اسم المرء هو الدعامة الأساسيّة لهويته الذاتية طوال فترة حياته. وقد خُصِّصت لتأثير الاسم على شخصية الفرد، دراسات عديدة، منها الأبحاث التي قام بها ديفيد تسو، عالم النفس في جامعة أريزونا الأمريكية، الذي تحدّث عما يُعرف بعلم النفس المتعلق بالأسماء، وتبيّن له من خلال الأبحاث والدراسات أنّ "الاسم يشكل ركيزةً أساسيةً للتّصور الذي يكوّنه المرء عن ذاته، خاصةً على صعيد علاقاته بالآخرين، وذلك لأنه يُستخدم لتعريف الفرد والتواصل معه بشكل يومي".
أيعقل أن تكون مقولة "لكل امرئ من اسمه نصيب"، صحيحةً؟
أذكر جيداً مقولة خالي الذي كان مدّرساً للّغة العربية: "روعة تعني فزعة"، عندما سألته عن معنى اسمي بالفصحى في درس البحث في المعاجم. كما أذكر إحباطي آنذاك عندما استخرج لي معنى كلمة روعة من معجم مختار الصحاح. كنت أظن أن الجواب سيأتيني بأنّ اسمي يعني الجمال والفتنة والبهاء، لكنّي تلقيت صفعةً موجعةً في أثناء الشرح والتوضيح، وقد تدارك الموقف، عندما رأى مدى إحباطي ونفوري، فأردف ممازحاً: "إنّه الجمال المفزع". لاحقاً، نسيت الموضوع، أو بالأحرى تناسيته لأيام وسنين. لكنّي صرت استشعر الخوف والفزع في حياتي، وظهر ذلك جلياً في خوفي على والدي الذي عشت طوال حياتي، وأنا خائفة من فقدانه. في فترة مراهقتي، مرض أبي وظهرت عليه الأعراض المرافقة لأمراض القلب والشرايين. ومن شدة حبّي الكبير له، قضيت تلك الفترة خائفةً من مفارقته، خاصةً أنّه احتاج إلى عملية القلب المفتوح. آنذاك، قمت بالصلاة وإشعال الشموع، وتقديم النذور والقرابين، كي يعود لنا سالماً. أدمنت الخوف منذ تلك الأيام، وأصبح هاجسي في الحياة أن يُشفى والدي ويذهب عنه الصداع والضيق والألم. لم يكن أبي شخصاً عادياً. لقد كان نبعاً من الحنان والرأفة والحبّ غير المشروط. لكنّ تعبيري عن حبّي له وامتناني لكلّ تضحياته، كان من خلال الخوف غير المبرر عليه، والذي انغرس في أفكاري وفي مخيلتي دائماً. كبرت ونما الخوف المعشعش في رأسي إلى أن أصبح عادةً يوميةً؛ فإن سعل أبي أركض أنا وأمي وإخوتي ونستيقظ حتى وإن كنا نائمين، ظناً منّا أنّه اختنق في نومه، كما كان يحدث معه في بعض الأحيان. عاش بعدها والدي نحو عقدين من الزمن، لكنّ خوفي عليه لم يتغير بالرغم من تحسّن حالته الصحية. تساءلت بيني وبين نفسي: هل لاسمي سبب في كلّ ذلك الخوف؟ أيعقل أن تكون مقولة "لكل امرئ من اسمه نصيب"، صحيحةً؟
أندب حظي وأتمنى لو لم يختَر أهلي لي هذا الاسم. أحمّلهم همي ومشكلاتي، تهرباً من حمل مسؤولية ذلك وحدي
وجهّت اللوم إلى أمي، بسبب كل الخوف غير المبرر والمزروع في مخيلتي، ملقيةً اللوم على تربيتها المثالية لنا، والمبنية على الخوف والتعلّق الشديدين. لكنّي أيقنت أنّي فقط مَن أعاني منه، فأمي وإخوتي لم يستمروا في نوبات الخوف والهلع طوال العقدين مثلي. وما أثبت صحة كلامي وأكدّها، أنّي استشعرت بالموت وهو يقترب من والدي. عندما كنت أزوره بعد إجرائه عمليةً في الشرايين كانت الأخيرة له. وعلى الرغم من تحسن حالته حينها، إلا أنّ الحاسة السادسة أو حاسة الخوف التي شممتها، كانت تريني صورة وفاته قبل وقوعها. أتساءل: هل حبّي الكبير له هو السبب في تلك الرؤية، أأو خوفي الشديد عليه؟
أندب حظي وأتمنى لو لم يختَر أهلي لي هذا الاسم. أحمّلهم همي ومشكلاتي، تهرباً من حمل مسؤولية ذلك وحدي. ولحسن الحظ أنّ الناس يملكون الظاهر ولا يعرفون معنى اسمي الحقيقي، إلا قلة ممن درسوا اللغة العربية أو امتهنوا الكتابة. طوال مراهقتي وشبابي لم يشأ الخوف أن يتخلى عنّي، أو أن يفارقني، فكان يظهر لي على شكل هاجس رعب من الامتحانات الجامعية، ليتحول إلى مرضٍ مزمنٍ في القولون، ويتفاقم لاحقاً على هيئة أمراض عصبية وغيرها. أفكّر أحياناً في أن أغيّر اسمي كما يفعل كثيرون، انطلاقاً من مقولة الأجداد: "هذا الاسم لا يناسبها". وهناك عدد لا بأس به ممن يغيّرون أسماء أبنائهم، إذا مرضوا كثيراً، أو حصلت لهم أشياء غير اعتيادية، ومنهم من يذهب إلى أناس مختصين بعلوم الطاقة والأسماء، حتى يحظوا بأسماء محظوظة لأولادهم قبل أن يولدوا حتّى.
أفتّش في أسماء أشخاصٍ محظوظين، خاصةً المشاهير منهم، لأثبت صحة نظريتي، لكنّي في المقابل أجد أشخاصاً بالأسماء نفسها لكنّهم منحوسون كما يقال. أحاول أن أسمع من الناس رأيهم في هذا الموضوع، أكثر من الغوص والبحث في تلك الأمور والترّهات. أنتقي ما يعجبني، وأحاول حفظه من خلال الربط والمقارنة مع أناسٍ مقرّبين منّي. منهم من يقول إنّ من يبدأ اسمه بحرف الجيم، يعيش حياةً سيئةً، ومنهم من يدّعي أن الأسماء المنتهية بأحرف ممدودة إلى الأعلى محظوظة، بخلاف المنتهية بأحرف متدلية نحو الأسفل، مع ذكر الشواهد والاقتباسات.
أخيراً، أحاول أن أنزع من رأسي تلك الأفكار، وأحاول أن أغيّر وجهة نظري عن اسمي، انطلاقاً من إيماني بأنّ كلّ تلك الأمور عبارة عن ترّهات لا أكثر ولا أقل
أما من حيث الأبحاث والدراسات، فقد نالت إعجابي دراسة لعالمة النفس الأمريكية جين توينغي، كشفت فيها أن من لا تروق لهم أسماؤهم، تتدنى قدراتهم النفسية والاجتماعية، كما ربطت ذلك بالعديد من العوامل والمؤثرات. وأشارت توينغي، إلى أن العجز عن التوافق النفسي بشكل كامل في هذه الحالة، يعود إلى قلة الثقة بالنفس وانعدام احترام الذات. كما أوضحت أنّ بعض هؤلاء يتحول كرههم لأسمائهم، إلى افتقار إلى الثقة في النفس، لأن "الاسم يشكل رمزاً للذات" بالنسبة إلى كل شخص.
أخيراً، أحاول أن أنزع من رأسي تلك الأفكار، وأحاول أن أغيّر وجهة نظري عن اسمي، انطلاقاً من إيماني بأنّ كلّ تلك الأمور عبارة عن ترّهات لا أكثر ولا أقل. لكن ما يحدث أنّه عندما يؤمن الشخص بشيء ما، فإن عقله الباطني يسعى بكامل قدراته العجائبية إلى جعله حقيقةً، ويظهر ذلك بقول العامة: "الي يخاف من العفريت يطلعلو".
في النهاية، ووفق رأيي الشخصي، سواء كان للاسم تأثير على شخصية الإنسان أم لا، سأحاول أن أنزع كلّ تلك الخرافات من رأسي، بالرغم من صعوبة الأمر، لأن تلك الأفكار والمعتقدات مغروسة في العقل في فترة الطفولة والشباب، وهي راسخة ومتأصلة في لا وعي الإنسان. لكنّي مؤمنة بأن الإنسان قادر على الانتصار على ذاته في نهاية المطاف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع