لم أجفل من تلويح قاهر العفاريت بقدراته "الخارقة" التي يرفض استخدامها ضد "الصحفيين الحاقدين"، فقد كان الوقت الذي مضى منذ التقيته كافياً لكي تزول رهبتي منه، وتزيد رغبتي في فهم قدرته الخارقة الوحيدة والأكيدة، وهي قدرة شخص ضحل ومهزوز مثله على إيهام الكثيرين بأنه صاحب قدرات خارقة، خصوصاً حين يكون هؤلاء من ذوي النُّهى والأفهام.
حين عاد للمرة السابعة في حوارنا للتفاخر بشهادة الشيخ الشعراوي والدكتور مصطفى محمود في حقه، قلت له إنه يتحدث عن آراء انطباعية لا يمكن أن نعتمد عليها بشكل قاطع، في حين نتجاهل آراء علماء كبار استندوا إلى الشريعة الإسلامية في استحالة دخول الجن لجسد الإنسان أو قدرته على إيذائه، وقبل أن أسرد له نماذج من هذه الآراء قاطعني قائلاً:
"طبعا، الجن لا يمكن أن يؤذي الإنسان المؤمن فقط، لكن شوف، المشكلة اللي بتحصل في أيامنا دي إحنا المتسببين فيها، عشان إحنا لا نبسمل قبل الأكل، فالشيطان يأكل معنا، ولا ندعو عند دخول الخلاء. الحمامات عندنا دلوقتي عاملة زي الديسكو، الجرنال تقرأه في الحمام، والسيجارة تشربها في الحمام، زمان كنا نسميه 'بيت الأدب'، دلوقتي بقي بيت المسخرة".
غلبتني ابتسامة ساخرة خلال حكاية حسين شاهين عن ابن أخته وعلاقته بالثلاجة، فغضب جداً واعتبر ذلك سخرية من كلامه تستحق إيقاف الحوار الذي طال أكثر من اللازم في رأيه
ـ يعني الحمامات وراء كل ما تتحدث عنه؟
آه طبعا، الحمامات مسكونة بالشياطين مثل الأماكن المهجورة، هناك أحاديث يرويها ابن القيم عن وجود الصرع وعن علاج الرسول (ص) لطفل مصاب بالصرع بقراءة الفاتحة والمعوذتين.
ـ لكن العلماء الثقات قالوا إن هذه الأحاديث ضعيفة ودعني أقرأ لك نصوص كلامهم؟
(مقاطعاً) يقولوا اللي يقولوه، لو شفت شيء بعيني يبقى انتهى كل شيء.
ـ لكن بنفس المنطق الشرعي الذي تتحدث عنه، نحن نرى وقوع السحر بأعيننا، فلماذا لا يكون ما تفعله سحراً كما يقول القرآن (سحروا أعين الناس واسترهبوهم)؟
(بغضب) سحر إيه؟ لما تجيب واحد بيتشنح أو مهلوس وبقي له سنين ويُشفى، إزاي أكون سحرته؟
ـ ومين اللي يقدر يحكم إنك عالجته إذا كنت ترفض وجود إشراف طبي على ما تفعل؟
لإنهم مش هيقدروا يفهموا المنطق اللي أنا شغال بيه، هما عايزين كل حاجة ليها تفسير وفي حاجات كتيرة مالهاش تفسير واللي باقوله يشهد عليه ناس كتيرة.
ـ كم عدد الذين ترددوا عليك خلال السنوات الماضية؟
ألوف في كافة بقاع العالم، مرة جاني أحد مسئولي دولة عربية بعد ما لف على لندن وباريس جاءني إلى القاهرة بزوجته المشلولة وبعد أسبوع وجد زوجته تمشي على قدميها، أنا الحمد لله كل شغلي قدام الصحف وكاميرات التلفزيون، وكل من يهاجمني هم بعض الحاقدين من الصحفيين، وأنا باتكلم هنا بوصفي صاحب صحيفة ويهمني أمر الصحافة.
ـ طيب ليه ما فكرتش تسخر قدراتك الروحانية ضد الحاقدين دول؟
لو كنت عندي هذا المبدأ لما اشتهر عني العلاج بالقرآن، ناس كتير يسألوني: ليه بتلجأ للقضاء لما عندك القدرات دي؟ في إنسان غبي عميد كلية كتب مرة هذا الكلام، سهل جداً إني أعمل لحد مشكلة لكن ما اشتهر عني عكس ذلك.
ـ هل هناك مشاهير ترددوا عليك للعلاج؟
كل الطبقات عالجتها.
ـ يعني عالجت مسؤولين ورجال أعمال وفنانين؟
من الألف للياء، لكن المشاهير بالذات بيعوزوا واحد يساعدهم، إن فلان عايز يطلع على كتف فلان وفلانة عايزة تطلع على كتف فلانة. لكني لا أقوم بهذا أبداً.
ـ هل عالجت أساتذة جامعة وأطباء؟
كتير.
ـ لماذا لم يذهب هؤلاء للطب النفسي في رأيك؟
لأن بعضهم يعتبر الذهاب للطب النفسي أمر معيب، لذا يفضل يذهب لأحد آخر بشكل "توب سيكريت"، لعلمك أنا عالجت مرة طبيبة نفسية وسألتها "بتعملوا إيه لما بيجي حد يقول إن عنده جن بيكلمه بلغات أخرى" قالت لي: "بنعطيه مهدئات ينام 3 أو4 أيام لو صحي وما بقاش كويس يروح لدكتور تاني"، هل ده كلام؟ أغلب الطب النفسي مهدئات أو مسكنات، زمان كان فيه تحليل نفسي. أنا مرة عالجت في بداية حياتي ابن اختي. كان رفيّع جداً وبياكل كل اللي في الثلاجة، واتضح أنه ملبوس بجني عندما وقع مرة في المقابر، والجني كان اسمه عبد الله وبعد ما خرجته لقيت صوت نسائي بيولول، قالت لي "أنا اسمي فاطمة… رجّع لي جوزي… ومعايا هنا ولادي وأبويا"، وعشان كده أنا أحصن أولادي بالقرآن وأشربهم ماء عليه آيات الحفظ.
غلبتني ابتسامة ساخرة خلال حكاية حسين شاهين عن ابن أخته وعلاقته بالثلاجة، فغضب جداً واعتبر ذلك سخرية من كلامه تستحق إيقاف الحوار الذي طال أكثر من اللازم في رأيه، ولم أستغرب عصبيته فقد بدا لي منذ البداية متوتراً ومفتقداً إلى الكاريزما الطاغية التي ترتبط عادة بالدجالين والمشعوذين، والتي كنت قد لمستها خلال لقاء بمشعوذ سابق خلال سنوات، وهو ما فسره فيما بعد صديقي المحنّك في الشأن الروحاني بأن أمي "داعية لي" ولذلك كان كعب ملاكي الحارس الحاضر معي أعلى من كعب أسياد مولانا، فأربكوا حساباته فلم يتمكن من السيطرة علي ولا من "ربطي" أو إيذائي بعد انتهاء الحوار، ولذلك أوصاني صديقي المحنّك بأن أحرص على عدم إغضاب أمي لأنني سأظل مرصوداً من أسياده حتى ينتقموا له بسبب ما كتبته عنه.
لم تكن ابتسامتي الساخرة سبب غضب حسين شاهين الوحيد، فقد انفعل حين طلبت منه أن يواجه لجنة من الأطباء والمتخصصين للحكم على الأشخاص الذين يقول إنه عالجهم
لم تكن ابتسامتي الساخرة سبب غضب حسين شاهين الوحيد، فقد انفعل حين طلبت منه أن يواجه لجنة من الأطباء والمتخصصين للحكم على الأشخاص الذين يقول إنه عالجهم، وانفعل حين حاولت أن أقرأ له مقاطع من كتاب بعنوان (استحالة دخول الجانّ بدن الإنسان) للباحث إيهاب بن حسن الأثري قام فيه بمناقشة كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يستند إليها المتاجرون بالقرآن في سبوبة علاج المس الشيطاني واللبس العفاريتي، وكان هذا الباحث قد زارني قبلها بعام في صحيفة (الدستور) ليشكرني على مقال كتبته عن متاجرة بعض الشيوخ بالأكاذيب المنسوبة زوراً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأعطاني كتابه وبعضاً من أبحاثه، وشكا لي من تجاهل مشاهير المشايخ لأبحاثه برغم أنه ينطلق من منطلقات شرعية بحتة، ولم أستغرب ذلك التجاهل، كما لم أستغرب إصرار قاهر العفاريت على ذكر اسم الشعراوي والدكتور مصطفى محمود كلما حاولت مناقشة ما يزعمه عن وجود أسانيد شرعية لما يقوم به.
لم أستغرب أيضاً حرص حسين شاهين على التفاخر المستمر في كل الحوارات التي يجريها بالحكم القضائي الذي جاء لصالحه في القضية التي رفعها على القارئة آمال عبد الرحيم لأنها كتبت في صحيفة (عقيدتي) الحكومية التابعة لمؤسسة الجمهورية مقالاً تنتقد استضافة الفنانة إسعاد يونس له في برنامجها (مساحة حرة) على قناة أوربت، واعتبر المقال سباً وقذفاً في حقه، وحصل في أيار/ مايو 1998 على حكم بحبس القارئة ستة أشهر في حكم صادم استخدمه بقوة في الدعاية لنشاطه، وكان ذلك الحكم المستفز سبباً في ذهابي لمحاورته.
لم يكن انحياز القضاء لأمثال "قاهر العفاريت" المزعوم جديداً، فقد سبق أن أصدرت محكمة الجيزة للأحوال الشخصية عام 1984 حكماً بتطليق امرأة من زوجها بعد أن ثبت للمحكمة بشهادة الشهود أن الزوج قد تزوج بأخرى من بنات الجن وأنجب منها طفلين، وأن الضرة الجنية تسيئ معاملة ضرتها الإنسية، ولولا أنني قرأت مقالاً للدكتور نصار عبد الله يعلق فيه باستفاضة على الحكم في أحد أعداد مجلة "المصور" الصادرة بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 1985 لما كنت قد صدقت وجوده، وكان الدكتور نصار قد أشار في مقاله إلى مقال نشرته صحيفة (الأهرام) في عام 1997 لواحد من رجال القضاء البارزين بعنوان (أبناء الشياطين) يتحدث فيه عن بعض الحالات التي يمكن فيها للمرأة الإنسية المتزوجة من إنسي أن تحمل سفاحاً من الجن وتلد أولاداً هم من صلب الجن بينما الزوج الإنسي يتوهم أنهم من صلبه، ويرجع سبب هذه الحالات في رأي "سيادة المستشار" إلى أن الزوج لا يبدأ بالبسملة قبل أن يجامع زوجته أو يجامعها بدون غطاء فيقوم الشيطان بمضاجعتها.
لم يكن انحياز القضاء لأمثال "قاهر العفاريت" المزعوم جديداً، فقد سبق أن أصدرت محكمة الجيزة للأحوال الشخصية عام 1984 حكماً بتطليق امرأة من زوجها بعد أن ثبت للمحكمة بشهادة الشهود أن الزوج قد تزوج بأخرى من بنات الجن وأنجب منها طفلين
لحسن الحظ، لم يدم رضا القضاء عن حسين شاهين طويلاً، فبعد أشهر من لقائي به، صدر حكم قضائي نهائي ببراءة القارئة آمال عبد الرحيم من تهمة سبه وقذفه، وكنت قد تعرفت عليها عقب نشر الحوار في مجلة (صباح الخير) حين دعاني زوجها رسام الكاريكاتير، طه حسين، لزيارة منزلهما في شارع السودان بالمهندسين، وكانت الأسرة وقتها تعيش في حالة رعب من تأييد القضاء للحكم الذي صدر بحبسها، خصوصاً أنها كانت تتعرض لحملة تهديدات متوالية دفعت الأسرة لتغيير رقم هاتف المنزل، وبدأ بعض الأقارب والأصدقاء ينصحون بتغيير عنوان السكن، أو بالاعتذار لحسين شاهين درءاً لشره، لأنه لم يصل إلى ما وصل إليه من شهرة ونفوذ إلا لأنه كان مدعوماً من بعض أصحاب النفوذ وعلى رأسهم لواءات شرطة وجيش والدكتور محمد عبد العال أحد رؤساء الأحزاب الكرتونية المرتبطة بجهاز أمن الدولة، والكاتب سمير رجب المقرب من حسني مبارك والذي فتح لحسين شاهين صفحات صحيفة (المساء) أيام كان يرأس تحريرها.
بعد نشر الحوار الذي أعقبته بتفنيد لآراء من يزعمون وجود أصل في الشريعة لدخول الجن بدن الإنسان، وصلتني رسائل تكشف بعضاً من "الماضي الأسود" لحسين شاهين الذي فوجئت أنه نجا من حملات شرسة وموثقة شنها قبل سنوات من لقائي به صحفيون من أبرزهم الصحفي عبد الرحمن إسماعيل بصحيفة (الشعب) والذي كشف أن نقابة المهندسين أثبتت في خطاب رسمي موجه لمحكمة الزيتون الابتدائية أن "قاهر العفاريت" كان ينتحل صفة المهندس لسنوات وأنه ليس مسجلاً في النقابة على الإطلاق، ثم اتضح أنه كان يعمل فنياً بإدارة الطب البيطري بالمحلة منذ عام 1975، ثم سافر إلى الأردن عام 1983 وعمل بأحد الفنادق واتهم في جريمة سرقة مولد كهربائي وسجلت ضده جناية في عام 1985، لكنه تمكن من الفرار إلى سوريا، وعاد إلى مصر في ثياب "قاهر العفاريت" ليحصل على ثروة مكنته من فتح شركة لتسفير العمال إلى الخارج في المحلة الكبرى.
بعد فترة من توسع نشاط الشركة، انكشفت الألاعيب التي مارسها "قاهر العفاريت" على العمال الحالمين بالهجرة، فصدرت في حقه عدة أحكام بالسجن، نفذ منها حكماً بالسجن لمدة شهر وحكماً آخر بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، لكن ذلك لم يمنعه من التوسع في الدجل والشعوذة، لتنشر صحيفة (الوفد) فضيحة له بطلتها طالبة في الجامعة الأمريكية قرأت عن فتوحاته ضد العفاريت في صحيفة (الأخبار) الحكومية فذهبت إليه ودعته إلى منزلها لطرد العفاريت التي تقلق أسرتها، فاستولى على مجوهراتها هي ووالدتها بدعوى كتابة تعاويذ عليها، وأقنع الطالبة بأن العفاريت لن تخرج من حياتها إلا إذا هو دخل شخصياً إليها، وتزوجها بدون علم أبيها الذي كان يعمل في السعودية، وحين علم الأب وصمم على طلاق ابنته طلب منه مئة ألف جنيه مقابل الطلاق.
بعد فترة من توسع نشاط الشركة، انكشفت الألاعيب التي مارسها "قاهر العفاريت" على العمال الحالمين بالهجرة، فصدرت في حقه عدة أحكام بالسجن، نفذ منها حكماً بالسجن لمدة شهر وحكماً آخر بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، لكن ذلك لم يمنعه من التوسع في الدجل والشعوذة
لكن كل هذه الحملات لم تفلح في فضح حسين شاهين وكسر صورة (قاهر العفاريت) المدموغة ببركة الشيخ الشعراوي والدكتور مصطفى محمود، ولم تتوقف الصحف الحكومية وبعض القنوات التلفزيونية عن استضافته، لكن حدة تلميعه خفت بشكل ملحوظ بعد أن أحدث الحكم الذي حصل عليه بحبس السيدة آمال ردود أفعال غاضبة، دفعت الكثير من الكتاب والصحفيين إلى استنكار الحكم ومهاجمته، وزادت وتيرة الهجوم عليه بعد صدور حكم براءتها في 17 كانون الثاني/ يناير 1999، وأذكر أنني طلبت من السيدة آمال أن تكتب شهادة عن تجربتها المؤلمة، نشرتها يوم 31 كانون الثاني/ يناير 1999 في باب أسبوعي مختص بقضايا الصحافة والإعلام كنت أحرره بصحيفة (الجيل)، واخترت لشهادتها عنوان (المرأة التي قهرت قاهر العفاريت تتحدث)، وبعد أن قالت في نهاية شهادتها إنها سترفع دعوى قضائية ضده تطالب بالتعويض عما أصابها من ضرر مادي ومعنوي ونفسي، تضامن معها عدد من المحامين معلنين استعدادهم لتمثيلها مجاناً.
بعكس ما توقع الكثيرون، لم يشن حسين شاهين حملات مضادة يستخدم فيها أصدقاؤه للالتفاف على الحالة التي أحدثها الحكم، ولم يرفع المزيد من القضايا على "الحاقدين"، بل اختفى فجأة، لأن الأيادي التي كانت تحميه تخلت عنه، وقيل إنه نفذ تهديده بالسفر إلى "من يعرفون قيمته" خارج مصر حيث لا يوجد "صحفيون حاقدون" يقرشون ملحته، وبالطبع، توقعت أن يكون اختفاءه مؤقتاً، وأن يعاود الظهور في ثوب جديد كما فعل من قبل، لكنه ويا للعجب لم يظهر من جديد، ولم تصبني لعنته، حتى الآن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون