طوال سنوات القرن الثامن عشر، كانت الشوكولاتة التجارية في العالم عبارة عن شراب سائل، يتم احتساؤها مع الحليب، ولا تؤكل أبداً. في سنة 1819، أسس رجل أعمال سويسري يُدعى فرانسوا كايلي مصنعاً لإنتاج الشوكولاتة الصلبة، فيما اعتُبر الحدثُ يومها مغامرةً تجارية كبرى. وبعدها بسبع سنوات، قام الصناعي فيليب سوشارد، وهو سويسري أيضاً، بابتكار آلة لخلط السكر مع الكاكاو، وصارت منتجاته تُباع بالقطعة في المتاجر والصيدليات.
حققت الشوكولاتة الصلبة نجاحاً كبيراً في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر، لدرجة أن أحد الصيدليين الفرنسيين صار يستخدمها لتغليف الحبوب والأدوية، لإضفاء نكهة مميزة عليها، وجعلها أكثر تقبلاً لدى الكبار والصغار.
ثم جاء الصناعي البريطاني جوزيف فراي سنة 1847 ليطرح أول قطعة شوكولاتة مغلفة في الأسواق، تلاه بعد سنتين جون كادبوري، مؤسس شوكولا كادبوري الشهيرة. وبعدها انطلقت عدة ماركات تجارية في العالم، لا تزال هي الأشهر في عالم الشوكولاته التجارية، مثل "هيرشي" الأمريكية سنة 1894 و"نسله" السويسرية عام 1905، وأخيراً شوكولا "مارس" الأمريكية سنة 1911.
أُطلق على لبنان الستينيات اسم "سويسرا الشرق" نظراً لجباله وأرزه وحياته المصرفية النشطة، ولكن مكوّناً آخر أهّل لبنان لنيل هذه التسمية، وهو ريادته في صناعة الشوكولا؛ فكان لبنان، مثل سويسرا، سبّاقاً في هذا المجال على مستوى العالم العربي
هذا التاريخ مدوّن ومعروف في عالم الشوكولاتة العالمي، ولكن متى دخلت هذه الصناعي إلى الوطن العربي؟
الشوكولا في لبنان: 1912
أُطلق على لبنان الستينيات اسم "سويسرا الشرق" نظراً لجباله وأرزه وحياته المصرفية النشطة، ولكن مكوّناً آخر أهّل لبنان لنيل هذه التسمية، وهو ريادته في صناعة الشوكولا؛ فكان لبنان، مثل سويسرا، سبّاقاً في هذا المجال على مستوى العالم العربي. تعود القصة إلى سنة 1895، حيث قام محمود غندور بفتح متجر للحلويات في بيروت، فكان أول من باع الشوكولا الصلبة المستوردة من أوروبا.
محمود غندور مؤسس شوكولا وبسكويت غندور في لبنان
نظراً لرواجها بين اللبنانيين والأجانب المقيمين على أراضيه، أسس غندور مصنعاً حديثاً للحلويات سنة 1912، وغزت منتجاتُه كلَّ بيت عربي، ومنها الشوكولا والبسكويت بالشوكولا والوافر. كبر مصنع غندور بسرعة، نظراً لانفتاح لبنان الاقتصادي في الخمسينيات والستينيات، وصار الأشهر والأضخم في الشرق الأوسط. وقد سُئل صاحب المصنع ومديره رفيق غندور عن أحبّ الموسيقى لديه، فكان جوابه: "صوت آلات المصنع وهي تعمل".
تعود قصة صناعة الشوكولا في لبنان إلى سنة 1895، حيث قام محمود غندور بفتح متجر للحلويات في بيروت، وكان أول من باع الشوكولا الصلبة المستوردة من أوروبا
نجا معمل غندور من حربين عالميتين، وحرب أهلية طاحنة، وظل يعمل على الرغم من كل التحديات الأمنية والاقتصادية، مروراً بالانهيار الكبير الذي حلّ بهذا البلد الصغير منذ سنة 2019. انتقلت الكثير من أعماله إلى العاصمة السعودية الرياض، مع الحفاظ على المصنع الأم في لبنان، وعلى الهوية اللبنانية لمنتجات غندور.
الشوكولا في مصر: 1919
مؤسس الشوكولا في مصر لم يكن مصرياً، بل يونانياً مقيماً في الإسكندرية يُدعى تومي كريستو. شاهد تومي تطور ونجاح صناعة هذه الحلويات في أوروبا، وقرر نقل تجربتها إلى مصر في زمن السلطان حسين كامل، فقام بتأسيس مصنع صغير للشوكولاتة التجارية الصلبة في مدينة الإسماعيلية، على الضفة الغربية لقناة السويس، سمّي "شوكولا رويال".
