شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في محبة إرث هشام عفيفي

في محبة إرث هشام عفيفي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 14 نوفمبر 202211:26 ص

"شكراً من كل قلبي لكل واحد قال كلمة جميلة في حقي. الناس جميلة فعلاً ويستاهلوا كل يوم الصبح بدري فقرة صباحية جميلة، وغيابي عنكم مش بإيدي أوي. أنا صحيح بعمل حاجات كتير تافهه وملهاش هدف غير إننا نتبسط، بس لو كنا في مناخ أقل حراره واحتباس حراري، كنت هعرف أبدع أكتر من كده".

تلك هي العبارات التي صاغها هشام عفيفي عن ابتعاده الطويل في الظهور؛ عبارات صادقة ومعبرة عن حال أغلب الناس في زمان كهذا، ولعل تلك المصداقية المتفانية هي من جعلت لوجود هشام معنى حقيقياً، ولغيابه أثراً ملموساً.

لم يحتل هشام قلوب المشاهدين من فراغ، وإنما احتلها بحّسه الإبداعي الفريد، والحضور المتميز الذي يزيده تأنقاً وتألقاً حينما يترك المجال لزملائه في الفيديو، فيكفي أن يضحك هشام على "إفيه" أو يفرشه لغيره.

ربما تلك الحالة التي مرّ بها هشام، والتي مازلت معه إلى الآن، قد عبر عنها بشكل واضح في نهاية عام 2019 بفيديو الاكتئاب والاحتباس الحراري ونهاية العام، فيما يبدو لي أنه كان يعاني من تلك الأزمة في خلق المعنى وصياغته، ولذلك ربما توقف بعدها حتى الآن.

التحليل الإستراتيجي

بدأ هشام رحلته عن طريق فيديوهات التحليل الإستراتيجي، والتي قدم فيها نزعةً كوميدية ساخرة تحمل نقداً ذكياً، يروق كذلك للعامة، وهو ما أسهم في معرفته، ومن ثم دخوله إلى عالم الإعلانات كمخرج، عن طريق إعلان كارديج والذي حقق نجاحاً رقمياً مبهراً أهّله بعد ذلك لإخراج العديد من الإعلانات المهمة والعلامات التجارية الكبيرة.

لم يحتل هشام عفيفي قلوب المشاهدين من فراغ، وإنما احتلها بحّسه الإبداعي الفريد، والحضور المتميز الذي يزيده تأنقاً وتألقاً حينما يترك المجال لزملائه في الفيديو

كان تحليل هشام يمتاز بالتنوع بين استهداف إعلانات رمضان كشركات الاتصالات، البنوك، إعلان مدينتي، أو حتى فيديو كليب لأغنية، لكنه بدخوله عالم الإعلانات كمخرج لم يتح له ذلك الانتقاد أو السخرية من إعلانات أخرى قد تكون منافساً محتملاً، لذلك آثرَ البعدَ عن ذلك الجدل الذي كان سيطوله بلا شك، وهو ما أقرّه في حلقته مع حازم الصديق في برنامج حازم كاست على يوتيوب.

الفقرة الصباحية الجميلة

واحدة من أمتع المحتويات وأقيمها في مرحلة صعود عفيفي، هي حلقات تمتزج فيها خفة الدم المصرية الأصيلة مع قضايا الناس، لا تخلو إفيهات الحلقة من بعض الشجن والحزن، ولكنها تمرّ على صعوبتها بتلك التلقائية لأفراد الفيديو. تلك الفقرة التي كان أول أفرادها عفيفي كاتباً في برنامج البلاتوه مع أحمد أمين، وتعرف من خلاله على المهندس خميس، وبعدها على أحمد حسين لاشتراكهم في محبتهم للألعاب الإلكترونية. ويقول عفيفي إن تلك الحلقات لا تتمّ كتابتُها مسبقاً قبل التصوير، وإنما تدور الكاميرا ويبدأ الارتجال ربما حتى دون معرفة الموضوع الذي سيتحدثون عنه، على عكس حلقات التحليل الإستراتيجي التي كانت تتطلب، بحدّ قوله، ربما ثلاثة أيام لتفادي السقوط في فخّ المبالغة أو الألش الرخيص.

بدأ هشام رحلته عن طريق فيديوهات التحليل الإستراتيجي والتي قدم فيها نزعة كوميدية ساخرة تحمل نقداً ذكياً، يروق كذلك للعامة، وهو ما أسهم في معرفته ومن ثم دخوله إلى عالم الإعلانات

يفتتح عفيفي الفيديو بمنتج يروج له "معلش بس علينا قساط". هكذا بكلّ بساطة وبدون افتعال. وتظل تلك الإفيهات متجددة وتطفو على السطح من حين لآخر؛ فمثلاً: "نهر الميسسبي بيصب في خليج المكسيك"، "محور أبو زيد خضر"، وغيرها من الجُمل العالقة في أذهان الكثيرين.

وأصبحت تلك الفقرة الصباحية مطلوبة بشدة من المشاهدين، والتي أتى باسمها عفيفي مناقداً لبرامج الثامنة صباحاً المملة، والتي لايتابعها أحد بحد قوله.

تلك الحالة الانفعالية التي تخرج بحماسٍ شبابيّ وتعبيرٍ حقيقي عن الذات في تماس واضح مع أغلب مشاهديه حتى المغتربين منهم، شيء أصيل يعود بهم لحنين ذلك الوطن، أنس حقيقي، وقبلة لتجديد التعاقد مع كآبة الحياة.


عن الفن والأغاني

بجانب تلك المهارات المختلفة لعفيفي، فالفنُّ يلعب دورَه الخاصَّ في حياته؛ فبجانب لعبه المتميز على الغيتار -وقد قدم عدداً من الفيديوهات البسيطة في تعليم العزف على الغيتار على قناته- إلا أن شغفه بالموسيقى عامةً ملحوظٌ، فكان يصدر في بداياته نُسخاً مغايرة تماماً لبعض الأغاني المعروفة، حيث يقوم بتغيير الكلمات ونبرة صوته كذلك، ولاقت نجاحاً كبيراً على الساوند كلاود؛ أغان مثل "أصابك عشقاً"، و"قارئة الفنجان"، "أنا بخاف من الكوميتينت".

الحالة الانفعالية التي تخرج من هشام عفيفي بحماس شبابي وتعبير حقيقي عن الذات في تماس واضح مع أغلب مشاهديه حتى المغتربين منهم، شيء أصيل يعود بهم لحنين ذلك الوطن

وبدأ في تحويل تلك الفكرة إلى فيديوهات تقوم على نفس الفكرة، وأكثر ما يميز تلك الحلقات، هو عزفُ عفيفي الخاص والمتنوع، والذي يقدّمه بإيقاع سريع وبخفّة وبهجة، وكسرُه لكلّ ما يبدو من المسلّمات، فيحول أغنية "فاضي شوية" لحمزة نمرة إلى نسخة كوميدية بامتياز، كما غنى "أنا المشير طنطاوي"، وقدم واحدة من أجمل فيديوهات تلك القائمة عن "الناس اللي بتقول شعر في وسط الأغنية"، ثم فجأة بعد كلّ تلك البهجة اختفى عفيفي.

الاكتئاب والاحتباس الحراري

حاصر الاكتئاب هشام عفيفي لفترة ليست بالقصيرة، ولكنه وجد مخرجَه في التكييف معه: "بقى بارت أوف لايف زي دور البرد... هيعدي". لكنه يعاود ليضربه من جديد بعد وفاة والدته. ويبدو هشام أكثر انعزالاً في تعامله مع حساباته في فيسبوك وتويتر، مما يثير الشك في نفوس محبيه على صحته النفسية حتى عبّر ذات مرة قائلاً: "الانتحار حلّ دائم لمشكلة مؤقته. انا بستقبل قدر الله بصدر رحب ومتقبل الحياة. هي بس متعبة، وأنا منهك مش قادر على التغير. والبلد تسدّ النفس، والغربة مقدرش على ألمها، طالما ربنا مخليني عايش يبقى خير من عنده، أما بس ببشريتي قاصر وبتمنى الراحة بجواره والمغفرة وحسن الختام ولعله خير ديما".

تلك الرحلة التي كان بطلها هشام عفيفي، بدأها منذ سنوات قليلة، ولا نتمنى أبداً أن تنتهي. فلعلّ كلّ تلك المحبة التي تصله على دفعات من حينٍ لآخر، تشجعه على العودة من جديد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image