في تموز/ يوليو 2022، أقرت الحكومة السعودية أول تشريع لتنظيم الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ بدايةً من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. لكن مع مضي نحو أسبوع على سريانه، لا يزال "ترخيص موثوق" يُثير الجدل بين من يراه ضريبة مستحقة للبلد من المعلنين والمشاهير وآخرين يعتبرونه "جباية إلكترونية" مجحفة بحق "صغار المعلنين"، وسط استياء من "غموض" بنوده.

تعرّف الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في المملكة "موثوق" بأنه "خدمة تتيح تسجيل الأفراد لترخيص تقديم الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ يعتبر الترخيص إلزامياً لمزاولة الإعلانات للأفراد"، مشددةً على أن الهدف منه "تنظيم سوق الإعلان والمحتوى الرقمي وحماية حقوق الأطراف الثلاثة في الإعلان: المستهلك والمعلن والتاجر". 

وعبر حساباتها الرسمية، أكدت الهيئة أن الترخيص "يسمح للأفراد بتقديم إعلاناتهم بشكل نظامي على منصات التواصل الاجتماعي، ويساهم في حماية قيمنا، ويعزز موثوقية إعلانك"، متعهدةً بـ"خطوات بسيطة وسريعة" للحصول على إصدار ترخيص.

وقالت الهيئة إن هناك إقبالاً كبيراً على الحصول على الترخيص. والمخالف لنظام الترخيص -من يُعلن دون الحصول عليه- مهدد بغرامة لا تتجاوز 10 ملايين ريال (نحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي)، و/ أو الإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة تصل إلى ستة أشهر. وهناك عقوبات أخرى تتعلق بإغلاق الحساب أو القناة الإعلانية وفق ما تراه الهيئة.

لـ"تنظيم سوق الإعلان والمحتوى الرقمي وحماية حقوق الأطراف الثلاثة في الإعلان: المستهلك والمعلن والتاجر"... ترخيص #موثوق يدخل حيز التنفيذ في #السعودية، وغرامة تصل إلى 10 ملايين ريال للمخالفين!

على من يُفرض؟

وفق التفاصيل الرسمية المُعلنة، يشمل ترخيص موثوق جميع المنصات الاجتماعية الموجودة في المملكة، بما فيها تويتر وانستغرام ويوتيوب وتيك توك وسناب شات وفيسبوك، لكل من تجاوز الـ18 عاماً.

يُلزم الحصول على الترخيص كل من يُعلن لحساب شركات أو جهات تجارية حتى إذا كان العائد من الإعلان منتجات عينية أو خدمات وليس أموالاً. علماً أنه لا يمكن نقل ملكية الترخيص من شخص لآخر. وقيمة الترخيص ثابتة حتى الآن - 15 ألف ريال (نحو أربعة آلاف دولار أمريكي) لمدة ثلاث سنوات.

ويُشترط للحصول على الترخيص، بعد توفر كافة العناصر السابقة، والالتزام بالشروط والضوابط المعلنة من الهيئة، الالتزام بالضوابط الخاصة بالمحتوى والإعلانات والتصنيفات بما فيها التصنيف العمري وتعليمات الهيئة، وتعهد طالب التصريح بتقديم أي بيانات أو معلومات أو تقارير تطلبها الهيئة، وبالتوقف عن الإعلان عن أي محتوى إعلامي فوراً ودون اعتراض عند طلب الهيئة، وبعدم عرض أي إعلان إلا من خلال حساب مسجل لدى الهيئة.

ويمكن لغير السعوديين، بعد الحصول على سجل تجاري وترخيص مكاتب الدعاية والاعلان ومكاتب التسويق ووكالات الدعاية، طلب إصدار ترخيص موثوق.

ومن الحالات غير المعنية بطلب ترخيص موثوق الأسر المنتجة، ومن يقومون بالتسويق مقابل عمولة، والمسوقون العقاريون الحاصلون على ترخيص من الهيئة المعنية، ومن يملكون متاجر أو مراكز تجارية ويعلنون عنها عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

من الاعتراضات على #موثوق أنه "جعل كبار المؤثرين يرفعون أسعارهم وتوقف الصغار عن تقديم الخدمة" وأن "قيمة الرخصة عالية جداً على صغار المؤثرين" وأنه "يعني منع دخول أصحاب محتوى جدد والاكتفاء بالسابقين" و"منع الناس والمستهلكين من نشر يومياتهم"

سجال مع وضد القرار

وأُثير سجال كبير بين المعلقين السعوديين عبر المنصات الاجتماعية حول الترخيص الذي شدد كثيرون على أن شروطه تبقى غامضة وغير واضحة بشكل حاسم. وزادت تصريحات المسؤولين التي وصفت أحياناً بأنها متضاربة حيرة المواطنين. وتناول آخرون القرار بالكثير من السخرية معتبرين أنه سيقيّد تفاعل السعوديين مع مواقع التواصل الاجتماعي. ومنهم نائب رئيس اللجنة الوطنية لريادة الأعمال باتحاد الغرف ثامر الفرشوطي، الذي لفت: "تعمل إعلانات حتى لو غير مادية ملزم بالترخيص. غير سعودي ملزم بالرخيص. وجودك خارج السعودية لا يعني أنك غير ملزم بالترخيص. توصي على مطاعم ومقاهي ومحلات ومنتجات ملزم بالترخيص. تعمل مسابقات ورعايات لشركات ملزم بترخيص #موثوق".

وسألت معلقة: "يعني إذا نشرت إعلان لمشروع أختي أو زوجي أو صديقتي، أحتاج ترخيص #موثوق؟ أنا مو معلنة، لكن الطبيعي أن الأهل يدعمون بعض"، فيما وصفت رها الترخيص بأنه "قرار غريب"، مطالبة أن يكون مقتصراً على المشاهير فقط إذا كان الغرض منه فعلاً تنظيم سوق الإعلان.

كتبت إحدى المغردات: "قرار #ترخيص_موثوق حلو بس أبداً مو مدروس ولا منطقي. أنه ينحط مبلغ محدد على مجال واسع وطبقاته متنوعه زي هذا! في الوقت اللي فيه ناس هالـ15 ألف هي مكاسب السنة بالنسبة لهم، فيه مستوى ثاني المبلغ قيمة إعلان واحد".

وأوضحت أخرى: "بصراحه قرار غريب فيه عدم منطقية. يعني أنا مثلاً إنسانة عادية، صورت قهوة ولا عطر وقلت عجبني. لازم أدفع 15 ألف؟ إذا كذا خلاص كلنا نقفل حساباتنا". وزادت جليلة: "دفع 5000 في السنة، رقم كبير على صانع محتوى مبتدئ ولا يمكن أن يغطيه في سنة. لذلك هذا التسهيل مرفوض. ابحثوا عن حل بديل حسب الدخل، أو ألغوا القرار".

وقال الصحافي ماجد الجريّد الشراري متعجباً "15 ألف ريال قيمة #ترخيص_موثوق على الجميع؟! قفّلت باب رزق على الصغار، الزكاة ما تاخذ عليك نسبة ضريبة إلا إذا عديت 300 ألف ريال ولا تاخذه مقدماً"، متمنياً أن تراجع الهيئة القرار وتحدد نسبة الضريبة (مقابل الترخيص) بحسب عدد المشاهدات أو المشتركين في القنوات "للتخفيف على العاطلين اللي يعملون في مجال الإعلانات".

مسؤول سعودي: تعمل إعلانات حتى لو غير مادية ملزم بالترخيص. غير سعودي ملزم بالرخيص. وجودك خارج السعودية لا يعني أنك غير ملزم بالترخيص. توصي على مطاعم ومقاه ومحلات ومنتجات ملزم بالترخيص. تعمل مسابقات ورعايات لشركات ملزم بترخيص #موثوق

على الجانب الآخر، استحسن سعوديون القرار معربين عن آمالهم في أن يضبط سوق الإعلانات عبر المنصات الاجتماعية ويقضي على الغش أو المبالغة في إظهار مميزات المنتجات. فاعتبره محمد عكفي: "بداية ملموسة تُبشّر للخير في ضبط المحتوى الإعلاني مهما كان نوعه -مباشر أو غير مباشر- على أغلب المنصات، والضبابية الحالية والالتباس لدى المشاهير والجمهور. سيخلق بيئة واعية على المدى البعيد، وسيكون القرار أكثر اتضاحاً ونضجاً مع التجارب".

وغرّد خالد: "ترخيص موثوق يعني أن مو كل من هب ودب يعلن عن أي منتج ما ندري وش مصدره أو وش جودته وياخذ فلوسه ويمشي. مع #موثوق تثق في المعلن والإعلان نفسه بإشراف حكومي".

وعود بمزيد من التوضيحات والتعديلات

في خضم السجال الدائر، أوضح المستثمر السعودي عبد الرزاق الدويش أنه توجّه إلى الهيئة المسؤولة عن الترخيص وعرض على مسؤوليها ما يراه مساوئ للقرار، مؤكداً تلقيه وعوداً بإصدار مزيد من الإيضاحات للجمهور لإزالة اللبس الحاصل في غضون أيام، مع وعود أخرى بالنظر في المساوئ المزعومة.

ومن مساوئ الترخيص التي ذكرها المستثمر السعودي أنه "جعل كبار المؤثرين يرفعون أسعارهم وتوقف الصغار عن تقديم الخدمة" وأن "قيمة الرخصة عالية جداً على صغار المؤثرين" وأن "هذا القرار يعني منع دخول أصحاب محتوى جدد والاكتفاء بالسابقين لأنهم لا يستطيعون دفع الرسوم" و"منع الناس والمستهلكين من تصوير يومياتهم البسيطة ونشرها".

يُذكر أن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع أوضحت أن الآراء التي تعبر عن انطباعات الشخص في سياق توثيق يومياته لا تُعد مخالفة إن ظهر فيها "البراند" أو المنتج، ويُشترط هنا لانتفاء التعمد عدم إظهار المنتج بشكل واضح والتركيز عليه وحث الناس على شرائه.