988، من طرابلس إلى مالطا على متن رحلات منفصلة، وبعدها بيومين فقط سافر مسعود من مالطا إلى طرابلس، بينما غادر المقرحي من مالطا إلى زيورخ في سويسرا وواصل طريقه إلى براغ في تشيكوسلوفاكيا السابقة.
لكن الحاصل أن المريمي لم يكن أول مواطن ليبي يتعرض للخطف ويتم تسليمه إلى جهات خارجية، فقد سبق لقوة أمريكية خاصة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2013، خطف نزيه عبد الحميد الرقيعي، وبعده بعام فقط تم اختطاف أحمد بوختالة من مدينة بنغازي في شرق البلاد، ولاحقاً خطف مصطفى الإمام عام 2017 من مدينة مصراتة.
وتم نقل الثلاثة إلى الولايات المتحدة، بدعوى ارتكابهم جرائم ضد المصالح الأمريكية، ما جعل البعض يقول مع تعدد حوادث الخطف، إنه لا يمر عام أو عامان إلا ويتم تسليم مواطن ليبي قرباناً لأمريكا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...