شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كيف رأيت الجدل الثقافي الذي أثارته تسجيلات بلال فضل حول سيد قطب؟

كيف رأيت الجدل الثقافي الذي أثارته تسجيلات بلال فضل حول سيد قطب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 17 أغسطس 202210:44 ص

أثار الكاتب والصحافي المصري، بلال فضل، جدلاً كبيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأخيرة، بعد نشره تسجيلين مصوّرين على قناته في يوتيوب، قال فيهما بشكل مباشر وصريح، إن المنظّر الإسلامي سيد قطب إرهابي (يمكن الاطلاع على التسجيلات من هنا).

ناقش فضل في التسجيلين اللذين يزيد طولهما عن الساعتين، كتباً ومقولات لقطب نفسه، بالإضافة إلى كتب أخرى ناقشت أفكاره، وهو ما أثار حفيظة آلاف الإسلاميين حول العالم، الذين انطلقوا للدفاع عن قطب ونظرياته الإسلامية عبر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر تسجيلات مصوّرة، وأحد هؤلاء الأشخاص هو الشيخ المصري، عصام تليمة.

ردود الأفعال الواسعة على تسجيلات فضل، استدعت رداً جديداً من الأخير، على دفاعات محبّي قطب أو أتباعه، لتشهد شريحة من رواد وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً وأفكاراً كثيرةً امتدت لساعات، في حوار غير مباشر، حمل في كثير من لحظاته احتراماً وعمقاً، أتاح للمتابعين الاطلاع على الأفكار والرد عليها، والاستماع إلى مناقشة جادة ومؤثرة تؤدي الغرض منها تماماً، وإن لم يخلُ الأمر من الشتائم والتطاول كما هو الحال دائماً، من قبل البعض عبر التعليقات.

لست هنا في معرض الاصطفاف بجانب أحد الطرفين، أو الحديث عن الفكرة الرئيسية واتهام قطب بالإرهاب من عدمه، ولا شرح وجهتي النظر، إذ إن الغرض من هذا المقال الذهاب إلى بعد ثالث لهذا النقاش المُعمّق بين جميع الأطراف، وهو أهمية النقاش بحد ذاته

ولست هنا في معرض الاصطفاف بجانب أحد الطرفين، أو الحديث عن الفكرة الرئيسية واتهام قطب بالإرهاب من عدمه، ولا شرح وجهتي النظر، إذ إن الغرض من هذا المقال الذهاب إلى بعد ثالث لهذا النقاش المُعمّق بين جميع الأطراف، وهو أهمية النقاش بحد ذاته، ومدى الضرر الذي تسببه غياب هذه النقاشات بين مختلف الأطراف وفي جميع المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية... إلخ.

لا يخفى على أحد أن العالم العربي يعيش إلى جانب ديكتاتورية حكّامه، ديكتاتوريةً مجتمعيةً نشأت لظروف عدة لا يتسع هذا المقال لذكرها، إلا أن أحد هذه الأسباب الذي يمكن الحديث عنه هو وجود الديكتاتوريات العربية المتعاقبة على هذه المنطقة البائسة، إذ إن الضغوط الناتجة عن ممارسات الأجهزة الأمنية على المجتمعات، وقمع أي محاولة مهما صغرت للنقد والنقاش، مخافة أن يتحوّل هذا النقاش إلى فعل له تأثيره، بغض النظر عن المجال الذي يدور فيه هذا النقاش، يحولان الأمر إلى ديكتاتورية مجتمعية، تُغيّب بفعل الزمان آليات تقبّل الآخر، ويزيد الطين بلّةً وجود التابوهات الدينية التي يُعدّ الحديث عنها انتحاراً اجتماعياً حقيقياً، وتالياً يزداد انغلاق المجتمع على نفسه، والفرد على أفكاره، ويقتنع مع مرور الزمان بأن ما وجد عليه آباءه وأجداده ومحيطه هو الصحيح المطلق غير القابل للنقاش والجدال، بل يمكن أن يعدّ أن رأيه هو مخلص العباد من ظلم الحكام، ومجرد وصوله إلى آذان الناس يعني أن العدل قادم لا محالة، من دون أن ينظر إلى أنه يمارس قمعاً وظلماً لا يقلّان ولا ينقصان عما يمارسه جلّادوه، ومن دون أن يبحث عن أصل هذا الرأي، وتأكيده أو نفيه عبر البحث، الذي بات متاحاً بفضل الإنترنت.

إن الضغوط الناتجة عن ممارسات الأجهزة الأمنية على المجتمعات، وقمع أي محاولة مهما صغرت للنقد والنقاش، مخافة أن يتحوّل هذا النقاش إلى فعل له تأثيره، بغض النظر عن المجال الذي يدور فيه هذا النقاش، يحولان الأمر إلى ديكتاتورية مجتمعية

وعليه، فإن غياب النقد والممارسات النقدية والنشاطات المتعلقة بهذا الأمر، لا يخدم سوى الأفكار الشوفينية والراديكالية المتطرفة، والتي يمكن إلباسها بسهولة غطاء الدين أو القومية، وربما كليهما معاً، كما في حال السودان في زمن عمر البشير على سبيل المثال لا الحصر (الإخوان المسلمون يرتدون اللباس العسكري).

وبالعودة إلى النقاش الذي دار بين الأطراف كافة حول اتهام سيد قطب بالإرهاب -بناءً على أفكاره ونظرياته المنشورة في كتبه- يتوضح لنا أمران اثنان، أراهما في غاية الأهمية؛ الأول هو ضرورة انتشار هذا النوع من الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الشخصيات القادرة على إثارته، لما يعطيه من معلومات أكثر مصداقيةً، يمكن أن تكون محل ثقة في الحد الأدنى، بالنسبة إلى المشاهدين، خاصةً مع توضيح المصادر، والقيام بذكرها، مع القيام بعملية بحث معمّقة مسبقة.

يزيد الطين بلّةً وجود التابوهات الدينية التي يُعدّ الحديث عنها انتحاراً اجتماعياً حقيقياً.

وتالياً فإن هذا الأمر يؤدي بشكل مباشر إلى تصحيح مفاهيم خطأ من جهة، والتحفيز على البحث من جهة أخرى، بغض النظر عن الخلفية الثقافية والسياسية للمشاهد نفسه، خاصةً أن الوصول إلى المعلومة، والكتب المختلفة، سواء بنسخها الأصلية أم المقرصنة، بات سهلاً للغاية مع انتشار قنوات "التلغرام"، والمواقع المختصة بتحميل الكتب الإلكترونية وشرائها عبر الإنترنت.

من جهة أخرى، تؤدي هذه النقاشات إلى إعادة وصل مفكرين ومثقفين عرب، بجمهور شاب يواجه ضخاً كبيراً من المعلومات بشكل يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويملك وجهة نظر مختلفةً كلياً للثقافة والمعرفة، مع انتشار بروباغندا ومعلومات خطأ في كثير من الأحيان، عدا عن ردم هوّة بين أجيال مختلفة، تعامل كل جيل منها بشكل مختلف مع الثقافة والمعرفة بحد ذاتها، وفق الأدوات والظروف التي يملكها.

بالرغم من أن الأمثلة الجيدة على هذا النوع من الجدال والنقاش قليلة نسبياً في الوقت الحالي، لكثير من الأسباب، إلا أن انتشارها يشكّل كسراً لصورة نمطية عن المثقف العربي، وكسراً لحصار خانق من قبل أنظمة الحكم العربية على شعوبها، حتى في ما يخص الشأن الثقافي، طالما أن "أبانا الذي في المخابرات"، يكتب حرفياً ما يجب أن يُقال للناس، وكيف عليهم أن يفكروا، وفي أي دائرة يجب أن يُصنّفوا، وهذا أمر خطير للغاية، يساهم هذا الجدل في كسره بشكل أو بآخر، ووجودهم لن يكون أكثر ضرراً من غيابهم (إلا إن كانوا في منتهى الجهل).

تؤدي هذه النقاشات إلى إعادة وصل مفكرين ومثقفين عرب، بجمهور شاب يواجه ضخاً كبيراً من المعلومات بشكل يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويملك وجهة نظر مختلفةً كلياً للثقافة والمعرفة، مع انتشار بروباغندا ومعلومات خطأ في كثير من الأحيان

لا أريد القول في النهاية إن الجدل الذي دار قبل شهر تقريباً، يرسم صورةً ورديةً عن حال الثقافة والمثقفين العرب، ففي النهاية أبرز ما نعاني منه في هذه المنطقة البائسة من العالم، هو عدم تقبّل الآخر وفكره ورأيه، ولنا في محاولة اغتيال سلمان رشدي مثال على هذه النقطة، وما يزيد الأمر بؤساً هو تعليقات شريحة لا يمكن الاستهانة بعددها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المشجعة لعملية الاغتيال، والشامتة بالمستهدف كذلك، بالرغم من معرفتنا مسبقاً بأن عدداً كبيراً من هذه الشريحة لا يعرف من هو سلمان رشدي، ولم يقرأ كتبه أصلاً.

ولكنني أقول إن فتح الباب، وإقدام الكتّاب العرب وغير العرب من الناطقين باللغة العربية على الدخول إلى يوتيوب، ونشر تسجيلات مصورة مشابهة، يفتح الباب لتغيير، وإن كان بطيئاً، ربما تجني الثقافة العربية نتائجه لاحقاً، ويؤدي إلى تواصل جديد بين الأجيال والقرّاء والكٌتّاب أيضاً، وتشكّل طريقةً لمحاربة الجهل المنتشر بكثرة والقادم من كل حدب وصوب.

إن فتح الباب، وإقدام الكتّاب العرب وغير العرب من الناطقين باللغة العربية على الدخول إلى يوتيوب، ونشر تسجيلات مصورة مشابهة، يفتح الباب لتغيير، وإن كان بطيئاً، ربما تجني الثقافة العربية نتائجه لاحقاً

هذا المقال هو دعوة مباشرة لفتح الدفاتر والكتب والأحداث، والحديث عن جدلياتها والنقاش فيها، لكل من يستطيع حقاً القيام بهذه الخطوة، وعلى كل الصعد، بما في ذلك التاريخ السياسي العربي الذي يتعرض للتزوير يومياً، على يد أنظمة الحكم العربية، وبرعاية منها، قبل معارضيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image