المفاهيم
أتمنَّى لو أخلعُ نعال الطيبة
على باب غرفة الأُمومة.
الأُمومة غرفةٌ حمراءُ ملساءُ
بجدرانٍ مرتفعةٍ، وبلا شبابيكَ
فقط بابٌ واحدٌ لا يسمح إلَّا بالدُّخول.
هل تذكرونَ غرفة الفئران؟
أطفالُنَا فئرانٌ صغيرةٌ
رابضون في أركان الغرفة الحمراء
بانتظار فرصةٍ مناسبةٍ للقفز علينا
هم واضعو قوانين الغرفة
ونحن، الغلابة الثائرينَ
نهتفُ كلَّ يومٍ مُطالبين بالحرِّيَّةِ
لكنَّ الغُرفة مغلقةٌ علينا كسجنٍ
وفئرانُنَا الصِّغار يسحقوننا داخل الغُرفة
تحتَ مظلَّة القانون.
أنا أكرهُ القانون
أين العدالة؟
العدالة تغيبُ تماماً
عن غرفة الأمومة
المتطلبة دائماً لمزيدٍ مِن الجدران.
كتبت هذا النص منذ سنوات، في شهور حملي الأخيرة في ابنتي الصغرى. ستكمل بعد أيام سبع سنوات كاملة، بينما الوسطى ستصبح في التاسعة، والكبرى ستكمل ستة عشر عاماً.
تظن كل فتاة أن الأطفال الحقيقيين يشبهون الدمى الجميلة التي يلعبون بها، ويتركونها متى أردن. لكن لا يمكننا أن نترك الطفل في صندوق الألعاب مثلما نترك الدمى ليلاً قبل النوم. لم تخبرنا أمهاتنا بذلك ولم يخبرهن أحد من قبلنا، وجدنا أنفسنا بغتة في قلب التجربة كما وجدن أنفسهن من قبلنا... مجاز
كما يبدو لي، هو تاريخ طويل ومتفاوت مع الأمومة، أحاول استعادته كلما تجدّد الجدل حول الأمومة ومسؤولياتها ومشاعر الأمهات وأفكارهن صوب تلك الفكرة شديدة التعقيد، التي لا تشبه أبداً صور الأمومة المتداولة، عن أم تحمل طفلها بين ذراعيها وترضعه في سكينة وهدوء في منزل نظيف ومرتب، يغمرهما ضوء الشمس وتحيطهما الدببة المحشوة.
تبقى الأمومة في خيال الفتيات تشبه تلك الصورة، تظن كل فتاة أن الأطفال الحقيقيين يشبهون الدمى الجميلة التي يلعبون بها، ويتركونها متى أردن. لكن الأطفال في الحقيقة لا يشبهون الدمى، إنهم أكثر الكائنات تطلّباً على وجه الأرض، سواء أدركوا ذلك أو لم يدركوه. لا يمكننا أن نترك الطفل في صندوق الألعاب مثلما نترك الدمى ليلاً قبل النوم. لم تخبرنا أمهاتنا بذلك ولم يخبرهن أحد من قبلنا، وجدنا أنفسنا بغتة في قلب التجربة كما وجدن أنفسهن من قبلنا، لكننا اعترفنا بما لم يستطعن الاعتراف به.
نعم غيرتني الأمومة
لقد غيّرت الأمومة الطريقة التي أنظر بها إلى نفسي، حتى دون قصد، فبعد أن كنت "سارة" فقط بهوية شخصية محددة، أعرفها جيداً وأعرف ماذا أحب وماذا أكره وما الذي أحب ارتداءه والأماكن التي أفضل ارتيادها، أصبحت أمّاً.
لا تبدأ متاعب الأمومة بعد الولادة لكنها تظهر منذ بداية الحمل، حيث يجلب أي تذمر أو تعبير عن الألم للمرأة مقولات مثل "احمدي ربنا؛ غيرك مش لاقي"، "البطران أخرته قطران"، "اومال انتي عايزة تبقي أم ببلاش؟".
إن تصاعد فكرة الأم المثالية أو الأم الجيدة شكل هاجساً مرعباً لي كأم في سنوات أمومتي الأولى؛ أصبحت مع كل لفتة أو حركة أقيّم نفسي كأم من وجهة نظر العالم الخارجي، تزداد نوبات الوحشة وتأنيب الضمير إذا فكرت أن أعطي الأولوية لنفسي ولو بمجرد التفكير. كفتاة وابنة كانت طوال الوقت مدفوعة للسعي إلى الكمال حتى لا أخالف توقعات أمي أو المجتمع، لكنني خالفتها قليلاً أو كثيراً... لا أعلم، وتخلصت من السعي لأن أكون ابنة مثالية أو فتاة مثالية، لكنني بعد أن أصبحت أمّاً غلبني ذلك الدفع إلى الكمال وأصبح أكثر تكثيفاً وصعوبة.
توقفت عن محادثة الأصدقاء، ولم أعد أهتم بما أريد، لم يكن هناك متسع من الوقت، وكانت الأمومة مهمة شديدة الصعوبة في بدايتها، أهملت كل هواية أو عمل أحبه، وصحبتي باتت مملة ولم أعد أفهم النكات البذيئة، حتى ملابسي لم أعد أختار ما أحب منها، لكنني كنت أختار فقط ما يلائم الرضاعة وما يمكنني أن أشعر بالراحة وأنا أرتديه، لأنسى تماماً ذوقي الشخصي في الملابس ضمن هويتي التي بدأت أفقدها شيئاً فشيئاً.
حفلة، يلا حفلة يلا حفلة
لا تبدأ متاعب الأمومة بعد الولادة لكنها تظهر منذ بداية الحمل، حيث يجلب أي تذمّر أو تعبير عن الألم للمرأة مقولات مثل "احمدي ربنا؛ غيرك مش لاقي"، "البطران أخرته قطران"، "اومال انتي عايزة تبقي أم ببلاش؟".
في حقيقة الأمر، نعم؛ كنت أتمنى أن أكون أماً ببلاش، دون أن أدفع كل ضرائب الأمومة، سواء التي ارتبطت بالأمومة قسراً أو الضرائب التي فرضها المجتمع على الأم، ولم أتصالح مع نفسي كأم سوى بعد أن انتبهت لطبيعتي الشخصية وتأقلمت مع طريقتي في الأمومة، بعيداً عن النموذج الذي وضعه المجتمع، لكن لا أقول إنني تخلصت تماماً من ذلك الضغط، مازلت حتى الآن أشعر بالتقصير إذا سمعت عن أمّ تهتم بإطعام أطفالها غذاء متوازناً تماماً وتحرص على إطعامهم الفواكه والخضروات الطازجة يومياً، بينما لا أفعل أنا ذلك.
كنت أتمنى أن أكون أمّاً ببلاش، دون أن أدفع كل ضرائب الأمومة، سواء التي ارتبطت بالأمومة قسراً أو الضرائب التي فرضها المجتمع على الأمّ، ولم أتصالح مع نفسي كأمّ سوى بعد أن انتبهت لطبيعتي الشخصية وتأقلمت مع طريقتي في الأمومة، بعيداً عن النموذج الذي وضعه المجتمع... مجاز
أشعر بالتقصير عندما أراقب جروبات الأمهات على الواتس آب وهن يتبادلن الشكوى من أبنائهن، وكيف أن الأطفال يتكاسلون عن إنهاء الواجبات اليومية ولا يقومون بها إلا بعد الضغط المستمر عليهم من الأمهات، بينما أنا لا أفعل ذلك، في اللحظة التي ترفض بناتي فيها المذاكرة أو إكمال الواجبات المنزلية أقول كما تقول نوال الزغبي: "حفلة يلا حفلة يلا حفلة... سهرة يلا سهرة يلا سهرة"، وأغلق بنفسي الكراسات والكتب، لكنني أعود لتأنيب الضمير والشعور بالتقصير، فأحاول مجدداً أن أفعل ما تفعله الأمهات دون رغبة حقيقية.
لقد كنت ابنة يوماً ما
يبدو أن سلطة الأمومة صعبة، ليس فقط على الأبناء ولكن على بعض الأمهات، وأنا إحداهن، لم أحب أن أكون ذات سلطة على بناتي، لكن الحياة تدفعني دفعاً لذلك، لأن السلطة الأمومية واجبة للأطفال الذين لا يمكنهم الاختيار ولا يمكنهم تحديد أولوياتهم، لكن في الوقت نفسه هناك درجات مختلفة من السلطة التي تمارسها الأمهات، أنا أحاول طوال الوقت ممارسة سلطة الأمومة في أضيق النطاقات، وأتذكر نفسي دائماً عندما كنت طفلة، لأن الأمومة دائرة متكرّرة، نجد ما يحدث بيننا وبين أبنائنا مشابهاً تماماً لما حدث بيننا وبين آبائنا.
أين العدالة؟
العدالة تغيبُ تماماً
عن غرفة الأمومة
المتطلبة دائماً لمزيدٍ مِن الجدران.
لكنني حاولت كسر تلك الدائرة، مع كل موقف يعيد نفسه بين الماضي والحاضر، أفكّر أن لبناتي شخصيات مستقلة، من حقهن اختيار ما يناسبهن حسب مرحلتهن العمرية، بدءاً من ملابسهن أو طريقة تصفيف شعرهن، أو الهوايات المفضلة، وصولاً إلى طريقتهن الشخصية في التواصل مع الآخرين، أو طريقتهن في الرفض أو حتى طريقتهن في الغضب. أقول لنفسي، ربما كان ما فعلته هو مجرد حيلة، أعطيهم حريتهم كأبناء ليعطوني حريتي كأم، أتقبل نوبات غضبهم ورفضهم للتواصل بطريقتي ليتقبلوا رغبتي في الاختلاء بنفسي قليلاً، أو نوبات اكتئابي وبكائي التي تجعلني غير قادرة أحياناً على التواصل اللطيف أو ممارسة مهام الأمومة عن طيب خاطر.
لا أريد أن أفقد نفسي
تغير الأمر بمرور الوقت، وأصبحت بعد ستة عشر عاماً من الأمومة لدي الكتالوغ الخاص بي في تصرفاتي وردود أفعالي كأمّ، يبدو أن الصعوبات التي مررت بها أعادت تشكيلي وجعلتني "الي قادرة ع التحدي". نعم، يشكّلنا الألم وتصقلنا الصعوبات، حتى لو بدت تلك العبارات مبتذلة ومستهلكة تبقى حقيقية.
اعترفت لنفسي أن الأمومة ليست مهمة محبّبة إلى قلبي، ولا علاقة للأمر بمحبتي لبناتي، أقوم بالحد الأدنى من مهام الأمومة، وأتجاهل ما يمكن تجاهله، وأدفع مقابل ما يمكنني الدفع لأجله، وأوفّر طاقتي ومجهودي للأشياء التي لا يمكن أن يفعلها غيري.
لا أقول إنني أصبحت أمّاً مثالية، لكنني أخترت أن أكون أمّاً أكثر إنسانية مع بناتي ومع نفسي، لم يعدن يخشينني، لكنهن يخشين أن يفعلن ما يصيبني بالحزن أو الكدر، يثقن أنني سأكون بجوارهن دائماً وأنني الملاذ الآمن لهن، وهم أيضاً الملاذ الآمن لي.
لا أقول إن العلاقة بيننا علاقة خالية من المشكلات والتعقيدات والجدل والصراخ، لكنني أظن أنها علاقة تحترم الحدود الإنسانية مهما كانت درجة القرب. هن أدركن أن لي عالمي الخاص وعملي ووقتي، رغم الاعتراضات التي تحدث من آن لآخر، و رغم أنني أراني قريبة من بناتي أكثر من العديد من الأمهات الملتزمات بكتالوغ الأمومة المجتمعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 6 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor