شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تستطيع صنع درون ولكن يُمنع تحليقها"... الطائرات المُسيَّرة مقيّدة في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 سبتمبر 202204:31 م

"دعتني قوات الأمن يوم 22 نيسان/ أبريل 2022، للتحقيق معي على خلفية استخدامي طائرتي التي من دون طيّار (درون)، بالرغم من أن الناس يشاهدون ويعلمون المحتوى السياحي الذي أقدّمه"؛ يقول الشاب التونسي نادر بن صغير، في مقطع فيديو خاص به تداوله روّاد فيسبوك.

الدرون، أو الطائرة الموجهة عن بعد، هي طائرة من دون طيار تعمل بأجهزة تحكم من بعد ولديها مسمّيات عديدة، منها الدرون والطائرة المسيّرة، وتُصنَّف بين علم الطيران والروبوتات وهندسة الميكاترونيكس.

تتعدد مجالات استعمالات الدرون وتختلف بين الإيجابية والسلبية، إذ تبرز منافعها في مجالات الزراعة والسينما والإعلام إلى جانب نقل وتصوير التظاهرات الثقافية والفنية والسياحية والرياضية والترفيهية.

لكنها تصبح مصدر تهديد وخطر أيضاً، عندما يتم استعمالها للتجسس أو لتهريب مواد محظورة أو لإزعاج بعض الحيوانات في بيئاتها، والتعرض للطائرات المدنية التي تحمل ركاباً ولتنفيذ محاولات اغتيال ولقصف مقرات ومنشآت حكومية، واستُعملت أبسطها في عمليات إرهابية، لعلّ أشهرها عمليات تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. لكن هل هذا وحده كفيل بمنعها كليّاً في تونس؟

"ظلم وقهر"

كان نادر (26 سنةً)، يعمل مضيف طيران، ومع بداية تفشّي وباء كورونا في تونس، بقي عاطلاً عن العمل فراودته فكرة التصوير بالدرون، والترويج للسياحة الداخلية، خاصةً أنه ابن محافظة بنزرت التي تُعدّ من أجمل الأماكن التونسية.

عمل بن صغير في تظاهرات حكومية رسمية عدة مع محافظات تونس وأريانة ومنوبة ومع وزراء، ووعده بعض مسؤوليها بتمكينه من رخصة استعمال الدرون بعد شهر رمضان الماضي، "ولكن لم يحصل ذلك"، يضيف.

يستغرب من التحقيق معه قائلاً: "لم أخطئ ولم أصوّر مكاناً ممنوعاً. أعمل فقط وأحترم القوانين التونسية في هذا المجال ولست الوحيد في البلاد، فهنالك الآلاف غيري من الشباب يستعملون الدرون. أرغب في العمل فقط. اتركوا الشباب".

الدرون، أو الطائرة الموجهة عن بعد، هي طائرة من دون طيار تعمل بأجهزة تحكم من بعد ولديها مسمّيات عديدة، منها الدرون والطائرة المسيّرة، وتُصنَّف بين علم الطيران والروبوتات وهندسة الميكاترونيكس

دفعت "مشاعر القهر والظلم" التي شعر بها نادر، إلى اتخاذه قرار تحطيم طائرته الدرون، كما يُظهر مقطع الفيديو: "كانت ردة فعلي لا إراديةً وهذا أفضل من أفعل شيئاً بنفسي".

"أصبح المواطن لا يستطيع العيش في بلده. درسنا وأردنا العمل والبقاء فيها ولم ينفع هذا كله. تونس عزيزة وغالية، ولكن خسارة، سأقضي على حلمي. أردت أن أبني فيها حياتي، أوردت العمل. ما أحلاك يا تونس، يرحم والديك يا تونس يا غالية يا عزيزة"، يقول نادر محطّماً طائرته الدرون بيديه.

يطالب الشاب السلطات المعنية بوضع قانون يتضمن شروطاً وفصولاً (مواد) واضحةً، وبتسريع إجراءات وآجال الحصول على ترخيص امتلاك واستعمال طائرة الدرون في تونس.

