شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل تريدني جاهزةً أم راغبةً؟

هل تريدني جاهزةً أم راغبةً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 28 سبتمبر 202201:46 م

في مكان وزمان معيّنين، وقبل أن تسمح الموضة بكشف أجزاء من يدي وساقي وإبطي المرأة، وحكماً قبل "البيكيني"، نجحت المرأة في وضع ما أصبح شرطاً من شروط الأنوثة عندما أضافت غوايةً جديدةً إلى لائحة غواياتها: جسد ناعم خالٍ من الشعر! تحولت هذه الغواية المستحدثة لتصبح مطلباً من متطلبات الرجال (أو هذا ما تظنّه المرأة)، ومصدراً مدرّاً لملايين الدولارات لكبرى الشركات، وبات الجسد الخالي من الشعر مظهراً أساسياً في تشكيل الذائقة الجمالية الجماعية، وأصبح جسد المرأة المحتفظ بشعره النابت خارج الذائقة الجمالية. ثم لاحقاً طالبت المرأة بشطب هذا الشرط، ليصبح شعر جسم المرأة بنداً من بنود تحرّرها واستعادة جسمها من الإطار الذي وضعه لها الرجل والمجتمع. والآن، بدأ الرجل بممارسة عملية "تنظيف" جسمه من الشعر "الزائد"، بكل الوسائل المتاحة بدءاً من الشفرة وصولاً إلى اللايزر، مقلّداً المرأة في غوايتها تلك.

غواية نعومة جسم المرأة وخلوّه من الشعر النابت، المستحدثة، تُبرز أحد عناصر تكامل جسدَي المرأة والرجل (على الأقل كانت تبرزه قبل أن يبدأ الرجل بعملية "التنظيف"). لدى الرجل ما طردته هي سابقاً من جسدها، ولدى المرأة ما ينقص الرجل، وهو أثرُ ما أزالته. ولإزالته استعدّت وتحضرّت وتألّمت ثم جهّزت وربما انتظرت قبل أن يأتي الرجل إليها مختبراً ما قررت له: الاستمتاع بنقيضه.

بات الجسد الخالي من الشعر مظهراً أساسياً في تشكيل الذائقة الجمالية الجماعية، وأصبح جسد المرأة المحتفظ بشعره النابت خارج الذائقة الجمالية

ربما أذعن الرجل لهذه الغواية من دون أن تشكّل له فرقاً، وربما استمتع بالتجربة ثم أراد العودة إلى ما قبلها. ربما لم يفهمها، وربما كان يرغب في ما قررت هي أنه غير مرغوب فيه. ولكنه في كل الأحوال لعب معها لعبتها: طرد أحد آثار أحشائها... الشعر.

نعومة جسمي تمتِعني. حين أنظر إلى جسمي الخالي من الشعر، أحس باللمسة المشتهاة.

وبخطوة بديهية تفرضها متطلبات الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، انضممت أنا إلى لعبة الغواية هذه، ومن يومها لم أتوقف عن إزالة الشعر غير المرغوب فيه، على الأقل عن معظم أجزاء جسدي. أنا أيضاً تخلصت من بعض آثار أحشائي التي تنبت على جلدي. واستمررت في التخلص منه ورفضه ولا أزال حتى الآن.

نعومة جسمي تمتِعني. حين أنظر إلى جسمي الخالي من الشعر، أحس باللمسة المشتهاة. عندما تلمع بشرة ساقيّ بعد إزالة الشعر عنهما بالشمع، أشعر باللسان الذي أرغب في أن يمر عليهما. ذائقتي تطلب نعومة جلدي. ذائقتي باتت تفترض أن ما ينتج عن أحشائي لا يمتلك شرط الجمال. وأنا ما زلت أتبع ذائقتي وأتنكر لأحشائي، بل أتنكر لاحتمال يضمن مقومات جمال في هذه الأحشاء وما يظهر منها على سطح الجلد.

لكن هذه الغواية-الشرط هي عمل مرهق ككل شروط الأنوثة وغواياتها التي تتطلب جداول وبرامج عمل لتتحقق! وأنا كسولة أحياناً. والأهم أني لست جاهزةً دائماً

ولكن هذه الغواية-الشرط هي عمل مرهق ككل شروط الأنوثة وغواياتها التي تتطلب جداول وبرامج عمل لتتحقق! وأنا كسولة أحياناً. والأهم أني لست جاهزةً دائماً. بالأحرى، لا أريد أن أكون دائماً جاهزةً، بل ولأكون أكثر دقةً: لا أريد لجهوزيتي أن تكون شرطاً يسبق رغبتي، ولا أن تكون شرطاً لتحقّقِ متعتي. ولا أريد للشعر النابت أن يُعدّ عثرةً تعيق رغبتي أو تحققها. رغبتي وحدها تحدد جهوزيتي. وشروط الاستعداد هي مجرد أكسسوارات مؤجِّلة للرغبة، وأحياناً لاغيةً للمتعة. أنا أرغب فيك وأنت ترغب فيّ. أنا أرغب في تحقيق متعتي معك، وأنت ترغب في تحقيق متعتك معي، والشعر الذي لم أُزِله هذا الأسبوع عن جسمي، لن يقف حائلاً دون حصولي على ما أريده منك، ولن يقف حائلاً دون حصولك على ما تريده مني. ربما لم أُزِل شعر جسمي لأني كنت مشغولةً في التفكير فيك وما أريد أن أفعله بك وما أنتظر أن تفعله بي! فهل تريدني جاهزةً أم راغبةً؟

لكن لاحقاً، بعد أن تمرر لسانك الراغب على الساقين المرغوبتين. تذكّر فقط أن الشَّعر سينبت من جديد

أنا الراغبة وأنا المرغوبة. وقد أسمح لك -إن سمح وقتنا المشترك- أن تزيل الشعر عن جسمي، إذا ما كان هذا الأمر مهماً جداً لذائقتك، ولكن لاحقاً، بعد أن تمرر لسانك الراغب على الساقين المرغوبتين. تذكّر فقط أن الشَّعر سينبت من جديد. كلما أزلته سينبت. هذه وظيفة الأحشاء في شأنه: الظهور، والتعبير عن وجوده. هذه الوظيفة التي نستمر في تجاهلها ونزعها. أحشاؤنا تشتهي الظهور والضوء.

سأحررك مما حفظته (ربما مكرهاً)، عن هذه الغواية، وربما أروّض ذائقتك في أثناء ترويضي لذائقتي، لندرك معاً أن الشعر النابت على جسمي الذي بين يديك أو بمتناول لسانك دليل على أني أريدك في أي لحظة، وأن هذا الشعر العنيد في المطالبة بحقه في الظهور والخروج إلى العلن، ليس عائقاً أمام رغباتنا وأوقات تحقيقها.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard