شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ملابسي: مجهود أقل... إغواء أوسع!

ملابسي: مجهود أقل... إغواء أوسع!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 12 أكتوبر 202210:58 ص

المانيكان البلاستيك ترتدي كل ما يريدونها أن ترتديه، وتبدو مرتاحةً إلى كل الأزياء، حتى عندما تقف على رؤوس أصابعها، لا يبدو أن هذا الأمر يزعجها أو يؤلمها. لكن حركة المانيكان محدودة: فهي إما جالسة، أو واقفة، ولا يظهر منها إلا الجزء الأمامي. أما الجزء الخلفي، فيُعدّ BACK STAGE، لا يراه العابرون ولا يعرفون رسائله.

أنا عكس المانيكان؛ أرتدي ما أرغب في ارتدائه من دون الاحتكام إلى الموضة الدارجة، ومن دون أن أقف على رؤوس أصابع قدمي، ما لم أكن أحاول الوصول إلى غرض ما على رفٍّ عالٍ. بطبيعة الحال، ما أرتديه اليوم كان دارجاً ذات يوم. ولكني لا ألتزم بزمن موضته. أرتدي ما أجد أنه يناسب جسمي، ويناسب ما يريده، أو ما أريده له، وما أرغب في قوله وإبرازه. ولدي أنا وجسمي الكثير لنبرزه ونقوله، لذلك أعطيه، من خلال أزيائي، المجال كي يتنفس ويعبّر عما يريد أو عما لا يريد، يومياً، وفي كل مناسبة: في أيام الأسبوع، وفي أيام نهايات الأسبوع، في الليل وفي النهار، عند البحر وفي الحديقة، في البار وفي المقهى... كلها مسارح لجسمي وأزيائه.

وفي إمكاني اختزال أزيائي بنوعين: جينز وفستان. الأنواع الأخرى تتقارب، وهذان النوعان يختزلانها ويختزلان رسائلي ونواياي.

أنا عكس المانيكان؛ أرتدي ما أرغب في ارتدائه من دون الاحتكام إلى الموضة الدارجة، ومن دون أن أقف على رؤوس أصابع قدمي، ما لم أكن أحاول الوصول إلى غرض ما على رفٍّ عالٍ

الجينز كان دائماً من ملابسي المفضلة، وقد ارتديته بأساليب كثيرة ولغايات متنوعة. إنما مع الوقت، انحصر اهتمامي به في خانات محددة فرضها عليّ جسمي وتصالحي مع ما أريده لي وله؛ صرت أحب أن أرتدي الجينز كما يرتديه الرجال، وللأسباب التي في الأصل لأجلها اقتحمت النساء عالم أزياء الرجال، وتحديداً البنطلون: لأجل الراحة والتمتع بمزيد من الحرية في يومياتهن وتحركاتهن، وللتحرر من قيود الفستان في زمن دخلت فيه النساء معترك مهنٍ جديدةٍ عليهن بفعل الحروب وغياب الرجال.

لكن رحلة أهداف النساء مع البنطلون، ورحلتي معه ضمناً، تشعبت إلى أن أصبح أحدها مشابهاً لأحد أبرز أهداف وتعقيدات ارتداء الفستان والتنورة: الإغراء. مع البنطلون، تحديداً الجينز الضيق، اتّسعت مساحة الإغراء، وضاقت مساحة الجسد الذي أصبح محصوراً، ومزروكاً ومكبّلاً. تحول الجينز من فسحة تنفّس، إلى أداة تعذيب.

مع البنطلون، تحديداً الجينز الضيق، اتّسعت مساحة الإغراء، وضاقت مساحة الجسد الذي أصبح محصوراً، ومزروكاً ومكبّلاً. تحول الجينز من فسحة تنفّس، إلى أداة تعذيب

الجسد قبل الجينز الضيّق، والجسد بالجينز، والجسد بعد الجينز؛ ثلاث حالات غير متشابهة للجسد نفسه. وفقط الحالة الأولى الخالية من الجينز، يكون خلالها الجسم على سجيته، ومنطلقاً كما كان يُطمح له أن يكون مع الجينز. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة العذاب والتنكر، حيث يتغير شكل الخصر والساقين وينعصران تحت رحمة الجينز، ثم عند خلعه، وصولاً إلى المرحلة الثالثة التي تشبه الأولى في ما عدا الآثار التي تركها الحصر على الجلد.

الجينز الضيق الذي يبرز تفاصيل الجسم، خاصةً في أثناء المشي، لم يعد يلائمني، ولم أعد أرتديه إلا نادراً، وفي إمكاني القول إني مرغمة.

الجينز الضيق الذي يبرز تفاصيل الجسم، خاصةً في أثناء المشي، لم يعد يلائمني، ولم أعد أرتديه إلا نادراً، وفي إمكاني القول إني مرغمة. إذ يستحيل أن أرتديه إلا إذا كان واسعاً، وربما ممزّقاً عند منطقة الفخذين، لتظهر آثار الشمس على مساحة أوسع من جسمي. سأثنيه عند فتحتَي الساقين، سنتيمترات قليلةً كافيةً لتُظهر كاحليّ العريضين، وأنتعل معه عادةً صندلاً ملوّناً مفتوحاً عند أصابع قدميّ. ولكن إذا أردت أحياناً أن أنعطف مع إحدى منعطفاتي في أثناء ارتدائي إياه، وإذا كانت مدة مشواري قصيرةً، سأنتعل معه صندلاً بكعبٍ عالٍ، مساهِمةً في إلغاء هدف الجينز الأول، كيونيفورم لعمّال المناجم، وضاربةً بعرض الحائط أو بجزء من عرضه، أهداف اقتحام النساء هذا العالم: الحرية، حرية جسمي. علماً أن من عكّر راحتي في هذه الحال، هو الكعب العالي، وليس الجينز، وهذا تنويه لا بد من ذكره إنصافاً لتقديري له ولغايته.

أما الفستان الذي أفسح المجال في خزائن النساء، وعلى أجسادهن، للبنطلون، فبإمكاني أن أكون عمليةً وأنا أرتديه. أفضلّه بلا أكمام، وقصيراً وواسعاً إلى حد ما. الفستان الضيق سيزعجني كما يزعجني البنطلون الضيق، عند احتكاك فخذيّ ببعضهما. الفستان الواسع يعطيني مساحةً أوسع للتحرك داخله. الفستان الطويل يخفي كل إنجازاتي التي أحققها في حصص الرياضة، وعلى الرمل تحت الشمس، فأتجنّبه قدر الإمكان. فستان بلا أكمام، وبحبال رفيعة عند الأكتاف حيث ينتشر النمش، وقصير فوق الركبة، وربما تحتها بقليل، بحيث يسمح لي قِصَرُه بتأمل مساحة أكبر من ساقيّ اللتين تأخذان شكلاً مصقولاً ومنحوتاً وتتخذان لوناً ذهبياً، ويسمح لي بوضع ساقٍ فوق أخرى، عندما أرغب، ولا يقيّد مشيتي. فستان يسهل خلعه أو رفعه إذا شعرت برغبة في ذلك، وسمح الظرف والمناسبة.

انتصار النساء بزيادة رقعة أزيائهن واستحواذهن على أزياء الرجال، نقطة تسجَّل لهن، لم يقابلها الرجال بانتصار مماثل

انتصار النساء بزيادة رقعة أزيائهن واستحواذهن على أزياء الرجال، نقطة تسجَّل لهن، لم يقابلها الرجال بانتصار مماثل. وحتى عندما عدّلت النساء ونوّعن خصائص هذا الاستحواذ، وصولاً إلى عكس أهدافه الأولى، كن بذلك يضفن مفردةً أو أكثر إلى قاموس الإغراء. وهو نصر آخر. مشكلته الوحيدة والكبيرة أنه نصر مرهق. يحيل إلى تساؤل حول سبب عدم التقاء الإغراء مع الراحة، في حين أن مفردات الإغراء عند الرجل مريحة وسهلة وبسيطة ولا تتطلب مجهوداً. جسم الرجل قبل الجينز وخلال ارتدائه وبعد خلعه، هو نفسه، وهو نفسه مرغوب في الحالات الثلاث!

عالم الأزياء وصناعة الموضة لم يعد مرتبطاً بالحاجة إلى ستر الجسم.

عالم الأزياء وصناعة الموضة لم يعد مرتبطاً بالحاجة إلى ستر الجسم. ألتقي مع هذا العالم برغبتي في زيادة مساحة العري، لذلك فإن حاجتي أنا أيضاً إلى الملابس لم تعد مرتبطةً بستر جسمي، إلا في جزء ضئيل، هو جزء الخضوع للأمر الواقع، أمر الستر الواقع! وبما أن الرضوخ واقع، أستغل المساحة الإضافية التي حققتها المرأة بسحب البنطلون إلى خزانتها، وأنفض عنه العقاب الذي استُحدث لجسمي بسببه، في سبيل تسجيل نقاط إغراء إضافية لا أوافق على أنها يجب أن تكون مرهقةً إلى هذا الحد.

أنا أرتدي الجينز كما يرتديه الرجال، والفساتين كما أرتديها أنا، لأني أطوّع أزيائي لخدمة أهدافي وجسمي، ولا أريد تطويع جسمي ليألف الأشغال الشاقة على مدار زمن ارتداء ملابسي، سواء أكانت فساتين أم بناطيل.

عندما تخففت من ثقل الأقمشة وضيقها، تخففت أيضاً من عقوبة مجهود الإغراء، وصرت أكثر قدرةً على الإغواء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image