ظلت الجمهورية الإسلامية في إيران منذ انتصارها (1979)، ولا سيما في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، تمارس مختلف الضغوطات على حرية النساء، برز أهمها في قانون الحجاب الذي فرض على جميع المواطنات حتى من الديانات الأخرى.
تحايلت المرأة الإيرانية بشتى الطرق على المضايقات المكسوة بلباس الدين، أما من وجدت السقف قصيراً لآمالها ورؤاها فقد غادرت وطنها لتمارس عملها وهواياتها في المنفى بحرية. هنا نستذكر بعض النماذج الشهيرة والناجحة من آلاف الإيرانيات خارج وطنهن.
شيرين، أول إيرانية تستلم جائزة نوبل للسّلام
شيرين عبادي (75 عاماً)، أول قاضية في تاريخ البلاد، ساندت الثورة في بداياتها، ولكن سرعان ما رأت في النظام الإسلامي بقيادة آية الله الخميني هزيمةً لها وللنساء، إذ تم إقصاؤها من منصبها وفرض الحجاب عليها آنذاك. بعد سنوات سُمح لها بأن تكون محاميةً، لتكرس جلَّ وقتها في سبيل الدفاع عن حقوق الإنسان.
وتكريماً لدورها البارز نالت جائزة نوبل للسلام عام 2003، وقد استلمت الجائزة دون حجاب، فانهال المشتددون عليها بالنقد والسب، ولم تسلم حتى من نقد الرئيس الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي، لكنها واصلت عملها بقوة مع تأسيس مركز الدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية حماية حقوق الأطفال.
تحايلت المرأة الإيرانية بشتى الطرق على المضايقات المكسوة بلباس الدين، أما من وجدت السقف قصيراً لآمالها ورؤاها فغادرت وطنها لتمارس عملها وهواياتها بحرية في المنفى
بادرت شيرين بتدشين حركة "مليون توقيع" بهدف التغيير من أجل المساواة عام 2006، وهي حملة لتغيير القوانين التمييزية ضد المرأة في إيران. هوجمت شيرين لنشاطها المتواصل، وبعد العديد من المضايقات والشكاوى غادرت البلاد عام 2009.
وفي الأحداث الأخيرة بعد وفاة مهسا أميني في مخفر شرطة الحجاب، دافعت شيرين عن الاحتجاجات التي وُصفت بالحركة النسائية، إذ أتت تنديداً لفرض الحجاب والحرمان من الحريات الفردية وحقوق المواطنة في إيران.
مريم، ملكة الرياضيات
مريم ميرزاخاني (1977-2017)، عالمة الرياضيات الإيرانية، نالت الكثير من الجوائز والميداليات المحلية والدولية منذ أن كانت تلميذة في مرحلة الإعدادية حتى أن توجت مسيرتها بنيل ميدالية "فيلدز" عام 2014، التي توصف عادة بنوبل الرياضيات، وهي أول امرأة على الإطلاق تحصل على هذه الميدالية.
بعد إنهاء دراستها في جامعة شريف بطهران، أكملت مريم مسارها العلمي في الولايات المتحدة حتى حصلت على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وفي ربيعها الأربعين توفيت أستاذةُ الرياضيات في جامعة ستانفورد في مستشفى كاليفورنيا بسبب مرض سرطان الثدي.
وطالما عمل الإعلام الإيراني في الداخل على رسم غطاء حول رأس مريم ميرزاخاني أو رسم هيكلي لوجهها أثناء تغطية نجاحاتها الدولية كي لا تظهر هذه العالمة دون حجاب، كما تعيش هي في الواقع خارج إيران.
وتعتبر عالمة الرياضيات والملقبة بـ"ملكة الرياضيات" نموذجاً لهجرة الأدمغة في البلاد، وما زالت من أبرز النساء الملهمات بالنسبة للنخب والشباب الإيراني.
تكريماً لدورها البارز نالت شيرين عبادي جائزة نوبل للسلام عام 2003، وقد استلمت الجائزة دون حجاب، فانهال المشتددون عليها بالنقد والسب
وعاد اسم مريم ميرزاخاني على الألسن من جديد، بعد المناظرات التي أجراها التلفزيون الإيراني حول أزمة الحجاب والاحتجاجات القائمة في البلاد، حيث وصف رئيس كلية الإذاعة والتلفزيون شهاب إسفندياري، العالمَ الغربي بأنه لا يسمح ببث الأفلام التي تروي قصص نجاح الإيرانيات، بل يسلط الضوء على الجانب السلبي من حياتهن في إيران. ليردّ عليه رئيس مجلس إدارة "دار السينما" محمد مهدي عسكَر بور: "الغرب أنتج فيلماً عن حياة مريم، بينما لا يُسمح بإنتاج فيلم عنها في إيران"، في إشارة إلى القيود التي تفرض على تصوير النساء دون حجاب في إنتاج الأفلام داخل البلاد.
"كُلْشِيفته" نجمة السينما الإيرانية وهاليوود
عانت الفنانة كُلْشِيفته فراهاني (1983) منذ ولادتها من الاضطهاد، فيروي والدها الممثل بِهزاد فراهاني أن هيئة سجلّ الأحوال مانعت من اختيار اسم "كُلشيفته" ليتم تسميتها بـ"رَهَاوَرْد"، لتصبح ذات اسمين منذ ولادتها، وعندما كانت في الـ16 من عمرها وهي طالبة في ثانوية الموسيقى تعرضت لهجوم بالحمض، وأصيبت بحريق في ظهرها من قبل أحد المتشددين.
وبالرغم من معاناتها من التمييز والحرمان كباقي الفتيات إلا أنها شقت طريق النجاح في وقت مبكر، فلم تكن كلشيفته قد تجاوزت الـ14 من عمرها عندما نالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فجر السينمائي في البلاد، ودام تألقها في السينما الإيرانية حتى دعيت إلى التمثيل في أفلام هاليوود، ولكن ما إن عادت للبلاد حتى تعرضت لمضايقات، وتم منعها من مغادرة البلاد بسبب تمثيلها دون حجاب هناك.
وبعد محاولات لمحاكمتها واقصائها من التمثيل، تمكنت النجمة من مغادرة البلاد نحو فرنسا عام 2008، لتصبح في ما بعد واحدة من أهم الممثلات الإيرانيات في السينما الأوروبية والأمريكية، وقد حققت لنفسها هناك شهرة عالمية. "لقد فقدت بلادي لكنني كسبت العالم"، هكذا تصف النجمة شعورها تجاه ما حدث لها ونفيها.
بعد سنوات نُشرت لكُلشيفته صور عارية على غلاف مجلة مدام فيغارو الفرنسية، لتمنع بشكل نهائي من دخول الأراضي الإيرانية، وكانت قد بررت عملها بأنه "احتجاج على التقاليد الإسلامية المُقيِّدة التي تتبعها صناعة السينما الإيرانية"، ويبرز هذا مدى الحقد والكره الذي تولده القيود والاضطهاد في نفوس الفتيات.
ومنذ مغاردتها البلاد والعيش بحرية باتت كلشيفته رمزاً لتحرر المرأة الإيرانية.
شقايِق، سيدة أهداف كرة اليد
شقایق بابيري (31 عاماً)، قائدة منتخب إيران لكرة اليد للسيدات، وأول لاعبة دولية إيرانية، لعبت في نادي أربيل العراق حتى حصلت على جائزة سيدة الأهداف في الدوري العراقي، وأفضل لاعبة في كأس آسيا.
تزامناً مع حضورها في بطولة العالم في إسبانيا عام 2021، طلبت اللجوء من مدريد، ولم تعد مع المنتخب الإيراني إلى البلاد. وعن سبب ذلك تحدثت شقايق عن القيود المفروضة على الرياضيات، بما في ذلك الحجاب: "نحن نتعرض حقاً لقيود كثيرة... لو لم يأخذ الاتحاد منا شيكات بمبلغ مليار ونصف المليار تومان (50 ألف دولار)، تأكدوا أنه لن تعود واحدة من منتخبنا إلى البلاد".
"لقد فقدت بلادي لكنني كسبت العالم"... كُلشيفته فراهاني
وتحدثت شقايق أيضاً عن إحدى تجاربها خلال المباريات السابقة: "سُحب غطاء رأسي خلال إحدى المباريات... على الرغم من أن حجابي لم يسقط كاملاً، والأمر لم يكن متعمداً من جانبي، ولكن لا تستطيعون أن تتخيلوا ماذا فعل المشرف على منتخبنا، وكيف عاملني".
ودافعت شقايق التي نالت الجنسية الإسبانية، عن الاحتجاجات الأخيرة، ومطالب الفتيات في نيل حرياتهن عبر حسابها الشخصي على منصة إنستغرام.
فاطمة، البرلمانية الجريئة
فاطمة حقيقت جو (1968)،سياسية إصلاحية وباحثة أكاديمية، حصلت على شهادة الدكتوراه في علم النفس، وأصبحت محاضرة في جامعة طهران. اختارها سكان العاصمة كنائبة في البرلمان عند مطلع القرن الحالي، واشتهرت بنشاطها في الدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة والإصلاحات السياسية.
وبعد عدة مضايقات وتوجيه التُّهم لها من قبل النيابة العامة ومحاكمتها بالسجن لفترة 10 أشهر مع وقف التنفيذ، استقالت فاطمة من البرلمان، ثم غادرت البلاد عام 2004.
التحقت فاطمة بالجامعات الأمريكية كعضو في هيئة التدريس، وكثفت نشاطها المعارض للنظام في الإعلام الغربي الناطق باللغة الفارسية، كما أنها خلعت حجابها خلال لقاء تلفزيوني على الهواء مباشرة عام 2018، ووصفت خطوتها دفاعاً عن حقوق المرأة، وردّاً على استخدام العنف ضد معارضات الحجاب الإلزامي داخل البلاد.
تعتبر فاطمة نفسها نسويةً، وفي صيف 2022 عندما كثفت حكومة إبراهيم رئيسي عمل دوريات الحجاب وتوقيف الفتيات، دافعت عن الحريات الفردية كما أكدت على فشل نشاط الدولة في عملية فرض الحجاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين