شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هو زمن المناصرة في وجه المنظومة الذكورية

هو زمن المناصرة في وجه المنظومة الذكورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 28 يوليو 202103:19 م

قبل أن تكون النسوية في حياتي مذهباً فكرياً، وعلمياً، ومجالاً للبحث والعمل، عشتها كتجربة إنسانية، وكطريقة حياة ساعدتني على النجاة. في سن صغيرة، لم أدرك أن الكثير من تجاربي، بشقيها السلبي والإيجابي، والناتجة عن كوني أنتمي جندرياً إلى الجنس الآخر، حسب "سيمون دو بوفوار"، لها تعريفات علمية، ولها مرجعية تعود للفكر النسوي. من بين هذه التجارب أنني، ومنذ الصغر، كنت أحتمي بمحيطي النسائي، وخاصةً بعد تعرضي لصدمات جسدية ونفسية نتيجة الذكورة السامة، وعنف المجتمع. هذا المحيط النسائي، الذي اعتدت أن ألجأ إليه، ساهم في نجاتي من قسوة منظومة ذكورية متعالية وعنيفة. لم أكن أدرك أن هذا المحيط الإيجابي التعزيزي، قد يندرج تحت فكر "الأختية"، ولا يلغي هذا قيمة التجربة، بعيداً عن التسميات.

كبرت في عائلة دعمت فيها النساء بعضهن البعض. ففي عائلة والدتي المُهجرة، وهي من أصول فلسطينية، عملت الأخوات ليثبتن ذواتهن، وقد استطعن ذلك في محيط غريب عنهن، من خلال عملهن ضمن فريق نسائي. ورثت من هؤلاء السيدات الجميلات إصراراً قوياً للاستمرار، أحاول، بواسطته، وكلاجئة سورية في فرنسا، الصمود.

في فترة الجامعة، كانت رفيقتي، وأختي، وبنات خالتي، ملاذي في الكثير من التجارب السلبية في محيطنا. كان الكلام طريقنا للتعافي مما نشهده من تعديات مقصودة على ذواتنا. كنا نداوي أنفسنا بالفضفضة، والكلام، والاستماع. وقد قادني ذلك إلى رؤية تقاطعات تجاربنا، وتالياً استيعاب سياقها، وفهم أننا، وبحكم كوننا نساءً، تتشابه تجاربنا، وتصادماتنا، مع مجتمعنا. ساعدني هذا الكشف على الخروج من دائرة لوم الذات، وعلى امتلاك قدرة أكبر على المجابهة.

في فترة الجامعة، كانت رفيقتي، وأختي، وبنات خالتي، ملاذي في الكثير من التجارب السلبية في محيطنا. كان الكلام طريقنا للتعافي مما نشهده من تعديات مقصودة على ذواتنا. كنا نداوي أنفسنا بالفضفضة، والكلام، والاستماع

في الحقيقة، واجه "الأختية"، كفكر سياسي، تحديات كبرى بينت أنه فكر مثالي بعيد عن الواقعية، وغير قادر على مواجهة التحديات الحياتية والعملية. فانتقلت من رومانسية التعاضد والمحبة التي طبعت الحراك النسوي في فترة السبعينيات، إلى صدام وتعقيدات ارتبطت بمفهوم تقاطع أشكال التمييزintersectionality . مع ظهور حراك النسوية السوداء، وطرح سؤال أهمية العرق، والطبقة الاجتماعية، وتقاطعها مع قضية الجندر في تحديد شكل الصراع المفروض على النساء، باتت فكرة "الأختية" على المحك. فكيف يمكن وصف معاناة النساء بطريقة واحدة، وهي تختلف حسب الطبقة والعرق؟ مثلاً، يختلف أثر العنف الذي يُمارس على امرأة بيضاء من طبقة برجوازية، عما قد تعانيه مثيلتها إن كانت تنتمي إلى أقلية عرقية، أو إلى طبقة أقل حظاً. كما تم تهميش المثليات، والعابرات جنسياً، في كثير من الحالات، ورفضت بعض النسويات التضامن مع قضاياهن. بالإضافة إلى ذلك، ومع ظهور أصوات النساء من دول ما بعد الاستعمار، في مواجهة التراتبية التي تجعلهن في مواجهة عنف مضاعف، بدا سؤال "الأختية"، فكرة تنتمي إلى مثالية غير ممكنة التطبيق. ويستمر تعقيد التجارب مع ما حملته العولمة من تعاسة لبعض النساء في دول مثل بنغلادش، حيث يقضين حياتهن في صناعة الأحذية لنساء الدول الغنية اللواتي يعجز بعضهن عن إدراك عنف هذه الحلقة السوداء.

الآن، ومع ازدياد الحراك النسوي في منطقة ما يُسمى الشرق الأوسط، وجدت الكثيرات من النسويات أنفسهن في حالة مساءلة لمصطلحات النسوية ضمن سياقهن السياسي، والجغرافي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتاريخي. "الأختية" من بين هذه المصطلحات التي تدار النقاشات حولها في مواقع التواصل الاجتماعي. تحمل كثيرات من النسويات من منطقتنا صورة رومانسية عن "الأختية"، تكاد تلاقي صداها في الموجة الثانية من السبعينيات. سرعان ما شهدنا اصطدامها بأسئلة عن مدى قدرتها على الصمود أمام اختلافات النسويات، وتجاربهن في المنطقة، وبأسئلة تدور حول أحقية الرجال في المشاركة في هذه التجمعات، وغيرها من الأسئلة المرتبطة بالعداوات التي تكنّها بعض النساء لغيرهن من النسويات، أو من النساء اللواتي لم يلتحقن بالحراك، سواء بسبب توجهات ورؤى مختلفة، أو بسبب أوضاعهن الاجتماعية والفكرية.

ويبدو أن الاستعانة برؤية بيل هوكس حول الموضوع، تساهم في رأب الصدع. ترى بيل هوكس أن النسويات البيضاوات، واللواتي كن الأولَيات في المطالبة بـ"الأختية"، رسمن للمرأة صورة مطلقة بناءً على الجنس، أصبحت ضمنها كائناً أسطورياً يتشابه في مواجهة عدو مفترض، هو الذكر. افتراض المظلومية تجاه الذكور، وتوحيد المعاناة، جعلا من اتخاذ دور الضحية الشكل الأساسي في الصراع، ما دفع كثيرات من النساء البيضاوات البرجوازيات إلى رفض اتخاذ هذا الدور.

مع ظهور أصوات النساء من دول ما بعد الاستعمار، في مواجهة التراتبية التي تجعلهن في مواجهة عنف مضاعف، بدا سؤال "الأختية"، فكرة تنتمي إلى مثالية غير ممكنة التطبيق

وأصبحت النساء السوداوات خارج دائرة العمل التي تنجز ضمنها النساء البيضاوات ذوات الامتيازات الطبقية والعرقية. لذا، تبين هوكس أن الصراع ليس ضد الذكور، بل ضد المنظومة، وضد الثقافة الذكورية، وضد العنصرية والتمييز. كما توضح أن الذكورية مسألة لا تقتصر على الذكور، بل هي طريقة تفكير قد تتخذها بعض النساء ذوات الامتيازات ضد غيرهن من النساء. لذلك، دار الجدال مؤخراً حول العبارة الشهيرة التي تلجأ إليها بعض النساء، كي يتنصلن من واجباتهن تجاه الأخريات، بالقول إن "المرأة عدوة المرأة". وبذلك، يتناسين وضع هذه العبارة ضمن سياقها الذي يكشف أن كثيرات من النساء ذوات الامتيازات ضمن المنظومة الذكورية، يرفضن التخلي عن امتيازاتهن للأخريات، كما وتتسم أنماط تفكير كثيرات منهن بالذكورية. بالإضافة إلى ذلك، لا تتوانى بعض النساء في الأوساط الثقافية، عن تهميش من هن ذوات حظ أقل من الناحية الفكرية، والتعليمية، ولا يتورعن عن وصمهن بذلك. وكما يجب على النساء رفض تبني تنميط الذكورية لهن internalise، فهن لسن دمية للإمتاع، لا يجب أن يتنافسن في قائمة معايير الجمال، والشباب، وغيرها من المعايير السامة التي تُفرض على النساء، ليحصلن على القبول.

وتضيف هوكس أن المهم في العمل السياسي هو المناصرة والتضامن، فهذا يسمح لجميع النساء، على الرغم من اختلاف تجاربهن مع الظلم، أن يقفن مع غيرهن في معاناتهن، بينما تفترض "الأختية" ألماً واحداً يسمح التضامن باستيعاب الاختلاف فيه. ومن الطروحات المهمة، هو ما تنادي به هوكس من الهامش إلى المركز. فهذا الطرح لا يجعل من الرجل عدواً، بل يسلط الضوء على المنظومة، وتمركز الامتيازات في يد طبقة معينة. ما يسهم في تعزيز من هم على الهامش للوصول إلى المركز، وتالياً في إلغاء استنفاع البعض، وغياب المجموع.

طُرحت أهمية التواصل والدعم النسوي على النطاق الإنساني بشكله الحميمي والبدائي، والذي قد يسهم الكلام في تعافيه، أو على الأقل يسهم في كشف الوجع. وهذا الشكل الإنساني، على الرغم من بساطته، ضرورة أساسية للبقاء، وتحدي العنف. لكن على المستوى السياسي الهادف للتغيير، من الضروري العمل لخلق منظومة للتعاضد، والمناصرة، تتجاوز أسباب الاختلاف، وفكر الضحية، وتعمل على التعزيز والتمكين، بالاحتفال بالتنوع، بدل التركيز على الاختلاف.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image