شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا لا يصل شباب الجزائر إلى أعلى الهيكل الهرمي في الأحزاب؟

لماذا لا يصل شباب الجزائر إلى أعلى الهيكل الهرمي في الأحزاب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 4 أكتوبر 202203:19 م


تقترب الأحزاب الجزائرية على غرار جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم سابقاً) وحركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) وحركة البناء الوطني، وجبهة القوى الاشتراكية (أبرز أحزاب المعارضة السياسية في البلاد)، من موعد عقد مؤتمراتها العامة لتجديد قياداتها السياسية، إما بالتشبيب – أي شغر الشباب للمناصب القيادية- أو الإبقاء على الزعامات الحالية.

ويترقبُ الشباب المناضلون الذين يتمنون تفعيل مسألة تشبيب القيادات السياسية في الجزائر هذه المواعيد على أحر من الجمر. ورغم وجود زخم شبابي كبير في الجزائر غير أن الأحزاب ما زالت تحتفظ في الصف الأول بقيادات لا تقل أعمارها عن النصف قرن، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الشيب على الرأس وتبدأ التجاعيد في الظهور، معلنة عن بدء مرحلة الشيخوخة.

ويأتي السياسي الجزائري مؤسس جمعية النهضة الجزائرية عبد الله جاب الله في مقدمة القيادات، إذ تجاوز عمره 70 عاماً، وتليه في العمر السيدة التي تشغل منصب الأمين العام لحزب العمال اليساري، لويزة حنون، وتستحوذ على قيادة الحزب منذ أكثر من 20 سنة، وعبد الرزاق مقري المفكر والسياسي ورئيس حركة مجتمع السلم الذي تخطى العقد السادس من عمره، ويتبعه عبد القادر بن قرينة السياسي والنقابي الذي تجاوز أيضاً 60 من العمر، في مقابل عدد قليل جداً من التشكيلات السياسية التي أسندت فيها القيادة إلى شباب من جيل سياسي جديد، على غرار جبهة القوى الاشتراكية التي يقودها يوسف أوشيش وهو قيادي شاب سطع اسمه في الألفية الأخيرة.

هذا الوضع يدفعنا للتساؤل عن أسباب غياب التشبيب داخل قيادات الأحزاب السياسية، رغم أن هذا الشعار يأخذ حيزاً واسعاً في خطابات تلك الأحزاب ومنشوراتها على المنصات الاجتماعية عند اقتراب أي موعد استحقاقي. ثم لماذا يتخوفون من تسليم مشعل التسيير لجيل عاصر التكنولوجيا الرقمية في مجال التعلم، خصوصاً أن الشباب لا يثقون في الوعود التي تقدمها قيادات هذه الأحزاب؟

هذا الوضع يدفعنا للتساؤل عن أسباب غياب التشبيب داخل قيادات الأحزاب السياسية، رغم أن هذا الشعار يأخذ حيزاً واسعاً في خطابات تلك الأحزاب ومنشوراتها على المنصات الاجتماعية عند اقتراب أي انتخابات

الحزب ملكية شخصية

سليمان زرقاني من مواليد 1994 ابن منطقة فلاحية، وهو أصغر عضو في مجلس الشورى الوطني لحركة مجتمع السلم (حزب إسلامي جزائري) وأصغر نائب في كتلة الحركة بالبرلمان بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان)، يعتبر وصول الشباب للمناصب القيادية في الأحزاب السياسية "ليس بالأمر الهين، بل قد يكون في معظمها شبه مستحيل"، ويشرح لرصيف22: "الدليل على ذلك أن كل قادة الأحزاب أعمارهم تجاوزت 50 عاماً، ولولا قانون الانتخابات الجديد ونظام القائمة المفتوحة وشرط المناصفة لما كان الشباب اليوم هم ثلث البرلمان".

وكانت بداية النضال السياسي لسليمان زرفاوي مع أول سنة في الجامعة بالجزائر العاصمة (2013)، والانطلاقة كانت مع التمثيل الطلابي والعمل الجمعوي، وقيادة بعض الحركات الاحتجاجية الرافضة لهضم حقوق الطلبة وتنظيم النشاطات الطلابية والملتقيات العلمية والثقافية، والحرص على حضور نشاطات الأحزاب. ويقول إنه تأثر بدور الحركة الطلابية في الثورة، وما لفت انتباهه آنذاك هو أعمار قادة الثورة الذين كان أغلبهم شباب عكس ما هو معمول به اليوم.

سياسي شاب: "معظم الأحزاب السياسية لا تملك مشروعاً للنهوض بالجزائر، ولا رؤية واضحة. وتسير بلا هدف ولا إستراتيجية ولا فكر ولا حماس"

ويعتبر زرفاوي أنه "من الصعب جداً إقناع القدامى بتسليم المشعل للشباب، لأن المشكلة فكرية تراكمية لدى قيادات الأحزاب بعدم الثقة في الشباب، واعتبارهم مصدراً للتجديد وإزاحتهم. ويكمن السبب الثاني في أن الجيل القديم داخل الأحزاب ما زال يعتقد أن الحزب هو ملكية شخصية، والحق في المراكز القيادية يكون على أساس الأقدمية. كما أن بعض القيادات لا تزال تنظر لفئة الشباب كوسيلة تعبئة وحشد وفقط".

وبالنسبة لسليمان زرفاوي فإن "السلطة في الجزائر أحرجت الأحزاب السياسية أولاً بعدد من الوزراء الشباب، وثانياً بنظام الانتخابات الذي ألزم الأحزاب السياسية بقوائم نصفها شباب على الأقل، أضف إلى ذلك تأسيس المجلس الأعلى للشباب وغير ذلك من الإجراءات التي لا تلبي كل متطلبات "حراك فبراير"، لكنها خطوات قوية لتمكين الشباب، وعلى الأحزاب السياسية - خاصة المقبلة على مؤتمراتها- أن تواكب على الأقل السلطة، وذلك بتحديث قوانينها الأساسية كي تسمح بالتمثيل القوي للشباب على المستوى القيادي، والخروج من عالم الشعارات".

الثراء سبب آخر للمشكلة

وعلى صورة زرفاوي أيضاً، لا يبدو السياسي الشاب نور الدين طيري راضياً عما يمنحُ للشباب من مساحة للتأثير السياسي، اختار طيري الاستقالة من حزبي جبهة التحرير الجزائرية المعروف اختصاراً بـ "الآفلان" والتجمع الوطني الديمقراطي، عندما تأكد من وجود غلق ممنهج على المناضلين الشباب وأنه من الصعب جداً تجاوز السلم القيادي في هذه الأحزاب بسبب تمسك قيادات بمنصبها رغم أن بعضها في العقد السابع من العمر، ويرفض رغم ذلك "بشكل قاطع" إفساح المجال للشباب.

بدأت رحلة نور الدين طيري في النضال السياسي عام 2012، كان مقتنعاً في البداية بقدرة جيله على إحداث التغيير في المشهد السياسي العام، غير أن هذه القناعة زالت تدريجياً. يقول لرصيف22: "إحداث التغيير اللازم يتطلب الوصول إلى المناصب القيادية. وبلوغ هذه المناصب يتطلب أموال لتحقيق المبتغى، فأغلب الأحزاب سيطر عليها أصحاب المال الفاسد، وهم يتحكمون في المجالس الشعبية البلدية والولائية الحالية".

ومع مرور الوقت استشعر طيري بانعدام الأثر السياسي في هذه الأحزاب، ويقول إنها "لا تملك مشروعاً للنهوض بالجزائر، ولا رؤية واضحة. فمعظمها تسير بلا هدف ولا إستراتيجية ولا فكر ولا حماس".

قيادات الأحزاب الحالية تكره التجديد وتخاف الشباب وتعتبرهم مصدر تهديد

ويضيف: "لا ديمقراطية في الحزب، وجل القيادات شيوخ ويعتبرون أنفسهم الأجدر بالمناصب القيادية، وأن الشباب لا يمتلكون الخبرة السياسية الكافية لتسلم المسؤولية. والمطلوب حالياً فرض حصة للشباب في قيادة الأحزاب بقانون شفاف وديمقراطي".

فهم الحصار المفروض على الكفاءات الشابة وقتل روح التجديد وضخ دماء جديدة في الأحزاب السياسية، ليس سهلاً بالنسبة للباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية عدنان محتالي. غير أنه يسترشد ببعض الأسباب أبرزها القوة والنفوذ، ويقول لرصيف22: "السياسي لن تصبح له مكانة في السياسة إلا إذا كان ثرياً، وهذا ما يجعله يستمر في دعم نفسه لفترات طويلة دون أن يطاله التغيير".

والمشكلة لا تقتصر على سن من يتولون القيادة، فالمشكلة أخطر بكثير من هذا حسبما يوضح محتالي: "عدم وصول الشباب إلى المناصب القيادية سبب ضرراً كبيراً. نحن اليوم في عالم تحكمه التكنولوجيا وتتسارع الوتيرة كل يوم، وللأسف؛ الجيل السابق منقطع تماماً عنها، بل ويهابها. لهذا فإنه يعاديها ويكبح جماح البلاد في سعيها نحو التطور، لذلك يجب إحداث توازن في المجال السياسي بين من هم كبار في السن (الخبرة)، وبين الشباب الذين يستطيعون مواكبة التطورات العالمية".

"لنكون صرحاء مع أنفسنا: شعار التشبيب وجد تجاوباً وقبولاً لدى الشباب في البداية، لكنه لم يعد يؤتي ثماره في السنوات الأخيرة"

"أصبح مصطلح تشبيب الأحزاب السياسية يستعمل كثيراً في السنوات القليلة الماضية، ولنكون صرحاء مع أنفسنا فهذا الشعار وجد تجاوباً وقبولاً لدى الشباب في البداية، لكنه لم يعد يؤتي ثماره في السنوات الأخيرة"... هكذا يستهل الناشط السياسي يوسف عطية، حديثه إلى رصيف22، ويرجع ذلك إلى "التجارب السيئة والقاسية في بعض الأحيان. فحتى في أحسن الأحوال، وعندما كانت النية سليمة من طرف قادة الأحزاب بضخ دماء جديدة لدى قواعدها، كان هناك صدام مباشر بين هؤلاء الشباب الطامح للظفر بمسؤوليات ومناصب تمكنهم من تحقيق أهدافهم بالمجتمع، وبين تلك الفئة من المنخرطين القدماء والمسؤولين بالحزب، فهذه الفئة – بنظرها- قدمت الغالي والنفيس من مال وجهد وسنوات من النضال من أجل هذا الحزب، فكيف يأتي شباب بعد كل هذا، لم يناضل ما يكفي بنظرهم، ليتقلد المسؤوليات بهياكل الحزب ويُقَدَم في القوائم الإنتخابية خاصة إذا تعلق الأمر بالانتخابات البرلمانية أو البلدية".

ويضيف عطية نقطة أخرى تجعل قادة الأحزاب السياسية يحتفظون بالمناصب العليا وهي "الخوف من عدم الولاء التام للحزب ومبادئه الذي نشأ على أساسها، وكذلك الخوف من عدم جاهزيتهم لتحمل عبء المسؤولية، وإعطاء صورة سيئة عن ممارسات الحزب. وما يؤكد هذا التخوف هو قيام أكبر الأحزاب بالتبرؤ من بعض منتخبيها بالمجالس المنتخبة، مع أنهم يعدون مكسباً لها، لأن معظمهم درسوا التكنولوجيا والإعلام، ويتميزون عن غيرهم من الكهول بالسرعة والدقة والتمكن من أجهزة الإعلام الآلي والبرامج الحديثة، أو ما تعلق بالتسيير الإداري الروتيني الذي يتهرب منه معظم القادة بالتشكيلات السياسية".

ويختم يوسف عطية: "التجديد في الحياة السياسية يحتاج إلى تغيير الذهنيات من أجل ضخ دماء جديدة في المؤسسات السياسية، لأن بعض قادة الأحزاب يستعملون شعار التشبيب ومنح الشباب الفرصة لتقلد المسؤوليات، من أجل استغلالهم في مختلف المواعيد الانتخابية، أو دفعهم لدعم توجهات الحزب وقادته من جهة، ومن جهة أخرى محاربة باقي الأحزاب السياسية وإضعاف قاعدتها الشعبية، وتفويت الفرصة عليها نحو تحقيق برامجها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image