داخل شارع التوفيقية المكتظ بالباعة الجائلين، وسط العاصمة المصرية القاهرة، وقف الشاب السوداني عبد الله بركة، بانتظار أن يكمل مائة جنيه حتى يخصم 10 جنيهات يعطيهم لشخص يمر يومياً على الباعة الجائلين ليأخذ بشكل قسري ما يعرف بـ"الأرضية"، وهو لا يعلم أن هناك قانوناً يُعدّ لحظر وجوده كبائع في الشارع المصري.
يعيش عبد الله في القاهرة منذ 6 سنوات، داخل حي بولاق الدكرور، بعدما جاء من شمال السودان، منتظراً دوره في منظمة شؤون اللاجئين ليسافر إلى دولة أجنبية.
خلال عامي 2018 و2019، قدمت النائبة هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة، مرتين مشروع قانون لتنظيم عمل الباعة الجائلين، ودمجهم تحت مظلة المشروعات الصغيرة، وذلك في قانون مكون من 21 مادة.
عرّفت النائبة البائع المتجول في مشروعها، بأنه كل من يبيع سلعاً أو بضائع أو يعرضها للبيع، أو يمارس حرفة أو صناعة في أي طريق أو مكان عام، دون أن يكون له محل ثابت، وكذلك كل من يتجول من مكان لآخر، ويجول على المنازل لبيع سلع أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة بالتجول.
"مهنة البائع المتجول جذبت غير المصريين، مثل السودانيين والصينيين، للأسواق".
المذكرة التفسيرية التي تلت مواد المشروع المقترح، ذكرت أن مهنة البائع المتجول جذبت غير المصريين، مثل السودانيين والصينيين، للأسواق، وأن ذلك يسبب الكثير من المشاكل الأمنية، ولذا فمن المطلوب توفير مجموعة من السياسات والإجراءات التي تحد من ذلك.
ومنع مشروع القانون المقترح العمل على فئتين، وذلك في المادة السادسة، التي مفادها عدم منح الترخيص بالعمل كباعة جائلين، للمصابين بأحد الأمراض المعدية أو النفسية، وعلى غير المصريين، حتى لو كانوا يدرسون بجمهورية مصر العربية.
ولم توضح النائبة نوعية غير المصريين، إذ لم يفرق القانون بين اللاجئ والمهاجر، ولكنه وضع الجميع تحت بند واحد، سواء كان عربياً أو أجنبياً، أو مواطناً جاء من دولة تعاني كبعض دول المنطقة.
خلال السنوات الماضية استقبلت مصر نحو 5 ملايين شخص بين مهاجر ولاجئ، بحسب التصريحات الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي، التي مفادها أن هناك نحو 5 ملايين لاجئ دخل مصر منذ 2011، لكن منظمة شؤون اللاجئين أكدت أن العدد بحسب إحصاء 2019 بلغ 280 ألف لاجئ، وهم عبارة عن اللاجئين وطالبي اللجوء من العراق، إريتريا، إثيوبيا، جنوب السودان، السودان واليمن.
"المصريون متضايقون من وجودنا"
يقف عبد الله في الشارع 7 ساعات يومياً، من 3 عصراً إلى 10 مساءً يومياً، حتى يستطيع جمع قوت يومه، ودفع الإيجار والمواصلات وشراء الطعام.
الساعات التي يقضيها عبد الله في الشارع يتعرض فيها لبعض المضايقات من المصريين، إذ يرى بعض المصريين أن السودانيين ينافسونهم في العمل، حتى لو كانوا باعة متجولين، يوضح بركة لرصيف22: "في كل بلد فيه الكويس وفيه الوحش، في ناس ترى أن السودانيين ملئوا البلد وخدوا منهم الشغل، ويتضايقون أن السودانيين كثر في مصر، لكن نعمل أيه هي أقرب بلد لينا".
لا توفر مصر فرص عمل في القطاع الحكومي لغير المصريين، لذا فإن السبيل الوحيد أمامهم هو العمل بالقطاع الخاص، لكن أحياناً لا يستطيع غير المصريين العمل بذلك القطاع لأسباب صحية، لذلك لا يوجد أمامهم إلا العمل كباعة متجولين، وهو حال عبد الله بركة.
يقول المحامي يوسف المطعني، المتخصص في قضايا اللاجئين السوريين، إن البائع المتجول السوري يفضل الحصول على مكان ثابت غير متحرك، على رصيف أو قهوة مثلاً، ويعرض منتجه بدون أن يضايق أحداً، بخلاف البائع المتحرك الذي قد يسبب ضيقاً للغير.
"مهنة البائع المتجول جذبت غير المصريين، مثل السودانيين والصينيين، للأسواق، وأن ذلك سبَّب الكثير من المشاكل الأمنية" من مذكرة تفسيرية لمشروع قانون في البرلمان المصري
"كل من يدخل مصر بشكل قانوني له الحق أن يعمل ويعيش ويعمل معنا، مادام سيحترم القانون، لكن أن يمنعه القانون من العمل في مجال ما بشكل كامل، خاصة أن ذلك المجال لا يشكل تهديداً للأمن القومي، فهذا غير مقنع"
مصر تسير على قانون تنظيم أعمال الباعة الجائلين رقم 33 لسنة 1957 الذي وضعه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وذلك بعد تعديل للقانون رقم 73 لسنة 1943، فإنه لم يمنع أي فئة من العمل كبائعة جائلين، وكانت المادة العاشرة هي الوحيدة التي يمنع فيها شيء والتي مفادها: "يحظر بيع المأكولات أو المشروبات التي يتعذر وقايتها من الفساد، وأن تحدد شروط ومواصفات ونماذج ملابسهم أو ملابس فئة منهم".
"قوانين لا تراعي الجانب الإنساني"
يقول المطعني، معلقا على مشروع القوانين المتعلقة بالباعة الجائلين، لرصيف22: إن حظر مشروع القانون المقترح العمل على غير المصريين بتلك المهنة، يحرم من لا يستطيع شراء مكان أن يعمل، أو يبدأ بسجل تجاري وبطاقة ضريبية، ، وبعض القوانين التي تقترح حالياً لا تتعامل مع الواقع أو تراعي الجوانب الإنسانية.
القوانين توضع لتعديل الحياة إلى الأفضل، وليس طرح قوانين بدون دراسة، يقول المطعني، إن الحظر لا يعد حلاً في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء الذي يمنعون من العمل في تلك المهنة قد يتحولون إلى أعمال غير مشروعة.
دخل في مهنة الباعة الجائلين أصحاب المؤهلات العليا من بكالوريوس وليسانس، وذلك بسبب ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض رواتب بعض الأعمال، لذلك يتجه البعض للعمل بشكل حر.
فسرّت النائبة خلال المذكرة التفسيرية في مشروع القانون، أن هناك 6 مليون مواطن يعمل في تلك المهنة ولا يهتم بهم أحد منذ العام 2000.
يدرس عمر عباس التجارة بجامعة عين شمس، وبين الحين والآخر يشتري بضاعة جملة من أسواق تختلف بين الحين والآخر، تارة يبيع عطور وتارة أخرى يبيع إكسسوارات هواتف جوالة.
يقول عباس لرصيف22: إن تنظيم عمل الباعة الجائلين في مجمله جيد، إلا أن القانون يحتوي على نقاط قد تثير مشاكل فيما بعد.
" أفراد الشرطة يضايقون الباعة في الشوارع من أجل الحصول على إتاوة مالية".
وبحسب عباس، الذي اقترب من عامه الثلاثين، فإن أفراد الشرطة يضايقون الباعة في الشوارع من أجل الحصول على "إتاوة"، ويعتقد أن الأمر سيستمر حتى إذا حصل على ترخيص ودفع رسوم سنوية.
يعمل عمر منذ عامين كبائع متحرك، وذلك عبر التجول في شوارع القاهرة الكبرى، ويقول إنه لم يصادف مشاكل إلا في مترو الأنفاق، إذ تعرض لدفع غرامة نحو 100 جنيه العام الماضي.
ويرى عمر أن فرض مبالغ مالية كل عام دون الحصول على مقابل يعد "سبوبة" لجني أموال أكثر، موضحاً: "ليه هدفع فلوس أصلاً، أنا لا أحصل على خدمات".
يقول عباس لرصيف22: "يدفع البائع مئات الجنيهات سنوياً، لأنه يحصل على مقابل، أما تحصيل رسوم من أجل رخصة فقط دون الحصول على مقابل، فهذا لا محل له من الإعراب".
واستطرد: "ممكن مفتش صحة فاضي معدي بالصدفة مثلاً جه في باله يعمل مصلحه، أو ممكن حد من الحي يعمل إشغال طريق لو هو فارش في الشارع منتجاته البسيطة".
"يسوّقون منتجات مصرية"
وعن طرق التعامل مع المصريين، يقول محسن نشأت، رئيس جمعية الباعة الجائلين والأعمال الحرة، لرصيف22 إن عمل غير المصريين في مهنة الباعة الجائلين لم تضرهم، مشيراً إلى أن الصناعات التي يحصل عليها السوريون أو السودانيون تساعد في تسويق المنتجات المصرية.
"كل من يدخل مصر بشكل قانوني له الحق أن يعمل ويعيش ويعمل معنا، مادام سيحترم القانون، لكن أن يمنعه القانون من العمل في مجال ما بشكل كامل، خاصة أن ذلك المجال لا يشكل تهديداً للأمن القومي، فهذا غير مقنع"، بحسب نشأت، الذي يرى أن البائع المتجول لن ينافس المصري، مشيراً إلى أن العمالة غير المصرية تنتشر بشكل سريع، وذلك بسبب إضافتهم لمسات جذابة للمستخدمين والمستهلكين.
تعرض القانون السالف ذكره إلى تعديلات خلال العقود الماضية، ولم يمنع فئات من العمل، يقول نقيب جمعية الباعة الجائلين، الذي يرى أن ذلك قد يضر الاقتصاد المصري، إذ يعتقد أن عمل الأجانب يساعد على تنشيط عمل المصريين، موضحاً: "السوري أو السوداني أو أي جنسية أكيد هيشتري من مصري، وإذا تم حظر عمله، بالتأكيد هيضر المصري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com