بدوره، نشر الناشط التونسي رحيّم سحميمي، ابن جزيرة جربة، على صفحته على فيسبوك، مقطع فيديو يتحدث فيه عن تجربته مع الدرون ويطلب الدعم والمساندة.

"تهمة إرهابية"

صادرت قوات الأمن يوم 7 تموز/ يوليو 2020، طائرته: "في تونس 2020، وبسبب الدرون، يتم إيقافك بتهمة إرهابية. اتركوا الناس يعملون والشباب ينتجون ومن يريد التصوير فليفعل. فقط أطّروهم وضعوا قانوناً، ومن يخالف القواعد يتم التعامل معه وفق القانون"، يوضح.

ينتقد تعاطي السلطة مع الدرون ويؤكد: "في الخارج تُباع الدرون في المحال الكبرى وتستطيع شراءها عبر الإنترنت، وهي مسألة عادية، لقد تطور العالم وتجاوزنا هذا كثيراً. لقد تعب الشباب ولا يهمّهم عراككم في البرلمان والتعيينات السياسية والحكومية، فقط يريدون أن ينتجوا ويجدوا من يساعدهم".

يطالب الشاب السلطات بتسهيل عملية استخدام الدرون، واختزال مراحل الحصول على ترخيص بذلك، ويتساءل: "لماذا نمرّ بأربع وزارات للحصول على رخصة؟ هل سأطيّر طائرةً مقاتلةً من طراز F16؟ لماذا دائماً تعقّدون الأمر وتجعلون الشباب يكره فعل ما يحب؟".

"لم أخطئ ولم أصوّر مكاناً ممنوعاً. أعمل فقط وأحترم القوانين التونسية في هذا المجال ولست الوحيد في البلاد، فهنالك الآلاف غيري من الشباب يستعملون الدرون. أرغب في العمل فقط. اتركوا الشباب"

يشدد سحميمي، على أنه لم يطيّر طائرته فوق ثكنة عسكرية، ولم يصوّر مركز أمن، وأنه مستعد لقبول العقاب في حال تجاوزه الحدود وتعديه على خصوصيات الناس، "فالناس يعرفون ماذا أصوّر: الطبيعة والبحر فقط".


فيديو من قناة رحيم سحميمي على يوتيوب

ويؤكد: "ليست لدي نية سيئة في كل ما أصوّره. أمارس شيئاً أحبّه وذلك لأري الناس والعالم جمال تونس. كان من الأجدر بوزارة السياحة أن تشجعنا وتنتدبنا عوض الإيقاف بسبب الدرون. هل هذا عادي؟".

كما يشدد على أن طائرة الدرون كانت حلمه وأنها الشيء الوحيد الذي جعله يظل في تونس: "في بلادنا عاديّ أن تصنع الدرون، ولكن لا تستطيع تطييرها. تحزّ في نفسي رؤية سائح يُدخل الدرون ويصوّر بها ويعود إلى بلده ولا تتم مصادرتها أو إيقافه. لكن أنت لأنك تونسي فأنت إرهابي. لا أطلب شيئاً من هذه الدولة سوى أن تترك الناس تعمل وتسهل لهم الطريق".

استعمالات الدرون في تونس

في تونس مجالان للدرون: الأول تصنيعها، والأخير قيادتها من بعد، بالإضافة إلى استعمالات متعددة لها كالتقاط البيانات والصور، وفق رئيسة "الجمعية الإفريقية لتنمية الجغرفة الرقمية"، نسرين شحاتة.

تأسست هذه الجمعية غير الحكومية سنة 2016، وتهتم بالتوعية بأهمية الجغرفة (الجغرافيا المكانية) الرقمية في جل القطاعات، ومنها رسم الخرائط الرقمية والاستشعار عن بعد واستعمالات الطائرات من دون طيار وصور الأقمار الصناعية.

تعمل مع الوزارات والإدارات العمومية على التوعية بأهمية استعمال تكنولوجيا الجغرفة الرقمية، في جميع المجالات، وعلى تحسين العلاقات بين القطاعين العام والخاص، وعلى تطوير التشريعات الوطنية المتعلقة بالطائرات من دون طيار.

توضح شحاتة لرصيف22، أن تونس تمتلك التصنيع والاستعمالات، ولكنها لا تمتلك بَعد قيادة هذه الطائرات من بُعد: "حدثت تجربة واحدة فقط سنة 2018، ولكن لم يتم الاعتراف بها في البلاد".

"ليست لدي نية سيئة في كل ما أصوّره. أمارس شيئاً أحبّه وذلك لأري الناس والعالم جمال تونس. كان من الأجدر بوزارة السياحة أن تشجعنا وتنتدبنا عوض الإيقاف بسبب الدرون. هل هذا عادي؟"

تضيف أن أهم استعمالات الطائرات من دون طيار المستخدمة حالياً في تونس، هي في مجالات الصور الملتقطة وفي الزراعة من خلال التجربة مع الشركة الوطنية لحماية النباتات وفي رسم الخرائط والطوبوغرافيا وفي التصوير السينمائي.

في ما يتعلق بمسألة تصنيع الدرون، تقول رئيسة الجمعية إن في تونس شركتين، ولكنهما ما زالتا في المراحل والخطوات الأولى، "لأن تصنيع درون محلياً يحتاج إلى شهادة في معرفة تشغيلها، وأن يكون المسغّل مؤهَّلاً للطيران".

"اعتبارات أمنية"

بالنسبة إلى موضوع تطيير الدرون الذي يشهد انتقادات واسعةً في تونس، تنتقد نسرين شحاتة استمرار العمل بقانون 6 نيسان/ أبريل 1995، المتعلق بالأنشطة الجوية السياحية والإشهارية بقصد القيام بأشغال التصوير الشمسي أو السينماتوغرافي الجوي.

تقول إن هذا القانون "وُضع حينها لاعتبارات أمنية ترى في التقاط الصور الجوية واستعمال طائرات من دون طيار مشكلةً أمنيةً وإرهابيةً تهدد الأمن القومي، واستمرت هذه الاعتبارات حتى بعد مرور 30 سنةً على إصدار هذا القانون".

بحسب نص هذا القانون، لا تُمنح الرخصة إلا للمؤسسات التي تتعاطى مهنة التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي الجوي وذلك من أجل هدف تجاري أو صناعي أو علمي (دراسة وبحث)، أو إعلاني أو شخصي.


فيديو للتونسي ربيع بن إبراهيم، وهو من عشاق التصوير بالدرون

يُقدَّم الملف قبل شهر من تاريخ التصوير للوزارات الأربع المعنية، وهي التجهيز والدفاع الوطني والداخلية والنقل، ويوضع في شباك موحد في مقر وزارة التجهيز، وتُمنح الرخصة في أجلٍ لا يتجاوز الشهر، وتمتد مدة صلاحيتها شهراً واحداً.

أما الوثائق المطلوبة، فهي أربع نسخ تحتوي كل واحدة طلباً يتضمن نوع النشاط الجوي المزمع القيام به ومطبوعة لرخصة التقاط صور جوية مطابقة للنشاط المطلوب، ونوع الطائرة (تقديم نسخ من وثائق الطائرة)، وهوية طاقم الطائرة والمصورين وبرنامج تنفيذ المهمة مع تحديد المدة والخصوصيات الفنية للمعدات المزمع استعمالها ورسماً بيانياً يحدّد المنطقة المزمع القيام بالتصوير فوقها.

تشدد نسرين شحاتة، على أن التكنولوجيا تطورت خلال هذه الفترة، وأصبحت المناطق الحسّاسة والممنوعة من التصوير واضحةً ومعلومةً، وأنه "لا بد من وضع تشريعات تحدد المناطق التي يمكن أن تطير فيها الدرون لتسهيل العملية لأن الفراغ التشريعي الحالي جعل الغالبية الآن تستعمل الدرون في تونس من دون تراخيص".

وأشارت المتحدثة إلى أن وزارة النقل التي تكفّلت بصياغة مشروع الأمر الحكومي الجديد، في صدد العمل حالياً على النسخة الثانية منه، وأكدت: "نشجع كجمعية ناشطة في المجال على التسريع في إصداره".      

في 16 شباط /فبراير 2021، أعلنت وزارة النقل التونسية عن إعداد مشروع أمر حكومي يهدف إلى ضبط القواعد الفنية المنطبقة على الطائرات المدنية الموجهة من بعد، والشروط المتعلقة باستغلالها، "وذلك في إطار مواكبة التطور التكنولوجي في هذا المجال، ودفعاً لفرص الاستثمار والتجديد وفقاً لمتطلبات السلامة التي تفرضها الاتفاقيات الدولية المنظمة للطيران المدني".

ودعت الوزارة في بلاغ لها، كافة المهنيين والمجتمع المدني وعموم المواطنين إلى الاطلاع على مشروع هذا الأمر الحكومي عبر البوابة الوطنية للإعلام القانوني، وإبداء الرأي بخصوص أحكامه.

وأضاف البلاغ ذاته، أن نشر مشروع الأمر الحكومي يأتي في إطار تكريس الشفافية والمقاربة التشاركية في إعداد النصوص القانونية مع مختلف المتدخلين في قطاع النقل واللوجستيك.

غير أنه بالنقر على رابط هذا المشروع الذي وضعته الوزارة للاطلاع عليه، والذي تضمن 90 فصلاً (مادةً) وورد في 37 صفحةً وشهد انتقادات واسعة فور نشره، لا يمكن الدخول إليه ولم يعد موجوداً.

عراقيل إدارية

يلخّص المصوّر المستقل وعضو لجنة الصحافيين والمصورين في نقابة الصحافيين التونسيين أحمد صغايري، الصعوبات التي تعترضه في مجال استخدام طائرة الدرون في العراقيل الإدارية "فحسب"، من خلال إجراءات الحصول على ترخيص، والتي تتطلب وضع أربع نسخ من ملف كامل في مكتب ضبط موحد موجه إلى الوزارات الأربع المعنية، يقول لرصيف22.

ينتقد صغايري، تأخر الردّ على طلبه فترةً تمتد من شهرين إلى ثلاثة، خاصةً من وزارة النقل، وهو ما يتعرّض له كثيراً: "تقدّمتُ يوم 31 كانون الثاني/ يناير 2022، بطلب للحصول على رخصة، ولكن انتظرتُ أربعة أشهر حتى حصلت على الرّد في تموز/ يوليو 2022".

تجب مراقبة هؤلاء ونحن كمصورين صحافيين مختصين مستعدون لإيجاد صيغة وحل مع السلطة، لأننا نعمل في إطار القانون ويلائمنا أن نكون مرتاحين أكثر

وحول الآراء القائلة بوجود تضييقات كبيرة تحول دون حصولهم على ترخيص استخدام الدرون، يرى المصور المستقل أن وجود من "يعملون في السوق السوداء وليسوا مختصين في مجال التصوير في الإعلام والصحافة والسينما، سبب في عدم حصولهم على ترخيص".

ويؤكد: "نحن ندعم الدولة في الأخذ بزمام الأمور في هذه النقطة، لأنه تجب مراقبة هؤلاء ونحن كمصورين صحافيين مختصين مستعدون لإيجاد صيغة وحل مع السلطة، لأننا نعمل في إطار القانون ويلائمنا أن نكون مرتاحين أكثر".

ينتقد أحمد صغايري عدم إشراك السلطة لهم كمختصين في المجال، وحتى نقابة الصحافيين، في صياغة مشروع الأمر الحكومي الجديد، "وفي انتظار نشر كرّاس الشروط خلال ستة أشهر من نشر الوزارة مشروع هذا الأمر، والذي نجهل ما سيتضمنه، يتم العمل بالصيغة القديمة في إسناد التراخيص"، يوضح.

ويرى عضو لجنة الصحافيين والمصورين في نقابة الصحافيين التونسيين بضرورة وجود قانون ينظم عملية استخدام الدرون في تونس، "حتى يتمكن أصحاب المهنة من العمل ولإبعاد المتطفلين عن المجال. نريد تقنين المسألة، ولكن مع تسهيل الأمور الإدارية بتسريع الحصول على الترخيص برقمنة العملية ووضع شباك موحد"، يختم.   

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard