شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أنا لا أعتمد كاتالوغاً... مزاجي يقع بين الإغراء والغواية

أنا لا أعتمد كاتالوغاً... مزاجي يقع بين الإغراء والغواية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 26 أكتوبر 202209:58 ص

الفستان القصير الأسود الضيق، والسيجارة بين الأظافر الطويلة المطلية بالأحمر كلون الشفتين، والسكربينة الحمراء ذات الكعب العالي، والشعر المصبوغ باللون الأحمر الداكن، والصدر المرفوع والبارز، والساق فوق الساق، والملابس التحتية الدونتيل السوداء وربما كأس ويسكي، وأحد الحاجبين مرفوع في لحظات مدروسة، وإطلاق ضحكة مع إرجاع الرأس إلى الخلف لإظهار العنق في لحظة مدروسة أخرى؛ هكذا، وأحياناً بألوان مختلفة ولكن مختصرة، قدّمت لنا السينما والإعلانات رحلة المرأة نحو عالم الإغراء. رحلة لها Dress code محدود المساحة.

هكذا صار الرجل ينتظر المرأة، وهكذا صارت تلاقيه في كل مرة مع حركات هي إيحاءات مضبوطة وفق خاصية slow motion لضمان عدم الخروج عن نص الإغراء المعمّم والمعتمد والمصدّق من الجمعية العالمية للإغراء.

مع الوقت، أضيفت بعض الزيادات لدعم وتضخيم الصورة أعلاه، لا لتعديلها أو تغييرها: سيليكون لتحسين "وضع" الأثداء ورفعها أكثر، وبوتوكس لزيادة مساحة أحمر الشفاه ومسايرةً للأثداء المحدثة، وتاتو للحاجب كي يرتفع أكثر، فلا يرتفع حاجب آخر أعلى منه.

هكذا صار الرجل ينتظر المرأة، وهكذا صارت تلاقيه في كل مرة مع حركات هي إيحاءات مضبوطة وفق خاصية slow motion لضمان عدم الخروج عن نص الإغراء المعمّم والمعتمد والمصدّق من الجمعية العالمية للإغراء

ولكاتالوع الإغراء هذا نسخ كثيرة متفاوتة الجودة، وهذه أبرز سلبيات النسخ، بعد التطابق. كل نسخة تتضاءل جودتها عن سابقاتها، من نوع قماش الفستان ودونتيل ما تحته، إلى مهارة رسم التاتو، إلى دقة رسم الشفاه وحجمها، إلى أناقة حمل السيجارة.

نسخة تقلّد نسخةً تقلّد نسخةً تقلّد نسخةً تقلّد كاتالوغاً.

يوجد الكثير من الكاتالوغات، وكل كاتالوغ له أقمشته وألوانه ورفعة الحاجب الخاصة به. ولكلٍ من هذه الكاتالوغات نسخة تُنسخ عن أخرى. وكل كاتالوغ يحدد مواصفات فئة معيّنة ويضع لها عنواناً: كاتالوع المرأة المغرية، وكاتالوغ المرأة اللعوب... حتى لأسماء الكاتالوغات نسخ منسوخة عن أخرى. الأسماء أيضاً تفقد أصالتها.

هل تعلمون أن الأسود أصلاً ليس لوناً، إنما هو انعدام الألوان؟

الكاتالوغ هو الكليشيه. ويفترض بكل نسخة عنه أن تكون أصليةً، لأنها طبق الأصل ومن دون وسيط. لكن ما يحدث، هو أن النسخ يصير نسخاً عن نسخة، وليس عن الكليشيه الأصل. لذلك، تُفقد كل الخصائص الأصلية مع كل نسخة، كالصورة المطبوعة عن النيغاتيف الذي هو الكليشيه، الذي هو الأصل، والفرق بين ألوان هذه الصورة وأصالة تفاصيلها وجودتها وبين الصورة المطبوعة عن صورة. تفقد مع كل طبعة بعضاً من أصالتها... وصولاً إلى الكيتش كأحد نتائج التكرار.

ندخل مع النسخ إلى عالم الكيتش الذي كلما تكرر ابتعد عن أصله، واتسعت رقعة سطوته، وقلّت جودته وكبر جمهوره، فيتحول "كاتالوغ الإغراء" أو "كاتالوغ المرأة المغرية"، إلى "كيتش الإغراء" أو "كيتش المرأة المغرية".

أنا لا أعتمد كاتالوغاً. انتهى زمنه وسحر تطبيقه بالنسبة لي. الـdress code الخاص بي يكاد يخلو من فستان أسود ضيق قصير، ويكاد يخلو من اللون الأسود عموماً، علماً أنه يليق بي كما يقول لي صديق، خاصةً إذا أضفت ظلالاً سوداء فوق عينيّ... لكنه يبدو أنه من المعجبين بإحدى نسخ الكاتالوغات.

الـdress code الخاص بي يكاد يخلو من فستان أسود ضيق قصير، ويكاد يخلو من اللون الأسود عموماً، علماً أنه يليق بي كما يقول لي صديق، خاصةً إذا أضفت ظلالاً سوداء فوق عينيّ...

منذ زمن بات بعيداً، لم أعد أحتاج إلى اعتماد أزياء محددة ومظهر معيّن وسلوك ما، سلفاً، لأصبح in character. أصبحت دائماً in character، ولا أؤدّي دوراً غير دوري، لذلك أعيشه من دون الحاجة إلى التنّكر أو النسخ. يكفي أن أتبع مزاجي الذي اجتهدت لفهمه وقبوله واحترامه، وتصبح تقلباته كفيلةً بأن تُبرزني كما أنا، وكما رغبت وصرت. تقلبات تبرزني بكلّي أو بأجزائي متفرقةً. هذا المزاج الذي هو أنا أصبح يعكّره النَسْخ والنُسَخ، الكليشيهات والكيتشهات، فيبعدني عنها وعن تطابقها، وعن التطابق المُتوقع مني إبرازه.

يختار لي هذا المزاج، من مخزونه وميزانه، لغتي في الإغواء، وما "يستحليه" لجسمي ويخدم حركاته المتنوعة والمتغيرة بحسب الوقت والطقس والرغبة. وبعد أن كان جواز سفري نحو المزيد من الفردية، صار مساحتي ومطرحي عندما لم أعد في حاجة إلى إثبات هذه الفردية، فصار يختصر لي الكثير من الاحتمالات ويغربل لي خيارات ليعفيني من مجّانيتها. مزاجي الذي تُبرز ملابسي بعض جوانبه، لا يستشعر حضوره إلا مزاج يحاكيه في الابتعاد عن الكاتالوغ والكيتش، فيتقدّم خطوةً أو أكثر نحوي بإشارة من سلاسلي الذهبية التي أختارها لعنقي من موضة حقبة ما، أصبحت حقبتي، في حين معظم من في الغرفة اختُصرت أمزجتهن باللون الأسود بحجة غموضه المزعوم وما يدّعيه كعنصر إغراء.

هل تعلمون أن الأسود أصلاً ليس لوناً، إنما هو انعدام الألوان؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image