شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الباعة المتجوّلون في تونس... نزيف الأرواح والحلم بحياة كريمة

الباعة المتجوّلون في تونس... نزيف الأرواح والحلم بحياة كريمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 14 أكتوبر 202205:30 م
Read in English:

Street vendors in Tunisia: Far away dreams of a decent life

لم يكن الـ24 من أيلول/ سبتمبر الماضي، يوماً عاديّاً في حياة الشاب التونسي محمد أمين الدريدي وحياة عائلته. الشاب البسيط الذي كان يستيقظ صباح كل يوم ليركض وراء لقمة العيش، على عربة صغيرة يعرض عليها الخضروات في منطقة مرناق في محافظة بن عروس، تصدّر اسمه فجأةً عناوين الأخبار. ففي حدث رمزي أعاد إلى الأذهان ما قام به قبل أعوام محمد البوعزيزي، معلناً اندلاع شرارة ثورة شعبية في تونس ثمّ العالم العربي، أقدم محمد أمين، على وضع حدّ لحياته، شنقاً، بعد أن قامت فرقة التراتيب البلديّة (موظفون بلديون)، بمصادرة الميزان الذي يستخدمه في عمله، وفق رواية عمّه لوسائل إعلام.

قال عمّ الضحية إن العائلة ساعدت الشاب مادياً لتمكينه من اقتناء عربة لبيع الخضروات، لكن أعوان التراتيب كانوا في كل يوم يحجزون الميزان ويحررّون محاضر ضدّه، وفي صباح الـ24 من أيلول/ سبتمبر الماضي، اتصل بوالده ليعلمه بأنهم صادروا أداة عمله مرةً أخرى، وعندما عاد إلى البيت وجده مشنوقاً.

تلت حادثة الانتحار احتجاجات شعبية في مناطق عدة، في مرناق ومنوبة في العاصمة، تنديداً بالانتهاكات وبغلاء الأسعار، لتكشف جزءاً ممّا يعانيه الباعة المتجولون في تونس.

المضايقات... كابوس لا ينتهي

رمزي بائع متجوّل متحدّر من مدينة القيروان (وسط)، تحدّث إلى رصيف22، عن صعوبة عمله في ظل الوضع الحالي الذي تمرّ به البلاد، من أزمة اقتصادية وندرة في السلع، مضيفاً أنّ الاعتماد على "نصبة" (وهي عربة لعرض السلع المختلفة من قبيل الأواني البلاستيكية وأدوات المطبخ وأجهزة إلكترونية صغيرة)، لتوفير دخل قارّ يغطّي احتياجاته، ليس بالأمر الهيّن.

قال البائع عن مهنته: "هو عمل يغنيني عن الحاجة لا غير، ولا يمكنني التعويل عليه لتوفير دخل قارّ". وأضاف: "عشت حياتي بين الفقر والخوف من الحاجة. وأقضي حاضري بين هاجسين: ارتفاع الأسعار والهرب من ملاحقة أعوان البلديّة".

في حدث رمزي أعاد إلى الأذهان ما قام به قبل أعوام محمد البوعزيزي،  أقدم محمد أمين، على وضع حدّ لحياته، شنقاً، بعد أن قامت فرقة التراتيب البلديّة، بمصادرة الميزان الذي يستخدمه في عمله

لا يخفي رمزي انزعاجه من المضايقات التي يمارسها عليه أعوان البلدية، وأكثر ما يخشاه هو مصادرة سلعه، ما يكلّفه عناء اقتناء بضاعة جديدة للاستمرار في العمل ويجعله يخسر جزءاً من ماله القليل.

وأمام ضيق الخيارات، يجد نفسه مجبراً على مواصلة هذا العمل الشاق، فهو أفضل من البطالة والسرقة كما يؤكّد، مشدّداً على أنه يتطلع إلى الهجرة، ويروي بحماسة أن جاره الذي يعمل مثله نجح أخيراً بعد محاولات متكرّرة، في الوصول إلى إيطاليا عبر الهجرة النظامية عن طريق قطع البحر الأبيض المتوسط، في ما يُعرف محلياً باسم "الحرقة".

تغمض السلطات التونسية عيناً وتفتح أخرى في تعاملها مع الباعة المتجوّلين، فهي تلاحقهم تارةً، وتارةً أخرى تسمح لهم بالاسترزاق في حدود المعقول.

