شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الطبقية المعكوسة في حكاية

الطبقية المعكوسة في حكاية "عامل النظافة ومحل الكشري"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الجمعة 28 أكتوبر 202211:00 ص

لم يبدأ الأمر مع حكاية "عامل النظافة ومحل الكشري"، بل بدأ قبل سنوات بانتشار نمط من منشورات فيسبوك، يحكي القصة نفسها باختلافات بسيطة؛ طفل فقير، يحاول شراء شطيرة من مطعم ما، فينهره العاملون، إما لأنه لا يمتلك ثمن الشطيرة كاملاً، أو لأن مظهره "لا يليق بالمكان"، فينبري أحد الحاضرين -وهو من سيكون لاحقاً صاحب المنشور على فيسبوك- ليدافع عن الطفل الفقير، ويُرغم العاملين على استقباله في المطعم، أو يدفع عنه ثمن الطعام (حسب نسخة القصة).

هذه "البطولة" الصغيرة من صاحب المنشور، لطالما لقيت، في هذا الوقت المبكر من بدء استعراض الشهامة على السوشال ميديا، الكثير من الإعجابات والمشاركات على نطاق واسع، مما أثار وقتها بعض التساؤلات، وأهمها؛ ما هو معيار "البطولة" في مجتمعنا، خصوصاً حين صادف انتشار واحدة من تلك القصص قبل سنوات حادثة مقتل معلمة أمريكية، دفعت حياتها لقاء حمايتها عدداً من الأطفال خلال إحدى حوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية؟ اهتم العالم بتضحية المعلمة الشابة، بينما كان الفيسبوك المصري مشغولاً بإحدى نسخ حكايات "الفقير والمطعم".

هذه "البطولة" الصغيرة من صاحب المنشور، لطالما لقيت، في هذا الوقت المبكر من بدء استعراض الشهامة على السوشال ميديا، الكثير من الإعجابات والمشاركات على نطاق واسع، مما أثار وقتها بعض التساؤلات

على تويتر، غرّد السيناريست والكاتب الساخر عمرو سكر: "إحنا ما بننزلش طعمية للأشكال دي". نكتة السيناريست جاءت رد فعل على أحدث نسخ حكاية عامل النظافة الذي -حسب القصة- طرده، أو لم يسمح له، أحد فروع مطاعم الكشري الشهيرة في القاهرة بدخول المطعم، بالرغم من أنه لم يكن يتسوّل منهم، بل كان "يشتري بفلوسه"، حسب ما قال العامل ونقلت المواقع الإخبارية.

تلعب نكتة سكر على التناقض الساخر الكامن في الواقعة. فالكشري أكلة الفقراء (أو كانت كذلك)، ثم من الغريب أن يمارس أحد مطاعمه تعالياً طبقياً ضد إنسان تحديداً بسبب بساطته أو فقره. بالطبع، المفهوم نفسه ينطبق على "الطعمية/ الفلافل". تفترض النكتة أنه في يوم ما، قد يرفض أحد المطاعم تقديم الطعمية "للأشكال دي"، أي لمن "لا يرقون إلى مستواها".

الحكاية ليست جديدةً إذاً، لكنها هذه المرة كانت مصوّرةً، ووقعت في مطعم كان "بطل" قصة أخرى، قبل أشهر عدة، حين رفض -خلال شهر رمضان الماضي- أن يسمح لسيدة مسيحية من زبائنه بأن تبدأ بتناول الطعام قبل أذان المغرب!

الحكاية ليست جديدةً إذاً، لكنها هذه المرة كانت مصوّرةً، ووقعت في مطعم كان "بطل" قصة أخرى، قبل أشهر عدة، حين رفض -خلال شهر رمضان الماضي- أن يسمح لسيدة مسيحية من زبائنه بأن تبدأ بتناول الطعام قبل أذان المغرب!

وعليه، بالإضافة إلى واقعة عامل النظافة نفسها، كان التحفز موجوداً مسبقاً تجاه المطعم بسبب "سلوكياته". وامتزج الغضب بالسخرية في مواجهة حقيقة أن ثمة نوعاً من "الانتقاء عند الباب" (Door selection)، تتم ممارسته من قبل "محل كشري"، بدلاً من مكانه "الطبيعي" في الأندية الليلية وبعض الشواطئ ذات النجوم الخمس.

ليست مسألة انتقاء الزبائن، على الباب أو غيره، جديدةً أو نادرةً أو صادمةً في المجتمع المصري.

في الحقيقة، ونتيجةً لمجموعة كبيرة من الظروف المتداخلة، فإن مسألة "انتقاء الزبائن" شائعة إلى حد كبير في السوق المصرية، وتمتد من بعض الأماكن الخدمية، كنوادي السهر والشواطئ والمطاعم، وصولاً حتى إلى بعض المجمعات السكنية "الكومباوندات"، وبالطبع يتطلب ذلك ما هو أكثر من الانتقاء "عند الباب"، إذ يمتد إلى تفحص صفحات السوشال ميديا الخاصة بالعملاء قبل قبولهم، ومن المعروف أن مقهى "ثقافياً" شهيراً في وسط القاهرة كثيراً ما مارس مثل هذا السلوك، مما تسبب في مقاطعته من قِبل الكثير من الأدباء. كما أن تحديد "حد أدنى للطلبات" (Minimum charge)، هو كذلك أحد أبرز أساليب الانتقاء الطبقي في كثير من الأماكن الخدمية، بالرغم من مخالفته للقانون.

ليست مسألة انتقاء الزبائن، على الباب أو غيره، جديدةً أو نادرةً أو صادمةً في المجتمع المصري. ربما كان الصادم هو لحظة إدراك ما قد وصل إليه هذا السلوك. "محل كشري؟!". يستنكر معظم الغاضبين أن يكون "حتى لمحل الكشري" الرغبة في انتقاء زبائنه. إنه، لو جاز التعبير، نوع من الطبقية المعكوسة. إنه غضب طبقي، لا يرفض ما حدث من حيث المبدأ، بل في باطنه، لا يتخيل أن يمارس مطعم شعبي التمييز نفسه الذي تمارسه المطاعم "الراقية".

هذه المرة، كانت العلامات التجارية ورجال "البيزنس"، قد اكتشفوا طريقهم السهل إلى "ركوب التريند"

لكن في هذه المرة، لم يكن التفاعل مجرد منشورات يتم تشاركها بالآلاف على مواقع التواصل، احتفاءً بـ"البطولة" السهلة لأحد المتضامنين مع طفل فقير في مطعم. هذه المرة، كانت العلامات التجارية ورجال "البيزنس"، قد اكتشفوا طريقهم السهل إلى "ركوب التريند"؛ امتلأت مواقع التواصل بالمنشورات المموَّلة باسم مطاعم ومحال تجارية تعرض استضافة "عامل النظافة" ودعوته إلى: غداء، كساء، ووظيفة... إلخ. انضم إلى "الحملة" بعض الفنانين الذين لم يخجلوا من استغلال الواقعة للاستفادة من بعض الأضواء، من خلال دعوة العامل والأكل معه "من الطبق نفسه". أما المستاؤون من هذا الابتذال، فكانوا يواجهون دائماً الحجة نفسها: أليس عمل الخير -حتى لو كان طلباً للأضواء- أفضل من عدم فعله؟ لا يهم هنا أن يكون الخير المقصود مجرد عملية استغلال ليست إلا وجهاً معكوساً لما فعله مطعم الكشري "حفاظاً على مظهره". إنه الخير "الفيسبوكي" الذي يشبه تطبيقات الأدعية وجمع "الحسنات"؛ كثير من الضجيج من أجل إحساس وهمي بالأفضلية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image