"سلاحك وعلى الملعب - تعالَ لا تخف - التحريض الحقيقي"… هاشتاغات تحمل رائحة العنف والدم، انتشرت علي صفحات الأردنيين كما النار في الهشيم، وذلك في إطار الصدام بين جماهير ناديي الوحدات والفيصلي الأردنيين.
الصدام الذي يدور – ظاهرياً- حول كرة القدم، يكشف عملياً عن عمق الشقاق الحاصل في المجتمع الأردني بين ذوي الأصول الفلسطينية والعشائر، والذي فُتح مع مجازر أيلول الأسود، ولم يندمل حتى يومنا هذا.
لطالما كانت المباريات التي تجمع بين ناديي الوحدات والفيصلي تحمل تحشيداً رياضياً، حتى أطلق وصف "الكلاسيكو" على قطبي الكرة الأردنية، إلا أنه في مرات كثيرة، تجاوزت المسألة الرياضة ووصلت إلى مربع ديمغرافيا الأردن والحديث عن الوحدة الوطنية، وهذه واحدة منها.
التحشيد الرياضي زاد في مشهد غير تقليدي، قبيل مواجهة الفريقين يوم الجمعة الماضي على ستاد الملك عبدالله الثاني المعروف باسم "القويسمة" أو "ملعب نادي الوحدات"، ضمن مباريات الربع النهائي لدوري كأس الأردن. بعد أن طالبت إدارة نادي الفيصلي بنقل المباراة من ملعب نادي الوحدات إلى ملعب آخر، وذلك بعد أحداث الشغب في المباراتين السابقتين.
خصوصاً مع إطلاق جمهور نادي الفيصلي هاشتاغ "سلاحك وعلى الملعب"، ليرد عليه جمهور نادي الوحدات بهاشتاغ "تعال لا تخف".
الصدام الذي يدور – ظاهرياً- حول كرة القدم، يكشف عملياً عن عمق الشقاق الحاصل في المجتمع الأردني بين ذوي الأصول الفلسطينية والعشائر، والذي فُتح مع مجازر أيلول الأسود، ولم يندمل حتى يومنا هذا
تصاعد وتيرة التهديدات أثار حفيظة الدولة أمنياً، فألقت القبض على 18 مشجعاً من ضمنهم علي محمد فخري (كابو جمهور الوحدات)، بتهمة التحريض عبر منشورات لهم على الكراهية بملاعب كرة القدم، بحسب البيان الأمني، وتم تكفيلهم لاحقاً.
سابقة لأول مرة... لماذا؟
وهرباً من طرح الأسئلة الثقيلة أو المواجهة المتوقعة بين جمهور الفريقين، هرولت الدولة لمنع حضور الجماهير إلى الملعب، حيث جاء القرار من اتحاد كرة القدم، في سابقة تحدث لأول مرة بعيداً عن قرارات اللجنة التأديبية في الاتحاد، قائلاً في بيان صحافي: "بناءً على طلب الجهات الأمنية، قرر الاتحاد الأردني لكرة القدم إقامة مباراة الوحدات والفيصلي بدون حضور جمهور، حفاظاً على سلامة أركان منظومة كرة القدم".
وذلك بعد الأحداث التي رافقت نهاية مباراتي الوحدات والحسين، والفيصلي والرمثا اللتين أقيمتا على ستاد الملك عبدالله الثاني بالقويسمة، ضمن منافسات الأسبوع التاسع عشر من دوري المحترفين، والمتمثلة بإصابة عدد من الجماهير أثناء مغادرتهم الملعب، ووقوع الأضرار المادية في العديد من السيارات والممتلكات، من خلال قذف الحجارة من أسطح المنازل والأزقة.
هرباً من طرح الأسئلة الثقيلة أو المواجهة المتوقعة بين جمهور الفريقين، هرولت الدولة لمنع حضور الجماهير إلى الملعب، حيث جاء القرار من اتحاد كرة القدم، في سابقة تحدث لأول مرة
القصة مش رمانة، لكن القلوب مليانة
تعوّد المجتمع الأردني تقسيم قطبي الكرة حسب التمثيل الجغرافي، حيث يحسب نادي الفيصلي الذي تأسس عام 1932 في عمان وهو من أقدم أندية كرة القدم في المملكة، إلى الشرق، أي من أبناء العشائر تحديداً.
فيما عُرف نادي الوحدات الذي تأسس عام 1956 بأنه تابع لأردنيين من أصول فلسطينية أو أبناء المخيمات الفلسطينية في الأردن، وكان النادي يتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ثم أصبح يتبع وزارة الرياضة والشباب، والوحدات هو من أكبر المخيمات الفلسطينية في المملكة.
يطغى على كلاسيكو الكرة الأردنية، في كثير من الأحيان، الطابع السياسي، إذ شهدت أغلب اللقاءات التي جمعت الطرفين هتافات مسيسة. فدائماً ما يشير هتاف جماهير الوحدات إلى المخيمات والقضية الفلسطينية وحق العودة إلى فلسطين قائلين "الله... وحدات... القدس عربية".
فضلاً عن أن شعار النادي يحمل صورة لقبة الصخرة، في إشارة لا تخطئها عين إلى تمثيل النادي للأردنيين الفلسطينيي الجذور.
وعلى الجانب الآخر فإن هتافات نادي الفيصلي تحمل أيضاً دلالات سياسية على تمثيله الشعبي، فيتم الهتاف إلى العشائر، ويتم تبادل الشتائم بشكل متكرر من قبل الجماهير، حتى وصلت في واحد من اللقاءات الإساءة لمؤسسة العرش، إذ هتف جمهور الفيصلي: "واحد اثنين… طلقها يا أبو حسين"، والمقصود هنا الملكة رانيا، بحجة أنها أردنية من أصول فلسطينية.
شبح أيلول الأسود الذي لا يغيب
وتجاوزت الهتافات حد التذكير بأحداث تاريخية شهدها الأردن، فقد هتف جمهور الفيصلي في إحدى المباريات :"فوق التل وتحت التل... إحنا رجالك وصفي التل"، في إشارة إلى وصفي التل، رئيس الوزراء الأردني أثناء أحداث أيلول الأسود، ودوره الحيوي في التنكيل بالفلسطينيين.
أيلول الأسود أو ما يعرف باسم الحرب الأهلية الأردنية، وهو القتال الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة بقيادة الملك الحسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ما بين عامين (1970 - 1971)، نتيجة قرار سياسي بإخراج الفدائيين الفلسطنيين من المملكة، بعد محاولة المنظمة إطاحة الملك الحسين.
لاحقاً، أسست فتح منظمة أيلول الأسود التي كان هدفها الرئيسي الانتقام من جميع الشخصيات التي أفشلت وجودها السياسي في الأردن، فقامت بعدة عمليات على الساحة الأردنية كانت أولاها محاولة اغتيال زيد الرفاعي في لندن، ثم اغتيال رئيس الوزراء وصفي التل في القاهرة.
الدم والفتنة
الأحداث العنيفة ليست جديدة على الملاعب الأردنية، حيث شهدت إحدى المباريات في العام 2010 أحداث عنف عقب لقاء جمع بين الوحدات والفيصلي، واتهم رئيس نادي الوحدات آنذاك طارق خوري قوات الشرطة بـ"ارتكاب مجزرة جماعية أدت إلى إصابة مئات الأشخاص، وهدد بأن "دم هؤلاء لن يذهب هدراً".
وفي اطار السعي لحقن الدماء وفض الاشتباك، طالب كثيرون بحل ناديي الوحدات والفيصلي، وتوزيع اللاعبين بين الأندية الأخرى، والانتهاء من معضلة الهويات الفرعية، والبقاء على الهوية الجامعة وسط أجواء التحديث السياسية التي تشهدها المملكة وتزعم الدولة أنها راعية عليها. مشيرين إلى أن بقاء الناديين يهدد السلم الاجتماعي بشكل مباشر، ويعبث بالوحدة الوطنية، وكما يقال بالأردني "القصة مش رمانة، لكن القلوب مليانة"، وهو ما يهدد الأمن الاجتماعي، ويشكل خطورة قد تنفجر وسط المجتمع الأردني.
في حين يتحدث البعض عن فشل الدولة في صناعة وحدة وطنية حقيقية "بغض النظر عن الأصول والمنابت"، في ظل الحديث عن حاجتها لورقة "الفيصلي - الوحدات"، لكي تلعب بها أمام أي خطر معارضة قد تتعرض له من قبل المجتمع ذاته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...