بالرغم من الأزمة الاقتصادية وصعوبات المعيشة، فإن الاقتصاد الموازي يظلّ مخالفاً للقانون ويضرّ باقتصاد البلاد بحكم أنه لا يدفع ضرائب، وهي من أهم المصادر الحكومية، ويضرّ بالتجار النظاميين.

كما شكّل الاتّجار الفوضوي بعد الثورة، وعرض السلع على الطرقات وبالقرب من المقاهي وعلى الأرصفة، ظاهرةً مزعجةً تقلق راحة المارّة.

يدعو ناشطو المجتمع المدني الحكومة لتوفير أماكن لهؤلاء التجار، وبناء أسواق منظمة ومقسّمة يعرضون فيها سلعهم ضمن إطار القانون.

الحلقة الأضعف في شبكة التهريب

صرّح رمضان بن عمر، عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بأن ظاهرة التجارة الموازية، أو ما نعبّر عنه بالاقتصاد الموازي، باتت جزءاً من الأزمة الهيكلية للاقتصاد الوطني، مضيفاً لرصيف22، أن الباعّة المتجولّين الذين يعملون في إطار غير قانوني ولا يدفعون الضرائب ويعرضون سلعاً مهرّبةً، هم مواطنون أقصتهم المنظومة الاقتصادية الرسميّة.

تغمض السلطات التونسية عيناً وتفتح أخرى في تعاملها مع الباعة المتجوّلين، فهي تلاحقهم تارةً، وتارةً أخرى تسمح لهم بالاسترزاق في حدود المعقول

عاب محدّثنا اقتصار تعامل السلطة معهم على الجانب الزجريّ، من خلال الحملات التي تستهدفهم ومصادرة بضائعهم.

وأشار بن عمر إلى أن أكبر عدد من الباعة المتجوّلين موجود في العاصمة، إذ يوفّر هذا النوع من التجارة نوعيّةً معيّنةً من البضائع مرتبطة أساساً بواقع القدرة الشرائية للتونسيين التي تراجعت بعد الثورة.

وأضاف أن الدولة ليست لديها رؤية متكاملة لمعالجة الظاهرة، داعياً إلى خلق ديناميكية جديدة وبديل اقتصادي لهم.

يؤكّد المتحدث تلقّي المنتدى شكاوى عدة حول عمليات ابتزاز من طرف موظفين (طلبات رشوة)، وضغوط تمارَس على الباعة من قبل أعوان البلدية والجمارك.

وأضاف عضو المنتدى التونسية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن طموح أغلب هؤلاء الباعة، وهم من الشباب، أصبح يقتصر على الهجرة. وبالرغم من أن عملهم يأتي في إطار حلقة تهريب كبيرة ونافذة، فإن السلطة تقتصر مهمتها على مطاردة الباعة فقط في شكل من أشكال الاستعراض، في حين تتجاهل حماية الحدود التي تُعدّ مصدر المواد المهرّبة، ومطاردة الوسطاء الذين أوصلوا البضاعة إلى الباعة الصغار.

تهديد للاقتصاد الوطني

حذّر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، في تصريح لإذاعة موزاييك، بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 2022، من أنّ الاقتصاد الموازي في تونس اتّخذ شكلاً فظيعاً وخطيراً خاصةً أن بعض التقديرات تشير إلى أنه بلغ نسبة 50 في المئة أو أكثر من حجم الاقتصاد عموماً، ما يُعدّ مخاطرةً كبيرةً جدّاً على الحياة الاقتصادية بصفة عامّة، وعلى دور الدولة في الاقتصاد بصفة خاصة.

يدعو ناشطو المجتمع المدني الحكومة لتوفير أماكن لهؤلاء التجار، وبناء أسواق منظمة ومقسّمة يعرضون فيها سلعهم ضمن إطار القانون

وأشار بن سعيدان، إلى أن الاقتصاد الموازي تفاقم بهذا الشكل منذ سنة 2011 حتى اليوم، إذ أدّى ضعف السلطة المركزية إلى بروز قوة أخرى وإلى التهريب وما يسمّى بأباطرة التهريب الذين وجدوا الفرصة كي ينشطوا من أجل الكسب السريع، مضيفاً أن على الحكومة وضع رؤية وبرنامج واضحين لإعادة الجزء الأكبر من الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد المنظم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard