"ستون عاماً من الألم والنغم"، كان هذا العنوان الذي اخترته للكتابة عن المطربة الكبيرة نجاة في منتصف شباط/ فبراير 2000، بعد أن فشلت في الوصول إليها عبر وساطات عديدة، كان بعض أصحابها قد نجح في مساعدتي على استضافة شقيقتها الأصغر سعاد حسني في اتصال تليفوني على الهواء مباشرة في برنامج خاص أعددته عن أستاذها وصديق عمرها صلاح جاهين، أذاعته شبكة الـ ART وقدمته صفاء أبو السعود، لكن الوصول إلى نجاة كان أصعب بكثير مما تخيلت.
كانت نجاة قد تعرضت في ذلك الوقت لأزمة إعلامية أفسدت فرحتها بالعودة إلى الغناء بعد توقف سنوات.
يومها، خيبت عشم الأستاذ سيد عز الدين مدير مكتب صحيفة (الاتحاد) الإماراتية التي كنت أتعاون معها في أواخر عهدي بالعمل الصحفي، والذي كنت قد نشرت لديه حوارات كسّرت الدنيا مع عادل إمام وأحمد زكي ويوسف شاهين والدكتور مصطفى خليل وتوفيق صالح وجيهان السادات التي كانت قد توقفت عن الحوارات الصحفية لفترة طويلة، وحين كتبت الأستاذة سناء البيسي عن رفض صديقتها الحميمة نجاة لإجراء أي حوارات صحفية، اقتنع أن المشكلة لم تكن في قدراتي الصحفية التي كان يظنها خارقة، ووافق على أن أكتب عن نجاة، فاخترت أن أكتب عن كتاب ممتع ونادر رصد رحلتها الطويلة مع الألم والمعاناة والمحاكم.
كانت نجاة قد تعرضت في ذلك الوقت لأزمة إعلامية أفسدت فرحتها بالعودة إلى الغناء بعد توقف سنوات، حين تحدث الشاعر الكبير رضا أمين عن معاناته من تجربة العمل معها لمدة ستة أشهر، قبل إصدارها لآخر ألبوماتها الغنائية (اطمّن) والذي صدر في مطلع عام 2000 عن شركة موريفون، وكان يضم أغنية (سهران يا قمر) التي وضع لها بليغ حمدي لحناً قبل رحيله، واحتفظت نجاة بلحن بليغ لسنوات، ثم قررت النزول به مع الأغنية التي حمل الألبوم اسمها، والتي ألفها وليد رزيقة ولحنها صلاح الشرنوبي الذي كان يتعاون معها لأول مرة.
برغم ابتعاده الدائم عن الأضواء، قال رضا أمين بسخرية مريرة: "مدام نجاة أنا فاكر أول مرة جئت لأقابل حضرتك بعد أن تلقيت الخبر الجميل بطلبك أن أعمل معك، كنت ألبس أحلى ما عندي من ملابس وأضع أجمل العطور، والآن أنا لا أنام إلا بعد تناول الحبوب المهدئة وقريباً سأصبح زبونا للأطباء النفسيين"، وبالطبع غضبت نجاة كثيراً منه واتهمته بالإساءة إليها وتشويه سمعتها، مع أن الحديث عن وسوستها الشديدة وترددها المبالغ فيه كان يردده بعض المقربين منها لتفسير ابتعادها عن الغناء منذ نهاية عام 1994، حين أصدرت ألبوم (إلا فراق الأحباب) الذي اختارت أن تسند تلحينه بالكامل للملحن سامي الحفناوي وتقاسم كتابة أغانيه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي والشاعر سمير الطائر، ولم يحقق النجاح الذي كانت تتمناه وتتوقعه.
نجحت وساطات الأصدقاء والمحبين في توفيق وجهات النظر بين نجاة ورضا أمين، لكنها لم تغفر له رأيه الذي اعتبرته قاسياً، وطلبت من منتج الألبوم أن يحجب اسمه من إعلانات الصحف، وبرغم أن بعض أصدقائها من الصحفيين والإعلاميين نصحوها بإجراء حوارات صحفية وتلفزيونية لتوضيح كل ما ينشر عنها، ولو حتى من باب الترويج للألبوم الجديد، لكن نجاة قررت أن تواصل عزلتها الإعلامية الطويلة.