إعلانات شوكولا كورونا مصر
وفي سنة 1919 وهو في الثامن والعشرين من عمره، أنشأ تومي كريستو مصنعاً حديثاً في الإسكندرية وصار يُنتج شوكولا "كورونا" التي حققت رواجاً باهراً في مصر، واتخذ لها علامة تجارية عبارة عن رأس غزال.
تومي كريستو مؤسس معمل شوكولا كورونا في مصر
ولرأس الغزال هذا قصة، حيث كان إلى جانب مصنع تومي كريستو مرج أخضر ترعى فيه الغزلان البرية، ويقيم فيه الأطفالُ مباريات كرة القدم. وفي إحدى المباريات، اصطدمت الكرة بغزالة فماتت، فحزن كريستو كثيراً، وأمر بوضع رسمها على أغلفة منتجاته، لتصبح شعاراً لشوكولا كورونا.
معمل كورونا للشوكولا في مصر
ظلّت الشركة تحت إدارة مؤسسها اليوناني إلى أن صدر قرار بتأميمها سنة 1963، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. ضاع حلم كريستو وانهارت الإمبراطورية التي عمل لأجلها في مصر، فسافر واستقر في سويسرا حتى وفاته.
فريق عمل معمل كورونا في مصر وفوقهم علامة الشركة" الغزال"
أما الشركة المؤممة فقد بقيت في يد الحكومة المصرية إلى سنة 2000، عندما تم بيعها إلى شركة سونيد الخاصة، وهي لا تزال تنتج شوكولا كورونا حتى اليوم.
الشوكولا في سوريا: 1931
في دمشق، أسست عائلة غراوي المعروفة تجارةَ للمواد الغذائية سنة 1805، منها الشاي والبن والسكر. وتوارث أبناء غراوي ملكية العمل وإدارته، وصولاً للصناعي صادق غراوي، الذي لمع اسمه في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي كأحد مؤسسي معمل الكونسروة مع شكري القوتلي، قبل 12 سنة من وصول الأخير إلى سدة الحكم في سوريا.
معمل غراوي بدمشق في الخمسينيات
كان المصنع عبارة عن شركة مساهمة، خُصصت لتعليب وحفظ منتجات غوطة دمشق الزراعية من الخضار والفواكه، وبيعها في الأسواق العربية. وفي سنة 1931، زار صادق غرواي مصانع الشوكولاته في فرنسا، وقرر أن يدخل عالم صناعتها في سوريا. فأسس مصنعاً حديثاً بدمشق، وانفرد بصناعة الشوكولا مع الحليب، المحشية باللوز أو البندق.
بداية لم تُعجب الشوكولا أهالي دمشق، فصارت "شوكولا غراوي" تُباع في علب خشبية فاخرة، يتم استيرادها من النمسا
بداية لم تُعجب هذه الحلوى أهالي دمشق، المعتادين على الحلويات العربية بسمنها البلدي وقشطتها، فصارت "شوكولا غراوي" تُباع في علب خشبية فاخرة، يتم استيرادها من النمسا، وتوضع بداخلها أشياء مفيدة لسيّد المنزل وربته، لجعلها أكثر رواجاً، كمقص صغير من الفضّة مثلاً أو فتّاحة ظروف وأغلفة.
علب غراوي في ثلاثينيات القرن الماضي
كما تعاقد صادق غراوي مع خبير فرنسي يُدعى مسيو أوغيس، وجاء به إلى دمشق، فبقي فيها أوغيس طيلة اثنتي عشرة سنة، واضعاً خبرته تحت تصّرف معمل غرواي.
شاركت المنتجات السورية في عدة معارض عالمية في باريس ونيويورك، وصارت تُباع في كبرى متاجر لندن، مثل "سيلفريدجز" و"هارودز". ولكن مصيرها لم يختلف عن مصير شركة كورونا المصرية، حيث تم تأميمها في زمن الوحدة سنة 1961.
شوكولا غراوي في باريس، ثلاثينيات القرن الماضي
لم ييأس صادق غراوي، وفي مرحلة الانفصال بعد انقلاب 28 أيلول/سبتمبر 1961، بدأ في وضع أساسات مصنع حديث للبسكويت والشوكولا، تم تأميمه في عهد الرئيس أمين الحافظ سنة 1965.
توفي الرجل سنة 1969، وجاء ابنه بسّام غرواي سنة 1996، ليُعيد الروح في منتجات غراوي من جديد، عبر المحل الوحيد الذي بقى للأسرة ولم تطله القرارات الاشتراكية، فقام بفتح مصنع حديث للشوكولا، لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون