أول احتكاكي ببلال فضل، كان من خلال حكاياته عبر رصيف22، ولن أنكر، فقد كان اسم بلال فضل، اسماً محاطاً بالشبهات بالنسبة لي، فهو منبوذ مذموم، لم أعلم لماذا، ولا ماذا ارتكب، لكنه لم يكن من الأسماء التي تُذكر بالخير. كان الجزء الأول من مدونة "حكايتي مع المجني عليها"، أولى قراءاتي له. أعجبتني القصة وطريقة السرد، ولكن هذا الإعجاب أوجد في داخلي إحساساً بالذنب، وأيقظ ضميري، فلم يكن من المفترض أن أُعجب به، إذ كيف يعجبني "فاجر فاسق متلوّن؟". ولهذا، خدّرت ضميري بأنني أُعجبت فقط بطريقة الكتابة وليس به هو شخصياً، أو بمعنى أصح بفكره.
طريقة سرد بلال فضل، هي خير مثال عن السهل الممتنع. فبظروف احتكاكي بمجال الكتابة، أعلم كم هو صعب أن تسرد بلغة تلائم جميع الطوائف، وبأسلوب ينال إعجاب المثقف القارئ، وينال إعجاب من يجد القراءة مهارةً لازمةً للتعايش. وكانت معلومة أن بلال سيناريست، معلومةً جديدةً بالنسبة لي، فدفعني الفضول لأبحث عن الأعمال التي كتبها، وأنا متيقن من أنني سأجد أعمالاً مليئةً بالفُجر والفسوق، الغرض منها إفساد عقول الشباب، فماذا قد يكتب "مؤذن الشيطان"؟ ولكنني تفاجأت حين وجدت أن أغلب أعماله اجتماعية أسرية، ذات طابع كوميدي بعض الشيء، وأغلبها أعمال سبق أن شاهدناها في البيت، وضحكنا، وأغلب الظن أن سبب عرض هذه الأفلام هو جهل أهل البيت بأن مؤلف هذه الأعمال هو بلال فضل.
أول احتكاكي ببلال فضل، كان من خلال حكاياته عبر رصيف22، ولن أنكر، فقد كان اسم بلال فضل، اسماً محاطاً بالشبهات بالنسبة لي، فهو منبوذ مذموم، لم أعلم لماذا، ولا ماذا ارتكب، لكنه لم يكن من الأسماء التي تُذكر بالخير
تجاهلت المقال بعد أن قرأته، واكتفيت بضغط زر الإعجاب، ولكن في داخلي أعلم أن هذا لن يكون اللقاء الأخير، فكنت متشوقاً إلى قراءة بقية الأجزاء، وبالفعل نُشر الجزء الثاني من الحكاية، فهممت بقراءته، وهذه المرة اعترفت لنفسي بخطيئتي، وهي أنني لا يعجبني أسلوبه الكتابي فقط، ولكن هناك ما هو أعمق. بحثت عن اسم بلال فضل، في اليوتيوب، ووجدت أنه ينشر حلقةً أسبوعيةً مدتها ساعة تقريباً، يناقش فيها مواضيع مختلفةً تخص المجتمع المصري، سواء على المستوى السياسي أو الديني أو الاجتماعي، ولكن ما لفت نظري هو أن له حلقةً مع باسم يوسف في برنامجه الأشهر "البرنامج". ولحبي الشديد لباسم يوسف، لم أتردد في أن أشاهد هذا اللقاء، لأنبهر بعقلية متزنة سويّة، واسعة الصدر تقبل أي مناقشة، عقلية مرنة قابلة للتغيير إذا وجدت ما هو أصلح، وأهم ما فيها هو إدراكها لوجود الخير والشر في كل شيء، وهذا ما يعرّفه لنا بلال فضل، باسم "الفكر المُركّب".
إذا تعمقت في أعماله المقروءة والمسموعة، ستدرك أن "الفكر المركّب"،هو أسلوب تفكير بلال فضل، وهو الطبع الغالب عليه في تكوين آرائه.
إذا تعمقت في أعماله المقروءة والمسموعة، ستدرك أن "الفكر المركّب"،هو أسلوب تفكير بلال فضل، وهو الطبع الغالب عليه في تكوين آرائه. "الفكر المركب" يعتمد على فحص كل شيء وتأمّله، ثم أخذ ما قد يناسبك منه، أو ما تراه أنفع وأصلح. ويؤكد بلال أنه ليس فرضاً أن يلتزم الإنسان بفكر جماعة معيّنة، أو حزب معيّن، أو مذهب فكري معيّن، بل يجتزئ من كل واحد منها، ثم تقوم بجمع كل القطع مكوناً فكرك الخاص، ويضرب لنا بلال مثالاً للتوضيح، علماً بأن هذا الكلام يرجع إلى 2012: كيف تبنّت تركيا الفكر العلماني، بحيث أخذت ما يناسبها، متمثلاً في فصل شؤون البلاد السياسية والاقتصادية عن الدين تماماً، لكن مع الحفاظ على هوية الدولة الدينية ومن دون الانعزال عنها؟ ومنذ تلك اللحظة، تبنيت أسلوب التفكير هذا في كل شيء، فلا أحكم على أفكار أحد بأنها كلها فاسدة أو أنها كلها صالحة، بل أعلم أن هناك في فكره ما قد اقتنع به ويناسبني، وهناك ما قد يصدر منه ولا أستحسنه. بكل أدب واحترام أترك ما لا أتفق معه، وللتوضيح هذا يختلف تماماً عن الاجتزاء، فالاجتزاء هو قصّ جزء من رأي أحدهم، تاركاً جزءاً مكملاً للجزء الأول، فيختلف المعنى والغرض من الكلام تماماً. أما "الفكر المركب"، فيتبنّى اقتصاص أجزاء تشمل الرأي أو الفكر كاملاً منفصلاً، فلا يؤثر هذا الاجتزاء على غرض صاحبه الأساسي، ولا يُحرّف معناه.
منذ هذا اللقاء قررت أن أمضي في طريقي، وأكتشف المزيد عن بلال فضل، فكان حديثه في هذا اللقاء بمثابة أذان، وها أنا ألبّي دعوته، دعوة "مؤذن الشيطان".
قبل أن أمضي قدماً في حديثي عن بلال فضل، أود توضيح أن بلال فضل حصل على لقب "مؤذن الشيطان"، من خلال بعض الجماعات "الإسلامية"، وبالرغم من اعتراضي على كلمة "إسلامية"، فالإسلام بريء منها، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ولكن الواقع يفرض علينا أن نسمّيهم جماعات إسلاميةً. وبعد أن اتهموه بالكفر، والزندقة، وأنه رويبضة، وأنه فاسد ومفسد، وكل ما توصلوا إليه من كلمات ذات صدى قوي في الأذن، تهز وجدان كل من يسمعها، الغرض منها الترويع والتخويف، وتوليد الكراهية تجاه الهدف المقصود، حصل بلال فضل، دون غيره، على لقب "مؤذن الشيطان"، وهذا نظراً إلى أن اسمه هو اسم الصاحبي الجليل ومؤذن الرسول بلال بن رباح، نفسه، وكان يتم توزيع بوسترات وكتيّبات تحمل صورة بلال فضل، مكتوب فيها بالخط العريض "مؤذن الشيطان"، وتتناول بعض كتابته الشيطانية.
ومن بين حلقات بلال فضل العديدة على يوتيوب، من برامج قدّمها مثل"عصير الكتب"، أو برامج حل ضيفاً فيها، ومؤخراً برنامجه أو ما هو أشبه بالبودكاست، استوقفتني حلقة بعنوان "حكايتي مع أونطجية التنوير وشلحلجية التكفير"، وتناول بلال الحديث عن مدّعي التنوير، الذين لا يفقهون شيئاً عنه، وكيف أن لكل منهم حساباته الخاصة التي يتاجر بفكر الناس من أجلها، وكم هم سذج، يهاجمون الشيء ثم يمارسونه مع اختلاف الرمزية. فبالرغم من هجومهم الشديد على "شلحلجية" التكفير وكيف يقدسون رموزهم القيادية، ولا يسمحون لأحد بالمساس بهم، ومن يتجرأ يباح دمه، هم أيضاً كـ"أونطجية" تنوير يمارسون الحيل نفسها، فكل من يحاول نقد قيادتهم يُتّهم فوراً بالتخلف والرجعية، وتحدّث أيضاً عن "شلحلجية" التكفير من أول الشيوخ السفهاء حتى شيوخ التكفير، الذين أباحوا دم العديد والعديد من الناس لمختلف الأسباب.
تطرّق بلال فضل، في حلقته، إلى موضوع فرعي، وكأنه يتحدث بلسانه عما يدور في خاطري. حدثنا بلال عن حماقة من يظنون أن أبناء دينهم هم فقط من سيدخلون الجنة دون غيرهم، فماذا فعل الإنسان حتى يكون محظوظاً ليُصطفى من بين مليارات البشر؟
تطرّق بلال فضل، في حلقته، إلى موضوع فرعي، وكأنه يتحدث بلسانه عما يدور في خاطري. حدثنا بلال عن حماقة من يظنون أن أبناء دينهم هم فقط من سيدخلون الجنة دون غيرهم، فماذا فعل الإنسان حتى يكون محظوظاً ليُصطفى من بين مليارات البشر؟ لماذا ظن أنه مميز إلى هذا الحد؟ إنه لمن الحمق والسذاجة أن يظن أحدهم أن الجنّة فُصّلت خصيصاً له ولأبناء دينه فحسب، فهل الجنة بهذا الضيق حتى تكاد لا تتسع لغيرهم؟ وأخذ بلال يتساءل كيف لعجوز في إحدى قرى إسكتلندا النائية، لم تؤذِ أحداً قط، وعاشت حياتها لا تهمز ولا تلمز، وهي حنونة على الكبير قبل الصغير، كيف يكون مصيرها الاحتراق في جهنم؟
ختاماً، سواء أحببت بلال فضل أو كرهته، هذا لن يقلل من دوره ككاتب مؤثر له العديد من المواقف التي تُحسب له على مدار حياته، وأهم ما في الأمر أنه ليس عليك أن تتفق مع بلال في كل كلمة وكل حرف، إذ لك أن تتبنّى ما تقتنع به من آرائه، وأن تنتهي مما لا تتفق معه، فهذا ما علّمه لنا بلال فضل، واعلم يا عزيزي القارئ أن لك مطلق الحرية في أن تلبّي أذان "مؤذن الشيطان"، أو تعرض عنه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...