قبلها بأشهر، وفي يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1999 كانت نجاة قد قبلت عرضاً بالغناء في الاحتفال الرسمي بحرب أكتوبر المقام في قاعة المؤتمرات، لكن ميكروفون الحفلة خذلها بشكل مؤسف، ومع ذلك استعانت بخبرة السنين وتماسكت حتى انتهت وصلتها الغنائية المخيبة لآمال عشاقها، وبدلاً من أن تجري حوارات صحفية تفتح فيها النار على من تسببوا في تلك الفضيحة، اختارت الرد بشكل غير مباشر، حين نشرت صديقتها الحميمة والأقرب لها في الوسط الصحفي الكاتبة سناء البيسي رئيسة تحرير مجلة (نصف الدنيا) موضوعاً موقعاً باسم المجلة يثير تساؤلات حول ما حدث في الحفلة ويعتبره مدبراً للنيل من نجاة.
حمّل المقال مسؤولية ما حدث للمايسترو مصطفى ناجي رئيس دار الأوبرا المصرية، واتهمه بمضايقة نجاة أثناء البروفات وذلك لمصلحة مطربة عربية مفضلة لديه في إشارة إلى المطربة اللبنانية ماجدة الرومي التي احتفت الأوبرا بحضورها قبل فترة من حفل نجاة، واستشهد المقال برفض مصطفى ناجي لقيادة الأوركسترا لنجاة في جميع أغانيها في الحفلة مكتفياً بقيادتها في أنشودة مصر ـ تأليف الأبنودي وألحان سامي الحفناوي ـ معتبراً أنه لا يليق به قيادة الأوركسترا إلا في هذه الأغنية الوطنية، وهو ما اعتبرته نجاة تحيزاً ضدها لأن مصطفى ناجي قاد الأوركسترا كاملاً لماجدة الرومي في كل أغانيها التي قدمتها في أكثر من حفلة آخرها حفلة أقيمت على مسرح صيفي في مارينا لا علاقة له بجلال ووقار دار الأوبرا الذي لم يتذكره إلا مع نجاة.
برغم كل ما تلقته نجاة من نصائح بأهمية التخلي عن أسلوبها في الغموض والحذر، ومحاولة الاستفادة من تجربة وردة الذكية في التعامل مع الإعلام، إلا أنها قررت مواصلة الصمت
لم تثر الاتهامات المنشورة في (نصف الدنيا) رد الفعل الواسع الذي كانت نجاة تتوقعه، لأن نشرها دون أن تكون منسوبة إليها، قلل من أهميتها الإعلامية، وبرغم كل ما تلقته من نصائح بأهمية التخلي عن أسلوبها في الغموض والحذر، ومحاولة الاستفادة من تجربة وردة الذكية في التعامل مع الإعلام، إلا أنها قررت مواصلة الصمت، وفضلت الجلوس في بيتها محتفظة لنفسها بشكواها من تغير أحوال الوسط الغنائي الذي أصبح يعتبر حرصها على التدقيق والاكتمال عيباً يستحق اللوم لا الاحتفاء، والذي لم يعد الحرص فيه على جودة الصوت وسلامة الأجهزة مضموناً حتى في حفلة يحضرها رئيس الجمهورية وتذاع على الهواء مباشرة.
حين أكملت نجاة عامها الرابع كانت الأحوال العائلية للأسرة قد تدهورت بشدة بسبب قسوة الأب وبخله وقيامه باختلاق المشاكل لأتفه الأسباب.
وقتها، لم أجد مدخلاً مناسباً ومختلفاً للكتابة عن (قيثارة الغناء العربي) أفضل من عرض لكتاب بعنوان (وحيدة في سكة العاشقين) كتبه الصحفي السعودي محمد العمري الذي قال إن حبه الكبير لها هو الذي دفعه لإنجاز الكتاب والخوض في غمار ملف حياتها حتى رأى نفسه على أعتاب منزلها في الزمالك يخاطبها بكتابه الذي أصدره على نفقته وأهداه إليها، ورغم أن الكتاب الممتع مكتوب بحب خالص لها، لكنها بالتأكيد لم تكن ستسعد به لأنه اعتمد على أرشيفها المنشور طيلة خمسين سنة في كبرى الصحف والمجلات، بالإضافة إلى شهادات عدد من المقربين منها، فاحتوى على كثير من المعلومات المنسية التي لم تكن قطعاً ستحب تذكير الناس بها، لكنه رسم لها صورة إنسانية صادقة ومؤسفة زادتني حباً وتقديراً لها.
بدأ محمد العمري كتابه من محطة ميلاد نجاة في يوم الحادي عشر من آب/ أغسطس عام 1936 في منزل متواضع بحي عابدين بوسط القاهرة، حيث يسكن والدها الخطاط البارع محمد حسني البابا الذي كانت بعض الصحف قد نشرت أنه جاء إلى القاهرة من فلسطين، بينما الأدق أنه جاء إلى القاهرة من سوريا ومارس مهنته في دكان صغير في حي عابدين، وانطلقت منه شهرته ليصبح من أبرز رواد الخط العربي في مصر بعد سنوات، وإن كان قد اشتهر أكثر بوصفه والد النجمتين اللامعتين نجاة وسعاد حسني.
بدأ محمد العمري كتابه من محطة ميلاد نجاة في منزل متواضع بحي عابدين بوسط القاهرة، حيث يسكن والدها الخطاط البارع محمد حسني البابا الذي كانت بعض الصحف قد نشرت أنه جاء إلى القاهرة من فلسطين، بينما الأدق أنه جاء إلى القاهرة من سوريا
حين ولدت نجاة لم تكن الحالة المادية لأبيها على ما يرام، لذلك لم يحتفِ كما يجب بقدومها، ولأنه لم يكن قد حصل على الجنسية المصرية برغم إقامته الطويلة في مصر وزواجه من مصرية، فقد سجلها على جنسيته السورية مثل سائر إخوتها، لكنه قرر أن يخفي عنهم ذلك حتى لا يشعروا بالضيق وسط أقرانهم، ولذلك ظلوا لسنوات يعتقدون أنهم مصريون أباً وأماً، بينما كان الأب يذهب إلى وزارة الداخلية كل فترة لتجديد إقامته.
حين أكملت نجاة عامها الرابع كانت الأحوال العائلية للأسرة قد تدهورت بشدة بسبب قسوة الأب وبخله وقيامه باختلاق المشاكل لأتفه الأسباب، ولم يستمر صبر الأم المغلوبة على أمرها طويلاً، لذلك حصلت على الطلاق وتركت البيت لتبقى نجاة مع والدها وكان ذلك صادماً لها لأنها كانت تستمتع بصحبة أمها التي لم تكن تغضب من شقاوتها وكانت تطلق عليها لقب "العفريتة" وتشجعها دائماً على تقليد أصوات المطربين والمطربات، وحين منعها أبوها من زيارة أمها، فقدت شهيتها للطعام وازداد نحول جسدها.
حين ولدت نجاة لم تكن الحالة المادية لأبيها على ما يرام، لذلك لم يحتفِ كما يجب بقدومها، ولأنه لم يكن قد حصل على الجنسية المصرية برغم إقامته الطويلة في مصر وزواجه من مصرية، فقد سجلها على جنسيته السورية مثل سائر إخوتها
اعتبرت نجاة الغناء لنفسها مهرباً من أجواء البيت المتوترة وطقساً يذكرها بلحظاتها الجميلة مع أمها، وكان يشجعها على ذلك إخوتها خديجة وكوثر وسميرة ونبيل الذي أصبح فيما بعد صاحب ورشة زنكوغرافية وعز الدين الذي أصبح عازف كمان وعزف لفترة في فرقة أم كلثوم وفاروق ورسمي الذين امتهنا الخط مثل والدهما، وحين بلغت نجاة سن السادسة قرر الأب استثمار صوتها فأخرجها من المدرسة وذهب بها إلى متعهد لحفلات الغناء أعجب بصوتها وأطلق عليها لقب (نجاة الصغيرة) تمييزا لها عن المطربة الشهيرة وقتها نجاة علي.
بدأت نجاة مشوارها مع الفن بتقليد أغاني أم كلثوم، لتصبح فقرة مطلوبة في الكازينوهات والحفلات والأفراح، وتتحول إلى مصدر الدخل الأبرز للأب، لتستمر القطيعة المفروضة عليها مع أمها، ويزيد بعدها عن باقي إخوتها، وتزيد أيضا شعبيتها بين الجمهور، ومع بلوغها سن الثامنة في عام 1944 انتقلت إلى مرحلة فنية جديدة، حين نجح والدها في إدراج اسمها ضمن الفقرات الاحتياطية في برنامج حفل وزارة المعارف الذي كان من المفروض أن تحييه كوكب الشرق أم كلثوم، لكن اعتذارها في آخر لحظة دفع منظمي الحفل إلى الاستعانة بنجاة، ليفتح الستار عن طفلة تقف على كرسي حتى تصل إلى الميكروفون، وقبل أن يظن الجمهور أنه بصدد فقرة كوميدية، بدأت نجاة في غناء أغنية (حبيبي يسعد أوقاته)، فنالت إعجاب حضور جمهور مختلف من البكوات والبهوات والأفندية، ولم تعد نجومية "نجاة الصغيرة" مقتصرة على الكازينوهات الرخيصة والأفراح الشعبية.
كان والد نجاة مدركاً لأهمية ارتباطها بلقب "الصغيرة" وبصورة الطفلة الهزيلة صاحبة الصوت الرقيق، لذلك كان حريصاً على أن تحتفظ بنحولها وشحوبها، فكان يحرص على تقليل كميات طعامها ويسقيها الخل يومياً، وحين أعجبت بها الراقصة الشهيرة بديعة مصابني ومنحتها وصلة ثابتة في كازينو بديعة الأشهر في القاهرة، قررت أن ترعاها وترفع عنها قيود الحرمان التي فرضها الأب، لكن الأب ضبط نجاة ذات ليلة وهي تأكل الكباب والحمام في كواليس كازينو بديعة فثارت ثورته واعتبر ذلك إهانة موجهة له من بديعة، لكنه لم يجرؤ على سحب ابنته من الكازينو.
كان والد نجاة مدركاً لأهمية ارتباطها بلقب "الصغيرة" وبصورة الطفلة الهزيلة صاحبة الصوت الرقيق، لذلك كان حريصاً على أن تحتفظ بنحولها وشحوبها، فكان يحرص على تقليل كميات طعامها ويسقيها الخل يومياً
بعد سنوات من نشر هذه القصص عن قسوة والد نجاة، نشرت قصص شبيهة عن قسوته بشكل مختلف على شقيقتها سعاد ابنته من زوجة أخرى، فلم تعد القصص مرتبطة بالجشع المادي لأن الأب كان قد أصبح خطاطاً أشهر وأنجح وقتها، لكن نجومية سعاد أعادت قصصه القديمة مع نجاة للظهور في الصحف، وقابلت نجاة وسعاد كل ما نشر عبر السنين بصمت مطبق اعتبره البعض رغبة في عدم تكذيب تلك القصص التي لا يستطيع أحد أن يجزم بنسبة المبالغات الصحفية فيها من الحقائق، ومن يدري ربما قررت السيدة نجاة بعد كل هذه السنين من الصمت أن تنشر مذكراتها لنعرف حقيقة ما يتردد عن طفولتها القاسية؟
على أية حال، جذب تألق نجاة في كازينو بديعة أنظار مخرجي السينما وعلى رأسهم محمود ذو الفقار الذي عرض عليها دوراً صغيراً في فيلم (هدية)، اعتبره الأب هدية ستؤدي إلى زيادة نشاط ابنته في الحفلات والملاهي، فأصبحت تغني في 4 أماكن في الليلة الواحدة وهو ما أدى إلى تدهور صحتها وزيادة نحولها، وهو ما دفع بشخصيات بارزة مثل محمد التابعي وفكري أباظة ومحمد عبد الوهاب إلى مطالبة الحكومة بسرعة التدخل لإنقاذ الطفلة الموهوبة وحماية صوتها من استغلال أبيها.
لم يستجب أحد لتلك النداءات، واستمرت نجاة خاضعة لـ "إدارة" والدها الذي واصل حرمانها من أمها، وقررت أن تضع همها في الغناء خصوصاً في أغنية (الآهات) التي تحولت إلى أكثر الأغاني التي يطلبها الجمهور منها في الحفلات التي ازداد عددها، بعد أن تلقى والدها عرضاً من متعهد الحفلات أحمد صديق يكفل لنجاة الغناء كفاصل غنائي في ثلاثين حفلة يحييها كبار المطربين مقابل حصولها على خمسة جنيهات عن كل حفلة، وكان رقماً أضخم مما يحلم به الأب، فلم يكلف نفسه عناء أخذ رأي نجاة أو الاطمئنان على حالها الصحية خاصة أن الحفلات أقيمت في محافظات متفرقة.
فأصبحت تغني في 4 أماكن في الليلة الواحدة وهو ما أدى إلى تدهور صحتها وزيادة نحولها، وهو ما دفع بشخصيات بارزة مثل محمد التابعي وفكري أباظة ومحمد عبد الوهاب إلى مطالبة الحكومة بسرعة التدخل لإنقاذ الطفلة الموهوبة وحماية صوتها من استغلال أبيها
في حفلتها الأولى بالإسكندرية وبعد أن غنت نجاة أغنية (سلوا قلبي) فنالت إعجاب الجمهور، التقت لأول مرة بنجم مصر الأول محمد عبد الوهاب الذي حاول التواصل معها بعيداً عن رقابة أبيها، ونصحها بالصبر حتى تنجح الحملات المطالبة بالتدخل الحكومي لوقف استغلالها، وبرغم شعور نجاة بالإعياء الشديد في أكثر من حفلة إلا أنها لم تجد بديلا عن الاستمرار حتى ينتهي العقد الموقع الذي كان والدها يؤكد لها أنه سيكون فاتحة خير لها ولأسرتها، وأن تعبها سيجلب لها ولأسرتها الهناء وراحة البال.
لم يستجب أحد لتلك النداءات، واستمرت نجاة خاضعة لـ "إدارة" والدها الذي واصل حرمانها من أمها.
بعد أن ظلت والدة نجاة مكتفية لسنوات بمراقبة ما يحدث لأولادها من بيت زوجها الجديد، قررت أن تستغل حالة التضامن الإعلامي مع ابنتها، فرفعت دعوى ضد محمد حسني تطالب فيها بضم أبنائه وتتهمه بتعذيب نجاة واستغلال طفولتها بشكل مدمر، لكن القضاء الشامخ رفض دعواها فظلت نجاة وإخوتها في قبضة الأب الذي تزوج خالة نجاة ليزداد البيت بهذا الزواج جحيماً وتتواصل المشاكل والخلافات، ويستمر استغلال الأب لموهبة ابنته، لكن دعوى الأم كانت بداية لتفجير ثورة الأبناء على أبيهم، فقررت نجاة أن تتحداه وفرت هاربة إلى أمها مع بعض إخوتها، ونشرت الصحف الخبر فسارع الأب إلى تحرير بلاغ في قسم الشرطة، لكن الضابط الذي حقق في البلاغ أدرك مدى معانى نجاة وأشقائها فنصح الأب بالابتعاد عن ابنته ما دامت قد اختارت أن تعيش مع أمها وإخوتها.
عاشت نجاة لفترة من الوقت مع أمها، لكنها لم تتحمل الحياة مع زوج أمها، فذهبت لتعيش مع أخيها عز الدين، عازف الكمان، والذي كان يطمح إلى تأليف فرقة موسيقية مع شقيقه سامي، وعندما رفض الأخير الغناء برغم جمال صوته، وضع عز الدين كل آماله في شقيقته نجاة واصطحبها إلى معهد الموسيقى العربية ليقنع مدير المعهد مصطفى بك رضا بأن تشترك نجاة من باب التنويع في حفلة المعهد السنوية.
لكن دعوى الأم كانت بداية لتفجير ثورة الأبناء على أبيهم، فقررت نجاة أن تتحداه وفرت هاربة إلى أمها مع بعض إخوتها، ونشرت الصحف الخبر فسارع الأب إلى تحرير بلاغ في قسم الشرطة
في تلك الفترة من بداية الخمسينيات، كانت الحياة السياسية في مصر مشتعلة وبالأخص بين صفوف الشباب، وكان قد تم القبض على فاروق شقيق نجاة في إحدى القضايا السياسية، وفي السجن التقى بمهندس زراعي وصاحب نشاط سياسي حافل اسمه أحمد كمال منسي، وكان صديقاً لعز الدين حسني، وحين خرج كمال منسي من السجن أوصل رسالة من فاروق إلى شقيقه، والتقى في منزله بنجاة التي كان قد عرفها وهي أصغر بكثير، فأعجب بها وحرص على الاهتمام بها ليتطور الاهتمام ويتحول إلى إعجاب متبادل، وتجد نجاة لديه حناناً كانت تفتقده منذ ولدت، ويزيد إعجابها به حين لمست محبته للموسيقى والغناء وفهمه لهما، فظنت أنها رست أخيراً على بر الأمان.
...
نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...