يستطيع الفلسطينيّون في الأراضي المحتلة عام 1967، السفر برّاً من خلال منفذين هما معبر رفح في قطاع غزّة، والذي تسيطر عليه الإدارة المصريّة، وجسر الملك حسين الواقع تحت سيطرة الجانب الأردنيّ بالاشتراك مع الاحتلال الإسرائيلي والجانب الفلسطيني، عبر تنفيذ سياسات تجاه المسافرين، من شأنها أن تزيد من معاناتهم عند السفر.
صدم الكثير من الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية بازدحام معبر الملك حسين تجاه الأردن خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، ومن الإهانة التي تعرّض لها عدد من المسافرين لاحقاً حسب عدّة تقارير، منهم كبار السن وحتى المرضى، مما دفع لوجود رشوة مُنحت للعاملين فى المعبر الأردني من أجل تسهيل الإجراءات كما أكدت مصادر وصلت لرصيف22.
إيمان شابة ثلاثينية - إسم مستعار- وجدت نفسها مضطرة للدفع مقابل تسهيل دخولها للضفة الغربية بعد 3 ساعات في قسم الـ VIP، إذ كانت تحتاج ساعات قليلة من أجل اجتياز المعبر من الأردن وصولاً للجانب الفلسطيني والإسرائيلي، لكن الغريب في الأمر أنّه بعد إغلاق الجسر يوم الجمعة مع وصولها، وإخبار المسافرين بذلك، جاء عامل في المعبر لينادي قسم الـ VIP من أجل تسهيل الإجراءات.
اضطرت إيمان للتوجه للقسم الذي كان مكتظّاً بالناس، لكن إهانات كثيرة تعرّض لها المسافرون بعد رفض دخول أيّ فلسطيني يحمل جواز السلطة الفلسطينية، فيما كان يدخل السيّاح بشكل طبيعيّ. تعجّبت لحظتها، كيف لإدارة المعبر ورجال الأمن توجيه الناس لقسم VIP، وهو ما يخرق القانون.
تقول إيمان لرصيف22: "كانت المعاملة غير إنسانيّة، أخبرونا أنّ الجسر مغلق قبل ساعات من موعد إغلاقه، وبناء على ذلك، نام الناس على الجسر حتى يستطيعوا الدخول مع افتتاحه في اليوم التالي، كانوا يقومون بإدخال الأجانب فقط. كانت هناك لحظة أخبرتهم فيها فتاة بوجود حالة وفاة، وأنّها تريد الدخول بأقرب فرصة ممكنة، لتفاجأ بصراخ رجال الأمن عليها: "كلّ الذين على الجسر لديهم حالات وفاة".
كذلك، تعرّضت مسنّات ومسنّون للتوبيخ أمام إيمان، حتّى أنّ سيدة كان يرافقها أحفادها الذين لا يحملون الهويّة الفلسطينيّة، إذ سمح لهم الأمن بالدخول بدون جدّتهم، كذلك شاهدت أنّ بعض العمّال في المعبر من الذين يعملون في النقل ومساعدة المسافرين، يحصلون على 10 دنانير أردنيّة (14 دولاراً)، في مقابل مساعدتهم للوصول إلى الداخل من وراء رجال الأمن، مؤكّدة على أنّ ثمّة اتّفاقاً ما بين العمّال والأمن.
تعرّضت مسنّات ومسنّون للتوبيخ، حتّى أنّ سيدة كان يرافقها أحفادها الذين لا يحملون الهويّة الفلسطينيّة، إذ سمح لهم الأمن بالدخول بدون جدّتهم
داخل صالة الـVIP وجدت إيمان الكثيرين ينتظرون داخل القاعة، لم يختلف الأمر كثيراً عن القاعة الكبيرة الرئيسية، إذ كان ثمّة طابور طويل للتسجيل، حيث أخبروهم لاحقاً بعدم إمكانيّة التسجيل، وهو ما صدمها، ثم شاهدت رجل أمن يحصل على 20 ديناراً أردنيّاً على كل جواز سفر، ويغيب ثم يعود للحصول على ختم الدخول، حيث يدفع الفلسطيني مقابل خدمة الـ VIP مبلغ 110 دولارات إضافة لـ20 ديناراً أردنياً.
وتضيف: "هو نفسه رجل الأمن الذي حصل على 20 ديناراً من كل مسافر، كان في البداية يخبرنا أنه لا يسمح بالدخول ويجب الانتظار، هذه الطريقة شجعت الكثير من العاملين الذين يساعدونا بطلب رشاوى لتسهيل دخولنا ومساعدتنا، دفعت 5 دنانير، ثمّ 10 أخرى".
وتكمل إيمان: "المحزن أنّ المعبر الإسرائيلي تسير الأمور به بشكل سلس وسهل".
علق الكثيرون على الإجراءات غير اللائقة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حينها، خصوصاً من بعض العاملين الذين طلبوا منهم تدبر أمورهم والتأكد من وجود حقائبهم والعودة للجانب الأردني من المعبر رغم وصولهم إلى الجانب الفلسطيني، مثلما حصل مع أم أدهم (38 عاماً) التي كانت ترافق ثلاثة من أطفالها في رحلتها لزيارة والدتها المريضة في مخيم الزرقاء بالأردن، والتي لم تستطع دفع مبلغ خدمة قسم الـ VIP لتسهيل حركتها، خاصّة أنّ طفلتها الصغرى البالغة أربع سنوات كانت تعاني من السعال في جو شديد الحرارة في شهر آب/ أغسطس.
تقول أم أدهم لرصيف22: "منذ مراهقتي، أسافر عبر هذا الجسر، أكثر مرة شعرت بالإهانة هُنا، في هذه المرة كان التعامل سيّئاً، حتى أن البعض كان ينصحني بأن أدفع ليكون دخولي سهلاً، أخبرتهم أنني لا أملك المال فجاء رده: 'في هيك حالة إلك الله'".
"منذ مراهقتي، أسافر عبر هذا الجسر، أكثر مرة شعرت بالإهانة هُنا، في هذه المرة كان التعامل سيّئاً، حتى أن البعض كان ينصحني بأن أدفع ليكون دخولي سهلاً، أخبرتهم أنني لا أملك المال فجاء رده: 'في هيك حالة إلك الله'"
وسيم (35 عاماً) - اسم مستعار - اعتاد التنقل عدّة مرات في كل عام ما بين الأردن والضفة الغربية، بحكم عمله، لكنّه اعتبر أن الإجراءات الجديدة في السنوات الأخيرة، اشتدّت وأصبحت بالغة التعقيد وباهظة التكلفة، خلقت معها سوقاً سوداء للحصول على دور (تسجيل) للسفر ودخول الأردن، ورشوة للعاملين بالمعبر الأردني، والعتالين، وحتى موظفين شركات النقل.
يلفت وسيم إلى أن المنصّة كانت تعمل بطريقة غير منطقية، إذ تفتح للتسجيل دقائق معدودة في وقت عشوائي خلال الأسبوع، ثم أصبحت لاحقاً في يوم محدد لكن دون تحديد الساعة، مما يعني أن عليك أن ترابط خلف الشاشة لساعات طويلة، بانتظار فتح المنصة لبضع دقائق، وهو ما شجّع الرشاوى والاعتماد على الدفع غير المشروع مقابل تسهيل السفر، وتجنّب إهانة المسافرين، إلى جانب تقييد المسافرين بشراء تذاكر عبر شركة أردنيّة لنقل الركّاب، بالإضافة إلى طلب طباعة الإيصالات عند الوصول وتأخير سفرهم، مما دفعهم لشراء التذاكر بنظام الدور والانتظار وراء الطوابير الطويلة.
يقول وسيم لرصيف22: "تم إلغاء عدد من الحواجز من الجانب الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي للمسافرين من فلسطين إلى الأردن، لكن ما بين 2009 و2022 لم تتغير كثيراً، إذ أن السفر من فلسطين الى الاردن اصبح يتطلب حوالي 14 ساعة، نفس الشيء وأكثر في حال العودة لفلسطين من الأردن ويمكن المبيت داخل المعبر، بمعنى أنّني لو كنت أنوي السفر من مطار أردنيّ لإحدى الدول، فأنا مجبر لقضاء يوم قبل السفر حتّى تجاوز كلّ هذه العقبات الشديدة".
في المقابل يرفض وسيم ما يتم الترويج له من حيث الطرق البديلة عبر معبر جسر الملك حسين والتوجه لمطار رامون الإسرائيلي، فهو يعتبر أن دفع التذاكر واجتياز المعبر اللإسرائيلي تجاه رامون هو مصدر وفائدة راجعة للاحتلال الاسرائيلي ليس أكثر، ويعتبر السفر عبر "الجسر" هو الخيار الوحيد أمامهم.
ويضيف: "للأسف، مسألة سفرنا الإجباري عبر الجسر، هي نتيجة حتمية لتخصيص مطار اللد الانتدابي (بن غوريون اليوم) للإسرائيليين. فلا يمكنني، كفلسطيني من الضفة الغربية السفر عبر ذلك المطار، إلا بتصريح صعب المنال من قيادة الجيش، معادلة المطارين، اللد (بن غوريون) ومطار الجنوب (رامون)، هو تجسيد آخر للعقلية الاستعمارية الإسرائيلية التي تدير البلد المستعمرة".
لم تقف تفاصيل سفر سكان الضفة الغربية عند هذا الحد فقط، إذ إنّ تجديد جواز السفر الأردني المؤقت المخصص للفلسطينيين "من سكّان الضفة الغربية" يكلف 200 دينار أردني (282 دولاراً)، كذلك يحتاج المتقدم انتظار 14 يوماً للفحص الأمنيّ، وضرورة السفر إلى عمان لاستصدار الجواز، أو يمكن عمله بالوكالة.
في حين أن جواز السفر الأردني الحقيقي تكلفته 50 ديناراً فقط (70 دولاراً)، الأمر نفسه يحدث عند التنقل ما بين قلب العاصمة الاردنية لغاية الجسر، إذ أن تذكرة التنقل للجسر اغلى ثمناً من التنقل من العاصمة عمان لغاية لخليج العقبة جنوب الأردن.
الأمر نفسه يسير في غزة والضفة الغربية، إذ لا يستطيع أحد نقد الإدارة المصرية والأردنية على العلن أو بشكل أوضح (أمام الإعلام وتوجيه الاتهام بالتقصير) بسبب الخوف من رفض السفر أو المنع الأمني.
منذ سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، اختلف نظام العمل في معبر رفح الفلسطيني، وهو المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة، نفس الشيء في معبر رفح قسم VIP بإشراف شركة مصريّة فلسطينيّة، والتي لطالما لوّحت المصادر بتبعيتها المقرّبة لجهة أمنيّة كبيرة، نظراً لسلطتها في تسهيل الدخول أمام الحواجز الأمنية المصرية في سيناء.
تقوم هذه الشركة بتنسيقات للغزيين للخروج من معبر رفح إلى مصر، بمبلغ يصل إلى ألف دولار أو العودة من مصر لمعبر رفح مقابل مبلغ 600 دولار، مقابل خدمات تروج أنها "مريحة في باصات مكيفة"، ويتم اجتياز الحواجز بشكل أسرع مع وجبات طعام، إلى جانب جهات تنسيق أخرى مصرية تعمل مع مكاتب سياحية غزية.
اما قسم الـ VIP في المعبر الأردني، فالمسافرون يدفعون فيه مبالغ تصل إلى (150 دولار)، وهي فقط لتمرير فلسطينيي الضفة بشكل أسرع، في مسافة لا تتجاوز بضعة كيلومترات.
وبعدما افتتح الاحتلال الإسرائيلي مطار "رامون" أمام المسافرين من الضفّة الغربيّة، جاء إعلان الحكومة الأردنيّة عن خطّة تطوير الجسر، والعمل على طرح عطاء لتطوير المقرّ الدائم لجسر الملك حسين بقيمة 150 مليون دينار أردني، بهدف تسهيل حركة السفر وتبديد المعوقات كما جاء على لسان وزير النقل حينها، المهندس وجيه عزايزة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...