شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
اسرقني وكن مسؤولاً... فساد ليبي سريالي بالوجبات والفنادق والآيفون

اسرقني وكن مسؤولاً... فساد ليبي سريالي بالوجبات والفنادق والآيفون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 28 سبتمبر 202205:40 م

إذا كانت وجبة غداء واحدة لوزيرة واحدة يومياً تتجاوز 250 دينار (قرابة 3 دولار ) - مقابل 30 دينار كحد أقصى عادة - فإن إطلاق حملة شعبية للبحث عن تركيبة الوجبة، رآه البعض – متهكماً – واجباً وطنياً، لكن طعام الوزيرة يبدو طبيعياً إذا كانت مصروفات الإعاشة بجناح رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بلغت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 فقط، بلغت أكثر من مليون و600 ألف دينار (320 ألف دولار أمريكي). أما المجلس الرئاسي – يتكون من ثلاثة أشخاص – الذي أنفق خلال عام ما قيمته 350 مليون دينار (70 مليون دولار) فهو صاحب إنجاز ربما يدخل في موسوعة غينيس.

تقرير ديوان المحاسبة الليبي عن العام 2021 مالياً وإدارياً، بدا صادماً ومفزعاً إلى حد بعيد، وأثار لغطاً ونقاشات على صفحات التواصل الاجتماعي، غلب عليه الانتقاد الساخر والتهكم، حتى كتب أحدهم: "قررت أن أشتري قهوتي الصباحية اليوم بضعف ثمنها، لأمارس الفساد برغبتي ومالي، دون حاجة للحكومة". التقرير الذي جاء في قرابة 1000 صفحة، ازدحم بمعلومات عن قطاعات مختلفة في الدولة الليبية، وضج بمخالفات إدارية ومالية غير معقولة.

ورد في التقرير، أن وزارة التعليم العالي صرفت 155 ألف دينار لشراء هواتف آيفون 13 برو ماكس (ما يزيد عن 32 ألف دولار) لأعضاء لجان بالوزارة، واتضح أن بعضهم أعضاء في أكثر من لجنة وحصلوا على أكثر من هاتف، ثم أضافت لهم 3 أجهزة "سامسونج غلاكسي فولد"

نفط... والحكومة آخر من يعلم

الغضب الناجم عن نشر التقرير، ربما دفع وزارة الدخلية في طرابلس لرفض منح إذن "المظاهرة ضد الفساد" التي كان مقرراً لها الخروج الجمعة 23/09/2022. ومن تفاصيل ما ورد في التقرير، أن وزارة التعليم العالي صرفت 155 ألف دينار لشراء هواتف آيفون 13 برو ماكس (ما يزيد عن 32 ألف دولار) لأعضاء لجان بالوزارة، واتضح أن بعضهم أعضاء في أكثر من لجنة وحصلوا على أكثر من هاتف، ثم أضافت لهم 3 أجهزة "سامسونج غلاكسي فولد".

هل استغربت؟ حسناً، عليك إذا قراءة التقرير الذي يقول إن مؤسسة النفط قامت بتصدير شحنات نفط دون جباية إيراداتها، واستبدلتها بشحنات محروقات خارج الموازنة العامة بقيمة 16 مليار دينار، بل أهملت تحصيل ضرائب وإتاوات على الشركات الأجنبية بقيمة 10.4 مليار. (أكثر من 50 مليار دينار ليبي).

أمر كهذا – إن صح – لا يعني فقط أن المال العام مهدور، بل إن هناك دولٌ داخل الدولة، فالتصرف في ممتلكات وثروات البلد أصبح مفتوحاً لمن يريد ويملك القدرة على ذلك. ومن مظاهر الاستهتار أن سكن ومصاريف رمضان أبوجناح نائب رئيس حكومة الوحدة عن الجنوب، ووزير الصحة المكلف في فندق راديسون بلو "المهاري"، بلغت 337 ألف دينار في 3 أشهر بمعدل 105 ألف دينار شهرياً. رغم دفع المعني أن التكاليف كانت للعمل المكتبي والإداري وليست كمبيت، لكن المبلغ نفسه لا يبرر عدم تأجير فيللا في مكان بمبلغ زهيد جداً نسبة للمدفوع.

رئيس هيئة الأوقاف، اتهم ديوان المحاسبة بإفشاء أسرار الأمن القومي، وأن الديوان "يساعد المخابرات الأجنبية"، بعدما فضح التقرير إنفاق الهيئة نحو مليون دولار لشراء بِدل وأجهزة آيفون

بِدل المشائخ وآيفوناتهم والقطط الجميلة

ومما سبب ضجة عامة – وسخرية – ما ورد عن أن هيئة الأوقاف اشترت بِدلاً عربية بمبلغ 700 ألف دينار. والهيئة جسم يختص بإدارة المساجد والمرافق الدينية، وهى متهمة بسيطرة التيارات السلفية عليها، لذلك كان التساؤل بين الناس عن اللباس الشعبي التقليدي من حيث كونه بدعة أم لا؟ في سياق تندر ضد المشائخ القاعدين على رأس تلك الهيئة. التي ذكر التقرير أنها أنفقت هي أيضا قرابة 400 ألف دينار (830 ألف دولار تقريباً) على شراء هواتف آيفون. وعندما رد رئيس هيئة الأوقاف، اتهم الديوان بإفشاء أسرار الأمن القومي، وأن الديوان "يساعد المخابرات الأجنبية"، فتداولت صفحات التواصل الاجتماعي صوراً لبدل وأزياء تقليدية موسومة بتعليق "احذر... أمن قومي". وقال رئيس الهيئة إن شراء آيفونات لحملة القرآن – كما قال – أفضل من دعم مسابقة أجمل قطة، في إشارة لدعم رئيس ديوان المحاسبة لهكذا مسابقة أيلول/سبتمبر الماضي.

ولأن السيارات علامة من علامات الهيبة الحكومية، فقد سجل التقرير أنه تم شراء 25 سيارة فارهة خاصة بموكب بـ"موكب رئيس" بقيمة تجاوزت 21 مليون دينار (قرابة 4.5 مليون دولار) حتى هنا والأمر ربما يمكن تفسيره بإيجابية، لكن التقرير يؤكد أنه لم تُسجل ملكية هذه السيارات باسم ديوان رئاسة الوزراء، ما يعني انها لم توثق في عهدة الدولة وملكيتها، ولا يعرف أحد مستندياً هوية المستفيد.

المصرف المركزي: بلا بوّاب

إن حدث أن اكتفيت من الإستغراب، فتمهل قليلا يرحمك الله... فالتقرير بأوراقه التي تقارب الألف لم يكن سوى نتاج عمل في المنطقة الغربية من البلاد لا غير، أما المنطقة الشرقية وبعض من الجنوبية، فلم يتم مراجعتها من ديوان المحاسبة، لوجود ديوان آخر للمحاسبة هناك، ما يعني أن الأرقام ربما تتضاعف حتى إن كانت الميزانيات تصدر لها عن المصرف المركزي، الذي لم يتركه التقرير وشأنه، بل وجه له ملاحظات صادمة، منها أنه لا يوجد مجلس لإدارة للبنك المركزي، وأن البنك يخفي وثائق عن لجان التحقيق، ويهمل متابعة المصارف التجارية في البلاد، لدرجة أن مصرف الجمهورية أحد أكبر المصارف العاملة، يواجه قضايا في المحاكم تتجاوز قيمة تعويضاتها 140 مليوناً (أكثر من 30 مليون دولار).

ولأن الحبل متروك على الغارب، فيبدو متوقعاً أن تقرير ديوان المحاسبة يتهم مصلحة أملاك الدولة بـالتقاعس، وعدم القيام بالحصر الشامل للعقارات العامة والتساهل في التصرف بها، إلى حد بيع بعضها بأسعار تجاوزها السوق منذ نصف قرن من الزمن (أسعار 1964 كما ذكر الديوان في تقريره). مبرزاً غياب التنسيق الواجب بين مصلحة أملاك الدولة، والإدارة المختصة بوزارة الخارجية فيما يخص عقارات الدولة بالخارج، كاشفاً عن عدم وجود حصر شامل أيضا للعقارات المملوكة للدولة بالخارج.

من يحاسب المحاسبة؟

حسنا ولكن من أصدر هذا التقرير الفاضح، هنا تبدأ قضية أخرى، فديوان المحاسبة الليبي في طرابلس، لا يعد جهة شرعية بالنسبة لمجلس النواب، إذا قال رئيس مجلس النواب العام الماضي أن رئيس الديوان السيد خالد شكشك، إضافة لمحافظ البنك ورئيس الرقابة الإدارية قد "فقدوا الصفة القانونية" بالنسبة له.

وبعد صدور التقرير قال رئيس الوزراء في طرابلس عبد الحميد دبيبة، أن رئيس الديوان منافس سياسي، فهو كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وهو محل تهمة كذلك كما قال دبيبة، الذي أضاف "أقولها بكل فخر إن حكومة الوحدة الوطنية (يقصد حكومته) حققت مستويات غير مسبوقة من الشفافية والإفصاح في البيانات والمعلومات". كما قال. مكلفاً كل الجهات والوزارات بالرد على أي اتهام في تقرير المحاسبة.

ويثير البعض أسئلة عن التوقيت، معتبرين أن ديوان المحاسبة يوظف تقاريره سياسياً، وأنه "يسهم في اهتزاز صورة الحكومات في لحظات فارقة"، فقد قال الناطق السابق باسم المجلس الأعلى للدولة، السنوسي إسماعيل الشريف "ديوان المحاسبة في العادة يعتمد على مهنية الأداء، وإن كانت السياسة حاضرة من حيث التوقيت"، مذكراً بتقرير الديوان لعام 2020: "ليحرج به حكومة فايز السراج، بعدما حاول الأخير الاستمرار في السلطة" مضيفاً: "والآن يعلن ديوان المحاسبة في توقيت متأخر نسبياً – شهر سبتمبر/ أيلول - لكنه وقت حرج جداً بالنسبة للسلطة التنفيذية الحالية وهي المجلس الرئاسي وحكومة دبيبة، وهذا هو مناط التسييس" حسب ما قال. ولهذا سربت الحكومة معلومات عن تأجيرها طائرات خاصة في رحلتين على الأقل قام بهما رئيس ديوان المحاسبة للخارج، وهذا ربما يدين الحكومة، لكنه يثير الشك في نزاهة رئيس الديوان، ويفتح السؤال عن نفقات الديوان حتى من خارج مخصصاته، أو هكذا أرادت الحكومة، فـ "كلنا فاسدون يابني".

رخصة القيادة مؤهل علمي!

وإذا كان التقرير أسهب في ذكر الميزانيات والأموال المهدورة، فقد احتوى أيضاً على معلومات غاية في الطرافة، خاصة من ناحية إدارية، فقد لاحظ الديوان أن تكليفات المناصب خاصة على المستوى المحلي، ينقصها اثباتات بالمؤهلات العلمية أو عدم كفايتها، فإدارة الضمان الاجتماعي بفرع النقارة (شرق طرابلس) كلفت رئيس لـ"وحدة المخاطر" لم يرد في مؤهلاته إلا أنه يحمل رخصة قيادة فقط لاغير!. فيما لم تتطابق كل التكليفات في هذا القطاع مع المهام المفترضة، حتى إن رئيس اللجنة الطبية يحمل شهادة إعدادية، أسوة برئيس قسم المراجعة الداخلية.

محاولات الحكومة والجهات المشمولة في التقرير نفي الفساد عن نفسها، بدت بنشاط محموم، إذ أطلقت حكومة دبيبة حملة "فتبينوا" لتوضيح المعطيات الواردة في التقرير، وخرج مسؤول هيئة الأوقاف في بث عبر فيسبوك ليرد على التقرير، نافياً أن هيئته دفعت أي مبلغ من أجل "البِدل"، لكنه لم ينف صحة المستندات المتعلقة بهذا الأمر، وإجراءات التعاقد، لكنه اكتفى بنفي الدفع فعلياً من حسابات الهيئة.

البراءة الصحافية أم القانونية؟

على كل، تقول الحكومة أنها سترد على ديوان المحاسبة خلال أسبوع، لكن البعض يرى ذلك لا معنى له، فالواجب – كما يقولون – هو عقد جلسة لمجلس النواب بالخصوص، وكذلك تحرك النائب العام للتحقيق في المخالفات الجسيمة الواردة، وتلك حكاية أخرى، فديوان المحاسبة لم يخاطب مكتب النائب العام بهذا التقرير – ولا تقرير العام الماضي أيضاً حد الساعة – واكتفى كما قال بتحويله للبرلمان، وإذ تنص المادة 27 من قانون ديوان المحاسبة بإحالة التقارير للجهات المختصة، فيبدو أن المختص في هذه البلاد، ليس معروفا على وجه الدقة، ولهذا كانت حملة "فتبينوا" مثار تهكم، فتقرير الديوان يعد قانونياً محضر استدلال قانوني، وهو يقتضي المثول أمام الجهات التشريعية والقضائية للتوضيح، وليس بعقد مؤتمرات صحفية، وتقديم معلومات مرسلة، لا يمكن التحقق منها، كما هو تقرير ديوان المحاسبة، الذي لم تغادره شبهة التسييس أيضاً، من ذلك غياب أي بيانات عن نفقة دار الإفتاء كما لاحظ مدونون، وبالتالي فردود الحكومة أكثر التباساً بهذه الطريقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image