بعد 7سنوات من الغياب، يستعد الشاعر الغنائي المصري الذي احترف الغناء مصطفى كامل، لاستعادة منصب نقيب الموسيقيين، الذي تبوأه في الفترة من 2013 إلى 2015، إذ يخوض الانتخابات المقرر لها الربع الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، منافساً 3 مرشحين آخرين، يغلب عليهم الطابع الأكاديمي، لشغل المنصب الفارغ منذ شهرين، على إثر استقالة هاني شاكر من منصب نقيب الموسيقيين أواخر تموز /يوليو الماضي.
العودة المحتملة لمصطفى كامل صاحبها الكثيرُ من الجدل، ليس لأنها عودة غير متوقعة، إنما لفتحه مجدداً صفحةَ مطربي المهرجانات الشعبية، ومنح تراخيص الغناء لفناني الراب والتراب المصريين، الذين تفرغ سلفه هاني شاكر لمحاربتهم خلال العامين الماضيين، وكانت معركته مع مغنِّي المهرجانات تحديداً سبباً مباشراً في استقالته الأخيرة من منصبه.
مصطفى كامل أحيا مصطلح حماية الذوق العام، في تصريحاته الأخيرة، التي استهل بها الإعلان عن نيته خلافةَ شاكر، ما ينبئ بأن الولاية الثانية المحتملة لن تخلو من قراراتٍ يغلب عليها "الطابع الشاكري" الذي جعل نقابةَ الموسيقيين تبدو أنشط النقابات المهنية في مصر، وأكثرها حضوراً على مستوى الإعلام في السنوات الماضية.
فخلال السنوات الماضية، عمدت نقابةُ المهن الموسيقية، في عهد هاني شاكر، إلى إصدار العديد من قرارات المنع والإيقاف ضد موسيقيين كثرٍ، لأسباب مختلفة، في إطار ما منحه شاكر لنفسه من "مسؤولية عن حماية الذائقة السمعية للمصريين".
ربما لم يكونوا هدفه الوحيد، إلا أن مطربي المهرجانات كانوا هم الأكثر استهدافاً من هذه قرارات النقيب المستقيل، إذ أصدر في 2020 قراراً بمنع كل مطربي المهرجانات من مزاولة المهنة، وطالب البواخر السياحية والفنادق بوقف التعاون معهم، واستمرت هذه الحملة بأشكال مختلفة إلى أن غادر المنصب.
يمكن استنتاج بعض دوافع الحملة التي قادها هاني شاكر، ضد نجوم المهرجانات، فهو يمثل مرحلة من الغناء باتت حبيسة القاعات النخبوية المغلقة، بينما فرض أولئك أنفسهم على شباك التذاكر، وسحبوا البساطَ من تحت أقدام نجوم اللون الغنائي الذي احترفه النقيب السابق، وباتت جماهيريتهم كاسحةً داخل القطر المصري وخارجه
ويمكن استنتاج بعض دوافع الحملة التي قادها النقيب السابق هاني شاكر، الملقب بـ"أمير الغناء العربي"، ضد نجوم المهرجانات طوال السنوات الأخيرة من ولايته؛ فشاكر يمثل مرحلة من الغناء باتت حبيسة القاعات النخبوية المغلقة، بينما فرض أولئك أنفسهم على شباك التذاكر، وسحبوا البساطَ من تحت أقدام نجوم اللون الغنائي الذي احترفه شاكر، وباتت جماهيريتهم كاسحةً داخل القطر المصري وخارجه.
غير أن شاكر كان يتصدى من خلال حملته ضد "مطربي الفلاشات"، للبطالة الموسيقية لقطاع كبير من العازفين الذين يمثلون اصواتاً انتخابيةً لا يستهان بها، بعد أن قل الاعتماد عليهم بسبب انتشار هذا اللون الغنائي الذي لا يعتمد على عازفي آلات موسيقية، وإنما على الغناء على خلفية من الموسيقى المسجلة والإلكترونية.
يخالف مصطفى كامل، القادم من خلفية شعبية راجت في التسعينيات، توقعاتِ قطاعٍ واسع من المهتمين بالموسيقى، إذ أن خلفيته ومساحة صوته المحدودة التي جعلته يُنظر إليه باعتباره "مطرب الميكروباصات" تجعل من المستبعد أن يقف على أرضية هاني شاكر في نظرته للمهرجانات
يخالف مصطفى كامل، القادم من خلفية شعبية راجت في التسعينيات، توقعاتِ قطاعٍ واسع من المهتمين بالموسيقى، إذ أن خلفيته ومساحة صوته المحدودة التي جعلته يُنظر إليه باعتباره "مطرب ميكروباصات" تجعل من المستبعد أن يقف على أرضية هاني شاكر في نظرته للمهرجانات والألوان الغنائية الرائجة في مصر في السنوات الأخيرة.
لمصطفى كامل مواقف متناقضة من موسيقي المهرجانات؛ فتارة يهاجمها كونها "تروج لكلمات مبتذلة"، وتارة يدافع عنها ويرفض محاصرةَ مطربيها بدعوى أن الوسط الفني دائماً ما يفرز ألواناً جديدة تتعرض للانتقادات، مثلما قوبلت أغانيه في البداية حينما شقّ طريقه في مرحلة التسعينيات.
مصطفى كامل: "مش قادر أصدق إن الفن المصري راح للحتة دي، حتى وإن كان لهم جمهور. ومتمناش لبلدي إن يكتر منها الحاجات دي خالص"
ففي تصريح سابق له قال كامل: "طول عمر الوسط الفني لازم يطلع لون مخالف أو جديد، وإحنا كنا بنتعامل كده لما ظهرنا، وبلاش نحقد على الأجيال الجديدة، أو نحطها في دماغنا من باب الإسفاف. هم من حقهم يظهروا، ولازم نقف جنبهم".
قال كامل هذا التصريح حينما كان يتعرض مطربو المهرجان للتضييق في عهد شاكر، لكن مع عودته المحتملة لمنصب النقيب، استخدم كامل الشعاراتِ ذاتَها، متعهداً أنه "لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدمير الذوق العام"، ولكن من "دون أن يتسبب في قطع أرزاقهم".
وعلى عكس شاكر الذي أظهر انحيازاً كبيراً لمطرب الراب الأكثر شعبية في مصر، ويجز، على خلفية كون الاخير طالباً في الجامعة الأمريكية، ما بدا انحيازاً طبقياً بحتاً، بدأ كامل مشوارَ الترشح باستنكار موسيقى ويجز، مؤكداً عدم قدرته على تصديق ما آل إليه الفن في مصر: "مش قادر أصدق إن الفن المصري راح للحتة دي، حتى وإن كان لهم جمهور. ومتمناش لبلدي إن يكتر منها الحاجات دي خالص".
مدرسة هاني شاكر
لا يتعجب الناقد الموسيقي أمجد مصطفى من تصريحات مصطفى كامل المتعلقة برؤيته لعمل مؤدي الراب والمهرجان الشعبي، ويقول لرصيف22، إن كامل "ينتمي إلى مدرسة هاني شاكر"، وإن كان الأخير يغلب عليه الطابع الكلاسيكي؛ فكامل شاعر غنائي في الأساس "يبحث عن جودة الكلمات وخلوّها من مفردات اعتبرها تيارُ الغناء التقليدي مبتذلةً، وهو ما يفسر تصريحاته الحادة ضد مؤديها".
مع ذلك، لا تبدو تصريحاتُ النقيب الأسبق الطامح إلى العودة -من وجهة نظر الناقد أمجد مصطفى- تمهيداً لمعارك مشابهة خاضها شاكر، فكامل لا يمانع انضمامهم ومنحهم تراخيصَ الغناء المعتاد عليها، لكنه لا يريد أن يتصدر نجومُ الراب والمهرجان المشهدَ الموسيقي في مصر.
يعود أمجد مصطفى في تصريحاته إلى الوراء قليلاً في علاقة شاكر بمطربي المهرجانات، والتي كتبت فصل النهاية في مسيرته كنقيب للموسيقيين، موضحاً أنه لم يكن متعنتاً كما صوره البعض، والدليل هو طلبه منهم الاختبار واجتياز الامتحانات الغنائية كي يمنحهم تراخيصَ مزاولةِ المهنة، فنجح من نجح وفشل من فشل.
برأي الناقد الموسيقي، فإن أزمة المهرجانات أخذت من وقت النقيب السابق، وتعرض لانتقادات كبيرة بسببها، لكنها لم تسحب من رصيده الفني والغنائي، فهو "يظل أميراً للغناء، وله بريقُه في ساحة خاصة به"، مشيراً إلى أن قرار مغادرة منصبه ليس له علاقة بأزمة مؤتمر الصلح بين المطرب حسن شاكوش وعازف الإيقاع سعيد الأرتيست، بل وجدها فرصةً لاعتزال العمل النقابي.
استخدام كارت المهرجان والراب، يُفهم منه أن مصطفى كامل يغازل الأصوات الانتخابية للعازفين الذين تضرروا من إحياء الحفلات الغنائية لمطربي المهرجان، من دونهم. وهو ما حاول هاني شاكر مواجهته بمنع استخدام المطربين للفلاشات، للحدّ من البطالة في صفوف الموسيقيين
لا يتوقع الناقد الموسيقي أن تختفي أزمات المهرجانات الشعبية في يوم وليلة، أوبتغيير الوجوه النقابية، فالأزمة "ستظل قائمةً بسبب وجود أصوات لا تصلح، وأغانٍ تتضمن كلماتٍ تروِّج للفساد الأخلاقي. فالإصلاح يجب أن يبدأ من المطربين أنفسهم في اختيار الكلمات، وهو ما بدأ بعضُهم التماهي معه مثل حسن شاكوش وعمر كمال".
استخدام كارت المهرجان والراب، يُفهم منه أن مصطفى كامل يغازل العازفين الذين تضرروا من إحياء الكثير من الحفلات الغنائية لمطربي المهرجانات والراب - باعتبارهم الأنجح والأكثر طلباً في الحفلات- من دون العازفين، وهو ما واجهه هاني شاكر بقرار منع استخدام المطربين للفلاشات، للحدّ من البطالة في صفوف الموسيقيين.
لكن الناقد أمجد مصطفى لا يرى تصريحاتِ مصطفى كامل دغدغةً للناخبين، كونه الأكثرَ حظاً من بين المرشحين الآخرين، بسبب شعبيته واعتياده على مهام المنصب، لافتاً إلى أن أعضاء مجلس النقابة، مثل حلمي عبد الباقي، دفعوه إلى الترشح، فهو "يُنظر له أنه أحد أبناء الصناعة وأدرى بهمومِهم، وهو الأكثر ظهوراً بالإعلام، ويتمتع بعلاقات جيدة مع أجهزة الدولة، ما يمكنه من خدمة الأعضاء".
لذا تمثل الانتخابات المقبلة على مقعد نقيب الموسيقيين، التي يتصدر مصطفى كامل بورصةَ المرشحين فيها، أهميةً كبيرة للكثير من المنتمين للجماعة الموسيقية في مصر، حسبما يقول الدكتورمحمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية.
"المشهد الموسيقي الآن ملتبس جداً في وجود أفكار وتوجهات مختلفة في ظل الحاجة الحقيقية لقيادة المشهد الموسيقي، وصناعة زخم حقيقي حول الفن بعد مرحلة فقدان البوصلة"، يقول شبانة لرصيف22.
برأي شبانة، تنحصر المنافسة على المقعد بين النقيب الأسبق مصطفى كامل، الذي يراه الأوفر حظاً، والمايسترو مصطفى حلمي، الذي يعد محسوباً على مدرسة الأداء التقليدي الرصين، باعتباره ينتمي لعائلةٍ موسيقية عريقة، فوالده أمين حلمي تقلد منصب النقيب 3 دورات متتالية، وتربطه صلةُ قرابةٍ بالموسيقار الراحل محمد الموجي.
يمكن استقراء مشروع حلمي بخصوص التعامل مع مؤدي المهرجانات الشعبية من خلال علاقته القوية بالنقيب السابق هاني شاكر، الذي خاض معركةً شرسة لتحجيم انتشار هذا النوع من الفن؛ فحلمي يعتبره أباً روحياً له، ويسعى للسير على نهجه، مع تأكيده أنه لن يغلق باب النقابة أمام الأصوات الجيدة التي تستحق حمل العضوية.
لا يهتم أعضاء الموسيقيين بأفكار كليهما بقدر اهتمامهم بما سيقدمه كل مرشح في ملف الخدمات الاجتماعية والقضاء على البطالة في أوساط العازفين، فيقول شبانة إن الهدف الأساسي هو تحسين الأوضاع المعيشية، وإثراء الحركة الفنية بالحفلات والمهرجانات.
رغم اختلاف شبانة، وهو أيضاً عضو اللجنة العلمية لمؤتمر الموسيقى العربية بدار الأوبرا، مع النهج الذي اتبعه هاني شاكر في محاربة فنِّ المهرجان عن طريق المنع، إلا أنه يتمسك بأن يكون لنقابة الموسيقيين دورٌ حاسم في تقنين المشهد الغنائي وضبط الأداء: "لن يرى النقيب قبحاً فنياً وابتذالاً في المنتج الفني ولا يتصدى له، دون أن يكون ذلك في صورة وصاية".
لا يهتم أعضاء الموسيقيين بأفكار كليهما، بقدر اهتمامهم بما سيقدمه كل مرشح في ملف الخدمات الاجتماعية والقضاء على البطالة في أوساط العازفين
ويواصل شبانة: "لسنا أوصياء على الذوق العام. الفن قاطرةٌ للتنمية المجتمعية. الناس في مصر كانت تخلص لأغاني أم كلثوم، وتستمع أيضاً إلى أحمد عدوية وحسن الأسمر. الفن يقبل الجميع، لكن المؤسسات الرسمية يجب أن ترعى الفن الرصين ولا تتورط في دعم الفن الآخر؛ بمعنى أن تدعم الفنَّ التقليدي وتساعده على الظهور والانتشار حتى يتوارى النوع الآخر. فلا يوجد منع في زمن السماوات المفتوحة".
وبينما يحدد القانون دورَ النقابات في حماية مصالح أعضائها وتطوير أدائهم وقدراتهم المهنية، يصرّ أستاذ الموسيقى الشعبية أن النقابة ليس دورها حماية الموسيقيين فقط، بل هي معنية بـ"دفع العمل الغنائي للأمام والمساهمة في صناعة وترويج النشاط الفني، ودعم المواهب الحقيقية في الشعر الغنائي والأداء الصوتي"، معتبراً أن هذا هو التحدي الأكبر أمام مصطفى كامل، النقيب الأقرب لمطبخ النقابة.
يتعرض المهرجان الشعبي تحديداً لانتقادات كثيرة ومحاولاتِ منعٍ لم تتوقف منذ بزوغ نجمه بين الأحياء الشعبية في محافظتي القاهرة والإسكندرية، إلا أن الحضورَ المكثف لنجومه في الحفلات الغنائية في مجتمعات الأثرياء، واعتمادَ شركات الإعلانات عليهم، وكذلك غناءَهم لتترات أغاني المسلسلات، وانتشار حفلاتهم ونجاحها المدوي في دول الخليج والولايات المتحدة وغيرها، واستخدام أغانيهم في مسلسل ذائع الانتشار من إنتاج ديزني، أشعل الغضبَ ضدهم أكثر لدى سادة "الغناء الرصين"، إلا أنه جعلهم يفلتون من محاولات التضييق، وكتب لهم الانتصار على الأبواق المطالبة بإعادتهم إلى حيثما ظهروا. لذا ليس من المتوقع أن يؤسس مصطفى كامل عهدَه المحتمل بمعاداةِ هذه الشريحة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 11 دقيقةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 21 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت