في السابعة مساءً تواعد "زولديك" و "ياغامي"، في شارع سلامه اللوزي بعمان وتحركا معاً قاصدين "قرية الأنيمي" للقاء "ريوزاكي" هناك!
ما قرأته أعلاه عزيزي القارئ ليس خطأ مطبعياً ولا ترجمة لنص أجنبي، فهؤلاء ثلاث شباب أردنيين، مثلهم مثل آلاف الشباب العرب، فتنهم فن التحريك الياباني "الأنيمي" وتوحدوا مع أبطاله، مطلقين على أنفسهم أسماءها تيمناً وحباً.
وللاقتراب من هذا العالم وفك شفرته، يجب عليك أولاً فهم مفاتيحه وأهم مفرداته وهي (الأنيمي- الكوسبلاي - الأوتاكو). تلك الأسماء الغريبة التي فرضت نفسها على الساحة الشبابية، وباتت جزءاً من عالمهم، رغم غرابتها.
والمقصود بالأنيمي هنا هو الرسوم المتحركة اليابانيّة، والتي لا يمكن اعتبار أنها تقدم للأطفال حصراً، إذ لا تخلو مسلسلاتها من الحبكة المعقدة، والاهتمام بالتفاصيل، فضلاً عن عرضها للثقافة اليابانيّة وعناصرها.
أما الكوسبلاي فهو ارتداء أزياء وزينة شخصيات الأنيمي، ويظهرون بها في العلن أو في حفلاتهم.
وأخيراً "الأوتاكو" وهو المصطلح الذي يطلق على متابعي الأنيمي في العالم العربي
في السابعة مساءً تواعد "زولديك" و "ياغامي"، في شارع سلامه اللوزي بعمان وتحركا معاً قاصدين "قرية الأنيمي" للقاء "ريوزاكي" هناك!
الكوسبلاي الجسور
في ثقافات مغايرة، لا ينظر أحدهم للآخر في الشارع، أنت هناك حر في اختيارك لملابسك، ومظهرك. أما في عالمنا العربي فالأمور أكثر تعقيداً وتشابكاً.
لذلك فمهمه الـ "كوسبلاي" ليست سهلة على الإطلاق.
مجرد ظهورك بذلك اللبس العجيب سيفتح عليك نيران السخرية والتهكم… فاحذر.
محمد جادالله (24 عاماً) أو كاكاشي كما يعرف بين أصدقائه (نسبة إلى إحدى شخصيات الأنيمي الشهيرة) هو أحد أولئك الأردنيين الذين شبوا عن الطوق ونزل الشارع مرتدياً زي الـ"كوسبلاي".
بدأت علاقة جاد الله، الذي يعمل مساعد باحث في كليّة الهندسة الزراعيّة، بالأنيمي وهو في سنّ الرابعة عشرة عبر قناة "سبيس تون"، وتوطدت عبر السنين.
لكن نقطة التحول الكبرى حدثت عند التحاقه بنادي "الأوتاكو" - نادي متابعي الأنيمي - في جامعته، ليساعد بتنظيم الفعاليات التي وصل الحضور في أحدها إلى نحو ألف شخص، إضافةً إلى عروض مشاهدة الأنيمي في السينما كمجموعات، وتدريس اللغة اليابانيّة.
إلا أنَّ كل هذا لم يبعد نظرات الاستهجان عنه ولا السخرية منه، إذ يذكر أنَّه في إحدى الفعاليات، أخبره أحد الشبان وعيناه تطلقان نظرات الازدراء أن ارتداء أزياء شخصيات الأنيمي لا يناسب عمره، إلا أنَّه استمر في تقمّص شخصيات الأنيمي والتقاط الصور لها في عمّان غير مبال.
في الخفاء ذلك أفضل
على عكس محمد، تُخفي "بطاطا تشان" هويتها الحقيقة تحت هذا اللقب الذي تستعمله على انستغرام، والذي تعرض فيه صورها بأزياء شخصيات الأنيمي والألعاب.
وتوضح بطاطا لرصيف22 أنها تُفضل الحفاظ على حياتها الخاصة بعيداً عن هوايتها في "الكوسبلاي" خاصة بعدما تعرّضت للمضايقات من بعض الأشخاص الذين بدأوا البحث عن تفاصيل حياتها، ومكان عملها بعد معرفتهم اسمها الأول.
حياة بطاطا مليئة بالمضايقات والمعاكسات والانتقادات، من أولئك الذين لا يفهمون الأنيمي أو يتابعونه.
ورغم ذلك ترى بطاطا أن الاستمتاع بالتحضير للكوسبلاي وعمله، من أكثر الأشياء التي تبهجها وتدخل إلى قلبها السرور.
وتشير بطاطا تشان إلى وجود بعض الأشخاص الذين تعاملوا مع صناعة "الكوسبلاي" كعمل، في حين يراه آخرون هواية، إلا أنها تؤمن أنه بإمكان أي شخص صناعة معدات ومتطلبات الكوسبلاي من الأدوات المتوفرة والتي يمكن شراؤها من أي مكان.
سوق الأنيمي
الولع بالأنيمي يزداد يوماً بعد يوم في الأردن، ويمكن رصد ذلك بسهولة عبر تتبع الأرقام المتزايدة في غروب Anime lovers in jordan؛ الذي يضم أكثر من تسعة آلاف عضو من متابعي الأنيمي.
"كنا منبوذين ونتحدث عن الأنيمي ونتحمّس ويرتفع صوتنا، لذلك كنا نوَبّخ دوماً، ويطلبون منا خفض أصواتنا، الآن أصبح لدينا مقهانا الخاص الذي نرفع أصواتنا فيه"
الأعداد المتزايدة والطلب المتنامي أفرزا مساحة في السوق استوجبت شغلها، وهو تحديداً ما قام به "مُضر ياسين" ومجموعة من أصدقائه بتأسيس مقهى "Anime village"، الذي استلهم فكرته من المقاهي التي كان يرتادها هو وأصدقاؤه، من دون أن يقدروا على النقاش بحرية حول الأنيمي فيها.
يشرح مضر: "كنا منبوذين ونتحدث عن الأنيمي ونتحمّس ويرتفع صوتنا، لذلك كنا نوَبّخ دوماً، ويطلبون منا خفض أصواتنا، الآن أصبح لدينا مقهانا الخاص الذي نرفع أصواتنا فيه".
وعلى الرغم من عمله في قطاع المصارف، وإنجابه طفلاً مؤخراً، لم يمنعه ذلك من الاستمرار في حلمه، إذ حفّزه الشغف الموجود في عيون متابعي الأنيمي عند الحديث عنه، قائلاً "أردت مساعدة هذا المجتمع، لا أخدم اليابان ولا الأنيمي، ما يهمني هو خدمة شباب هذا البلد الذين من حقهم الحصول على مكان يشعرون بالسعادة فيه دون الخجل من متابعتهم للأنيمي".
وظيفةٌ لعشاق الأنيمي فقط
عليك أن تكون متابعاً للأنيمي ومُحباً له، كي تكون مستوفياً شروط العمل مع متجر Crazy Shop الإلكترونيّ، فرع الأردن، إذ يُعد أول متجر لبيع منتجات الأنيمي من مجسمات وملابس وأدوات للزينة وغيرها منذ عام 2016.
تقول المسؤولة عن الفرع في الأردن مرح طوقان لرصيف22 إنَّ الشركة الإماراتيّة الأُم اختارت هذا النوع من المنتجات لعدم توافره في المملكة آنذاك، تلبية لرغبات الزبائن ومتابعي الأنيمي بأسعار منطقيّة، ويداوم المتجر على بيع منتجات مسلسلات وأفلام الأنيمي الشهيرة "ون بيس" و"نارتو"، في حين يجد العاملون فيه إقبالاً على "ميرشندايس" أو منتجات خاصة للاقتناء ترتبط بسلاسل أنيمي أخرى شهيرة مثل Death note والقناص.
وتتعاون الشركة مع شركات ومصانع في الصين لاستيراد البضاعة منها، وتختلف البضائع مع اختلاف مسلسلات الأنيمي في كل موسم وظهور أبطال جدد، وتوضح طوقان أنّ إقبال الأطفال يكون على الأدوات المدرسيّة التي تحتوي على تصاميم الأنيمي، في حين يُفضّل الكبار اقتناء المُجسمات وأدوات الزينة.
إنه عالم ساحر لا يمكن الحكم عليه من خارجه، عليك أن تخطو أولى خطواتك فيه لتدرك حقيقة الأنيمي
وتعاني طوقان وزملاؤها من الأشخاص الذين يستغلون الأنيمي لزيادة الأرباح من دون الاهتمام بالجودة وبما يطلبه الجمهور، مضيفةً "نحرص في متجرنا على المشاركة في الفعاليات التي يقيمها الخبراء في عالم الأنيمي بالأردن والمختصون فيه حتى لا يتم استغلال زبائننا بقصد الربح".
وتشير إلى طلباتٍ تصلها من الأمهات لتحضير هدايا من أجل مفاجأةِ أولادهن، وهو ما يدفع بها لاختيار عاملين معها يحبون الأنيمي ويشاهدونه حتى يتمكنوا من تمييز ما يريده الزبائن وتلبية طلباتهم، ويستعين المتجر بمصورين لتصوير المنتجات في أستوديوهاتهم الخاصة عند وصول كل شحنةٍ من البضاعة إذ تستمر عملية التصوير أُسبوعاً كاملاً لكل شحنة، بينما تتولى مرح مهمة التصميم لمواقع التواصل الاجتماعي نظراً لدراستها تخصص التحريك "أنيميشن".
الأنيمي، ذلك الفن المتكامل الذي غزا الشارع العربي بما يحمله من عناصر بصرية مبهرة، امتزجت بأفكار درامية مركبة، لتجتذب شرائح عمرية وطبقية متباينة، ويصير أبطالها نموذجاً يوحد الشباب ويتماهون معه. عالم ساحر لا يمكن الحكم عليه من خارجه، عليك أن تخطو أولى خطواتك فيه لتدرك حقيقة الأنيمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...