شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عن تمرّد الشعب الإيراني والنضالات النسوية

عن تمرّد الشعب الإيراني والنضالات النسوية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

كلما بدأت ثورة ضد نظام دكتاتوري ما، عاود الأمل إنعاش نفسه في النفوس، ولكن عن أي أمل نتكلم في ثورة الشعب الإيراني؟ لعل أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من ثورات الربيع العربي، وخصوصاً من التجربة السورية، أنه ثمة أنظمة على أتم استعداد لإبادة وتهجير كل مَن يناهضها مقابل أن تبقى. إلا أن هذا الاستنتاج البديهي لا يدعو إلى عدم مقاومة هذه الأنظمة وإنما يدعو إلى عدم رفع سقف توقعات النتائج الناجمة عن مقاومتها.

ما يمكن أن يجعل الناس على يأس كبير من حياتهم هو أن يكون نمط عيشهم محدداً مرة واحدة وإلى الأبد من قِبل النظام السياسي، أي ألا يسمحَ النظام لهم باختيار أنفسهم كما يريدون، باختصار، أي ألا يسمح لهم بأن يعيشوا إنسانيتهم. والحال أن النظام الإيراني لا يحرم الإيرانيين من الاستفادة من إرثهم أو ثقافتهم العميقة وحسب بل يفرض أنماطاً معادية لثقافة الانفتاح والتحرر، هي في العمق ضد أن يتملك الإيرانيون تاريخهم ومستقبلهم على حد سواء.

لم يسمح نظام الملالي إلا بالتنميط أو التشييء، بالتالي إن الثورة تعني من ضمن ما تعني أن الإيرانيين يرفضون أن يكونوا مجرد أدوات أو عبيداً للنظام، لذلك فإن المزاعم الهووية الدينية التي اعتاش عليها النظام لعقود أصبحت مجرد مزاعم أيديولوجية لم تعد تملك طاقة تعبوية كما كانت سابقاً بالنسبة للشعب الإيراني الذي لم يخفَ عليه يوماً أن النظام هو المسؤول الأول عن الضيق المعيشي الذي يعاني منه.

ما يحصل في إيران من تمردات متكررة لا يسمع بها العالم كما ينبغي، لأن النظام عندما يسارع إلى كتم الأصوات أو إلى القتل بصيغة ممنهجة يعمل على إبقاء الحدث بعيداً عن الأضواء. بعض التمردات يتم سحقها وإحاطتها بهالة من الصمت وغالباً مع تواطؤ دولي، إلا أن الأدهى أن انتشار الأخبار ووصول صوت المتمردين إلى جميع أنحاء العالم لا يفيد شيئاً طالما أن النظام هو نظام كالنظام الإيراني وطالما نعيش تحت ظل التواطؤات الدولية المخزية.

النضالات النسوية

في هذا السياق، يبدو منطقياً أو متلائماً مع النزعة التحررية من النظام أن تكون النساء الإيرانيات هن مَن يحملن راية المقاومة والدفاع عن حق الناس بأن يختاروا أنفسهم بالصيغة التي يجدونها مناسبة، إذ ما الذي يمكن أن يكون أكثر ذكوريّة من نظام الملالي؟ ثم أليس تمرد النساء نتيجة منطقية لعقود من الهيمنة الذكورية؟

"عن أي أمل نتكلم في ثورة الشعب الإيراني؟ لعل أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من ثورات الربيع العربي، وخصوصاً من التجربة السورية، أنه ثمة أنظمة على أتم استعداد لإبادة وتهجير كل مَن يناهضها مقابل أن تبقى"

كما أن النضالات النسوية لا تقتصر بطبيعة الحال على الأحداث أو المواقف الكبرى، بل تشمل أصغر وأدق تفاصيل الحياة اليومية، والحق أن النساء الإيرانيات كغيرهن من نساء العالم يناضلن بشكل يومي بطرق غير مرئيّة إعلامياً، لذلك يصح النظر إلى نضالهن الذي نشهده الآن كانفجار ناجم عن الممارسات التي يتعرضن لها يومياً، فالشرطة الأخلاقية على سبيل المثال حاولت على امتداد السنين أن تسلبهن حتى حرية اختيار اللباس، فما بالك باتخاذ موقف نقدي من النظام؟

الإنجازات المتوقعة

الحديث عن الثورة الإيرانية ليس لمجرد تسليط الضوء على ما يحدث، فالنظام الإيراني هو أولاً وأخيراً محتل لأربعة بلاد عربية، أي أن أثره التدميري على البشر والحجر لا يقتصر على الداخل الإيراني، وتغيّر الأوضاع في إيران، لا سيما إذا كان جذرياً سيغيّر وجه المنطقة برمتها وسيغيّر موازين القوى في العالم أو في جزء منه بالحد الأدنى، لذلك فإن خبر تمرد الإيرانيين على هذا النظام هو خبر سعيد لأسباب مضاعفة، ولكن لا تغرّنا الآمال بسقوط النظام الإيراني فذاك حلم بعيد المنال لأن هذا النظام لا يسقط إلا ببحر من الدماء.

"يبدو منطقياً أو متلائماً مع النزعة التحررية من النظام أن تكون النساء الإيرانيات هن مَن يحملن راية المقاومة والدفاع عن حق الناس بأن يختاروا أنفسهم بالصيغة التي يجدونها مناسبة، إذ ما الذي يمكن أن يكون أكثر ذكوريّة من نظام الملالي؟"

إن سقوط النظام الإيراني إذن لا يدخل ضمن أفق التوقع، لأن بحر الدماء طريق إجباري إليه، بالتالي فإن ما قد يتحقق في إيران على مستوى حقوقي هو أقصى ما يمكن أن يتحقق في الوقت الحالي، ولكن أليس تحقيق إنجاز سياسي أو حقوقي تحت ظل هذا النظام هو ضرب من الوهم لأن نظام الملالي لا يرى جموع المتمردين إلا خونة ومخربين، أي يتبنى نفس رؤية النظام الأسدي لأبناء الثورة السورية، ولأنه نظام متحجر من الداخل؟

ربما ما يمكن أن يتحقق جراء تمردات الإيرانيين سيتحقق غالباً على مستوى ثقافي فقط، وذلك لأن عقلية النظام الإقصائية لا تقبل الرؤى المختلفة ولا تقبل حتى النَفَس الإصلاحي، ولكن يبقى أن الأمل بالتحرر من هذا النظام منوط بالدرجة الأولى بجهود الشعب الإيراني نفسه ونزوعه للتحرر.

ربما أصبح من نافل القول أن يشار إلى أن الأنظمة الشمولية تخاف حتى أن تقوم بأي إصلاح خشية أن تفلت منها عجلة الإصلاح وتقودها إلى نهاياتها المنطقية، ولكن قبل كل توقع أو استشراف لقدرة أو رغبة هذه الأنظمة بالتغيير أو قبول الآخر، هل توجد خيارات أخرى للعيش تحت هذه الأنظمة غير مقاومتها بشتى الطرق الممكنة ما دمنا لا نقبل أن نعيش عبيداً لها؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image