لأن فن اليوميات يتحرّك كلما نشأت الأزمات العامة والخاصة: حرب، مرض، ثورة، إلخ، باعتباره فناً ينتعش مع الأزمات، ولأنه الابن الشرعي للكارثة منذ نشأته، فقد كان متوقعاً أن تخلّف سنوات جائحة كوفيد 19 مدوّنةً كبيرة من اليوميات، حيث ساهمت أشهُر الإغلاق المتتالية والحجر الصحي في دفع الناس عامةً والفنانين والكتّاب خاصةً إلى تسجيل تلك التجربة الغريبة التي كانوا يمرون بها مع بقية البشر في العالم.
وما ميز هذه الجائحة أنه ولأول مرة ينهمك أناس من كلِّ أرجاء العالم في الكتابة عن تجربة واحدة بأشكال مختلفة، إما بشكل تحريضي من مؤسسات أو أفراد عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو مدفوعين بدوافع ذاتية. غير أن بعض الكتاب جعلوا من الجائحة ذريعةً للتأمل في الواقع السياسي أو استدعاءً لواقع سياسي جعلهم يعيشون ذلك الراهن الإنساني.
تمدُّد فن اليوميات من الذات إلى العالم
التنظير لليوميات بصفتها الجنس الأدبي أو الكتابي الأكثر التصاقاً بالذات وحميمياتها مقارنةً بالمذكّرات التي تهتم بالآخرين من حول الذات الكاتبة ورصد فترة تاريخية أو تجربة جماعية لتلعبَ الذاتُ الكاتبة دورَ الشاهد على العصر، لا يعني أن الذات الكاتبة في اليوميات، ليست منشغلةً إلا بحدود ذاتها، لأن مفهوم الذات في فنّ اليوميات يتعدّى الذات في فردانيتها وحدودها الفضائية ومجالها ليشمل الذات في تموقعها الكوني. إنها ذات ميرلوبونتية؛ ذات في الكون الكبير، ولذلك هي تتأثر به وتؤثّر عليه عبر الرؤية التي تسلطها عليه لكي تدركه. ذلك الإدراك الذي يجعلها تسيطر عليه عبر محاولة الفهم.
أبرز ما أُنتج من يوميات الجائحة في اللغة العربية هو كتاب التونسي حسونة المصباحي "يوميات الكورونا" الذي استهلّه بالسخرية من المؤسسة الدينية ووجها السياسي الذي احتج على قرار الحكومة القاضي بالحجر الصحي العام، والسخرية من الفكر الخرافي الذي تستثمر فيه هذه المؤسسة
ولعل أبرز ما ظهر منها "يوميات الجائحة" للمقدوني أغيم فنتاسا، و"الإقامة الجبرية: يوميات وبائية" للإنكليزي ألان بنانت الذي واظب على تسجيل يومياته أثناء الحجر الصحي 2020-2021 وتذكر يومياته القصيرة المعبرة عن العجز السياسي:
"مايو 2020 11
خطاب بوريس جونسون للأمة في المساء لا طائل من ورائه. (البقاء في حالة تأهب) لا تعني شيئًا. إنه خطيب ومتحدث فقير بشكل عام، يكاد المرء يشعر بالأسف تجاهه".
أما أبرز ما أُنتج في اللغة العربية في هذا المجال فهو كتاب التونسي حسونة المصباحي "يوميات الكورونا"، والذي بدت يومياته أعمق من يوميات ألان بنانت الجافة والشذرية المباشرة. والحق أن حسونة المصباحي قد تمرس على فن اليوميات واتخذه مشروعاً مواز لكتاباته السردية فأصدر فيه عدداً من المؤلفات هي: "يوميات ميونيخ"، و"يوميات الحمامات"، و"عودة إلى ميونيخ"، إلى جانب اطلاعه على المدونة العالمية لفن اليوميات من خلال تقديماته لها أو ترجمة بعض نماذجها، كما فعل مع يوميات أندريه جيد. وقد أهّل كلُّ ذلك الكاتبَ لخوض مغامرة اليوميات كلَّ مرة بوعي أجناسي واضح ورؤية فنية مبتكرة.
الشعبوية والسياسة
استهل حسونة المصباحي يومياته يوم 14 آذار/مارس 2020 بالسخرية من المؤسسة الدينية ووجها السياسي الذي احتجّ على قرار الحكومة القاضي بالحجر الصحي العام، والسخرية من الفكر الخرافي الذي تستثمر فيه هذه المؤسسة؛ فقد احتجت على الإغلاق بسبب إغلاق المساجد ومنع التجمعات والصلاة الجماعية، ونقل المصباحي أخبار الحشود التي تمرّدت على قرارات الحكومة في تونس، وتجمعت أمام المساجد بتحريضٍ من أنصار وقادة حركة النهضة، واعتبر ذلك شكلاً من أشكال التعبئة والتحشيد وكسب أنصار آخرين فـ"الحكومات التي جاءت بها الديمقراطية المزيفة تركت النهضةَ تفعل ما تشاء، وما تريد، مهملةً البنية التحتية التي أصبحت مزرية، ومنصرفةً عن بناء المدارس، والمستشفيات، والمرافق العامة.
يشير حسونة المصباحي إلى أكثر القضايا شعبوية والتي يحسم بها التونسيون نقاشهم وجدلَهم، ولو كان على خبزهم اليومي: القضية الفلسطينية، التي صار يُزَجّ بها في كل شيء
والآن، يجد التونسيون أنفسهم أمام هذا الوباء القاتل من دون حماية... مع ذلك، لا يخجل رجال الدين من رفع أصواتهم بالكذب على الناس، وإخفاء الحقائق، وتزييفها، معرضين البلاد والعباد إلى مخاطر جسيمة حمايةً لمصالحهم الخاصة... ورغم أن مخاطر الوباء تزداد استفحالاً يوماً بعد آخر، فإن رجال الدين المزيفين لا يزالون يعتقدون أن فتاويهم الصفراء يمكن أن تكون مفيدة وناجعة".
ينطلق حسونة المصباحي في نقده السياسي من نقده للشعبوية التي غرق فيها الشعب التونسي عبر ما تروجه السلطة والإعلام معاً، وينقل لنا ما سماه بـ"داء الشعبوية" الذي تفشى في كل مكان، بدايةً من الإعلام إلى مجلس النواب إلى خطابات زعماء الأحزاب إلى رئاسة الجمهورية.
يكتب في يومية 15 آذار/مارس: "قد اتخذت هذه الشعبوية الشنيعة ملامح ومواصفات داءٍ فتاك لا يبقي ولا يذر. ناشرة في البلاد الفوضى والفتنَ وثقافةَ العنف اللفظي والمادي، ومصيبة بالعدوى كلَّ الأحزاب والمنظمات وجلَّ الشخصيات السياسية التي جاءت بها فيضانات ما سمي بـ(ثورة الحرية والكرامة)، أو (ثورة الياسمين) تبركاً بـ(ثورة القرنفل) في البرتغال في منتصف السبعينات من القرن الماضي. فلم يسلم منه لا المنتسبون للأحزاب الدينية، ولا الأحزاب اليسارية، ولا تلك التي تزعم أنها وسطية، أو ليبيرالية".
ويشير حسونة المصباحي إلى أكثر القضايا شعبويةً، والتي يحسم بها التونسيون نقاشهم وجدلهم ولو كان على خبزهم اليومي: القضية الفلسطينية، التي صار يزَج بها في كل شيء، يكتب ي يوم الأحد 15 آذار/مارس:
"ويجد الشعبيون التونسيون في القضية الفلسطينية ما يحرّضهم على المزيد من بيع الأكاذيب والأوهام. ففي يوم تنصيبه رئيساً للجمهورية، حرص قيس سعيد على أن يضع في البرلمان العلم التونسي إلى جانب العلم الفلسطيني زاعماً أن تونس في حالة حرب مع إسرائيل. لذا سيقاضي بتهمة الخيانة العظمى كل من (يتعامل من قريب أو بعيد مع الكيان الصهيوني). وبعد أيام قليلة أقال وزير الخارجية السيد خميس الجهناوي من منصبه بدعوى أنه كان من الذين هللوا لـ(التطبيع مع الكيان الصهيوني)، ثم سارع باستقبال الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان ليؤكد أن القضية الفلسطينية(قضية مركزية). وقام شعبوي آخر انتخب رئيساً لبلدية ضاحية الكرم، شمال العاصمة التونسية، بنصب تمثال عليه صاروخٌ بحجم قبضة اليد موجَّه إلى إسرائيل غافلاً عن الأوساخ والفضلات المتراكمة في الشوارع والساحات، وعن الطرقات السيئة بسبب كثرة الحفر، وعن المجاري التي تطلق روائح كريهة على مدار الساعة".
الرئيس الغامض والسلطة الهشة العاجزة
تلوذ الشعوب في أزمنة الأزمات بالدولة التي فوضتها لإدارة شؤونها، إلا الدولة في يوميات حسونة المصباحي، فهي غائبة أو تلوذ بالصمت لأنها عاجزة عن إدارة نفسها، ولأن الكذب الذي كان سلاحها لم يعد مجدياً أمام الموت الأسود. يكتب المصباحي يوم الاثنين 16 آذار/مارس:
"على شبكات التواصل الاجتماعي، يتساءل التونسيون عن (اختفاء) الرئيس قيس سعيد في هذه الأيام العصيبة التي يعيشونها بعد أن ارتفع عدد المصابين بالكورونا ليصل عشرين حالة. فبعد الخطب المضحكة التي ألقاها في كلٍّ من جزيرة جربة، وبن قردان، ثم أمام مجلس الأمن القومي في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، والتي أثبت فيها مرة أخرى أنه يهذي بما لا يعلم، ولا يدري، ها أنه يختفي فلا أحد يعرف إن كان معتكفاً في بيته بضاحية المنيهلة، أم مختفياً في قصر قرطاج، أو هو ضائع بينهما".
واسترسل منذ تلك اليومية في تحليل شخصية الرئيس قيس سعيد، وعاد إلى ظروف ظهورها ووصولها للحكم بتلك الطريقة الغريبة. كما أشار المصباحي كيف كان الرئيس يجوب البلاد محرضاً الشعب على الفوضى ومتجنباً لقاءَ السياسيين والمثقفين كما لو كان زعيمَ معارضة:
"إلى حدّ الآن يحرص على الحفاظ على عاداته القديمة، كأن يشرب قهوته ويدخن سيجارته في نفس المقهى الشعبي، أو كأن يحلق شعره عند نفس الحلاق. كما أنه يحبّ أن يتردد بين الحين والآخر على الأحياء الشعبية الفقيرة ليتحدث إلى أهاليها بلغته المفخمة والركيكة عن أوضاعهم البائسة. وفي زيارته إلى المناطق الداخلية، يلقي خطباً متشنجة، مخاطباً المشاعر والغرائز البدائية، ومطلقاً تصريحات وعبارات تشيء بالتحريض على الفوضى، وعلى النيل من الدولة، ومن مؤسساتها".
وإن التفت المصباحي إلى السياسة الدولية كالوضع في ليبيا انطلاقاً من مراسلاته مع صديقه محمد الهوني رئيس تحرير جريدة "العرب"، إلا أن الشأن التونسي كان شغله الشاغل وكانت شخصية قيس سعيد عنصراً رئيسياً في يومياته بصفته الممثل للسلطة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والحديث قائم في العالم على الفيروس باعتباره حرباً.
اتخذ حسونة المصباحي أسلوباً ساخراً لالتقاط أخبار الرئيس، وكأنه يقول بذلك الاختيار إن الرئيس غريب الأطوار لا يمكن أخذُ كلامه ولا سلوكه على محمل الجدّ إلا من حيث كونه كارثةً مضافة للكارثة الكونية أي الوباء. يكتب يوم الأربعاء 18 آذار/مارس:
"البارحة أطل قيس سعيد على التونسيين من خلال القناة الوطنية الأولى ليؤكد لهم أنه لا يملك شيئاً سوى هراوة بلاغية غليظة سوف يظلّ يدقّ بها على رؤوسهم على مدى الأربع سنوات القادمة".
يبدو أن قيس سعيد صدّق بالفعل أنه حفيد عمر بن الخطاب، والدليل على ذلك جولته في أرياف القيروان معاملاً أهاليها كما لو أنهم رعايا يحتاجون إلى الصدقة
هذا الإفلاس الذي تحدث عنه المصباحي ورصده في يومياته هو الذي ستؤكده سنواتُ ما بعد الانقلاب الذي أقدم عليه بعد عام من تلك الأيام. كان حسونة المصباحي من المتخوفين من الثورة التونسية منذ 2011، وازداد تخوفه بوصول حركة النهضة إلى الحكم، وكان متفائلاً بالباجي قائد السبسي، قبل أن يخيِّب أمله هو الآخرُ بتحالفه مع النهضة، ويعتبر حسونة المصباحي أن الرئيس قيس سعيد هو أقبح ما أفرزته تلك الثورة المزيفة، حسب رأيه، والتي لم تنجح في شيء سوى تمكين الرعاع والفوضويين والمفلسين من السلطة. وقد سبق وقارب تلك الرؤية في روايته "أشواك وياسمين"، واعتبر أن الطبقة الوسطى كانت ضحيةَ تلك الثورة أكثر من غيرها، وهي التي فعلت بنفسها ما فعلت. يكتب يوم 20 آذار/مارس:
"لا تزال السحب كثيفة لكن لا أثر للمطر في جميع أنحاء البلاد... جفاف رهيب سوف تكون له عواقب وخيمة على الناس، الفقراء منهم بالخصوص، وهم الأغلبية الساحقة، بما في ذلك الطبقة الوسطى التي دمّرتها ثورة (الحرية والكرامة) حتى أنها أصبحت شبهَ عاجزة عن تأمين رزقها اليومي".
تتراجع السخرية في يوميات المصباحي وهو يتحدث عن السياسي كلما تقدمت اليوميات، وتتحول إلى سخط فيصبّ جام غضبه على السياسيين، وينعتهم بأبشع الأوصاف، فهم بلاء ابتليت به تونس، يمينهم كما يسارهم، وفق ما يرى. يسجل يوم 22 آذار/مارس:
"ابتليت تونس بسياسيين جهلة ومنحطين أخلاقياً وفاسدين بحيث لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة... أما الوطن فللجحيم وبئس المصير. وقد ازدادت صورة هؤلاء بشاعة وقبحاً خلال أزمة الكورونا التي تعصف بالعالم راهنا. ويبرز ذلك بجلاء من خلال من هم في أعلى هرم السلطة. فرئيس الجمهورية يرغب في أن يكون المسؤول الأول عن إدارة الأزمة... ورغم أن الخطب التي ألقاها مؤخراً كشفت عن غبائه، وعن سطحيته، وعن جهله بأبسط قواعد ونواميس السياسة الداخلية والخارجية، فإنه لا يزال يصرّ على أن يكون في الواجهة مكرراً نفس الكلام بلغة منحطة، وبوجه جامد، خالٍ من أي تعبير. فلكأنه خرج للتوّ من القبر... ويبذل الغنوشي كلَّ ما في وسعه ليكون في الواجهة هو أيضاً. ومؤخراً استقبل مدير القناة الوطنية الأولى ليفرض عليه نقل نشاطاته اليومية التي غالباً ما تكون عادية وبروتوكولية. كما يسمح لنفسه بتجاوز حدوده ليجتمع بالوزراء موحياً من خلال ذلك أنه الحاكم الفعلي للبلاد".
يعود حسونة المصباحي إلى قيس سعيد وقد وصلت مشاعره إلى أقصاها، حيث تدرجت من السخرية إلى السخط إلى عدم القدرة على التحمّل، فقد أسس قيس سعيد في تلك الأشهر لخطابٍ عدمي لا يمكن أن يبشر إلا بالفناء والخسران والموت والشعبوية المقيتة، فقيس سعيد لا يستمد مشروعيته الآن، حسب حسونة، إلا من الابتزاز العاطفي للفقراء واستدعاء قصص أسلافه وتقليدهم تقليداً ساذجاً.
ويقحم المصباحي قيس سعيد ضمن العقل الخرافي والديني الذي ينتقده على طول اليوميات، فهو كائن سياسي سلفي، ولا يختلف كثيراً عن الغنوشي الذي سينقلب عليه بعد ذلك. يقول المصباحي: "وواضح أن المراجع المفضلة لقيس سعيد هي الخرافات التي يروجها المشعوذون، ومؤلفو الكتب الصفراء". قبل أن يهدم المصباحي أسطورة عمر بن الخطاب العادل التي يستند عليها قيس سعيد، ويكشف عبر ما رواه الطبري وعبد اللطيف البغدادي وابن النديم وكتّاب التاريخ من حقيقة دور عمر بن الخطاب في حرق كتب مكتبة الإسكندرية على يد عمر بن العاص.
يهجر المصباحي قيس سعيد في يومياته كلّ مرة لينشغل بالحديث عن الأدب والأدباء والفلاسفة والأصدقاء، ويتوغل في عمق الأشياء والأفكار، ولكنه يعود إليه كل مرة كالعودة إلى اليومي والساذج والسطحي، والذي يفرض علينا نفسه، ويخرجنه من تيهنا اللذيذ.
يعود المصباحي يوم الجمعة 17 نيسان/أبريل للحديث عن الرئيس الذي فرض نفسه، فقد اقتحم إقليمه الخاص: القيروان ، وكان على الكاتب أن يسجل موقفه من تلك الزيارة التي كانت حديث العالم والصحافة وقصةً للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي. يكتب: "يبدو أن قيس سعيد صدّق بالفعل أنه حفيد عمر بن الخطاب. والدليل على ذلك جولته البارحة في أرياف القيروان معاملاً أهاليها كما لو أنهم رعايا يحتاجون إلى الصدقة. والحقيقة أن قيس سعيد يثبت مرة أخرى أنه يعيش في عالم الخرافات والأوهام، وليس الواقع، لأن الواقع يحتم عليه أن يفي بوعوده، وأن يفتح ملفات الفساد الذي استفحل في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل".
قيمة يوميات حسونة المصباحي تتمثل في زخمها الثقافي، وعفويتها، وصلتها بذاته، وجرأتها في التعامل مع الشأن السياسي التونسي الداخلي
الصورة التي قدمها المصباحي لقيس سعيد على طول اليوميات، باعتباره كائناً سياسياً من "الزمن الخرافي" الذي يخشى مواجهة "الزمن التاريخي" مستشهداً بعالم الاجتماع مارسيا إلياد، تشي بأن المسار السياسي في تونس يتحرك في اتجاه أكثر انحطاطاً، تذكيه الشعبوية الشاملة التي سقط فيها الجميع، وكان طبيعياً أن تمهّد تلك الفوضى التي كان يحرض عليها الرئيس نفسه، للحظةٍ تاريخية قاسمة هي الانقلاب والعودة القوية للديكتاتورية في أرذل صورها وأعنفها، استناداً لمرجعيات الرئيس غير العقلانية.
وهذه واحدة من مآثر فن اليوميات الذي يجعلنا نعيد فهم الواقع واللحظة الراهنة استناداً إلى سيولة اليومي السابق الذي سجله كتّابُ اليوميات، وتأملوا في أحداثه، وتراكمها بعيداً عن انضباط المؤرخ المؤسساتي. ويوميات حسونة المصباحي هنا، أقرب ما تكون في وجهها السياسي من يوميات عبد الله العروي "حديث الصباح"، التي أصبحت مرجعاً أساسياً لفهم فترات تاريخية عصيبة كهزيمة 1967، إلا أن قيمة يوميات حسونة المصباحي تتمثل في زخمها الثقافي، وعفويتها، وصلتها بذاته، وجرأتها في التعامل مع الشأن السياسي التونسي الداخلي، على عكس يوميات عبد الله العروي الذي أسقط باعترافه ما يخصُّ الشأنَ المغربي، ليضع مشروع اليوميات برمَّتِه موضعَ شكّ، بما أنه وضع الشجاعة المطلوبة في كاتب اليوميات في مأزق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.